كتاب وادباء

( الإنسان : حقوق وحريات )

سلسلة مقالات عن حقوق الإنسان في المواثيق الدولية والشريعة الإسلامية بعنوان

( الإنسان : حقوق وحريات )

بقلم الكاتب

محمد أبوغدير المحامي

محمد أبوغدير المحامى  

إذا كان بعض العلماء عرفوا الإنسان بأنه : ( جسد وروح ) ، وبعضهم عرفه بأنه ( حيوان ناطق مفكر ) وذلك في بيان تميزه عن غيره من المخلوقات ، فإنه يحق لنا أن نعرف – كذلك – الإنسان بأنه : ( حقوق وحريات ) ، وذلك في مجال احترام آدميته لكي يحيا حياة كريمة آمنة وتكفل فيها حقوقه وحرياته التي بدونها لا يستطيع الحياة كبشر . 

أهم الحقوق والحريات :

من حقوق الإنسان وحرياته : حقه في الحياة فلا يقتل أو يغتال ولا يحكم بإعدامه بقضاء جائر ، وحقه في سلامة جسده وحرمة المساس به فلا يجوز إيذاؤه أو تعذيبه ، ومن حرياته : التنقل داخل الدولة دون قيد وأن يخرج منها ويعود إليها متى شاء ، وأن يكون لمسـكنه حرمة ، فلا يجوز اقتحامه وتفتيشه إلا وفقاً للقانون ، ومن حقه اللجوء إلى قاضيه الطبيعي أمام المـحـاكـم المحايدة التي تفصل في حقوقـه والتزاماته وفى أية تهمة جنائية توجه إليه .

ومن حق الإنسان المشاركة في الحكم في وطنه وإدارة دولته وأن يختاروا ممثليه اختيار حراً ، ويجب على الدولة أن تكفل لهم حق الاقتراع والترشيح في انتخابات نزيهة ، وحق التمتع بحرية الرأي والتعبير دون مضايقة وحرية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية .

 ومن حقه وواجب على دولته أن تكفل له الحد الأدنى من المعيشة الكريمة التي تتمثل في الطعام المناسب و المسكن اللائق وحمايته من البطالة وأن توفر له فرص العمل الذي يقابله أجر عادل وحق وأن توفر الرعاية الصحية والوقاية من الأمراض وتوفير العلاج .

ولكل مواطن الحق في التعليم إلزاماً في مراحله الأولى وبالمجان ، وتيسير القبول في التعليم العالي ، ويجب أن تهدف التربية إلى إنماء شخصية الإنسان ، وأن تكفل حرية البحث العلمي ، ولكل فرد الحق في الثقافة المؤدية للتنمية الشاملة ، وكذلك حرية التفكير والابتكار والإبداع .

وهذه بعض حقوق الإنسان وحرياته والتي قسمها  ردها إلى أربع فئات ، الأولى وتتناول الحقوق الفردية والشخصية ، والثانية تتناول علاقات الفرد بالمجموع أو بالدولة ، والثالثة وتشمل الحريات العامة والحقوق الأساسية ، والرابعة وتشمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية .

وهذه الحقوق تلك الحريات ليست من منحة من حاكم ولا هبة من ملك أو أمير يصدرها ثم يمنعها يزيدها أو ينقصها وإنما هي حقوق متأصلة في كل إنسان لا تنفك عنه أحد من الناس فقد ولدوا بها وتظل تلازمهم حتى يواروا بالتراب . 

خصائص حقوق الإنسان :

ولكون الإنسان ( حقوق وحريات ) فهذه الحقوق والحريات هبة الله للإنسان ولد بها ويموت عليها ومن خصائصها أنها :

  1. ثابتة غير قابلة للتصرف فلا يمكن انتزاعها وليس من حق أحد أن يحرم شخصاً آخر وليس للنظم الحاكمة أن تنتهك تلك الحقوق حتى لو كانت قوانين البلد لا تعترف بها .
  2. عالمية أي يتمتع بها جميع البشر في كل شبر من بقاع الأرض بغض النظر عن العنصر أو الجنس أو الدين أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، وقد وُلدوا جميعاً أحراراً ومتساوون في الكرامة والحقوق .
  3. لا تُشـترى ولا تُكتسـب ولا تورث لكونها ملك للبشر وأن إنسانية البشر وآدميته لا توجد ولا تكتمل إلا حال تمتعه بكامل هذه الحقوق والحريات فإذا حرم منها أهدرت إنسانيته وإذا انتقصت فقد انتهكت حريته . 

مصادر وتاريخ حقوق الإنسان :

وهذه الحقوق والحريات هي التي تكفل للإنسان كرامته وحريته وتحميه من استبداد السلطة وتسلط الحاكم ، وقد وضعت أصولها ومبادئها تعاليم السماء ، فلقد أرسل الله تعالى الرسل والأنبياء أنزل الكتب والصحف من أجل تكريم الإنســان ، فقال تعالى في سورة الإســراء: ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً ) الآية :70 

وهذه الحقوق والحريات هي ثمرة جهد وجهاد العلماء والمفكرين انتزعوها من السلطات الإدارية والدينية خلال عصور الظلام وبدايات عصر النهضة الأوروبية فصدرت الوثائق الآتية :

  1. الماجنا كارتا سنة 1215م في إنجلترا التي اكتسب الشعب الإنجليزي بمقتضاها حقه في تجنب المظالم المالية .
  2. وثيقة إعلان الاستقلال الأمريكي سنة 1776م وتضمنت تأكيدا على الحق في الحياة والحرية والمساواة :
  3. ثم أصدرت الثورة الفرنسية وثيقة إعلان حقوق الإنسان في 26 / 8 / 1789م .

وفي القرن العشرين وفي ظل الأمم المتحدة ازدادت رقعة حقوق الإنسان وحرياته بموجب المواثيق الدولية التي صدرت وعلى الأخص المجموعة التي أصطلح على تسميتها ( الشرعة الدولية لحقوق الإنسان ) والتي يقصد به خمس وثائق تحديداً وهي :

  1. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في عام  1948 ، اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948 .
  2. العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر في عام  1966 الصادر بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في 16 كانون/ديسمبر1966 وتاريخ بدء النفاذ في 23 آذار/مارس 1976 .
  3. العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر في عام  1966 ، صدر بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤرخ في 16 كانون الأول/ديسمبر 1966، تاريخ بدء النفاذ في 3 كانون الثاني/يناير 1976
  4. البرتوكول الاختياري المحلق بالعهد الدولي الخاص ص بالحقوق المدنية والسياسية (الشكاوى الفردية) الصادر في عام  (1966) صدر بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة  المؤرخ في 16 كانون الأول/ديسمبر 1966، تاريخ بدء النفاذ في 23 آذار/مارس 1976

ثم توقيع معاهدات أخرى على الصعيد الإقليمي من أجل ضمان حقوق الإنسان وهي :

  1. في أفريقيا : الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب الذي اعتمد في عام 1981 (دخل حيز التنفيذ في عام 1986) من قبل منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي اليوم).
  2. وفي الأمريكتين : الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان (1969) التي اعتمدتها منظمة الدول الأمريكية.
  3. وفي أوروبا : الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، الذي وقعه مجلس الدول الأعضاء في أوروبا (1953). وتتولى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بمراقبة تنفيذ الاتفاقية، ويمكن ان تعقد من قبل ضحايا انتهاك حقوق الإنسان.
  4. وفي الشرق والأوسط وشمال أفريقيا اعتمد الميثاق العربي لحقوق الإنسان في عام 2004 من قبل جامعة الدول العربية ودخل حيز التنفيذ في عام 2008. 

حقوق الإنسان بين النظرية والتطبيق :

لكن تبقى المواثيق الصادرة والشعارات المرفوعة والمبادئ المعلنة شيئًا، والتطبيق والعمل بها شيئًا آخر ، وقد تكون حبرًا على ورق ما لم يترجم إلى واقع ملموس ، فالقوي القادر هو الحر الكريم يأمر فيطاع ويضرب ويبطش ، والضعيف المسكين عبد مسخَّر للقوي وخادم له ، والقيادة والسيادة والحياة للأقوى ، ولا حظ للضعيف سوى الانقياد والتبعية والعبودية  .

وأوضحُ دليل على ذلك هو حرمان الشعب الفلسطيني العربي المسلم من أرضه ووطنه وداره ، على يد الكيان الصهيوني الذي يضرب بالاتفاقيات الدولية عرض الحائط ويمارس كل ما يخالف القيم الإنسانية والاتفاقيات الدولية ، ويحتمي بالدول الخمس الكبرى التي تتمتع بحق الفيتو في مجلس الأمن الدولي ، وهي دول التي تقول ما لا تفعل ولا تحترم توقيعها وختمها على هذه المواثيق ، تتبع سياسة استعمارية لا أخلاقية ولا إنسانية تناقض بلا شك مضمونَ هذه المواثيق وتلك الاتفاقيات .

وكم من أباطيلَ ومظالمَ وحماقات وجهالات اقتُرفت باسم الحق والعدل والحضارة والعلم والمدنية ، وكم من أفواه تُكَمم ، وأيدٍ وأرجل تُقَيَّد وتغل، وألسن تربط وتخرس، وأجساد تُلقى في غياهب السجون تحت ستار المحافظة على القانون والنظام ، وهكذا  تبتلى به الشعوبُ المتخلفة الضعيفة التي سلمت أمرها للطغاة الظالمين  الخائنين لشعوبهم وأمتهم ،    . 

التربية على الحقوق والحريات :

ولكل ما سبق ينبغي على الناس – كل الناس – أن يتعرفوا على حقوقهم وحرياتهم وينشروا ثقافتها ، فلم يعد الحديث عنها ترفا فكريا بل هو تربية على الإيمان والالتزام بقضايا الحرية و الكرامة والمواطنة والتسامح وقبول الآخر والوصول بها إلى حقائق تسري في واقع حياتهم الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية والسياسية والنظام و المساواة والمسؤولية الأخلاقية والالتزام بطبيعة الحالب الحقوق مع أداء الواجبات .

وتبدأ التربية على حقوق الإنسان عقلانية من حيث إنها تؤسس خطابها الإنساني على مفاهيم راقية كالحرية والاختلاف والكرامة والمساواة والديمقراطية ، وتكون التربية واقعية بمعنى التعرف على واقع حقوق الإنسان وحرياته في الإقليم ورصد السلوكيات التي تعرقل ممارسة هذه الحقوق و الواجبات، ثم تكون التربية نقدية بأن تدعو إلى إعادة النظر في مختلف القيم و المبادئ و السلوكيات وتعلن عن تغيير عميق للممارسات القديمة المنافية للقيم السامية ، والتربية على حقوق الإنسان تقوم على وسيلة ايجابية مدروسة أساسها المشاركة وتهدف إلى تمكين الأفراد والمجتمعات من احترام مبدأ حقوق الإنسان للجميع والدفاع عنه وتعزيزه من خلال تنمية المعارف والمهارات والمواقف المتسقة مع هذه المبادئ .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى