منوعات

العالم يتحطم ونحن نقع في الحب.. «كازابلانكا» الفيلم الرومانسي الذي لم يتكرر في تاريخ هوليوود

«تتشابه الخيبات في الحب لأنها تأتي من الصدع نفسه»

رولان بارت

ينتهي الفيلم المغربي
«غزية» لمخرجه نبيل عيوش، بصدمة يتلقاها النادل من طرف مشغله، فبعد أن
عاش لمدة طويلة يفتخر بأنه يقطن في حي بالمدينة القديمة للدار البيضاء اتُّخد
كمكان تصوير للفيلم الايقوني كازابلانكا، مستشهداً في ذلك بكلام جاره العجوز،
تأتيه الصدمة من طرف صاحب البار الذي كان لوقت طويل يتجنب الإفصاح بالسر ومجاراة
نادله في الوهم، لكن وبعد تصاعد الأحداث ووقوع مشاجرة وسط حفل كان يراهن عليه
لتحقيق أرباح تنعش مشروعه الكاسد، يُختتم الفيلم بمقولة على لسان المشغل يتكسر بها
فخر النادل البسيط: «كازابلانكا لم يصور أبداً في الدار البيضاء».

الصدمة التي عاشها النادل
في «غزية» ليست سوى امتداد لخيبة الأمل التي بدأت في فيلم كازابلانكا
وامتدت لتصير مرجعاً لكل صُناع أفلام الغرام بالعالم ككل.

يقول الفيلسوف الإيطالي
إمبرتو إيكو إن كازابلانكا ليس مجرد فيلم واحد، بل هو عدة أفلام مجتمعة.

كازابلانكا،
المدينة التي نتخيل حسناواتها، أيقونة هووليود الصادرة
سنة 1942 من إخراج مايكل كورتيز وبطولة همفري بوجارت وأنجريد بيرجمان، ومن اقتباس
لنص مسرحي بعنوان «الكل يأتي إلى ريك».

لقد
أنتجت هووليود عدداً هائلاً من الأفلام الرومانسية السياسية تفوق في الإمكانيات
والحبكة فيلم كازابلانكا، لكن تفوق الفيلم وتربعه على العرش ليس مجرد تفوق تقني أو
في الحبكة، اكتسب الفيلم شهرته بسبب وقت إصداره المتزامن مع دخول الولايات المتحدة
الحرب العالمية الثانية والهجوم على قاعدة بيرل هاربر، وبسبب عنصر التضحية
الرومانسي فيه وكذلك الاقتباسات السينمائية المأخوذة منه والمتكررة في عدة أفلام.

قصة الحب في كازابلانكا
بين ريك وإلسا، القصة المعنونة بالضياع تحولت لمرجعية يتم الاقتباس منها والإحالة
إليها، وفي كل قصة حب سينمائية هناك نسمة من ريك وإلسا، تقول أغنية الفيلم:
«لا زالت القصة القديمة نفسها، الكفاح من أجل الحب، العالم سيرحب دائماً
بالعشاق».

وكلما طالعنا شبح ريك
وإلسا في أحد الأفلام تلامسنا ريح النوستالجيا والضياع، أو كما يقول الكاتب أندريه
جيد: «لقد سبق وقيل كل شيء، لكن وبما أنه لا أحد يستمع فعلينا تكرار كل شيء
من البداية».

يقول دوستوفسكي عن رواية
نيكولاي غوغول الشهيرة المعطف، إننا كلنا خرجنا من معطف غوغول، في إشارة لأهمية
هذه الرواية للأدباء، أما صانعو أفلام الحب فكلهم خرجوا من معطف كازابلانكا.

قائد عسكري في الجيش
الكندي (براد بيت) يعيش قصة حب مع فتاة فرنسية (ماريون كوتيار) تابعة للمقاومة
خلال الحرب العالمية الثانية، اجتمعا كلاهما في الدار البيضاء من أجل اغتيال
السفير الألماني. قصة الحب بينهما هي انبعاث جديد لقصة إلسا وريك، حب مستحيل
ومخنوق بالحرب لكنه مزدهر بالأمل في الهرب للندن بعد انتهاء المهمة والزواج
والاستقرار.

في أولى دقائق الفيلم
ستحس أنك دخلت عالم كازابلانكا، نفس الحقبة الزمنية، نفس الحرب ونفس الصراعات، سحر
الفيلم أيضاً ينبع من الأزياء المختارة والذي استحق عنه الترشح لجائزة الأوسكار
سنة 2016 لتلك الفئة.

تعرض براد بيت لكثير من
الانتقادات بسبب ادائه الذي وُصف بالجامد، وبأن ملامح وجهه كانت فارغة من المشاعر،
سواء مشاعر الحب أو الغضب والحيرة، بل حتى أن الاستغلال الجيد للغة الجسد الشهير
عند براد بيت غاب في الفيلم، وبالرجوع لفيلم كازابلانكا فدور ريك الذي أداه همفري
بوغارت امتاز بالبرود وغياب التفاعل مع الأحداث وقسوة الملامح، مظهر الفيلم العام
آنذاك يبدو كأنه تحت تأثير سيجارة ريك.

(1/1)

قصة حب بين ياباني
وفرنسية لا يتم ذكر اسمهما في مدينة هيروشيما اليابانية، يدخلان ملهى ليلي اسمه
كازابلانكا، الفتاة الفرنسية تبحث عن خيبة أملها القديمة بين ضلوع الياباني، قصة
حب قديمة مستحيلة بين فرنسية وجندي نازي زمن الحرب تنبعت في هيروشيما وإن غاب
الجندي وعوضه القدر بالياباني، فالحب القديم لا يموت وفي غمرة حزنها وهذيانها
تكلمه كما لو كان حبيبها السابق.

الفيلم مقتبس عن رواية
بنفس الاسم للكاتبة مارغيت دوغراس، لحب بلا أمل كحب ريك وإلسا، حب قوامه ليلة
واحدة فقط، عزف نشيد المارسليز في كازابلانكا كان لحظة أمل ومقاومة، بينما عزفه في
هيروشيما مونامور لحظة ألم وهزيمة.

في هيرومشيما على عكس
كازابلانكا، المأساة أكثر فردانية، وتتحول الحوارات لمونولوج طويل تسرد فيه
الفرنسية ذكرياتها المؤلمة عن علاقة الحب وقت الحرب العالمية والتي جلبت لها
الإذلال أمام والديها الوطنيين.

هيروشيما إذن كازابلانكا
أكثر قتماً ومزيج من الأسى والألم الفرداني، ولعل ذلك يظهر من اختيار اسم مدينة
تعرضت للقصف بالقنبلة الذرية.

«اعزفها
تانية يا سام» عبارة شهيرة من فيلم كازابلانكا، عبارة مليئة بالأسى والحزن
على حب ضائع، لكن وودي ألن المخرج الأمريكي الشهير أعاد إحياء العبارة بطريقة
ساخرة في فيلمه «اعزفها تانية يا سام» الصادر سنة 1969 والذي يحاكي
كازابلانكا بطريقة كوميدية تماماً كما عاهدنا وودي ألن بأسلوبه.

وجد وودي ألن في
كازابلانكا وسيلة جيدة لتقديم فلسفته السينمائية المعتمدة على التأمل في الذات،
وبما أن وودي قد اعتاد أخذ الدور الرئيسي في أعماله، فقد وضع نفسه محل مقارنة بينه
وبين بوجارت من كازابلانكا في قالب ساخر مسلطاً الضوء على عبثية الحب وتشابك
العلاقات الإنسانية، كذلك نقده لفكرة أن السينما تنقل الواقع وذلك عبر جعل فيلمه
ينقل فيلماً آخر.

أما في فيلم لالا لاند
الموسيقي الصادر سنة 2016، فمنذ البداية نلاحظ تأثر بطلة الفيلم إما ستون بفيلم
كازابلانكا، فبوستر الفيلم معلق في غرفتها وفي بداية علاقتها مع ريان جوسلنغ
الموسيقي يتجولان في أستوديوهات وارنر وتشير له لشرفة اتخذت كموقع تصوير في
كازابلانكا.

المخرج شازيل حاول منذ
البداية إرسال رسائل خفية للمشاهد الذكي كي يستنتج نهاية الفيلم والفراق المرتقب
انطلاقاً من إعادة إحياء فيلم كازابلانكا ونهايته الحزينة.

عبارة «دائماً ستبقى
لنا باريس» صارت من أكثر العبارات السينمائية شهرة التي تناقلتها الأجيال حتى
دون مشاهدة الفيلم، هذه العبارة التي ارتبطت بالحنين والسعادة واللحظات الحلوة
والتي قالها ريك لحبيبته إلسا، وغيرها الكثير من العبارات المأخوذة من الفيلم
صنفها المعهد الأمريكي للسينما كأجمل العبارات السينمائية وهذه بعض تلك العبارات:

اعزفها مرة أخرى يا سام
من أجل الأيام الخوالي.

أحبك كثيراً وأكره الحرب
كثيراً.

وفي الأخير، العبارة الجميلة: العالم كله يتحطم ونحن نقع في الحب.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى