لايف ستايل

كم يوماً يحتاج الفيروس لتظهر أعراضه؟ وما العدد المتوقع إصابتهم؟ ولماذا هاجم أشخاصاً في منازلهم؟ أكثر الأسئلة المُلحة حول «كورونا»

يحاول العلماء في أنحاء
العالم، وعلى مدار الساعة، اكتشاف ما ينبغي فعله لإنهاء حالة الطوارئ الصحية
العالمية التي كان سببها فيروس كورونا المُستجدّ. مع تسارع وانتشار تفشي المرض،
استخدمت عشرات الدول تدابير متزايدة وصارمة لمحاولة احتواء الوباء. بالسرعة نفسها
تقريباً، وبجهود جبارة، بدأت شبكة دولية من الباحثين في مختبرات البيانات
والمختبرات التجريبية جمع وتحليل البيانات، لكشف غموض هذا المرض المُزعج المُستجد،
وإيجاد علاج للفيروس.

من
حيث الجسامة والنطاق وسرعة الانتشار، يُعتبر فيروس كورونا المُستجد مشكلة أكبر من
أن يتعامل معها أي فريق بمفرده. في يوم الإثنين، 10 فبراير/شباط، سجّلت الصين أعلى
زيادة في حالات الوفيات في يومٍ واحد، التي بلغت 97 حالة، وهو ما يرفع إجمالي الوفيات المُبلغ عنها في أنحاء العالم إلى 910 حالات، مع أكثر من 40,500
مصاب في 4 قارات. 

لقد انضممت يوم الثلاثاء الموافق 11 فبراير/شباط، إلى زملائي
العلماء في مقر منظمة الصحة العالمية في جلسة طارئة لتجميع نتائجنا
التي توصلنا إليها حتى الآن، مثل أُحجية عملاقة. إننا نحتاج إلى تكوين رؤية واضحة
حول هذا المرض المُعدي،
وسدّ الثغرات في فهمنا للمرض لاتّخاذ قرارات مستنيرة فيما يتعلّق بالصحة العامّة،
التي تؤثّر على مئات الملايين من الأرواح. يؤدي العلم دوراً بالغ الأهمية في
استعادة الطمأنينة.

فلنبدأ
بما نعرفه. يتشابه فيروس كورونا المُستجدّ إلى حدٍّ كبير مع الفيروسات التي تصيب
الخفافيش.
انتقل الفيروس سريعاً من مصدر بريٍّ غير مؤكّد (الخفافيش على الأرجح) إلى عائلٍ وسيط، ربما آكل النمل الحرشفي، أو ثدييات أخرى صغيرة، تُباع
بصفتها طعاماً في أحد الأسواق في مدينة ووهان، التي تُعتبر مركزاً للنقل والتجارة
في وسط الصين. نقل المصابون المرض إلى أشخاصٍ آخرين دون دراية، مُطلقين بذلك رحلة
الوباء القاتلة. نُقدِّر الآن أن الأمر يستغرق ما بين 5 إلى 6 أيام -وقد يصل الأمر
إلى أكثر من 14 يوماً- لتظهر الأعراض على الشخص منذ لحظة إصابته بالعدوى.

ما
المعلومة التي نحن في أمسِّ الحاجة لمعرفتها بعد ذلك؟ بالنسبة إلى علماء الأوبئة
الذين يتتبعون الأمراض المُعدية، تتمثل أكثر المخاوف إلحاحاً في كيفية تقدير شدّة
فتك المرض، ومن هم الأكثر عُرضة للإصابة به، والحصول على معلومات تفصيلية حول
طريقة انتشاره، وتقييم نجاح تدابير المكافحة حتى الآن.

السؤال الأول هو سؤال “المرض الخفي”: ما كم الأمور التي لا نعرفها عن
المرض؟ نظراً إلى أن الوباء يتطور بصورة آنية، لا يمكننا حتى الآن أن نرصد المجموع
الكلي للمصابين. بعيداً عن الأنظار هناك نسبة من المصابين بدرجة طفيفة، مع أعراض
بسيطة أو من دون أعراض، والذين لا يعلم أحد أنهم مصابون.

يبدو
أسطول حاملي المرض غير المرئيين مُنذراً بالسوء، لكن في الواقع قد يعني الرقم
الضخم للمصابين المجهولين وفاة عدد قليل للغاية من المصابين. ومثلما جرت العادة،
ستحدِّد حسبة رياضية بسيطة نسبة “الوفيات جرّاء الإصابة” بالطريقة
التالية: يُقسَّم إجمالي عدد الوفيات على العدد الإجمالي للأشخاص المصابين. في
حالة حدوث وباء مُستجدّ يستمر كلا الرقمين في التغير، وأحياناً بسرعات مختلفة.
ويجعل ذلك عملية القسمة البسيطة مستحيلة، فسوف تُخطئ بها لا محالة.

في
عام 2003، في الأيام الأولى لتفشِّي متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد (سارس)، أخطأ
المجتمع الطبّي في الحسابات. في البداية، اعتقدنا أن الوفيّات من جراء الإصابة
تراوحت بين 2% و3%. تطلَّب الأمر صفحتين من معادلات جبرية بخطِّ اليد، كُتبت في
أوكسفورد بإنجلترا وشُفِّرت على جهاز حاسوب في لندن، وطُبِّقت بعد ذلك على بياناتٍ
من هونغ كونغ لحسابها بطريقة صحيحة. كانت الوفيات الفعلية من جراء الإصابة في هونغ
كونغ مهولة؛ إذ بلغت 17%.

هذا
ليس للإيحاء بأننا نواجه الآن حالة طارئة مثل “سارس”. تستخدم العديد من
الفرق العلمية، بما فيها فريقي، طرقها الخاصة لحساب تقدير مبدئي لدرجة فتك الفيروس
المُستجد. إذا كان هناك اتفاق قريب بين نتائجنا، والمُتوقع خلال هذا الأسبوع،
سنكون أكثر يقيناً في وصف الفيروس المُستجد. هل يُشبه الإنفلونزا الموسمية أو “سارس”
أو الإنفلونزا الإسبانية التي انتشرت بين عامي 1918 و1919،
والتي تُعتبر من أكبر الأوبئة في التاريخ البشري
؟ 

معرفة عدد الأشخاص المعرضين للوفاة أو الذين قد يمرضون بشدة أو
من قد لا تظهر عليهم أي أعراض ستساعد مسؤولي الصحة في تحديد قوة الاستجابة
المطلوبة. يمكنهم على نحوٍ أفضل تقدير العدد الذي يحتاجونه من أسرّة العزل وأجهزة
وأدوية القلب والرئة، إلى جانب أمور أخرى.

كي
نبدأ في فهم حدّة هذا المرض، قدّم فريقي، في الشهر الماضي، المساعدة لخبراء صينيين
في تحليل أول 425 حالة إصابة
مؤكدة
. علمنا أن 65% من
المصابين لم يذهبوا إلى السوق، ولم يتعرضوا لشخص آخر تظهر عليه أعراض التهاب رئوي،
ما يعني ضمناً، من بين أمور أخرى، احتمالية أن بعض الأشخاص المصابين بالعدوى لا
يعانون من أعراض واضحة، الأمر الذي يعني أن المرض ليس خطيراً دائماً. 

إلى
جانب معرفة مستوى خطورة المرض جيداً، هناك الحاجة لمعرفة الاستعداد المناعي أو مَن
هم الأكثر عُرضة لخطر الإصابة. تشير البيانات حتى الآن إلى أن ذلك قد يشمل
البالغين الأكبر سناً، والمصابين بالسمنة، والمصابين بحالات طبية مُستبطِنة. هناك
عدد قليل من التقارير التي تفيد بإصابة أطفالٍ بالفيروس. لكن هل لا تظهر عليهم
أعراض، أم أنّهم يتمتعون بمناعة ضد الفيروس؟ وهل يمكن أن ينقلوا العدوى إلى آخرين
كونهم ناقلين عديمي الأعراض؟ علينا
دراسة هؤلاء الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً لاكتشاف الإجابات التي قد تساعدنا في
تحسين تدابير الصحة العامة. على سبيل المثال، هل ينبغي أن تظل المدارس في الصين
وهونغ كونغ مُغلقة؟

بالعودة إلى الصورة الأشمل، علينا أيضاً تنقيح ما نعرفه حول طريقة انتشار فيروس كورونا المُستجد بين الأشخاص. رغم أن الوباء يبدو مستمراً في الانتشار، نؤمن أن سرعة الاستجابة -التي تكون قاسية في بعض الأحيان- من الحكومات والسلطات المعنية بالصحة  قد أثّرت على انتشار العدوى. في دراسة حديثة أخرى، قدّرنا عدد الأشخاص الذين كان يمكن أن يُصابوا بالعدوى إذا لم تكن هناك إجراءات مشددة في الصحة العامّة. كان هدفنا من هذا هو دقّ ناقوس الخطر بشأن ما كان يمكن أن يحدث، وبالتالي لا يحدث ذلك.

يعمل
العلماء من أجل قياس كفاءة الاستجابة. نحتاج إلى معرفة ما إذا كان عدد التكاثر
الأساسي “R0” أو “R-naught” قد انخفض. بينما أثبتت تقديراتنا الأوليّة أنه عادة ما ينقل
كل مصاب بفيروس كورونا المستجد العدوى إلى ما بين 2 إلى 2.5 آخرين، ما زال من
المبكر للغاية أن نعلم ما إذا كانت الإجراءات قد خفّضت هذا الرقم إلى أقل من الحد
الأدنى الحرج الذي يساوي 1.

وفي
الوقت ذاته، نراقب بقيّة العالم عن كثب، لرصد أي حالات تفشٍّ كبيرة ومستمرة، والتي
قد تشبه نقطة البداية في ووهان. نتطلع إلى مزيد من التنوير خلال أيامٍ أو أسابيع.
بحلول يوم الإثنين، 10 فبراير/شباط، كان أكبر تجمع للمرضى المصابين في موقع واحد
خارج بر الصين الرئيسي، الذي يزيد عن 130 شخصاً، على متن سفينة رحلات سياحية تحمل
اسم “Diamond Princess” وتخضع للحجر الصحي في ميناء يوكوهاما
الياباني.

في
النهاية، يحتاج العلماء لتقييم تدابير السيطرة على المرض، أو تدابير الحد من
التواصل الاجتماعي المُتّبعة منذ بداية التفشي. ينطوي التحدي على محاولة تقدير عدد
حالات العدوى التي مُنعت بالفعل من خلال تدابيرٍ مثل ارتداء الأقنعة وغلق المدارس
والمدن. قد تقتضي واحدة من الأساليب المُحتملة لهذا التقدير في الصين استخدام
بيانات خدمات الموقع من الهواتف المحمولة.

بينما
نحدد أولويات البحث في مقر منظمة الصحة العالمية في جنيف هذا الأسبوع، فالأمل هو
أن العلم، الذي تُنسَّق جهوده على نحو عاجل، سيكافح الأزمة على جبهات أخرى. قد
يساعد ذلك في مكافحة “المعلومات الآخذة في الانتشار حول الوباء”، وهذا
التضارب بين الأخبار الحقيقية والوهمية والمعلومات العلمية الزائفة التي تغذي حالة
عدم اليقين وتثير الذعر.

وقد
يساعد ذلك في تخفيض بعض التدابير التي تبدو مدفوعة بالشعبوية والعداء للمهاجرين.
من شأن التنبيهات المُتعلقة بالسفر والحظر الكلي للسفر وضوابط الهجرة والمعاملة
التي تتسم بكراهية الأجانب القادمين من أماكن مختلفة أن تسبب أضراراً جسيمة.

الهدف
هو استباق منحنى الوباء على الأقل بخطوتين. يجب على العلماء تهيئة السُّلطات
المعنيّة بالصحة لاستيعاب أي دفعات لاحقة من العدوى والتأهب لاحتمال أن يعاود هذا
الفيروس تحديداً الظهور بشكل موسمي، وقد يكون في يوم من الأيام بقدر السوء الذي
تمثّله نزلات البرد العادية.

لقد
رأيت رقماً قياسياً من الأوبئة من قبل وكنت شاهداً على تضافر العالم. إذا أدى
الجميع دورهم وتوخوا الحذر باستمرار، ستكون هناك فرص لهزيمة فيروس كورونا المستجد
أيضاً. هذه هي أفضل طريقة لتكريم الدكتور لي وين ليانغ، الذي يُعتبر من أوائل الأطباء في
ووهان الذين حذّروا العالم من المرض، المرض ذاته الذي قتله الأسبوع الماضي وهو في
الرابعة والثلاثين من عمره. 

– هذا
الموضوع مترجم عن موقع صحيفة
The New York Times الأمريكية.

غابريل ليونغ هو عالم وبائيات الأمراض المعدية وعميد كلية الطب في جامعة هونغ كونغ.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى