ثقافة وادب

قتلت خادماتها بطريقة وحشية وقيل إنها كانت تستحم بالدماء، تعرف على «الكونتيسة الدموية» داريا سالتاكوفا

كانت صرخات الخادمات المعذبات التي تعلو بالتزامن مع صوت السياط في قصر السيدة الروسية والأرستقراطية داريا سالتاكوفا تبدد سكون ليالي موسكو، وبالرغم من أن حالات الوفاة في سن مبكرة لم تكن شائعة في طبقة الخادمات خلال القرن الثامن عشر في روسيا، إلا أن الوضع كان مختلفاً لأولئك اللواتي خدمن في منزل الأرملة التي عرفت فيما بعد باسم «الكونتيسة الدموية».

فقد كانت الكونتيسة داريا سالتاكوفا واحدة من النساء اللواتي اشتهرن باستغلال سلطتهن ومكانتهن لقتل الفقراء أو تعذيبهم وإصابتهم بعاهات مستديمة، وعلى الرغم من أنها أدينت في النهاية بتعذيب وقتل حوالي 38 فتاة من خادماتها، إلا أنها اتهمت بقتل ما يقارب 138 فتاة وتعذيب عدد أكبر من الناجيات اللواتي لم يستطع أحد إحصاء أعدادهن على وجه التحديد.

إليكم قصتها، بحسب ما ورد في موقع All That’s Interesting الأمريكي. 

لم تكن داريا سفاحة دموية بهذا الشكل منذ بداية حياتها، فقد قيل أن هذه الكونتيسة المولودة في العام 1730 كانت تقية إلى أبعد حد أيام شبابها.

فقد كانت من الملتزمين بتعاليم الكنيسة، كما حرصت على زيارة كل الأضرحة المقدسة.

تزوجت داريا سالتاكوفا في سن صغير من غليب سالتيكوف، وهو قائد في الحرس الملكي، وكان غليد من عائلة لها علاقات بالفلاسفة، والفنانين، والساسة، وأصحاب الأموال والأراضي والسلطة.

إلا أن زوجها توفي عندما كانت تبلغ من العمر 26 عاماً فقط، تاركاً للأرملة الشابة مساحات واسعة من الأراضي والأملاك وما يزيد عن 600 خادمة.

يعزو البعض فساد شخصية داريا فيما بعد إلى الأموال الطائلة التي تركها زوجها، فقد باتت شخصية دموية سادية، حيكت عن وحشيتها العديد من الأساطير لدرجة أن قصتها باتت تمزج الواقع مع الخيال.

وبالرغم من أنها بالغالب لم تكن تستحم في الدماء كما قيل عنها، إلا أنها بلا شك واحدة من أكثر النساء اللواتي اتسمن بالقسوة والوحشية في العصور السالفة.

لاحقاً، ادعت سالتاكوفا بأن غضبها وعنفها ضد الخادمات كان نابعاً من إهمال الضحايا في إدارة قصرها، إلا أن العديدين يعتقدون أن الكونتيسة لم تكن راضية عن حياتها، وأنها كانت تنتقم من الفتيات صغيرات السن بسبب تعاستها في حياتها الشخصية.

وسواء كان هذا هو السبب أم لا، فإن السيدة النبيلة قد عبرت بالفعل عن إحباطات شخصية وعاطفية عن طريق العنف.

فبعد حوالي 7 سنوات من وفاة زوجها الأول، انفصل حبيبها نيكولاي تيتشيف عنها من أجل أن يتزوج بامرأة أخرى.

حينها أشعلت الغيرة والغضب نيران الجنون لدى داريا فأمرت خادماتها بقتل حبيبها السابق وزوجته، إلا أن الزوجين نجيا من هذه المحاولة على عكس خادمات داريا اللواتي صبت عليهن الكونتيسة جام غضبها وإحباطاتها.

كانت داريا تصطاد ضحاياها بصفة شبه حصرية من الفتيات اللاتي كان يبلغ عمرهن في الغالب 12 عاماً. 

وكانت الفتيات الضحايا ينتمين إلى طبقة «القنانة»، وهي طبقة اجتماعية تنفرد بها روسيا وتقع في المنتصف بين طبقة العبد وطبقة الخادم الذي يتقاضى أجراً على عمله.

إذ إن هؤلاء الفتيات وُجدن من أجل خدمة أسيادهن أو سيداتهن إضافة إلى أن فرصهن في النجاة من المعاملة السيئة تكاد تكون معدومة، فقد كانت فرص تطبيق العدالة محدودة خلال القرن الثامن عشر في روسيا على أية حال.

زُعم أن داريا كانت خبيرة في العنف، فقد تنوعت أساليبها وأسلحتها.

كانت تقذف المياه الساخنة على ضحاياها، وتخبئ جذوع أشجار في كل غرفة لتضرب بها الفتيات حتى الموت، وتوقد النار في أجسادهن، حتى أنها كانت تدفع بهن على السلالم كعقوبة لأخطاء بسيطة ارتكبنها. 

وقد قيل أيضاً إنها كانت تقيدهن وتتركهن عراة في البرد.

وفي إحدى المرات، زُعم أن قساً دُعي إلى قصرها  لإقامة الطقوس الآخيرة لامرأة حامل على وشك الموت.

 فوجد أن المرأة قد ضُربت وطُعنت حتى الموت، وادعى البعض بأن بطنها الحامل قد سُحقت. 

وتقول شائعة أخرى لقروي مرّ على قصر السيدة النبيلة إنه تجسس على جثة امرأة نُقلت بعربة بعيداً في جوف الليل.

وذكر أن جسد المرأة كان محروقاً، وقد أزيل شعرها أيضاً.

من حسن حظ خادمات داريا -أو من تبقى منهن- أن كاثرين العظيمة قد وصلت إلى عرش روسيا بعد أن نفذت انقلاباً أطاح بحكم زوجها وتسبب في مقتله.

لقد كانت كاثرين العظيمة معجبة بعصر التنوير، وقررت أن تتجه بروسيا نحو الحداثة.

ومع أنها لم تصل إلى درجة تحرير طبقة القنانة، إلا أن هذه الطبقة قد حصلت في عهدها على بعض الحقوق.

ولاسيما فيما يخص منع القسوة المفرطة تجاه هذه الطبقة وإعطاءهن الحق في تقديم الشكوى ضد أسيادهن خلال عصرها.

وبرغم تجاهل ما يقرب من 21 شكوى ضخمة صدرت من خادمات داريا في حقها، لم يصمد عهدها الدموي أمام الشكوى الثانية والعشرين التي صدرت عام 1762 وأسقطته بالكامل. 

فقد استطاع أحد العاملين بوظيفة ثابتة عند داريا أن يتغلب على خوفه منها ووصل إلى كاترين العظيمة شخصياً.

وصرّح لها بأن السيدة النبيلة لم تقتل فقط امرأة واحدة، بل نجحت في قتل ثلاث من زوجاته تباعاً. 

كان الوضع السياسي لكاثرين على حافة الانهيار، فأرادت أن تثبت للعامة بأنها تهتم لشأنهم، لكنها أيضاً كانت في حاجة إلى أن تثبت للطبقة الحاكمة بأن الحرية في روسيا لن تكون للجميع.

وهكذا استُدعي عديدٌ من الشهود خلال التحقيق في قضية الأرستقراطية القاتلة الذي استمر عامين، وسُجنت داريا طوال وقت التحقيق في زنزانة في دير بموسكو. 

شهد المئات من الفلاحين في هذه القضية، واتهمت داريا نتيجة لذلك بضرب حوالي 138 من خادماتها حتى الموت، وحُكم عليها بالنفي إلى صربيا. 

وفي نهاية المطاف، أدينت الكونتيسة بقتل 38 شخصاً، وحكم عليها بقضاء حياتها في ظلام دامس وعزلة، مع السماح بخروجها من زنزانتها فقط لخدمات الكنيسة الأسبوعية، وقد استطاعت الكونتيسة الدموية تفادي حكومة الإعدام فقط لأن روسيا قد ألغتها في العام 1754.

وماتت داريا سالتاكوفا عام 1801، بعد تحمّل 30 عاماً من معاملة لا تقل قسوة عن التي انتهجتها مع خادماتها.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى