كتاب وادباء

هل براءة مبارك بمثابة تصريح دفن لثورة يناير..!؟.

هل براءة مبارك بمثابة تصريح دفن لثورة يناير..!؟.

بقلم الأديب الكاتب

السعيد الخميسى

السعيد الخميسي

* وقف الخلق جميعا ينظرون بل وينتظرون على أحر من الجمر كيف يكون الحكم على طاغية حكم البلاد والعباد 30 سنة كاملة بالحديد والنار, عم فيها الفساد , وأذل فيها العباد , وانتشر فيها الظلم بكل واد . فكان الحكم صادما لكل حر شريف . حيث تم تبرئة مبارك ونجليه ونظام أمنه وحوارييه من تهمة قتل المتظاهرين . وهذه التبرئة هي فى حد ذاتها إدانة لثورة يناير واتهام لها بأنها هى التي قتلت أبناءها وثوارها . فهل هذا الحكم هو بمثابة تصريح دفن لجثة ثورة يناير إلى مثواها الأخير لكى تطوى صفحتها وينسى ذكراها . وعلى هذا فلا ثورة تمكنت ولا ثروة تحققت . ولاعيش ولا حرية ولا كرامة إنسانية ولا عدالة اجتماعية . هل يعنى هذا أن ثورة يناير قد ذهبت مع أدراج الرياح هباء منثورا فلا عير ولا نفير وعلى كل الذين قاموا بثورة يناير العظيمة أن يدفنوا رؤوسهم في أعمق بير ..!. فمن ذا الذي قتل الثوار وهرب المليارات وأفسد البر والبحر والجو..؟. هل انقلب ميزان العدالة فأصبح المجني عليه هو الجاني ..؟. هل صار السجين هو الجلاد..؟ هل صار المقتول قاتلا..؟ هل صار كل شئ مباح فى كل مساء وصباح..؟.

* ياقومنا .. إن الدولة العتيقة التي أرسي قواعدها نظام مبارك طيلة 30 سنة ليست دولة هشة ضعيفة طرية يمكن اقتلاع أوتادها من باطن الأرض بسهولة ويسر , بل هي دولة أوتاد فسادها ممتدة فى أعماق التربة المصرية لان الفرعونية الحاكمة لابد أن يكون لها أوتاد . لذا لاعجب أن ينعم مبارك ونجليه ورجال أمنه ووزير داخليته بالبراءة التامة مما نسب إليهم من جرائم ضد المتظاهرين , ولا عزاء لدم الشهداء فى القبور . سيعود مبارك وعشيرته إلى القصور رغم أن الحزن والكمد يغليان فى الصدور , وكما يقولون فى المثل المصري ” أعلى مافى خيلكم اركبوه..!”. إن كان مازال هناك خيول تركب أو أرجل تستطيع أن نقف عليها لنمتطى ظهر تلك الخيول.!. ولاحول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم .

* ياقومنا .. لقد حصل مبارك والذين معه على البراءة يوم أن نزل الثوار من على جبل ثورة يناير يبحثون عن المكاسب السياسية السريعة . تركوا النفير بحثا عن العير والمعركة مازالت حامية الوطيس فى الميدان فخسروا الاثنين معا . ونسوا أن نظام مبارك تلقى ضربة قوية فسقط الرأس ولكن الجسد لم يسقط والأطراف مازالت تعمل وتتآمر وتخطط وتنتظر الفرصة المناسبة للانقضاض . إن نظام مبارك لم يسقط على الأرض ولم يرفع راية الاستسلام ولكن النظام استجمع قواه مرة أخرى وملك زمام المبادرة وشتت الثورة وفرق الثوار وحرض بعض الفصائل على بعضها حتى كان لهم ما أرادوا من ضياع الثورة واعتقال الثوار . أين العقول والإفهام من قول الرسول صلى الله عليه وسلم للرماة يوم ” أحد ” : إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم , وإن رأيتمونا هزمنا القوم ووطأتاهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم ..؟ ” . لقد نسى الرماة النصيحة والأمر فنزلوا من على الجبل بحثا عن المكاسب فكانت الخسائر , بحثوا عن المغانم فكنت المغارم .

* ياقومنا.. لايلومن أحد إلا نفسه , ولايلومن أي فصيل أو جماعة أو حزب إلا نفسه أيضا بسبب سقوط ثورة يناير بين مخالب الدولة العتيقة وهروب المجرمين من العدالة ودم الشهداء مازال يغلى فى القبور . الكل بلا استثناء لم يكن على مستوى تلك اللحظة التاريخية التي أنعم الله بها على شعب مصر لكى تتحرر من الظلم والطغيان وسرقة الثروات ونهب المليارات وحكم الفرد والاستبداد السياسي . لم تكن النفوس خالصة خالية من الشوائب العالقة بها , بل أستطيع القول إن المطامع السياسية والمادية بلغت الحلقوم عند الكثير حتى أن كثيرا من الناس بدأوا يضربون ويطرحون ويقسمون ويجمعون الأرقام حتى يعلم كل واحد منهم نصيبه من التركة التي سيرثها من مليارات مبارك المنهوبة , وكان الأمر قد قضى والثورة قد آتت أكلها . وباليتهم علموا أن الليث العادي كان يعد العدة للانقضاض وقد كان له ما أراد .

* نعم .. وألف نعم.. بل ومليون نعم..! يجب ألا ندس رؤوسنا فى الرمال ونبحث عن الحجج الواهية والمبررات الهشة والحقائق واضحة وضوح الشمس فى كبد النهار. فقد ينكر الفم طعم الحلوى من سقم وقد تنكر العين ضوء الشمس من رمد , لكن تظل الحلوى حلوى لاينكر طعمها إلا الفم المريض السقيم وضوء الشمس جليا واضحا لاينكره إلا كل ضرير لايرى قدر قيد أنملة أمام أقدامه..! لقد نزلنا جميعا من على جبل الثورة والمعركة مازال وطيسها حام لم تضع أوزارها بعد وانشغلنا بجمع الغنائم المادية والمكاسب السياسية وتراشقنا بسهام الخيانة والعمالة والنذالة وخصمنا وعدونا مازال يلملم أوراقه ويجهز معداته ويوحد صفوفه لينقض على جسد الثورة فيضربها ضربة رجل واحد فيتفرق دمها بين القبائل ..! وقد كان لهم ما أرادوا , وسقطت الثورة فى بئر النزاعات والخلافات والانشقاقات وديست تحت أقدام المصالح ودفنت فى مقابر الذين ظلموا أنفسهم..! .

** نعم الحقيقة مرة علقم لايمكن تذوقها أو بلعها , لكنها ستظل هى الحقيقة المجردة شاء من شاء وأبى من أبى . لقد كان الرماة عددهم فى غزوة أحد 50 من الرماة المحترفين المدربين نزل منهم 40 وبقى 10 منهم ثابتون صامدون . كانت الأغلبية مع المكاسب والمغانم وكانت الأقلية مع المبدأ وإطاعة أوامر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فكانت الهزيمة بعد النصر والانكسار بعد الانتصار والانهيار بعد الانبهار , وسالت الدماء وظن الرماة أنه ليس للمشركين رجعة فذهبوا فى طلب الغنيمة وتركوا الثغور عارية مكشوفة ووقع الهرج والمرج فى الصف الاسلامى . وكان الذعر والخوف والاضطراب هو سيد الموقف حتى رمى المشركون الرسول بالحجارة وانكسرت رباعيته وسقط فى حفرة من الحفر التى كان أبو عامر الفاسق قد حفرها وغطاها . ونحن جميعا وقعنا فى حفرة الدولة العميقة وانكسرت رباعيتنا وسالت دماؤنا وطهيت لحومنا وتهشمت جماجمنا تحت عجلات القسوة والغلظة وشهوة الانتقام . دفعنا جميعا الضريبة أضعافا مضاعفة .

* نعم .. لقد أطلقت الدولة العتيقة رصاصة الرحمة على جسد الثورة ببراءة مبارك ونجليه ومعاونيه . كل ذلك مرجعه إلى الاختلافات والنزاعات والانشقاقات وتباين المصالح الحزبية والإصرار على المكاسب المادية وتنافر الأيدلوجيات وتباين النظريات والتخوين والتشويش والتحرش السياسي وعدم التجرد لوجه الله ثم لمصلحة الوطن العليا . كلها قنابل موقوته انفجرت فى وجه الثورة والثوار عندما تنازعوا ففشلوا وذهبت ريحهم وجلسوا يلطمون الخدود ويشقون الجيوب كالتى نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ولا حل ولا عودة إلا بتوحيد الصفوف والوقوف صفا واحدا لاترى فيه عوجا ولاأمتا ضد الثورة المضادة حتى نسترد كرامتنا وحريتنا بل إن شئت فقل آدميتنا التي افتقدناها وإنسانيتنا التي حرمنا منها . * نحن اليوم نقف على مفترق الطرق نكون أو لانكون . يجب بذل كل غال ورخيص لإحياء ثورة يناير وبث الروح فى جسدها الهامد الخامل من جديد . نعم .. إن ثوب الثورة مهلهل وممزق ومرقع وصفها متفرق ومتناحر ومتشاحن ,لكن فى الإمكان أحسن مما كان لإعادة الوحدة واللحمة إليها وذلك أولى الأولويات وأوجب الواجبات . إن الوطن لن يتقدم بالديكتاتورية , ولن يحقق الرخاء بمصادرة الحرية , ولن يكون له ذكر بين الأمم بالسياسة المتسلطة الاستبدادية . لابد من توحيد الجهود واصطفاف الحشود وهدم كل السدود التي فرقت بين أبناء الثورة حتى نعود من جديد صفا واحدا فى وجه الثورة المضادة . لابد أن نكون جميعا صفا واحدا , وكلمة واحدة , ومطلبا واحدا , وشعارا واحدا : عيش , حرية , عدالة اجتماعية , كرامة إنسانية . فإذا تحقق ذلك يمكن للثورة أن تقتص لشهدائها ومصابيها وتسترد عافيتها لمحاسبة كل من ارتكب فى حق الوطن جريمة , والقصاص من كل من تلوثت يداه بدماء المصريين . فهل إلى كلمة سواء من سبيل…؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى