لايف ستايل

هناك عوامل أخرى.. علم النفس يُخبرنا أن هناك أسباباً أخرى للإنجاز ليس من بينها قوة الإرادة

نيرة الشريف

تعتقد أنك تفتقر إلى قوة الإرادة؟ وأن هذا الأمر يعوقك عن أداء مهامك وتحقيق أهدافك؟ لا تقلق، هناك أسباب أخرى للإنجاز ليس من بينها قوة الإرادة، قوة الإرادة ليست هي كل شيء، فهناك العديد من العوامل الأخرى التي تُمكنك من تحقيق أهدافك إذا كنت لا تملك قوة الإرادة الكافية، لا داعي للتعجب، فقط، اقرأ السطور التالية.

نادراً ما يكون الأشخاص ذوو الفعالية العالية لديهم إرادة أقوى منك، قد يستيقظ هؤلاء الأشخاص الأكثر فاعلية ونجاحاً أحياناً في وقت مبكر وقد يكونون أفضل بشكل هامشي في المواظبة والالتزام بأداء مهامهم مقارنةً بالشخص العادي، لكن المؤكد أن قوة إرادتهم ليست هي الشيء الذي يجعلهم أكثر فاعلية.

فما يجب أن تعرفه أنك لا تحتاج إلى قوة الإرادة وحدها لتحقيق النجاح، فقط تحتاج إلى النظام والمواظبة والاستمرارية، قد لا يتفتت الحجر من سيل من الأمطار يهبط عليه مرة واحدة، لكنه قطعاً يتفتت من نقطة مياه تسقط عليه يومياً بشكل ثابت ومنتظم، فالتحدي ليس في أن تملك قوة إرادة تُمكنك من تحقيق عمل كبير وضخم دفعة واحدة، ولكن التحدي في أن يكون لديك القدرة على المواظبة والاستمرار في أداء ما تحدده لنفسك من مهام.

في دراسة علم نفس نشرها اتحاد علم النفس الأمريكي عام 2016، تم إعطاء أطفال صغار خياراً: تناول قطعة الحلوى الأولى عندما يغادر القائم بالتجربة الغرفة، أو انتظار فترة غير محددة من الوقت حتى يعود المجرب ويعطيهم قطعة الحلوى الثانية، وكان من اللافت للنظر أن الأطفال الذين انتظروا فترة أطول كانوا هم الذين يحصلون على درجات أعلى في الاختبارات، كما لديهم أداء أفضل في إجراءات أخرى مقارنة بأقرانهم الذين يبدون أكثر اندفاعاً.

تم تفسير هذه النتائج على أنها تشير إلى أن القدرة على تأخير الإشباع، أو ممارسة الإرادة، أمر بالغ الأهمية للنجاح في الحياة.

ولكن هل قوة الإرادة حقاً هي الشيء الذي تم قياسه في هذه التجربة؟ شكك بعض الباحثين في هذا الافتراض، وفي دراسة أجريت عام 2012، وجد الباحثون أن الأطفال كانوا أكثر عرضة لتأخير الإشباع عندما كان لديهم سبباً للاعتقاد بأن المجرب شخص موثوق به وجدير بالثقة استناداً إلى تصرفات المجرب السابقة.

هذه النتائج تُشير إلى تفسير بديل لنتائج الدراسة الأصلية، فرُبما اغتنم بعض الأطفال الفرصة لتناول أول حلوى على الفور لأنهم اعتادوا بيئة أقل موثوقية بشكل عام، مثل عدم انتظام الوصول إلى الغذاء، وبالتالي كانوا أكثر حذراً في تقبل وعد المجرب، وليس لأنهم يفتقرون إلى القدرة على ممارسة ضبط النفس في حد ذاته.

وقد أقر الباحثون الذين أجروا الدراسات الأصلية بهذه القضايا، مشيرين إلى أن قرار تأخير الإشباع يعتمد على عوامل متعددة، بما في ذلك التوقعات، على الرغم من اتخاذ تدابير لتوحيد توقعات المشاركين وإقامة علاقة ثقة مع المجرب، فإن الاختلافات في التوقعات والثقة بناءً على تجارب الحياة السابقة كانت لا تزال مُسيطرة.

ينطبق نفس الأمر على البالغين، الذين ثبت أنهم يمارسون قوة الإرادة اعتماداً على الموقف، على سبيل المثال، وجدت مجموعة من الدراسات أنه عندما يكون توقيت النتيجة المستقبلية المرغوبة غير مؤكد، يفكر الناس أكثر في مدى منطقية الاستمرار في الانتظار، ومثل الأطفال في دراسة الحلوى، يمكن أن يعتمد قرار الشخص البالغ بممارسة قوة الإرادة على مدى ثقتهم بالآخرين للوفاء بوعودهم، أو معاملتهم بإنصاف، أو تقديم معلومات دقيقة.

فمثلاً إذا نصح الطبيب المريض بالتخلي عن الأطعمة المفضلة لديه لتحسين صحته، فسيتعين على المريض أن يقرر ليس فقط ما إذا كانت الفوائد تستحق التعب أم لا، ولكن أيضاً ما إذا كان يثق في معلومات الطبيب ويعتقد أن الفوائد ستأتي حقاً أم لا.

من المغري إصدار حكم على أولئك الذين يبدو أنهم يفتقرون إلى قوة الإرادة، ومن السهل أن يشعروا بالخجل عندما يفتقرون إلى قوة الإرادة التي تُمكنهم من تحقيق أهدافهم، لكن الحقيقة غالباً ما تكون أكثر تعقيداً من مجرد الافتقار لقوة الإرادة، ففي بعض الأحيان، قد يكون لدينا مخاوف مشروعة حول احتمال أن يكون التقدم الوظيفي، واللياقة البدنية، والصحة، والمكاسب المالية له الآثار التي نرجوها ونتمناها أم لا، وقد تتطلب هذه المخاوف فحصاً أوثق وإجراء مزيد من البحوث لإشعال حماسنا تجاهها.

قوة الإرادة عنصر أساسي في تحقيق الأهداف، والتغلب على المعوقات التي تُقابلك، لكنها ليست كل شيء، ستجد في السطور التالية بعض الأشياء التي يجب أن تسير جنباً إلى جنب مع الإرادة لتحقيق أهدافك:

الإرادة هي لعبة التوازن، والتوازن هو لعبة الاستدامة والاستمرارية، تعرف صناعة اللياقة البدنية هذا جيداً، ففي كل عام جديد، تشهد مراكز اللياقة البدنية انفجاراً في العضويات الجديدة في حدود الأول من يناير، يُمكنك الدخول إلى أي صالة ألعاب رياضية في أول أسبوعين من العام الجديد وسترى ذلك يحدث ازدحاماً بالغاً في كثير من الصالات، كما لو أن مفهوم «اللياقة» قد تم اكتشافه للتو.

ولكن مع مرور الأيام والأسابيع، تقل هذه الأرقام، وبعد مرور بضعة أشهر في السنة، قد لا تجد أحداً في مراكز اللياقة، فنحن جميعاً معرضون للتفكير في أن قوة الإرادة هي كل شيء وأن لا شيء يحدث دونها، وهو أحد التشوهات المعرفية العديدة التي ننغمس بها بانتظام، وننسى أنه دون أن نضع التوازن في خطتنا، فإن انفجار الإرادة الأكثر شراسة لن يكون مستداماً.

أدمغتنا تميل إلى المبالغة في تقدير قوة إرادتنا، لذلك لا تكن واثقاً تمام الثقة من قدرتك على الامتناع عن الوجبات السريعة أو التدخين أو أداء الكثير من المهام، فقط تحقق من نفسك، وحاول التعرّف على قدرتك الحقيقية، ومقدار ما تستطيع الإلتزام به والاستمرار عليه.

يجب تعلم التحكم في النفس أيضاً، فنجن نبدأ يومنا بكثير من الطاقة والتركيز المحسّن، ولكن مع مرور اليوم تنخفض هذه الطاقة، وينخفض التحكم في النفس أيضاً، تُشير الأبحاث إلى أن الأشخاص الأقل عرضة للغش أثناء النهار هم الأكثر عرضة للغش في الليل، فقط لأن تحكمك في نفسك يبدأ في الانهيار، فيجب مراقبة مستوى طاقتك ولا تبالغ في تقدير عزمك، ولتحقيق هذا حاول تقليل الضغط النفسي الذي تتعرض له، فجزء مما يستنزف طاقتنا هو مقدار الوقود الذي يستهلكه الدماغ والذي يبلغ حوالي 25٪ من نسبة الجلوكوز في الدم بأجسامنا، وكلما زاد الضغط النفسي الذي نواجهه، زادت الحاجة إلى الوقود.

هناك بعض الأفكار والأنماط العقلية السلبية التي تكون راسخة بشكل يُمكنها من العمل ضدك بدلاً من العمل لصالحك، الأمر يُشبه تخيل نفسك تصعد على السلالم المتحركة التي تقود للأسفل، قد تصل في النهاية إلى أعلى، ولكنك بلا شك ستكون قد استنفدت، التغلب على الأنماط العقلية الراسخة التي تعمل ضدك يحتاج إلى فترة طويلة من التركيز وتحديدها وتجنبها.

ليست الأنماط العقلية الراسخة فقط هي التي تعمل ضدك، لكن أيضاً الأفكار «التلقائية» التي يُنتجها اللاوعي الخاص بك على مدار اليوم، وفقاً لعالم النفس آرون بيك، نحن لا نعرف حقاً السبب وراء هذه الأفكار، لكننا نعرف أن العديد من هذه الأفكار سلبية وسامة تماماً، لذلك يجب مُلاحظتها بدقة والتعرّف على عدم منطقيتها ولا واقعيتها.

عندما تُدون مهامك وأهدافك على الورق سيسير كل شيء على ما يُرام، لكن يجب أن تُدرك أن هذا يحدث على الورق فقط، وأن الأشياء عندما توضع موضع التنفيذ تكون خاضعة لحسابات أخرى مُختلفة عن حساباتك الورقية، فمجرد أن الخطة أو المهمة تبدو مثالية على الورق لا يعني أنها ستعمل بكفاءة واقعياً، يجب أن تستمر في ملاحظة كيف يسير الأمر، وتعديل دورة مهامك حسب الحاجة.

يعيق الحرمان من النوم أفضل الجهود، فقد تكون لديك إرادة قوية وخطة هائلة وأفكار رائعة، ولكن إذا لم تحصل على قسط كافٍ من النوم، فسيكون كل شيء دون فائدة، فقد أظهرت الأبحاث أن التقليل من النوم يسهم في حرق دماغك، بالمعنى الحرفي للكلمة، فترتفع درجة حرارة أدمغتنا عندما لا نحصل على نوم كافٍ، والنتيجة هي تباطؤ قوة المعالجة، وتقليل الطاقة العقلية والشعور بالتهيج والعصبية عندما لا تسير الأمور على ما يرام.

كذلك يجب الاهتمام بتناول الطعام الصحي، فإذا كنت تشغل قوة الإرادة بهضم بعض الأطعمة أو أي شيء آخر يتم تناوله، فأنت تعوق بالتالي التركيز وتسخير الطاقة على الأشياء الهامة والمفيدة حقاً.

في هذه الحالة يجب أن تدرك قوة خصمك ولا تستهين به، فهنا يكون عقلك متواطئ في إخفاقاتك، فالسبب وراء صعوبة التوقف عن تناول هذه الأطعمة، هو أن مركز المكافآت في عقلك يريدها لإطلاق الدوبامين، ولن يتوقف العقل عن الرغبة في ذلك دون درجة من المشقة التي يستهين بها معظمنا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى