الأرشيفتقارير وملفات

واحة زاهرة إسمها سيوة فى قلب صحراء جرداء

بقلم الأستاذة 
منى صلاح
كان سرورى كبيرا عندما  إبتعدت عن القاهرة المزدحمة والتى لا تكف عنها الحركة والضوضاء  ليلا أو نهارا ولا تستطيع ان تهرب منه بل تنغمس فيه ولا تجد الهدوء إلا فى صحرائنا الواسعة التى تكاد تخلوا من الإتسان فلم أجد إلا واحة سيوة.
وسيوة جنة الله في صحراء مصر أقولها بلا مبالغة عندما تقطع بك السيارة مئات الكيلومترات في صحراء جرداء لاترى فيها غير التحام اللونين الاصفر والأزرق في رتابة متناهية ثم بعد طول صبر ينبثق من بينهم السعف الأخضر مؤذنا ببداية الحياة وما أجملها من حياة وما أروع سحر طبيعتها الخلابة فكل مافيها يشير إلى الله وبديع خلقة وكرم عطائة بها ونستطيع أن نتبين هذا الكرم الربانى فى وجود حوالي 200 عين طبيعية بين باردة وساخنة وعذبة ومالحة لم يتوقف عطاؤها منذ آلاف السنين لتروي ظمأ الصحراء القاحلة وتروى نخيل البلح الرائع المذاق والمتميز بجودته لإحتوائه على نسبة عالية من البروتين وارتفاع درجة حلاوته لريه من ينابيع المياه المعدنية وتتسابق الشركات فى الحصول عليه لتغليبه أو تصنيعه أو إضافته إلى المخبوزات وفى بصرة العراق يصنعون منه العسل  وكذلك يوجد فى هذه الواحة  أشجار الزيتون البذى يعد من الأنواع فائقة الجودة وبهذه الينابيع ونخيل البلح وأشجار الزيتون عاش أهلها في موفور الصحة والعافية وفى رخاء منذ آلاف السنين فماذا فعلتم ياأهل سيوة القديمة لينعم عليكم الله بكل هذا الخير الوفير بل ويحفظه لكم لآلاف السنين فتتوارثة عائلاتكم جيل بعد جيل.
ويسكن واحة سيوة قبائل أمازيغية الأصل وليس من البدو الرحل ويتكلمون اللغة الامازيغية وهي لغة قديمة قدم اللغة الفرعونية وهى من أصول اللغات العربية القديمة ولوجودهم فى قلب الصحراء وقلة الإختلاط بالهجرات وعدم إحتكاكهم بالحضارات حفظوا لغتهم من الضياع ويقول علماء الأجناس انهم من أصل يمنى لربما يكونوا من نسل الجيش الذى قاده نسر اليمنى إلى المغرب   ويصل تعدادهم حوالي 35 الف نسمة كلهم ينحدرون من 11 قبيلة فقط معروفه وكل فرد يسمى باسمه ثم اسم قبيلته.فتحتفظ القبائل بأنسابها ولا تذوب فى بعصها البعض  .وقد تعرض أهل سيوة القدامى الى كثيرا من الغارات من القبائل الصجراوية التى تجوب فى الصحراء والتى تعانى شظف العيش وخاصة عند إنعدام المطر وإنتشار الجفاف طمعا فى الماء واالثمار وللاستيلاء على ثرواتهم ورغم بسالتهم المتناهية الا ان أعدادهم تناقصت بشكل مخيف حتى وصل عدد رجالها الى 40 رجلا فقط
وتكملة لنضالهم واستماتتهم في الحفاظ على أرضهم التي حباهم الله وخصهم بها تعاون هؤلاء الرجال الأشداء في بناء قلعة شالي للاحتماء بها من غارات الأعداء الذين يكيلون لهم الضربات وهم متحصنين بها ومحميين بتراب أرضهم المباركة فقد بنوها بحجر يسمى الكرشيف وهو خليط من طمي العيون والملح المستخرج من الملاحات الذي إشتهرت أرضهم بإنتاج أجود وانقى أنواعه .وظلوا طوال العصور القديمة والوسطى يتاجرون فيه مع وادى النيل ودلتاه بواسطة القوافل التى تقطع الصحراء الشاسعة عبر دروبها فيبادلونه بالأقمشة والملابس ذات الجودة العالية التى كانت تصنعها مدينة الإسكندرية ومدن الدلتا ولم ينسى العسكر ان يتركوا بصمتهم على أرض سيناء لا بالقوة العسكرية وحماية الواحة من العصابات وكهربى السلاح بل أثبتوا وجودهم بالتجارة فى بضائع سيبوة من سجاد ومصنوعات مشغولة يدويا وبلح وزيت زيتون ومن صفاء الجو وعذوبة ماء العيون وحلاوة التمور ونقاوة الأملاح إكتمل سحرهذه الواحة وظهر للناس اعجاز صنعتها .ونجح رجال سيوة الأشداء في تعلية القلعة حتى وصلت الى ثلاثة أدوار مصممة بدقة وحرفية هائلة مابين دهاليز وسراديب وفتحات صغيرة لتصويب سهامهم وهى تبدوا على نفس طريقة بناء قلاع اليمن التى بناها اليمنيون على سواحل بلادهم لصد غارات القراصنة أو التى بنوها على طرق التجارة لحمايتها من العصابات التى تلوذ بالصحراء وتقوم بالهجوم على القوافل لنهب يضائعها وبعد أن أحكمت سيطرتها على أرضها وتخلصت من أعدائها الى الأبد. بدأ عصر الرخاء.
ويوجد في واحة سيوة معبدا للإله آمون تقدم له النذور من الأهالى وعابرى السبيل والتجار ليحفظ لهم واحتهم الجميلة من أعدائهم سكان الصحراء الذين يهاجمون الواحات التى ترقد فى وسط الصحراء أو مدن وادى النيل ودلتاه التى على حافة الصحراء إستجلابا لنصر اللإله آمون ويقول علماء الآثار أن الإله آمون وجد فى هذه الواحة قبل أن تتخذه مدينة طيبة إلها لها فلما جاء الإسكندر الأكبر اليونانى الأصل غازيا لمصر ذهب بعد إنتصاره ليقدم الولاء والطاعة للإله آمون ويقدم له النذور من غنائم الحرب التى غنمها خلال حروبه فانعم عليه كهنة آمون بلقب ابن الإله وهذا يدل على عبقرية الإسكندر لأنه حاز على ولاء ومباركة الشعب المصرى بإنعام كهنة آمون بلقب ابن الإله مما يعنى إضفاء القداسة على شخصه وهؤلاء الكهنة تفرغوا لأداء الطقوس لهذا الإله الذى إتخذه قدماء المصريين كرب لأربابهم الكثيرة  وعمل الإسكندر وخلفاؤه البطالمة على تجديد المعبد بإضافة مقصورات على الطرز المعمارية اليونانية واشتهر الكاهن الأكبر لمعبد آمون بتنبؤاته التي ثبت صحتها وذاع صيته حتى ان الاسكندر الأكبر إستشاره أثناء تتويجه كإبن للإله آمون فأخبره الكاهن أنه سيحكم العالم كله ولكن ليس لفترة طويلة ويعود تاريخ هذا المعبد الى الأسرة الثلاثين الفرعونية التى دب الضعف فى اوصالها نتيجة للنزاع الذى نشب بين المصريين وضعف حكامهم .وقد ذاع صيت واحة سيوة بمعبدها الشهير وكهنتها وبينابيع مياهها الساحرة فزارتها ملكة مصر كليوباترا سليلة أسرة البطالمة التى لم تكن بارعة الجمال فهى لم تكن تضارع جمال الملكة نفرتيتى ـ الجميلة مقبلة ـ زوجة إخناتون ـ والتى تعد أجمل ملكات مصر على الإطلاق ولكن كليوبترا تمتعت بشخصية أسطورية قوية وفى زيارتها   لواحة سيوة سبحت في أحد أكبر عيونها المعروفة بمياهها التي لاينضب تدفقها    ذات الفوائد الصحية والجمالية الكثيرة فهى تعيد للبشرة نضارتها وتخلصها من آفاتها المزمنة .
ولا يكتمل سحر المكان إلا بزيارة جزيرة فطناس وهي تبعد مسافة حوالي 6 كم عن سيوة على بحيرة فطناس المالحة التي يصفها النخيل من جميع الجوانب وليس عندي تفسير حتى الآن كيف لها ان تكون بحيرة مالحة بهذة المساحة الكبيرة ولكن التربة التي تحتضنها تطرح نخيلها أحلى التمور واجودها..لكن من المعروف أن جذور النخيل تتعمق فى باطن الأرض بحثا عن الماء العذب بعكس الشجر اللذى يمد جذوره قريبا من السطح .وبعيدا عن ثمارها وخضارها وزرقة مياهها نبتعد قليلا في صحرائها التي تتبرأ مما يشوب باقي صحاري العالم وتتميز برمالها الناعمة نعومة الحرير ومنها الباردة وأيضا الساخنة!!!!!!!
وكثبانها الهائلة تهذبها الرياح فتعمل باستمرار على تجديدها وتسويتها وتتركها منسقة متناغمة وبديعة الشكل وتستخدم كمشافي طبيعية لمرضى الروماتيزم وآلام المفاصل وتجديد الشباب وظل الشعب محافظا على تقاليده منذ آلاف السنين فاختاروا جبلا عاليا يطل على كل مفاتن أرضهم ليحفروا فيه بيوتهم الأبدية في تناسق منقطع النظير وكأن شعبها الأبي يأبى أن يدفن دفنا عاديا كأي من أبناء البشرية المتكاسلة وكأن كل سرداب في جبل الموتي يروي قصة صاحبة وقبيلته وأرضه الأصيلة الخيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى