تقارير وملفات إضافية

على عكس المتوقع.. لماذا سيكون فوز بايدن فرصة ذهبية لإنقاذ السعودية وروسيا من أزماتهما الاقتصادية؟

عندما أصدر المرشح الرئاسي الأمريكي جو بايدن “خطته لثورة الطاقة النظيفة والعدالة البيئية” في 14 يوليو/تموز 2020، ضمن أن روسيا والمملكة العربية السعودية وبقية منتجي النفط في العالم سوف يدعمونه للفوز بالانتخابات المقرر عقدها في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2020. إذ يحتاج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأمير محمد بن سلمان الحاكم الفعلي بالمملكة العربية السعودية، إلى ارتفاع أسعار النفط لتوفير الأموال لبلدانهم وتكديس ثرواتهم. ولذا فإن إدارة أمريكية على رأسها بايدن هي أفضل رهان لارتفاع الأسعار بالنسبة للرياض وموسكو، كما تقول إلين والد، الباحثة الأمريكية المتخصصة بمجال الطاقة، بمقالة لها نشرت في مجلة Forbes الأمريكية.

وإذا كان وصول بايدن للسلطة فرصة ذهبية لروسيا والسعودية كما تقول والد، لابد أن نضع في الحسبان الملفات الأخرى التي ستتأثر بوصول بايدن للسلطة بالنسبة لهذه الدولتين وخصيصاً السعودية، مثل حقوق الإنسان وصفقات الأسلحة وغيرها، والتي انتقد وهدد الديمقراطيون الرياض بها أكثر من مرة بعد اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018، فيما انتقد بايدن نفسه وحملته دعم ترامب غير المشروط للقيادة السعودية، وهو الأمر الذي شجّع السلوك السعودي المتهور، الذي أضرّ بالقيم والمصالح الأمريكية. فماذا ستفضل الرياض وموسكو، دعم بايدن وكسب النفط مقابل دفع بعض الأثمان، أم الإبقاء على دعم ترامب الذي كان وصوله للسلطة مكسباً في كثير من الأحيان لهاتين الدولتين؟

تقول والد، كتبت قبل عام تقريباً أن روسيا والمملكة العربية السعودية تريدان سراً مرشحاً ديمقراطياً للفوز بالرئاسة. “لدى كلا البلدين اقتصادات تعتمد على إنتاج وبيع النفط والغاز الطبيعي. في روسيا، يسهم قطاع النفط والغاز بحوالي 40٪ من الإيرادات الوطنية وأكثر من نصف الصادرات. وفي المملكة العربية السعودية، يسهم قطاع النفط والغاز بحوالي نصف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد و70٪ من صادراتها. وتسهم شركة النفط الوطنية السعودية أرامكو بحوالي 60٪ من الإيرادات الحكومية، وتوظف الحكومة ما يقرب من 70٪ من جميع العاملين السعوديين”.

واليوم، صارت أسعار النفط العالمية منخفضة، فسعر تداول خام برنت، وهو الخام المعياري الدولي، نحو 60 دولاراً للبرميل، لكنه الآن يتجاوز بالكاد 40 دولاراً للبرميل بعد انخفاض سعر التداول كثيراً في مارس/آذار وأبريل/نيسان ومايو/أيار 2020. كتبت في فبراير/شباط 2020، أن وضع الحكام في روسيا والسعودية يمكن أن يصبح “غير مستقر سياسياً إذا انخفضت الأسعار أكثر. وقد تنخفض هذه الأسعار للغاية إذا تباطأ الاقتصاد العالمي أو استمر تفشي فيروس كورونا”. حسناً، حدث هذا الشيء. وكما قلت آنذاك: “لا يحتاجون فقط إلى استقرار أسعار النفط، بل يحتاجون إلى ارتفاعها”.

بل إن الأمر أصبح أكثر أهمية الآن مما كان عليه قبل تفشي فيروس كورونا بالنسبة للدول المنتجة للنفط، أن ترى ارتفاع أسعار النفط في المستقبل القريب. سيكون الوضع المثالي بالنسبة لهم هو رؤية الأسعار بأرقام تتجاوز المائة دولار للبرميل، التي شهدوها آخر مرة في عام 2014. أسهل طريقة لتحقيق ذلك قد تتمثل في إجبار الولايات المتحدة على خفض الإنتاج. يبدو أن الإنتاج الأمريكي حالياً قد استقر عند 11 مليون برميل يومياً بعد الانخفاض الناجم عن الجائحة. في نهاية فبراير/شباط وبداية مارس/آذار، كان الإنتاج الأمريكي عند مستوى قياسي بلغ 13.1 مليون برميل في اليوم. الرقم الحالي 11 مليون برميل يومياً ليس منخفضاً بما يكفي لرفع أسعار النفط. تحتاج روسيا والمملكة العربية السعودية إلى مزيد من خفض الإنتاج من جانب الولايات المتحدة.

في البداية، بدا أن بايدن لم يكن مرشحاً جيداً لنوع السياسات البيئية التي من شأنها مساعدة روسيا والمملكة العربية السعودية. فقد بدا أن لديه سياسات محدودة للغاية بشأن الطاقة بين المرشحين الديمقراطيين الرئيسيين. وفي سبتمبر/أيلول، كان نائب الرئيس السابق جو بايدن محدوداً نسبياً في مزاعمه، حيث قال فقط إنه سيوقف التنقيب عن النفط أو التنقيب عن الغاز في الأراضي الفيدرالية. بعبارة أخرى، أبدى التزاماً تجاه عدم حفر أي آبار جديدة في الأراضي الفيدرالية الشاسعة”. لا يمثل ذلك الكثير، بالنظر إلى أن معظم المرشحين الآخرين قالوا إنهم سيحظرون أو يفكرون في حظر عمليات التصديع المائي لاستخراج احتياطات النفط والغاز، والتزم ثمانية مرشحين بإنهاء الحفر البحري.

حتى الآن، لا يقول بايدن الكثير عن إنتاج النفط الأمريكي. لا تذكر صفحة الويب الطويلة المخصصة لسياسته الجديدة عمليات التصديع المائي أو التصديع الهيدروليكي على الإطلاق. لقد ذكرت فقط “الغاز الصخري” في مقارنة لتكاليف الهيدروجين. أما التنقيب عن النفط البحري بعيداً عن الولايات الـ48 المتجاورة، فلم يُذكر على الإطلاق باستثناء الإشادة بالإنجازات السابقة لإدارة أوباما. ومع ذلك، يميز نفسه بشكل كبير عن الرئيس ترامب، الذي ارتفع إنتاج النفط الأمريكي خلال عهده إلى أكثر من 33٪ بحلول هذا الوقت من العام الماضي. ويؤكد بايدن أنه في اليوم الأول من توليه منصبه، سيستخدم سلطة الرئيس للحدائق والآثار الوطنية لحظر “السماح بعمليات التنقيب الجديدة عن النفط والغاز في الأراضي والمياه العامة”.

قد لا يكون لدى بايدن خطط صارمة مثل بعض منافسيه السابقين، لكن مواقفه بالتأكيد أكثر صرامة من ترامب تجاه إنتاج النفط. علاوة على ذلك، فإن إدارته لا بد أن تكون مزودة بموظفين ذوي عقلية مختلفة عن فريق ترامب المؤيد لفكرة الحرية الاقتصادية الذي يشجع إنتاج النفط الأمريكي الضخم، حتى في الأراضي الفيدرالية، مع القليل من القوانين المقيدة لذلك. ستجعل وكالة حماية البيئة ووزارة الداخلية في إدارة بايدن من الصعب على شركات النفط استكشاف وحفر آبار جديدة ونقل الكثير من النفط المنتج.

تعرف روسيا والمملكة العربية السعودية ودول منظمة أوبك ودول أخرى منتجة للنفط هذا الأمر. ولسنوات، رأوا أسعار النفط تصل إلى حوالي 100 دولار للبرميل أو أكثر. الآن، بالكاد يبقى النفط فوق مستوى 40 دولاراً. لم تقترب أسعار النفط من تجاوز المائة دولار لمدة 6 سنوات تقريباً. حاولت روسيا والمملكة العربية السعودية ودول أخرى التلاعب بالسوق لرفع الأسعار من خلال أوبك ومجموعة أوبك بلس الأكبر، لكنها فشلت مراراً وتكراراً. يبدو أن حجم إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة يثقل كاهل سعر النفط. يمكن لهذه الدول أن تأمل فقط في قوة تؤدي إلى انخفاض الإنتاج الأمريكي. وفي الوقت الحالي، يجب أن يأملوا أن يحقق فوز بايدن ذلك لهم.

يقول دانييل بِنَيم، الباحث في مؤسسة القرن الداعمة للديمقراطيين في ورقة بحثية صدرت مؤخراً، إن دعم ترامب غير المشروط لآل سعود شجّع السلوك السعودي المتهور الذي أضرّ بالقيم والمصالح الأمريكية، مثل الحرب المدمرة في اليمن، وقتل الصحفي جمال خاشقجي، والقمع الشديد للمدافعين السعوديين عن حقوق الإنسان، والاتجاه العام نحو حكم الرجل الواحد، المتمثل في شخص ولي العهد محمد بن سلمان. إلا أن توصياته لإدارة محتملة يقودها الديمقراطيون لا تزيد عن تصحيح مسار بسيط، أو بكلماته هو، “إعادة تنظيم هذه العلاقات وليس إعادة النظر فيها”.

ويرى خبراء أن بايدن، يؤيد تغيير نمط العلاقات وليس هيكلها، وبالتالي قد تجد الرياض نفسها مع حليف في البيت الأبيض أقل التزاماً تجاهها، لكنه من غير المرجح أن يُخضِع العلاقات الثنائية لإعادة تقييم جذري بالرغم من جميع انتقاداته لإدارة ترامب في تعاطيها مع السعودية، وهو ما يعني أن الرياض قد تفضل في النهاية فوز بايدن لأجل مصالحها الاقتصادية.

ويقول كريستيان كوتس أولريكسن، الباحث في شؤون الشرق الأوسط بمعهد بيكر التابع لجامعة رايس، لموقع MEE البريطاني، إنه “حتى لو فاز بايدن بالرئاسة، فإن المؤشرات تقول إن العلاقات الأمريكية السعودية لن تشهد تغييراً جذرياً”. ويضيف أولريكسن: “باعتبار بايدن وسطياً، سيواصل التعاون مع السعودية. قد يكون أقل حماية للأمير محمد بن سلمان من ضغط الكونغرس مقارنة بإدارة ترامب. لكن تقل احتمالات حدوث تصدّع أو انقسام أكثر تطرفاً في العلاقات مثلما هو متوقع أن يحدث مع (مرشحين) آخرين”.

ولتشجيع السعودية على التحرك في اتجاه أكثر اتساقاً مع المصالح والقيم الأمريكية، يوصي دانييل بنيم إدارة بايدن المحتملة بأن تمنح للرياض ما يشبه فترة اختبار سيتعين عليها خلالها تعديل سياساتها، بحيث تناسب التوقعات والأولويات الأمريكية الجديدة. لكن من دون مواعيد نهائية وعقوبات تُحدَّد بوضوح في حالة عدم الامتثال، من المستبعد أن ينجح هذا النهج، وهو ما يعني ببساطة استمرار سياستيّ إدارتي أوباما وترامب، التي قدمت كل منها، بطريقتها الخاصة، دعماً قوياً للسعودية. ويكمن الخطر في أنه إذا فشلت السعودية في أن تلتزم بجانبها من الصفقة التي يتصورها بنيم، فسيزداد انعدام الاستقرار في المنطقة، وستزداد التكلفة على الولايات المتحدة إذا قرّرت في النهاية أن تنأى بنفسها عن آل سعود.

بالنسبة لروسيا، التي استفادت كثيراً من ترامب واتهمت حتى بالتدخل في الانتخابات الأمريكية عام 2016 لأجل فوزه، فيما خاض ترامب معركة إنكار طويلة ضد الكونغرس والقضاء حول التدخل الروسي لصالحه، فقد تتعرض لخسارة كبيرة برحيل ترامب وقدوم بايدن الذي لا تكن له الارتياح منذ أن كان نائباً سابقاً للرئيس الأمريكي بارك أوباما، الذي قدم دعماً لجيران روسيا التي تكن لهم موسكو عداءً كبيراً.

وعلى العكس من السعودية التي ما زال هناك احتمالات لإصلاح العلاقة معها، قد تجد العلاقة بين موسكو وواشنطن تدهوراً كبيراً بوصول بايدن للرئاسة، وهو الذي ما زال يحذر من أي تدخلات لها في الانتخابات القادمة، مؤكداً في تصريحات جديدة أنه سيجعل روسيا وأي دول أخرى تدفع الثمن في حال تدخلها بالانتخابات. وأكد أنه سيعتبر التدخل الأجنبي في الانتخابات عملاً “عدائياً”، مشدداً على عدم وجود نية لديه لتصعيد التوتر مع روسيا أو أي بلد آخر.

كما أنه سبق وأن لوّح بايدن، بقيود تجارية روسيا والصين في حال فوزه بالرئاسة، “بهدف إنعاش الصناعات الأمريكية ولضمان استقلال الولايات المتحدة وحلفائها عن التوريدات من دول مثل الصين وروسيا”.

لكن وبرغم كل ذلك، فمن المرجح أيضاً أن تجبر الأزمة الاقتصادية التي تمر بها روسيا بعد جائحة كورونا وانهيار أسعار النفط، لإعادة حساباتها فيما يتعلق بالتربح من وجود ترامب، وتحويل أنظارها إلى فوز بايدن وتحسين العلاقات معه، بصفته أملاً في تحسين اقتصادها من خلال احتمالات ارتفاع أسعار النفط مجدداً، إذا ما أوقف بايدن بالفعل التنقيب عن النفط في الولايات المتحدة الأمريكية، وقام بخفض إنتاجها منه.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى