تقارير وملفات إضافية

كلاكيت ثاني مرة.. فشل اعتصام يطالب بحل البرلمان التونسي، وتساؤلات حول من يقف وراءه

رغم أن تونس تعتبر أنجح دولة عربية في مواجهة أزمة فيروس كورونا، إلا أنه من الملاحظ تعدد المحاولات لإثارة الاضطرابات في البلاد، وآخرها محاولة جرت يوم الأحد لتنظيم اعتصام للمطالبة بحل البرلمان التونسي وإجراء انتخابات مبكرة، الأمر الذي يعزز الشكوك بأن هذه المحاولات مدفوعة من الخارج.

فقد فشلت مجموعة تسمي نفسها “جبهة الإنقاذ الوطني” لحركة 14 يونيو (ائتلاف مدني)، اليوم الأحد 14 يونيو/حزيران 2020، في تنظيم اعتصام قبالة البرلمان التونسي، للمطالبة بحلّه وإجراء انتخابات مبكرة وتغيير الحكومة، إذ لم يتجاوز عدد المشاركين في هذا التحرّك بضع عشرات.

وجاء ذلك التحرك المحدود استجابة لدعوة توجّهت بها جبهة الإنقاذ، الخميس، إلى التونسيين لتنفيذ اعتصام سلمي مفتوح، بداية من الأحد، في ساحة باردو بالعاصمة، للمطالبة بحل البرلمان، وتكليف حكومة تصريف أعمال من الكفاءات غير المتحزبة، وإرساء حوار وطني، وتشغيل العاطلين عن العمل.

وأخفق المحتجون في الوصول إلى ساحة باردو، حيث كان مقرراً تنفيذ الاعتصام، إذ منعتهم قوات أمن طوّقت الساحة بأسلاك شائكة، ومنعت الوصول إليها، ثم تفرقوا من دون بدء اعتصام مفتوح، بعد أن أعلنت بلدية “باردو”، السبت، غلق “ساحة باردو” قبالة البرلمان ومحيطها أمام التجمعات والأنشطة بجميع أنواعها، إلى حين انتهاء الحجر الصحي، منتصف ليل الأحد- الإثنين، ضمن تدابير مكافحة فيروس كورونا.

ويترأس البرلمان التونسي راشد الغنوشي، رئيس حركة “النهضة” (إسلامية- 54 من أصل 217 نائباً)، وهي شريك في حكومة ائتلافية.

وقال الناطق باسم “النهضة”، عماد الخميري، للأناضول، إن “هذه التحركات لا تمثلها قوى سياسية واجتماعية وازنة في المجتمع التونسي، وإنما هي دعوات تتقاطع مع جوقة إعلامية خارجية تديرها أذرع إعلامية معروفة معادية لتونس ولتجربتها ولنظامها السياسي ولثورتنا وتجربتنا الديمقراطية”.

وأضاف أن “هذه الأذرع (لم يسمّها) تلتقي مع هذه الأصوات الداخلية، وهي أصوات معزولة بدليل أنها لم تكن لها القدرة على تحريك الشارع وجلب الأنصار، لأنها تدفع في قضية لا تمثل الآن أولوية من الأولويات الوطنية في البلاد”.

وتابع: “اليوم ليست (حركة) النهضة ولا البرلمان هما المستهدفان.. هذه دعوات يائسة، ودليل ذلك هو انفضاض جماهير شعبنا عنها، وتبقى متانة النظام الديمقراطي والثورة هو خيار شعبي أصيل لا يمكن أن يتداعى بمثل هذه الدعوات اليائسة”.

ودفعت تونس ثمناً اقتصادياً متوقعاً للحجر الصحي الصارم والناجح الذي حققته لمواجهة تفشي كورونا، ولكن هناك من يحاول استغلال هذا الوضع سواء من اليسار الراديكالي أو فلول نظام بن علي.

والشهر الماضي، ظهرت دعوات تروج على وسائل التواصل الاجتماعي لإشعال ما يسمى بـ”ثورة جياع في تونس“، واللافت فيها أنها تأتي من مصدرين شديدي التناقض.

فأحد مصادر هذه الدعوات هو فلول دولة بن علي العميقة، من جهة، والجهة الثانية اليسار الراديكالي الذي يؤيد بعضه الرئيس قيس سعيد من جهة أخرى.

وخلال الاحتجاج الأخير، رفع المتظاهرون بالقرب من محيط مقرّ البرلمان في جهة باردو، شعارات مناوئة لحركة النهضة وأخرى تدعو لتغيير النظام السياسي، فيما أغلقت قوات الأمن المنافذ المؤدية إلى مجلس نواب الشعب، كإجراء احترازي.

واتهم الناطق الرسمي باسم ما أطلق عليه “حراك 14 جون” (يونيو/حزيران) فتحي الورفلي، حركة النهضة ورئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، بعرقلة الاحتجاجات عبر الاستعانة بالأمن وإغلاق الطرق المؤدية لساحة باردو، حيث مقر البرلمان.

وحمّل جميع النخب السياسية التي تداولت على السلطة منذ 2011 مسؤولية الفشل السياسي في إدارة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، متوعداً رئيس الجمهورية قيس سعيّد ورئيس الحكومة، بالتصعيد من خلال الدعوة للعصيان المدني.

واتهمت شخصيات سياسية وإعلامية قوى أجنبية وخليجية معادية للثورة التونسية، باستهداف التجربة الديمقراطية في البلاد، عبر أذرعها الإعلامية المصرية والإماراتية خصوصاً.

وسبق أن نشر نشطاء مقربون من الحزب الدستوري الحر (محسوب على النظام السابق وله 16 نائباً من 217 بالبرلمان)، بقيادة عبير موسى، دعوات لحل البرلمان، والاعتصام في منطقة باردو، حيث مقر البرلمان، قبل أن تتبرأ رئيسة الحزب من تلك الدعوات.

واعتبر أمين عام الحزب الجمهوري عصام الشابي -في تدوينة له- أن دعوات الانقلاب على الشرعية في تونس فشلت للمرة الثانية على التوالي، متهماً الإمارات بدعم التحركات المشبوهة، ومحذراً السلطات من مخطط طويل الأمد.

وقال في تدوينة أخرى “لم يعد مقبولاً ولا مبرراً سكوت السلطات في تونس على التجاوزات الخطيرة التي يأتيها الإعلام المصري الموجه من قبل الطغمة العسكرية والممول إماراتياً في حق تونس وثورتها”.

وفجّرت دعوات للانقلاب على مؤسسات الدولة السيادية وعلى الشرعية في تونس أطلقها الإعلامي أحمد موسى الموالي للنظام في مصر عبر قناة “صدى البلد”، موجة غضب شعبية، وسط دعوات لرئيس الجمهورية للتدخل.

واتهم رئيس كتلة حركة النهضة بالبرلمان نور الدين البحيري من وصفهم بأعداء الثورة في الداخل والخارج باستهداف التجربة التونسية، واتخاذ حركة النهضة شماعة لتحقيق ذلك.

وندد البحيري بالتحريض المفضوح الذي تقوم به قنوات ممولة من النظام الإماراتي والمصري، مذكراً بأن أسس العلاقات الدبلوماسية بين الدول مبنية على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في السيادة الوطنية.

وحذر القيادي في النهضة من أن التدخل الإماراتي والمصري السافر في تونس له ما بعده، ومن شأنه أن يؤثر على العلاقات الأخوية مع هذه الدول.

وخلص إلى أن فشل ما بات يسمى بـ”حراك 14 يونيو”، ورفض التونسيين الاستجابة لدعوات التظاهر، “أكبر صفعة يتلقاها النظام الإماراتي والمصري وأذياله في تونس”، حسب تعبيره.

ورفض الناطق الرسمي باسم ما أطلق عليه “حراك 14 جون” الناشط في الحراك الاتهامات التي تطالهم بالسعي نحو بث الفوضى خدمة لأجندات خارجية وبتمويل من دول معادية للثورات العربية، مؤكداً أن حراكهم تلقائي ونابع من “غيرتهم على البلاد وحس وطني عال”، وفق تعبيره.

ويرى مراقبون أن الصراع والتجاذبات السياسية التي ارتفعت حدتها خلال الأيام القليلة الماضية، سواء بين أحزاب الحكم والمعارضة أو حتى ما بين الحلفاء في الحكومة الواحدة، شكل أرضية خصبة لتعميق الأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

وأطلقت بعض الشخصيات السياسية في البلاد دعوات للحوار الوطني بهدف إنقاذ البلاد التي باتت قاب قوسين أو أدنى من انفجار اجتماعي، بالتزامن مع تصاعد وتيرة الاحتجاجات والمطلبية الاجتماعية.

وتوجّه رئيس المجلس التأسيسي (البرلمان المؤقت بعد الثورة) سابقاً مصطفى بن جعفر، في فيديو نشره عبر صفحته على فيسبوك، بنداء لرئيس الجمهورية ولباقي القيادات السياسية، من أجل تنظيم حوار وطني يجمع الفرقاء ويهدف لمصالحة وطنية تنقذ البلاد.

وأكد بن جعفر أن دعوة الحوار التي أطلقها هي بمثابة “صرخة فزع” نابعة من خوفه على مستقبل البلاد، في ظل التناحر السياسي وارتفاع حدة الاستقطاب الأيديولوجي وبلوغه مستويات خطيرة تذكر بأجواء 2013.

وشدد على أن المسار الديمقراطي في تونس بات مهدداً أكثر من أي وقت مضى، داعياً جميع الفرقاء السياسيين لتغليب مصلحة الوطن وعدم ترك الفرصة لأعداء الداخل والخارج للاستثمار في أجواء الفوضى والتناحر السياسي.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى