* وهناك درس عظيم فى قضية ذبح الحيوان سواء كان أضحية أو غيرها لأن الله عز وجل حرم عملية الذبح بذاتها إلا تكون مقترنة باسم الله حتى تكون الذبيحة حلالا ويجوز أكلها لقول الحق ” ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق ” إذا لاحق للبشر فى إزهاق روح الحيوان وسلب حياتها إلا بتصريح من الله عز وجل . ومن هنا يأتى السؤال الكبير للذين يستحلون دماء الأبرياء من البشر ويستبيحون أعراضهم وبيوتهم وأموالهم ونساءهم , من ذا الذى أعطاكم هذا الحق فى سفك دماء الناس والله حرم ذلك مع الحيوان , فما بالكم مع الإنسان الذى هو صنع الله . حتى فى أثناء عملية ذبح الحيوان تظهر الرحمة والشفقة بهذا الحيوان فى قول الرسول صلى الله عليه وسلم :” إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته»، إن الإسلام ينهى بصريح الأمر عن ذبح الحيوان بطريقة وحشية انتقامية . فما بالنا بالمسلمين اليوم وهم يذبحون شر ذبحة ويقتلون شر قتلة فى أوطانهم وفى غير أوطانهم بغير ذنب ارتكبوه . إن أعداءنا ينظرون إلينا وكأننا فى درجة أقل من الحيوان . فأنت عربى مسلم , إذا أنت ارهابى أبا عن جد وكابرا عن كابر وليس لك عندنا إلا الموت بكل الأسلحة المحرمة وغير المحرمة . يقتلوننا ويحرقون جثثنا وأحيانا يتركون الجثث فى عرض الشارع لتكون وجبات طازجة للكلاب الضالة . هل يستطيع علماء ومشايخ ودعاة المسلمين اليوم أن يثبتوا لمتشدقى الليبرالية والديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة أن دين الإسلام قد وصى بالحيوان قبل أن يشكلوا هم جمعية الرفق بالحيوان ؟ فأين هم من حقوق الإنسان العربى المسلم اليوم؟ هل تعلمنا ذلك من فريضة الحج ؟
* وهناك درس سياسي عظيم نأخذه من مناسك الحج ويتمثل فى التعددية واحترام الرأي الأخر. تأمل قوله تعالى فى التخيير بين البقاء فى منى ورمى الجمرات يوماً ثالثا وبين التعجيل والاكتفاء بيومين فقط ” فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى ” فهذه تربية سياسية للمسلمين على التعددية ووجود أكثر من رأى فى الموضوع الواحد . وعلى كل طرف احترام وتقدير رأى الطرف الآخر طالما أن ذلك يتم فى الإطار المنضبط للشرع الحكيم . إنها الشورى والحرية وقبول الآخر بلا تأفف أو توجع أو قلق حتى فى فرض من فروض الله . وأيضا يمكننا فهم هذه الصورة الإبداعية من قبول الرأى الآخر ووجوب التعددية فى اختيار نوع النسك الذى يناسب وقت وظروف الحاج ما بين الإفراد أو التمتع أو القِران ، دون أن ينكر أحد على آخر اختياره نوعاً دون الآخر ، وكذلك فى تخيير كل من المفرد والقارن فى التعجيل بالسعى للحج بعد طواف القدوم أو تأجيله إلى ما بعد طواف الإفاضة . وكذلك فى تخيير جميع الحجاج فى التعجيل بأداء الطواف والسعى يوم العاشر من ذى الحجة أو تأخيرهما إلى ما بعد العودة من منى . أين الديكتاتورية ومصادرة الآراء إذا ؟ أين التحجر والاستبداد بالرأى الواحد ؟ لايوجد هذا إلا فى مذاهبكم وقوانينكم فقط . فهل تعلمنا هذا الدرس العظيم من مناسك الحج حتى لا يحكر أحد على رأى احد ولا يصادر أحد رأى أحد ؟
* درس سياسي تربوى آخر وما أكثرها من دروس الحج ألا وهو المساواة المطلقة بين كل الحجيج فى الملبس والمأكل والمشرب وأداء النسك . فكل الحجيج يلبسون لبس الإحرام الأبيض بلا مخيط وهو شبيه بكفن الأموات , لاتفرقة عنصرية , لا حاكم ولا محكوم , لا أمير ولا حقير , لا صغير ولا كبير . لا أسياد ولا عبيد . لا أبيض ولا أسود , لا غنى ولا فقير , لا صحيح ولا مريض . الكل يقف فى صعيد واحد وفى مكان واحد على قدم المساواة , ويؤدون منسكا واحدا , ويلبون إلها واحدا , ويطوفون ببيت واحد ويعبدون ربا واحدا . أين التفرقة والعنصرية والطائفية التي يتهم أعداء الإسلام من متطرفى العلمانية واليسارية والماركسية بها ديننا العظيم . إنهم لوعاشوا ألف سنة يؤلفون قوانين ودساتير ليرتقوا بها إلى دين الله فلن يستطيعوا ذلك ولو اجتمعوا له . لأنهم مرضى نفسيين لايملكون غير الهمز واللمز وسوء الفهم وخبث الطوية ورداءة النية تجاه كل ماهو إسلامي. هذه بعض الدروس التربوية والسياسية والاجتماعية والتى تدل دلالة قاطعة على أن فريضة الحج جوهر قبل أن تكون مظهر ومحتوى قبل أن تكون شكلا . فمتى يستفيد المسلمون من مقاصد دينهم العظيم قبل فوات الأوان ومرور الزمان ؟ إنا لمنتظرون عسى الله أن يهدينا جميعا سواء السبيل ويعيد لأمتنا مجدها وكرامتها وعزتها وقوتها .