تقارير وملفات إضافية

نسخة داعش المسيحية.. كتيبة أوكرانية غامضة حاربت الروس بالاستعانة بالشيشانيين وتكره المسلمين

النسخة المسيحية من داعش أم أبطال حرية في وجه العدوان الروسي، جدل اندلع في العالم الغربي، وخاصة الولايات المتحدة، حول كتيبة آزوف الأوكرانية.

وأصبحت هذه الكتيبة محل جدل بين الكونغرس الأمريكي الذي يرى بعض أعضائه فيها خطراً متزايداً يستهدف المسلمين واليهود، وبين الدولة الأوكرانية التي ترى في الكتيبة قوة فاعلة أنقذت البلاد في وقت محنتها أمام الغزو الروسي، حسبما ورد في تقرير لموقع The Daily Beast الأمريكي.

عندما تحدَّث نائب وزير الخارجية الأمريكية جورج كينت، في جلسات استماع مجلس النواب الأمريكي فيما يتعلق بالتحقيقات الرامية إلى عزل الرئيس، هذا الأسبوع، رسم صورة مؤثرة عن الشجاعة الأوكرانية في وجه العدوان الروسي.

في عام 2014، عندما «غزت روسيا أوكرانيا» واحتلت نحو 7% من أراضيها، كانت مؤسسات الدولة الأوكرانية على وشك الانهيار، على حدِّ قوله. لكن «المجتمع المدني الأوكراني نهض لمواجهة التحدي».

وشكّل الأوكرانيون كتائب متطوعة من المواطنين، تشمل حتى تقنيين محترفين وعاملين في المجال الطبي. لقد حشدوا تمويلاً ذاتياً لشراء أسلحتهم الخاصة ودروعهم، ومؤنهم. لقد كانوا بمثابة معادل أوكراني في القرن الحادي والعشرين للميليشيات الوطنية «رجال اللحظة» (Minutemen) الأمريكية في عام 1776. [ميليشيات كانت تشكّل من رجال المستعمرات الأمريكية المدنيين، وتعد إعداداً جيداً وتتلقى تدريبات على يد الميليشيات الحزبية  في الحرب الأهلية الأمريكية، عُرف رجالها بجاهزيتِهم الدائمة للقتال وحضورهم فور استدعائهم (في غضون دقيقة واحدة!)، ومن هنا جاءت التسمية] فقد أخذوا يعطّلون القوات الروسية ويشترون الوقت لإعادة تشكيل الجيش النظامي».

لكن من المرجح أن كينت لم يضع في الاعتبار خلال حديثه أشهر الوحدات التطوعية -وأسوأها سمعة- المعروفة باسم «كتيبة آزوف»، والتي سبق أن تقدم 40 من نواب الكونغرس بطلبٍ إلى وزارة الخارجية لإدراجها في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية. 

وينتمي بعض أعضاء تلك الميليشيات إلى النازيين الجدد، ودعاةِ تفوق العرق الأبيض، وأشخاص عُرفوا بعدائهم للسامية.

هل مقاتلو كتيبة آزوف، إذاً هل هم في حقيقة الأمر «ميليشيات وطنية» أم مجرمون متوحشون؟ هل هم مقاتلون من أجل الحرية أم إرهابيون؟ أم هم كلاهما في آنٍ معاً في بعض الحالات؟

تكفي الإشارة لهذا الجدل والخلافات حول تلك المساعي لبعض نواب الكونغرس لتصنيف كتيبة آزوف «منظمة إرهابية أجنبية» (FTO) للتدليل على مدى تعقيد والتباس المشهد السياسي والعسكري في هذه الأمة التي تناضل من أجل البقاء.

ويعد هذا عاملاً آخر، إلى جانب حيل الابتزاز والممارسات غير القانونية الأخرى المثيرة للاتهام التي قامت بها إدارة ترامب، يضعف موقف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في الوقت الذي يعاني من أجل تحقيق سلام عادل مع فلاديمير بوتين.

تُصوّر رسالة الكونغرس الموجهة إلى وزير الخارجية مايك بومبيو، والتي دفع بها النائب الجديد في المجلس، ماكس روز (وهو نائب ديمقراطي عن ولاية نيويورك)، كتيبة آزوف بوصفها جزءاً من «شبكة إرهابية عالمية» يمينية متطرفة تشبه تنظيم القاعدة، أو ما يسمى بـ «تنظيم الدولة الإسلامية» (داعش).

غير أنها تستهدف مهاجمة المسلمين واليهود والأشخاص الملونين.

تلفت الرسالة الانتباه إلى أن الرجل الذي نفّذ الهجومين على المسجد والمركز الإسلامي في نيوزيلندا في مارس/آذار الماضي، واللذين أسفرا عن مقتل 50 شخصاً من المصلين على الأقل، كان قد زعم أنه تلقى تدريبات عسكرية مع كتيبة آزوف.

أثّرت المذبحة التي بُثت بثاً مباشرة على موقع فيسبوك في مجرمين آخرين في الولايات المتحدة، ليقتدوا بها بعد ذلك في اعتداء على كنيس يهودي في مدينة باواي بولاية كاليفورنيا، وفي هجومٍ على متجر في مدينة إل باسو بولاية تكساس.

استشهدت الرسالة التي أُرسلت في 16 أكتوبر/تشرين الأول، بتغريدة نُشرت قبلها بأسبوع واحد، كانت قد كتبتها ريتا كاتز، مديرة شركة «سايت للاستخبارات» SITE Intelligence، والكاتبة في موقع  The Daily Beast، بعد الهجوم على الكنيس اليهودي في مدينة هاله في ألمانيا، يوم 9 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وأشارت كاتز إلى «التشابه الملاحظ بين فيديو هذا الهجوم» في هاله وفيديو المهاجم النيوزيلندي، لتخلص إلى أنه «جزء آخر من شبكة إرهابية عالمية، ترتبط معاً من خلال ملاذات آمنة عبر الإنترنت [لا يمكن تتبعها] تشبه إلى حد كبير داعش». وهو ما يشي بأن كتيبة آزوف أصبحت، ولو رمزياً، نقطة التقاء لمجتمع المنتمين إلى النازيين الجدد دولياً.

كان رد وزارة الخارجية الأمريكية على الرسالة رداً مراوغاً لم يُبد أي التزامات، وأنكر الاتهام بأن يكون فشل الوزارة وإحجامِها عن تعيين مجموعات أجنبية مختلفة بوصفها منظمات إرهابية، له علاقة «بأيديولوجيات أو دوافع» تلك المجموعات، وهو اتهام يلمح إلى أن الوزارة تتغاضى عن التركيز على الجماعات الإرهابية المتطرفة البيضاء، بسبب تقارب أو تعاطف أيديولوجيا الإدارة معها.

يعتبر أولكسندر كونيبور، وهو أحد المعجبين بذواتهم المؤيدين للحركات اليمينية المتطرفة في أوروبا، من نواحٍ كثيرة، نموذجاً للأوكرانيين الذين استجابوا لدعوة القتال من أجل بلادهم من خلال الانضمام إلى كتيبة آزوف في عام 2014.

يقول كونيبور، الذي يعمل مدرساً ويبلغ من العمر 34 عاماً، «لقد كانت أوقات عصيبة على بلادنا، لكنه كان إلى حد ما وقتاً رائعاً لنا». وبات من المؤكد أن بعض أعضاء كتيبة آزوف كانوا يرتدون أزياء رسمية، تحمل رمز الصليب المعقوف، وهناك شارة ارتبطت بالوحدة تبدو تنويعاً على الرموز النازية.

في حين كان أعضاء آخرون ينتمون إلى عبادات وثنية هامشية، أو مدانين سابقين، أو رجالاً عاطلين عن العمل، أو مجرد باحثين عن المغامرة.

لم تكن تلك الأيام الأولى لتشكيل «الميليشيات الوطنية» الأوكرانية تتيح فرصة لانتقاء من قد يحمل سلاحاً لقتال الروس. حتى إن كتيبة آزوف قاتلت جنباً إلى جنب مع وحدة من المقاتلين الإسلاميين الشيشانيين، الذين كانت لهم أسبابهم الخاصة ليقاتلوا على الجبهات. 

والواقع أن ما وحّدهم لم يكن أيديولوجيا يمينية متطرفة بقدر ما كان الاستعداد والعزيمة على قتال الروس.

قال كونيبور إنه لم ينضم لأسباب أيديولوجية، بل كان دفاعاً عن بلاده، ولأنه أحب قضاء الوقت مع رجال من أندية كرة القدم التي أنتمى إليها وشجعها.

ففي أوكرانيا خلال الأعوام التي أعقبت بداية الحرب، صارت كتيبة آزوف ينظر إليها على أنها وحدة مُشكلة من غير الأسوياء الذين محيت أخطاؤهم -بالرغم من وضوحها- في بوتقة الحرب.

وبعد أن أُبلغ عن الرسالة التابعة للكونغرس هنا في الشهر الماضي، نظم جنود آزوف مظاهرات في العاصمة كييف. وتجمع المحاربون القدامى ذوو الوجوه الصارمة، ومعهم زوجاتهم وشريكاتهم، ممسكين بالورود في أيديهم، أمام وزارة الخارجية، وحاملين لافتات تقول: «المدافعون عن أوكرانيا ليسوا إرهابيين».

قاوم المسؤولون في أوكرانيا وأعضاء البرلمان مبادرة كابيتول هيل. واعترفوا بأن آزوف تضم أرقاماً هامشية، لكنها في الوقت الحالي أيضاً صارت جزءاً من القوات المسلحة الأوكرانية، بعد إدراجها ضمن الحرس الوطني، ولا يجب تعريفها بأنها جماعة إرهابية.

غير أن الرسالة الموجهة إلى بومبيو كانت قاطعة تماماً، وتلفت الانتباه إلى أن الكونغرس حظر تحديداً أن تتلقى كتيبة آزوف أسلحة أو تدريباً أو أي نوع آخر من المساعدة من جانب الولايات المتحدة في عام 2018.

قال أنطون هيراشنكو، نائب وزير الشؤون الداخلية الأوكراني، لموقع The Daily Beast: «أثق أن أعضاء الكونغرس الذين كتبوا الالتماس لم يروا جندياً واحداً من آزوف»، مضيفاً أن عدداً من أعضاء الكونغرس تلقوا دعوة للذهاب إلى أوكرانيا.

وأصر هيراشنكو على «عدم وجود دليل» يُثبت أي صلة بين كتيبة آزوف ومطلق النار في مدينة كرايستشيرش، على الرغم من أنه رسم شعار الكتيبة على أسلحته.

أما مؤيدو الكتيبة هنا فيحتجون بأن الموافقة على توصيف الرسالة تخضع للدعاية الروسية، التي تصف كافة الجنود الأوكرانيين بأنهم فاشيون جدد.

وبالفعل، ابتهج الإعلام الروسي برسالة الكونغرس: إذ يقول التقرير إن المؤسسة الأمريكية سئمت من أوكرانيا.

يرجع تاريخ مؤسس الكتيبة، أندريه بيلتسكي، مع الحركات اليمينية المتطرفة إلى عقدين، وقد أمضى وقتاً في السجن بتهم مُلفقة بالقتل، حسبما يقول.

واضطلع في الماضي بدور ريادي في منظمة «وطنيو أوكرانيا» اليمينية المتطرفة وفي «الجمعية الوطنية-الاجتماعية لأوكرانيا».

وعندما بدأت الحرب في 2014، كان الجيش الأوكراني حسبما ذكر جورج كنت في حالة مزرية، ولم توقف السلطات كتيبة آزوف عن استخدام اللافتات والشارات التي تبرز الرموز النازية، منها شعار الفولفسانجل (الذئب الملاك) المرتبطة بوحدات SS النازية.

يمثل ذلك تذكيراً مأساوياً بماضي أوكرانيا. إذ قُتل نحو 1.5 مليون يهودي هنا خلال الحرب العالمية الثانية. وقد كتب كارل جيرشمان، رئيس الصندوق الوطني للديمقراطية، في مقال رأي في صحيفة Washington Post: «أوكرانيا هي حيث بدأ الهولوكوست»، وذلك بعد أسبوع واحد من تنصيب الرئيس زيلينكسي.

وأضاف «ينبغي لحكومة أوكرانيا أيضاً أن تؤدي دوراً أوسع في الإقرار بالهولوكوست بوصفه جزءاً من تاريخها الوطني».

غير أنه في الوقت الراهن، عندما يُبدي أعضاء آزوف إعجابهم بهتلر علانية، تتردد السلطات في إدانتهم.

في العام الماضي، أصدرت المجموعة الإعلامية Zaborona تقريراً عن حياة جنود آزوف في شرق أوكرانيا. وقالت الصحفية يكاترينا سيرجاتسكوفا، مؤسِّسة مجموعة Zaborona، خلال حديثها إلى موقع The Daily Beast: «ذات يوم رأينا علم ألمانيا النازية في إحدى نوافذ قاعدة آزوف العسكرية في مدينة ماريوبول».

قبل الحرب، تعاطف الكثيرون من أفراد آزوف مع مجموعات النازيين الجدد في روسيا. ولا أزال أتساءل عن سبب افتتان آزوف بهتلر، ربما كان السبب هو أن عبادتهم لأيديولوجيا ألمانيا النازية هو تمردهم على الأيديولوجية الستالينية وعلى النظام الشيوعي.

في العام الماضي، حصل مؤسس الكتيبة، بيلتسكي، بنفسه، على عهد من المئات من قدامى محاربي آزوف ونشطاء اليمين المتطرف المنضمين لميليشيا الفيلق الوطني، وهي حركة سياسية يمينية متطرفة، تعد «بإرساء النظام في أوكرانيا».

ينظر بعض قدامى جنود آزوف إلى مهمتهم نظرة بالغة التطرف. وفقاً لتقرير استقصائي أجراه موقع Bellingcat، ترجم العنصريون الأوكرانيون البيان المليء بالكراهية من جانب مطلق النار في كرايستشيرش، إلى الأوكرانية، ووزعوا نشرات بسعر 4 دولارات أمريكي في نادي آزوف للأعمال الأدبية.

يقول فياتشيسلاف ليكاتشيف، الخبير الأوكراني البارز في حركات اليمين المتطرف، لموقع The Daily Beast: «خدم العديد من المواطنين الأمريكيين والأوروبيين في آزوف، بل انضم كثير من المواطنين الروس إلى الكتيبة في 2014 و2015. أجل، هناك العديد من جنود آزوف يتشاركون أيديولوجيا النازية الجديدة، لكن ليس في وسع الكونغرس الأمريكي وضع الكتيبة بأكملها على القائمة السوداء، سيكون الأمر بمثابة اتهام الدولة الأوكرانية بالإرهاب».

ولإيضاح مقصدهم، بدأ قدامى محاربي آزوف ومؤيدوهم حملة «المحارب القديم ليس إرهابياً»، منتقدين النائب ماكس روز على شروعه في الرسالة الموجهة إلى بومبيو.

قالت إيلينا، النادلة النحيفة العابسة التي تنتظر عودة صديقها من الحرب -وهو جندي في آزوف- خلال حديثها إلى موقع The Daily Beast: «لا شك أن النائب روز جالس في مكتبه، ولم يشم رائحة البارود» (يعد روز في الحقيقة من قدامى المحاربين الأمريكيين الحاصلين على أوسمة، وقد كان قائد فصيلة وأصيب بجراح في أفغانستان).

أضافت إيلينا: «في هذه اللحظة يدافع زوجي وأفراد آخرون في آزوف عن أوكرانيا من الاعتداء الروسي. إنهم أبطال وليسوا إرهابيين مثل داعش».

ومن جانبها تقول السلطات في كييف إنها ستقف بجانب قدامى المحاربين، وتأمل في إقناع حكومة الولايات المتحدة عن العدول عن وصف آزوف بالمنظمة الإرهابية.

ويرى المعارضون لهذا الوصف جنود آزوف أبطالاً، بغض النظر عن مدى تطرف أيديولوجيتهم اليمينية. وكانت المتطوعة ناتاليا فورونوكوفا تقدم مع فريقها المساعدات الطبية والطعام والذخيرة منذ الأيام الأولى للحرب.

قالت ناتاليا: «رأيت أفراد آزوف في ساحة المعركة. لقد تحملوا المشقات والخسائر، أما بالنسبة لثقافتهم الفرعية فهي اختيارهم هم».

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى