دنيا ودين

القصص القرآني وواقعنا المعاصر (10) … فرعون و الافساد في الأرض

القصص القرآني و واقعنا المعاصر

==================

بقلم الدكتور

 جمال محمد k

جمال محمد 

   فرعون……..و الافساد في الأرض

                                                                                        ===================

 وقفة قصيرة , قبل الولوج  الي قصة موسي وفرعون نستقي منها الفوائد العظام , معينة  علي تخطي الفتن و الصعاب الجسام في مرحلتنا الحرجة و الصعبة هذه , نستعرض فيها مظاهر افساد فرعون في الأرض  علي مر العصور , الي عصرنا هذا , متبعا سنة و منهجا واحدا لا يتغير , سار عليه كل الفراعين , بينه الله عز و جل تفصيلا في كتابه الكريم  .

كما أسلفنا الذكر في حلقة سابقة ( طالوت و القافزون من السفينة ) , فان من بشائر النصر تخلف اشخاص و جماعات عن الركب , حتي لا يتبقي الا تلك الفئة المؤمنة التي شاءت ارادة المولي عز وجل أن تشرفها بالنصر , تلك الفئة التي باتت علي يقين من موعود الله لا يضرها من خذلها أو خالفها , يقين ينبثق من ايمان صادق و حسن توكل علي رب الأسباب , كما حدث مع طالوت و الذين معه , و كما حدث مع رسولنا الكريم عليه الصلاة و السلام في غزوة تبوك , عندما قال الله في المخلفين … لو خرجوا فيكم ما زادوكم الا خبالا و لأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة و فيكم سماعون لهم , والله عليم بالظالمين “ فما تزال الابتلاءات و التماحيص تترا حتي يتبين لنا هؤلاء القوم الذين هم من أبناء جلدتنا , يكشفهم الله لنا , الذين لم يثبتوا و اهتز عندهم الايمان و اليقين بالله , و حال مشايخ السلطان خير شاهد يسقطون واحدا تلو الآخر يفضحهم الله , وكما حدث في غزوة الأحزاب.…” واذ يقول المنافقون و الذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله و رسوله الا غرورا . و اذ قالت طائفة منهم يأهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا , ويستأذن فريق منهم النبي يقولون ان بيوتنا عورة و ما هي بعورة ان يريدون الا فرارا”.  أولئك لم يرد الله أن يشرفهم بنصر ولا بفوز , بسبب ضعف يقينهم و ايمانهم بالله و موعوده لعباده المؤمنين , و بسبب عقيدتهم المهترئة . ” اذ يقول المنافقون و الذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم , ومن يتوكل علي الله فان الله عزيز حكيم .”

فأبشروا , أبشروا بنصر قد لاح في الأفق , وصلنا لمرحلة الثبات علي الحق واليقين بالله والدعاء ,و هذا هو المطلوب منا الآن في هذه المرحلة الحرجة , التي يلفظ فيها الباطل أنفاسه, الي جانب حسن التوكل علي الله.

ويتبقي لي نقطة أخيرة في هذا الصدد لمن عاب علي الرئيس مرسي اختياره لبعض المستشارين أو الأشخاص ممن خانوا أو تخلفوا عن الركب , و الشئ بالشئ يذكر , أذكرهم بقول الله لرسوله الكريم ” عفا الله عنك لم أذنت لهم حتي يتبين لك الذين صدقوا و تعلم الكاذبين “.  فها هو الله عز و جل يبين لنا من خلال تسارع الأحداث, هؤلاء القوم , يكشفهم لنا , لنعلم الصادقين من الكاذبين ” و ليعلمن الله الذين آمنوا و ليعلمن المنافقين ” , ايذانا بنصر قد اقترب ان شاء الله, و لاح فجره , بعز عزيز أو ذل ذليل

.

unnamed

الافساد في الأرض:

============

أنزل الله شرائعه السماوية علي رسله الكرام لستة مقاصد , الحفاظ علي الدين والنفس والعرض والمال والنسل و الأرض. . وكما أن الضد بالضد يعرف , فقد بين الله لنا تلك المقاصد من خلال القصص القرآني , مبينا أنواع الافساد في الأرض . وذلك من خلال ستة من رسله , تكرر ذكرهم في القرآن وقصصهم بطرق مختلفة ( ابراهيم و موسي وهود وصالح و لوط وشعيب ). كانت دعوتهم لمحاربة ذلك الافساد حفاظا علي مقاصد الشرع الالهي, ولخصت دعوتهم وقصصهم القرآني الحرب ضد كل تلك المفاسد . وجدير بالذكر أن ثلاثة منهم ( هود و صالح و شعيب ) تكرر ذكرهم وقصصهم بالتفصيل , ردا علي اليهود الذين حجبوا أنباء و قصص أولئك الرسل علي وجه الخصوص , حقدا و حسدا من عند أنفسهم نظرا للأصول العربية لأولئك الرسل الكرام , فشرفهم الله بذكرهم تفصيلا و اجمالا في كتابه الكريم , لنكون لهم شهودا يوم تبيض وجوه وتسود وجوه . ” لتكونوا شهداء علي الناس و يكون الرسول عليكم شهيدا “. 

أنواع الافساد في الأرض :

————————-

1 – الاستكبار والعلو في الأرض واستعباد البشر .( النمرود و فرعون )… و هذا ما حداني في الأساس أن أكتب تلك السلسلة , ففيه ما نعانيه الآن ونكابده…..” الفرعون الاله”……….” ألم تر الي الذي حاج ابراهيم في ربه أن آتاه الله الملك اذ قال ابراهيم ربي الذي يحيي و يميت, قال أنا أحيي و أميت…”.و أما فرعون ..” فحشر فنادي . فقال أنا ربكم الأعلي .”

2 – التجبر و التكبر و السطوة وانتهاك الحرمات ( عاد و ثمود )…..” فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق و قالوا من أشد منا قوة ..”…” و أما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمي علي الهدي ….”.

3 – التجبر في الأرض وخيانة الأمانة ( مدين , قوم شعيب ) …” و الي مدين أخاهم شعيبا , قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره , و لاتنقصوا المكيال و الميزان , اني أراكم بخير و اني أخاف عليكم عذاب يوم محيط . و ياقوم أوفوا المكيال و الميزان بالقسط , و لا تبخسوا الناس أشياءهم و لا تعثوا في الأرض مفسدين .”

4 – الفساد الأخلاقي ( قوم لوط )…” و ما كان جواب قومه الا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم, انهم أناس يتطهرون .” سبحان الله تذكرني هذه الآية علي الدوام بأقوال وأفعال الانقلابيين , واتهامهم لأهل الايمان بالتجارة بالدين , حتي أصبحت الراقصات رمزا للوطنية يرتدين علم مصر و أمهات مثاليات يكرمن , و أصبح التحرش سائدا في تجمعاتهم  , وما رابعة الطاهرة و أهلها من ببعيد .و و ما أشيع حولهم و هم والاسلام منه براء.

ويحضرني هنا تساؤل يفرض نفسه , أين نحن من مظاهر هذا الافساد! عبدت الناس العجل ممثلا في الجيش , بل و أوجدته مرة أخري , وما الانقلاب علي الشرعية وعودة الي عبادة العجل بدءا ذي بدأ من جديد ببعيد , ألم يظهر الفساد الأخلاقي علي كل المستويات بل و أمر بالمنكر و نهي عن المعروف يشارك فيه مشايخ بعينهم فأصبحوا كعلماء بني اسرائيل …أكالون للسحت , ألم ينتشر الغش علي كل المستويات و الأصعدة , ألم يتجبر الجيش و الشرطة علي أبناء وطنهم المستضعفين بغير ذكر تفاصيل تعرفونها؟! الله الله , انها السنن الربانية ,عسانا نكون من الناجين باذنه تعالي . ” ربنا افتح بيننا و بين قومنا بالحق و أنت خير الفاتحين .”

نبيه-موسى

فرعون و بني اسرائيل والمصريون:

———————————–

لا أخفي عليكم وكما ذكرت آنفا , أن هذا الخاطر هو ما حداني بالأساس لكتابة هذه الحلقات , و التي أدعو الله أن ينفعنا بها , لتكون نبراسا و نورا وضياء يعيننا علي تخطي هذه المرحلة الصعبة من تاريخنا سقط فيها من سقط , و نجا من الفتنة من نجا , لتكون الأحداث خير شاهد علي مدي التقارب و التشابه التاريخيين ,علي هدي من الله , وعلي  كيفية التعامل مع فرعون كل زمان , و ما هو مصيره المحتوم  , و كيف تنجو الفئة المستضعفة من كيده و هي الأضعف بموازين البشر , الأقوي بميزان السماء , ليبقي سلاحها أبد الآبدين ” حسبنا الله و نعم الوكيل “.

كما نعرج في المقال المقبل ان شاء الله تفصيلا علي صفات الفرعون , كما  أوردها الله في كتابه الكريم  نطبقها عمليا علي فرعوننا , قولا و فعلا  , و كنا قد ذكرنا في المقال السابق ( موسي و فرعون و … عباد العجل – الجزء الأول )  صفات بني اسرائيل التي أوجبت عليهما اللعن من السماء , و أسباب سخط الله عليهم , تلك الصفات التي تخلق بها كل من أيد الانقلاب الغاشم تقريبا بلا استثناء يذكر , مما يجعلنا علي يقين أن غضب الله آت لا محالة عليهم , و تأتي ذكري رابعة لتذكرنا بأخذ الله العهد علي بني اسرائيل و” و اذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم و لا تخرجون أنفسكم من دياركم , ثم أقررتم وأنتم تشهدون ” , و الذي حتي في هذا العهد تشبه مؤيدو  الانقلاب بهم …. 

قصة موسي و فرعون و بني اسرائيل يعرفها الجميع , و قد  ذكرت في القرآن بالتفصيل في سور عديدة . فما هي   ” الروشتة” الربانية  للتعامل مع هذا الأمر و تجاوزه , و كيفية مجابهة فرعون و من معه , نكمل في مقالنا  القادم باذن المولي عز وجل ( موسي وعباد العجل – الجزء الثاني ).

.

نقطة مبشرة أخيرة أذكرها , من خلال تلك الآية الكريمة ,………..” فما آمن لموسي الا ذرية من قومه علي خوف من فرعون وملائهم أن يفتنهم , و ان فرعون لعال في الأرض و انه لمن المسرفين .” , و ذلك لتأكيد المعني الذي بدأنا به هذا المقال , لا ينتصر أهل الحق بكثرة و لا بعتاد , فلا يشغلنكم القافزون من السفينة , و احمدوا ربكم أن أراكم الحق حقا و أن رزقكم اتباعه , و نسأله الثبات علي الأمر فيما بقي من عمر قصير ان شاء الله علي انقلاب غاشم يحارب الاسلام صراحة , و يعادي الله و رسوله و عباده المؤمنين , وعلها نعمة من المولي عز و جل حتي نظل مستمسكين بحبله الموصول معتصمين به مهما طال الأمر , حتي يأتي وعد الله , عسانا نكون جيل فتح الأقصي الذي تربي علي الجهاد وثبت في وجه المحنة و لم يضره من خذله , و ثبت في سبيل نصرة دينه , و لنا في رسول الله صلي الله عليه و سلم و الصحابة الكرام أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر , خاصة في حصار الشعب ( كما ذكرنا في مقال من بدر الي القدس عبر غزة ).

 .

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى