ثقافة وادب

من حدود 48 حتى «صفقة القرن».. كيف تغيَّرت خارطة فلسطين خلال 72 عاماً؟

خلال 72 عاماً من الاحتلال تقلصت الخارطة الفلسطينية تدريجياً لتشمل في 2020 حدوداً متناثرة تربط بينها الجسور والأنفاق، وفقاً لصفقة القرن التي اقترحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

فقد بدأ الإسرائيليون بالهجرة إلى فلسطين منذ أن كانت واقعة تحت الحكم العثماني (1516 – 1917)، وأثناء الانتداب البريطاني (1920 – 1948) توسع الوجود الإسرائيلي ليشمل كذلك قوات عسكرية مسلحة عُرفت بالـ «هاغانا»، وتم الإعلان عن خطة تقسيم فلسطين إلى دولتين (فلسطينية وصهيونية) قبل عام واحد من انسحاب القوات البريطانية من المنطقة، حيث رُسمت لفلسطين حدود آنذاك راحت تتقلص شيئاً فشيئاً إلى أن وصلت إلى ما هي عليه اليوم.

تعالوا نتعرف على التغيّرات التي طرأت على الخارطة الفلسطينية منذ بداية الاحتلال حتى الآن:

منذ عام 1799 وجَّه نابليون نداءً ليهود العالم لإقامة وطن لهم في فلسطين، بينما تم تأسيس أول مستوطنة إسرائيلية على الأراضي الفلسطينية في عام 1882 وهي مستوطنة ريشون ليتسيون التي أُسست بواسطة مجموعة يطلقون على أنفسهم اسم «أحباء صهيون»، وبعد عام واحد فقط من إنشاء هذه المستوطنة ظهر مصطلح «الصهيونية» في العالم.

في عام 1901 قام الصهاينة بالخطوة الأولى لاحتلال الأراضي الفلسطينية، إذ عقد المؤتمر الصهيوني الخامس في بازل السويسرية، وعلى إثره تم تأسيس الصندوق القومي اليهودي الذي يهدف لشراء الأراضي في فلسطين لتصبح وقفاً لكل «الشعب اليهودي».

بدأت موجات هجرة الصهاينة بعد ذلك إلى فلسطين على دفعات، وبلغ تعداد اليهود المهاجرين في الدفعة الثانية ما يقارب 40 ألف، لتصل بذلك نسبة الإسرائيليين في فلسطين إلى 6% آنذاك. 

وفي عام 1909 تم إنشاء مدينة تل أبيب شمالي يافا التي كانت مخصصة فقط لسكن الإسرائيليين.

وإبان انتهاء الحرب العالمية الأولى التي منّي فيها العثمانيون بالهزيمة، عقدت اتفاقية «سايكس – بيكو» سراً بين بريطانيا وفرنسا لتقسيم الأراضي العربية التي تخضع للحكم العثماني فيما بينها.

وفي عام 1917، أصدر وزير الخارجية البريطاني وعد بلفور الشهير الذي يتعهد بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.

في ظل الانتداب البريطاني على الأراضي الفلسطينية تضاعفت هجرة اليهود إلى فلسطين، وبدأت أعدادهم بالتزايد ومع حلول عام 1923 أصبحت 3% من مساحة فلسطين ملكاً للإسرائيليين الممولين من الصندوق القومي اليهودي، وباتوا يشكلون نسبة 12% من السكان.

كما بدأت الحركات الصهيونية العسكرية بالظهور، ففي عام 1921 تأسست الـ «هاغانا» وهي منظمة عسكرية مسلحة نشأت خلال الانتداب البريطاني الذي حظر على الفلسطينيين حيازة الأسلحة (حتى البيضاء منها) تماماً.

ومع حلول عام 1939 زادت نسبة السكان اليهود في فلسطين إلى 30%، وباتوا يسيطرون على 5.7% من مساحة البلاد.

كان عام 1947 عاماً حاسماً في تاريخ القضية الفلسطينية، فقد مضت سنتان على نهاية الحرب العالمية الثانية، وبات خروج القوات البريطانية من فلسطين مسألة وقت لا أكثر.

وقد أدركت القوات العسكرية الإسرائيلية أنها يجب أن تكون بكامل جاهزيتها قبل انسحاب القوات البريطانية، فقامت قوات الـ «هاغانا» بإعلان التعبئة العامة وطلبت من الشبّان الذين تتراوح أعمارهم ما بين 17 و25 سنة التسجيل في الخدمة العسكرية.

في ذاك العام، أوصت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتقسيم فلسطين؛ بحيث تخصص فيها 56.5% من الأراضي لدولة إسرائيل، و43% للدولة العربية والقدس الشريف تحت إشراف دولي استعداداً للانسحاب البريطاني.

ووفقاً للخطة التي وضعتها الأمم المتحدة، كان من المفترض أن تعطى الضفة الغربية كاملةً للفلسطينيين، فتتضمن مدنهم كلاً من جنين ونابلس وأريحا ورام الله وبيت لحم والخليل وبئر السبع وغزة وخان يونس، مع تواجد إسرائيلي في القدس وبيت لحم.

أما القوات الإسرائيلية، فتسيطر وفقاً للخطة على الجزء الجنوبي من صحراء النقب وأجزاء من الشمال الشرقي وخط الساحل الغربي بما فيه حيفا وتل أبيب كما هو موضح في الصورة أدناه.

لكن، ما إن أعلنت بريطانيا أنها تنوي إنهاء الانتداب على فلسطين في 15 مايو/أيار 1948 لتكوين دولتين مستقلتين (يهودية وفلسطينية)، حتى بدأت قوات الـ «هاغانا» بأولى عمليات التطهير العرقي.

إذ هاجمت القرى والتجمعات البدوية الموجودة في السهل الساحلي شمال تل أبيب، وارتكبت مذبحة في قرية بلد الشيخ (بالقرب من حيفا).

ومن طرفها قامت الجامعة العربية بتنظيم جيش الإنقاذ (المكون من متطوعين عرب غير نظاميين تحت قيادة فوزي القاوقجي) لمساعدة الفلسطينيين في مقاومة قرار التقسيم.

قبيل الإعلان الرسمي عن قيام دولة إسرائيل، وقعت الـ «هاغانا» على صفقة أسلحة كبيرة مع تشيكوسلوفاكيا بقيمة تتجاوز 12 مليون دولار، وبدأت بالغزو العسكري للمناطق التي خصصتها الأمم المتحدة للدولة اليهودية، كما عملت على غزو جزء كبير من الأراضي المخصصة للدولة الفلسطينية.

تسارعت الأحداث في فلسطين بعد ذلك، ليقوم الإسرائيليون بالسيطرة على حيفا مجبرين الفلسطينيين على الخروج من المدينة، بالتزامن مع انهيار المقاومة الفلسطينية المحلية هناك.

وشنت الـ «هاغانا» هجوماً على الضواحي الشرقية ليافا والقرى المجاورة لقطع المدينة من الجهة الشرقية، كما احتلت كافة الأحياء الفلسطينية في القدس الغربية (القطمون، البقعة، الطالبية وماميلا والمصرارة).

كما هاجمت القوات الإسرائيلية مدينة صفد واحتلت القرى المحيطة بطريق الرملة – اللطرون، ومدينة بيسان والقرى المجاورة لها جنوب بحيرة طبرية، بالإضافة إلى عكا والمنطقة الساحلية شمال المدينة في عملية تهجير أطلق عليها العرب اسم «النكبة».

وقبل يوم واحد من إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، نفذت الـ «هاغانا» عملية كيلشون التي استهدفت المناطق الاستراتيجية في القدس بعد خروج القوات البريطانية منها، وسيطرت على الأحياء العربية الموجودة خارج المدينة القديمة والتي كانت تابعةً للفلسطينيين.

وفي 15 مايو/أيار 1948 تم الإعلان رسمياً عن انتهاء الانتداب البريطاني وقيام دولة إسرائيل باعتراف من الرئيس الأمريكي آنذاك هاري ترومان.

بعد حرب عام 1948 التي نشبت في فلسطين بين كل من المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المصرية ومملكة العراق وسوريا ولبنان والمملكة العربية السعودية من جهة، والميليشيات الإسرائيلية في فلسطين، استطاع اليهود استعادة المناطق التي كانت قد سيطرت عليها القوات العربية في بداية المعركة.

وإلى جانب استحواذ إسرائيل على الأراضي التي رسمت لها وفقاً لتوصيات الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1947، قامت كذلك بالاستيلاء على أراضٍ يفترض أنها تابعة للدولة الفلسطينية بحلول عام 1949 مثل الناصرة وعكا وبئر السبع والعوجة، كما هو موضح في الصورة السابقة.

وتبقى للفلسطينيين آنذاك جنين ونابلس ورام الله وبيت لحم والخليل وجزء من القدس وغزة وخان يونس وبعض القرى المحيطة بها.

خسرت فلسطين المزيد من الأراضي بعد الحرب التي شنتها كل من مصر وسوريا والأردن على القوات الإسرائيلية في عام 1967، إذ أسفرت «حرب الستة أيام» أو «نكسة حزيران» عن خسارة القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، إلى جانب احتلال إسرائيل لهضبة الجولان السورية وشبه جزيرة سيناء المصرية.

فاتسعت رقعة الدولة الإسرائيلية بعد هذه الحرب وبدأ الإسرائيليون على الفور ببناء المستوطنات في الأراضي المحتلة.

وبلغ التوسع الإسرائيلي أوج نشاطه عندما حقق حزب الليكود اليميني فوزاً مفاجئاً بالانتخابات العامة في عام 1977، وبدأ بتشجيع النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية وقطاع غزة.

اجتمع ممثلون فلسطينيون وإسرائيليون لأول مرة منذ إعلان دولة إسرائيل في عام 1991 في مدريد برعاية أمريكية – سوفييتية، وأعقب ذلك تعهُّد من حكومة أسحق رابين بوقف النشاط الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والشروع في مفاوضات سرية مع منظمة التحرير الفلسطينية.

وفي عام 1993 التقى الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات برئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك إسحق رابين لعقد اتفاقية أوسلو بحضور الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، والتي تنص على تأسيس حكم ذاتي فلسطيني وإنهاء الانتفاضة الفلسطينية الأولى.

وقد نجم عن ذلك انسحاب إسرائيل «المؤقت» من معظم قطاع غزة ومن مدينة أريحا في الضفة الغربية المحتلة، وعودة ياسر عرفات ومسؤولي منظمة التحرير الفلسطينية من تونس إلى أرض فلسطين لتأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية.

توضح الصورة على اليمين حدود الأراضي الفلسطينية المعترف بها وفقاً لاتفاقية أوسلو مقابل حدود صفقة القرن 2020 على شمال الصورة.

انهارت المفاوضات بين رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود باراك ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ياسر عرفات في بداية عام 2000، والتي كان من المفترض أن تكون نتيجتها الانسحاب الإسرائيلي من الضفة الغربية .

وكانت زيارة وزير الدفاع الاسرائيلي آنذاك أرييل شارون إلى باحة المسجد الأقصى الشرارة التي فجّرت الانتفاضة الفلسطينية الثانية في عام 2000.

ومع استمرار المقاومة الفلسطينية قام الجيش الإسرائيلي بشن عملية عسكرية – أطلق عليها اسم «الدرع الواقي» – في الضفة الغربية المحتلة، وشرع في تشييد حاجز لمنع المسلحين الفلسطينيين من دخول إسرائيل إذ أطلق عليه تسمية «جدار الفصل».

لم يلتزم جدار الفصل بحدود خط وقف إطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه في عام 1967، بل عمل على ضم أراضٍ فلسطينية جديدة موسعاً بذلك رقعة الاحتلال ومقلصاً خارطة الأراضي الفلسطينية.

في عام 2003 اعترفت جامعة الدول العربية قبولها بـ «خارطة الطريق» التي طرحتها الأمم المتحدة وروسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وقبلتها السلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل، والتي تدعو إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة وإلى تجميد الاستيطان في الضفة الغربية.

وبحلول 2005 سحبت إسرائيل قواتها ومستوطنيها من قطاع غزة بالكامل محتفظة بالسيطرة على مجال القطاع الجوي وموانئه ومعابره الحدودية، وذلك بعد وفاة الرئيس السابق ياسر عرفات وتسلم محمود عباس للسلطة الفلسطينية.

تميزت الفترة التي تلي ذلك بخلافات ونزاعات مسلحة ما بين حركتي «فتح» و»حماس»، انتهت بطرد «فتح» من قطاع غزة وإحكام «حماس» السيطرة على القطاع، وبعد تصاعد وتيرة إطلاق الصواريخ من القطاع على أهداف إسرائيلية اشتد الحصار الإسرائيلي على غزة.

وبقيت الخارطة الفلسطينية الإسرائيلية تتآكل ببطئ منذ ذلك الحين، لا سيما بعد وصول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى السلطة في 2009، إذ تم إنشاء 7 مستوطنات إسرائيلية جديدة في عهده واحدة في محيط القدس الشرقية وست في الضفة الغربية.

هذا ما قد تبدو عليه دولة فلسطين المستقبلية بعاصمة في أجزاء من القدس الشرقية. pic.twitter.com/CFuYwwjSso

في 29 يناير/كانون الثاني 2020، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطته التي وصفت بـ «صفقة القرن»، والتي ترسم حدوداً واضحة بين إسرائيل وفلسطين على أن تكون القدس عاصمةً غير مقسمة تنتمي بالكامل لإسرائيل.

وفقاً للخريطة التي اقترحها الرئيس الأمريكي ستكون حدود فلسطين المستقبلية بأجزاء متناثرة تربط بينها جسور وأنفاق، عاصمتها عبارة عن أجزاء من القدس الشرقية فقط، وسيربط بين الضفة الغربية وقطاع غزة نفق، وقد أضيفت مناطق جديدة لقطاع غزة تمتد داخل منطقة النقب.

أما مدينة القدس ومناطق غور الأردن وشمال البحر الميت فستكون ضمن حدود الدولة الإسرائيلية، وقد وضعت داخل المدن الفلسطينية بالضفة الغربية نقاط سوداء، كما هو موضح بالخريطة ستكون عبارة عن مستوطنات إسرائيلية داخل الحدود الفلسطينية.

رفضت السلطة الفلسطينية صفقة القرن التي تعني التنازل عن القدس تماماً للإسرائيليين، ولا تزال تطالب بحدود وقف إطلاق النار المتفق عليها في عام 1967 بالرغم من أن إسرائيل لم تلتزم بتلك الحدود في 67، كما لم تلتزم كذلك بحدود اتفاقية أوسلو من بعدها.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى