الأرشيفتقارير وملفات

وطنٌ قومىٌّ للأرثوزوكس بسيناء

بقلم الخبير السياسى والقانونى

عماد أبوهاشم k

المستشار عماد ابو هاشم

Suryan-Monastery كاتدرائية-الأنبا-بيشوي

كان الهدفُ الرئيسىُّ لمخطط تدريب الفرقة التى ألحِقتُ ـ كضابط احتياطٍ ـ بكتيبة الاستطلاع التابعة لها يتناول نطاق منطقة شمال و وسط سيناء ، الأمر الذى استدعى سيرى ـ أثناء أعمال التدريب ـ على كلِّ الدروب و الطرق فى ذلك النظاق بدءًا من مدينة القنطرة غرب و حتى حدودنا مع الكيان الصهيونىِّ التى وقفتُ عليها مراتٍ و مرات .

و رغم علمى المسبق بأن كافة أعمال التدريب على القتال لا تعدو أن تكون مجرد مخططٍ لإشغال القوات المسلحة المصرية عن التفكير فى أىِّ شئٍ سوى عدِّ الأيام الباقية على الانتهاء من التدريب التماسًا للخلاصِ من قيظ الصحراء وبردها القارس والعودة إلى الوادى إلا أننى كنتُ آخذ الأمور على محمل الجد عَلِّى أحتاج يومًا ما أتعلمه من العلوم العسكرية فى حياتى العمليةِ ، فأخذتُ أحفر بذاكرتى كلَّ جديدٍ أراه أو أتعلمه ، بل أسأل عن دقائق الأمور و تفصيلاتها وعن أصلِّ كلِّ شئٍ و فصله .

ومن الكثير الذى رأيته وعلمته ـ خلال تلك الفترة ـ حقيقة بناء عددٍ من الأديرة و الكنائس فى مدينة القنطرة غرب ، الأمر الذى جعلنى أتساءل : ما إذا كان عدد الأقباط بتلك المدينة على وجه الخصوص أو فى سيناء على وجه العموم من الممكن أن يحمل الكنيسة الأرثوزوكسية فى مصر على تكبد كل تلك الأموال الطائلة فى سبيل بناء الأديرة و الكنائس فيها ؟ وقتها عرفتُ أنه ـ بالفعل ـ بدأ عددٌ كبيرٌ من مسيحىِّ مصر فى النزوح إلى سيناء و الإقامة بمدينة القنطرة غرب .

لقد ساق لى من سألتهم عن ذلك الأمر تبريراتِهم برغبة الكنيسة فى أن يكون للمسيحيين بمصر مدنٌ كاملةٌ لا يشاركهم العيش فيها غيرهم من المسلمين ، و أنه لا أنسب من سيناء التى حرص العسكر على إخلائها من السكان اللهم إلا سكانها المحليين لتحقيق مبتغاهم هذا ؛ ليصل يومًا ما ـ قرب أو بعد ـ تعداد السكان النصارى فيها إلى نسبةٍ تفوق نسبة سكانها المحليين من المسلمين ، فتكون سيناء أرضًا أرثوزوكسيةً بأعلبية سكانها ، و يتسنى للكنيسة ـ عندئذٍ ـ أن تُملىَ على الدولةِ باسم أقليةٍ متمايزةٍ مطالبًا تحرريةٍ تتسم بالانفصاليةِ و العداء ، و بعد أن كان المسلمون والمسيحيون يشكلون نسيجًا واحدًا غير متمايزٍ يسكنون معًا فى بيتٍ واحدٍ و فى شارعٍ واحدٍ سيصبحون ـ بعد أن يُنقَض ذلك الغزل ـ خيوطًا متفرقة و شعبًا متناحرةً متصارعةً .

و لعل زيارة البابا تاوضروس الأخيرة إلى الكيان الصهيونىِّ فى صحبة السفير الإسرائيلىِّ على متن طائرةٍ إسرائيليةٍ بتأشيرة سفرٍ إسرائيلية قد أعادت إلى مخيلتى ما سبق أن عرفته من حقائق منذ أعوامٍ ، و لاسيما أن بابا الكنيسة قد خالف قرارها حظر السفر إلى إسرائيل الذى ألزمت نفسها به منذ احتلال الكيان الصهيونىِّ الأراضى العربية فى عام 1967 بما يجعله ـ وفقًا للقانون الكنسىِّ ـ محلًا للمؤاخذة والعقاب الكنسىِّ جراء ذلك .

و رغم المبررات التى ساقها بعض رجال الكنيسة لتبرير زيارة البابا إلى الكيان الصهيونىِّ إلا أن هذه المبررات لم تجد من يصدقها حتى من بين الأقباط فى مصر نظرًا للظروف و الملابسات التى اكتنفت الزيارة و الكيفية التى تمت بها و التوقيت الذى اختير للقيام بها ، الأمر الذى يطرح ظلالًا كثيفةً من الشكِّ و الريبة على الغاية منها ، أيكون الغرض منها هو إقامةُ دولةٍ أرثوزوكسيةٍ فى سيناء تكون عمقًا استراتيجيًّا لأمن الكيان الصهيونىِّ ؟ هل تستغل الكنيسة الظروف التى تمر بها مصر لاقتطاع جزءٍ من أرضها بمعاونة قوات حفظ السلام الموجودة بسيناء و تواطؤِ السيسى وقادة الانقلاب لتبرر الوجود العسكرىَّ الغربىَّ فى سيناء ومنطقة قناة السويس بدعوى حماية الدولة الأرثوزوكسية الوليدة أم أن للأمر جوانب أخرى لم نعرفها بعد ؟ و إن كان هناك ما لم نعرفه فعلى الكنيسة أن تسوق كلامًا مقنعًا للمصريين مسلميهم ومسيحييهم يفسر ويشرح لنا الأمر برمته ، وعليها أن تتعهد أمام المصريين أنها لم و لن تسعى للمساس بالوحدة الوطنية للشعب المصرىِّ وسلامة أراضيه .
‫#‏المستشارعمادأبوهاشم‬

رئيس محكمة المنصورة الابتدائية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى