مقالات إضافية

فرنسا لم تعتذر والجزائر لم تنس

بادية شكاط كاتبة في الفكر،السياسة وحقوق الإنسان

 بادية شكاط

رئيسة فرع إعلاميون حول العالم في الجزائر

عضو مؤسس

في كل مرة تصيب الذاكرة التاريخية الجزائرية الوعثاء،وهي تتقلب بين صفحات سوداء،من غير أن تجد في ذلك أي عزاء،فحتى من عددناهم مصابيح للحرية،وجدناهم منابر تبرر للوحشية،فهذا الشاعر والأديب فيكتور هوجو يصف في حوار له مع المجرم توماس بوجو جرائم فرنسا في الجزائر قائلا:“إنّ الغزو الجديد الذي قمنا به في الجزائر ذو شأن كبير ومفرح،إنها الحضارة التي تكتسح البربرية،إنه الشعب المستنير الذي يذهب باتجاه شعب غارق في الظلام،نحن إغريق العالم وعلينا إضاءته”

فعن أي إضاءة يتحدث شاعر الظلامية؟

في حين كتب ألكسي توكفيل تقريره إلى اللجنة البرلمانية الفرنسية،بعد مغادرة الجنرال بوجو الجزائر،قائلاً:“إننا حوّلنا المجتمع الإسلامي الجزائري أكثر بؤسًا،أكثر فوضوية،أكثر جهلاً”.

وهذا ميشال روكار رئيس وزراء فرنسا سابقًا خلال حكم فرنسوا ميتيران،قال :”إنني أخجل من ماضي فرنسا الإستعماري،وإنّ فلاسفة التنوير،الذين يتغنى بهم الفرنسيون،لايلغون قائمة أسماء جنرالات فرنسا،الذين أجرموا في حق الشعوب،وفي مقدمة هذه الشعوب “الشعب الجزائري” من منا ينسى الجنرال دوفال ،مجرم مجزرة 8 ماي 1945 الذي كان وراء مقتل 45 ألف جزائري في كل من مدينة سطيف،قالمة وخراطة “.

فكيف بدأت إحدى أفظع المجازر الوحشية،من دولة لطالما تشدّقت بحقوق الإنسان والإنسانية؟

لقد بدأت أحداث مجازر الثامن من ماي 1945،حين بدأ الفرنسيون يحتفلون بانتصار الحلفاء على ألمانيا النازية،في الحرب العالمية الثانية،وأراد الجزائريون تذكير فرنسا بحقهم أيضًا في الإستقلال والحرية،فخرج الجزائري”محمد بلحاف” حاملاً العلم الجزائري،رفقة عشرات الآلاف من المتظاهرين الجزائريين،حاملين لافتات كتب عليها:“تحيا الجزائر حرة مستقلة” و “الحرية للجميع”،في عدة مدن جزائرية،كمدينة سطيف،قالمة،خراطة،وغيرها،ليقابَل المتظاهرون السلميون بسيل من الرصاص الحي الذي أمات 45 ألف شهيد جزائري،وذاق بعدها الشعب الجزائري لأسابيع متتالية صنوفًا من العذابات الوحشية،لم يستثن منها الأطفال ولا النساء ولا المسنين،بل إن منهم من نقل على شاحنات لرميهم في المنحدرات،أو نقلهم خارج المدن إلى القرى والمداشر لتصفيتهم،ثم حرق جثثهم في أفران من الجير أو خنادق من الجحيم مشتركة.

غير أن الكثير من الفرنسيين يتحرّجون من هذه المجازر الوحشية،فيحاولون التخفيف من فظاعتها،بتقليص أعداد الضحايا الجزائريين،تمامًا كما فعلت الكاتبة “فرانسين ديساني” في كتابها :”السلام لعشر سنوات“،هذا العنوان الذي يعود إلى مقولة الجنرال دوفال صاحب مجازر الثامن من ماي،الذي صرّح بأنّه وفّر للجزائريين بهذه المجازر أمنًا لمدة عشر سنوات قادمة،حيث رفضت الكاتبة أن يكون عدد القتلى الجزائريين 45 ألف جزائري،ونعتت ذلك بالأسطورة التي كانت حسبها من نسج   خيال إذاعة القاهرة المصرية وبعض الوطنيين،كما نقلت أقوال “الجنرال هنري مارتان” الذي دافع عن الجنرال السفاح “دوفال” وجعل منه منقذًا للمسلمين من الهجوم الوحشي الذي قام به المتمردون من الجزائريين المسلمين في 8ماي 1945،في حين قدّرت بعض الإحصاءات ضحايا مجازرالثامن من ماي ب“70 ألف شهيد جزائري”.

غير أن هناك من الفرنسيين الذين أنصفوا الحقيقة،كالفيلسوف الفرنسي “فرانسيس بانسون” صديق جان بول سارتر ،الذي تعجّب من الذين يتساءلون عمّ جرى في الجزائر من طرف جنرالات فرنسا،إن كان جرائم حرب أم جرائم ضد الإنسانية؟

حيث قال :“أنا لاأفهم لماذا نطرح اليوم سؤالاً عن الحرب الإستعمارية،والسؤال الذي ينبغي طرحه بحق هو:”لماذا قمنا نحن بالحرب ضد الشعب الجزائري؟ وباسم أية مصلحة،ولفائدة من ؟…ماأراه متمثلا أمام عيني هو أننا قمنا بسياسة إستعمارية لاترحم منذ 8 ماي 1945،وما اعقبها من مجازر ،فالتعذيب لم يولد مع ثورة نوفمبر 1954،من طرف المستعمرين الفرنسيين،بل وجد قبل هذا التاريخ”

نتائج المترتبة عن حوادث 8 ماي 1945 كاملة .. ((نتائج حوادث 8 ماي ...

ثم نجد فرنسا وكلها فخر،لاتزال تحتفظ بجماجم الجزائريين في متحف،تسميه “متحف الإنسان” وهو أبعد مايكون عن الإنسانية.

هذا المتحف الذي يحتوي على 18 ألف جمجمة لجزائريين،وقادة من المقاومة الجزائرية،قتلتهم فرنسا وقطعت رؤوسهم،ونقلتها إلى باريس،حيث وضعتها في هذا المتحف.

فرنسا تراجعت عن عرض جماجم المجاهدين في متحف الإنسان - جريدة الفراعنة

وإن كنا نطالب كل يوم بالإعتذار ،فهل يمكن لإعتذار أن ينسي شعبنا الجزائري هذه الذاكرة الدموية؟

وهل يمكن لهذا الإعتذار الذي تكابر فرنسا في تقديمه،أن يمحي سجلا دمويًا من الوحشية والعار؟

يقول المفكر الجزائري الشيخ البشير الإبراهيمي:“لو أنّ تاريخ فرنسا كتب بأقلام من نور،ثم كتب في آخر فصل من هذه الفصول المخزية بعنوان :”مذابح سطيف،قالمة،خراطة” لطمس هذا الفصل ذلك التاريخ كلّه”.

فما أعظم هذا الشعب،الذي مجده دال،وعزه لايزال!

تحيا الجزائر والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار .

 

 

 

بادية شكاط كاتبة في الفكر،السياسة وحقوق الإنسان

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى