ثقافة وادب

أحبَّها مفكِّرو العالم العربي وانتهى بها الأمر في مشفى للأمراض العقلية.. ما لا تعرفه عن ميّ زيادة

أحبها جبران خليل جبران وطه حسين والعقاد وأحمد شوقي وشيخ الأزهر آنذاك مُصطفى عبدالرازق، وبالرغم من كثرة عشاقها، ماتت مي زيادة وحيدة في القاهرة ولم يمشِ في جنازتها سوى ثلاثة… نعلم جميعاً أن مي من أبرز أديبات العالم العربي المعاصرات، لكن يوجد كذلك كثير من المحطات المثيرة للاهتمام في حياتها، فلنتعرف عليها معاً:

بالرغم من أن مي زيادة اشتهرت بإبداعاتها الأدبية، إلا أنها كانت تملك الكثير من المواهب الأخرى فقد كانت تجيد العزف على البيانو وتتحدث 9 لغات هي: العربية والفرنسية والإنجليزية والألمانية والإيطالية والإسبانية واللاتينية واليونانية والسريانية.

لذا لا عجب أن تقول فيها والدتها: “مَن ينجب ميّاً، لا يُنجب غيرها”.

كانت مي وحيدة والديها بعد وفاة أخيها، لذا حظيت باهتمام بالغ من والدها اللبناني إلياس زيادة، وأمها السورية ذات الأصول الفلسطينية نُزهة معمر.

وُلدت مي زيادة في فلسطين، وتحديداً في مدينة الناصرة عام 1886، والتي غادرتها العائلة الصغيرة فيما بعد لتستقر في لبنان في قرية عينطورة حيث تلقت مي تعليمها هناك في مدرسة للراهبات.

وإلى جانب حبها للفنون والموسيقى وشغفها بتعلم اللغات وعشقها للشعر، أبدت مي اهتماماً مبكراً بالكتابة حيث يشاع أنها نشرت أولى مقالاتها في سن السادسة عشرة.

في عام 1908 انتقلت ميّ مع أسرتها للإقامة في القاهرة، وفي عام  1916 بدأت بدراسة الأدب والفلسفة والتاريخ الإسلامي في جامعة القاهرة، وإلى جانب دراستها عملت في تدريس اللغتين الإنجليزية والفرنسية.

ومنذ ذلك الوقت بدأت بتكثيف جهودها في المجال الصحفي، واهتمت بشكل خاص بالكتابة عن حقوق المرأة والنهضة العربية في عدد من الصحف المصرية، إذ كانت تستخدم أسماء مستعارة في بداياتها مثل شجية، خالد رأفت، إيزيس كوبيا، عائدة، كنار، والسندبادة البحرية الأولى.

وإلى جانب الصحف العربية، نشرت ميّ مقالاتها بعدة صحف أجنبية كذلك، وساعدها في ذلك إتقانها للعديد من اللغات، وقد أصدرت أول ديوان شعر لها باللغة الفرنسية عام 1911.

لم يتم تشبيه مي زيادة بالشاعرة الأندلسية ولادة بنت المستكفي فقط لحبها للشعر والأدب، بل لإنشائها صالوناً أدبياً يجمع الأدباء والشعراء كذلك الذي أسسته ولادة في القرن العاشر الميلادي.

بدأت مي باستقبال زوارها من الأدباء والمفكرين في صالونها الأدبي كل يوم ثلاثاء في العام 1913، وقد كان صالونها الوحيد في مصر الذي تديره امرأة ويستقبل ضيوفاً من الجنسين.

ومن الأدباء والمفكرين والشعراء الذين اجتمعوا في صالون مي الكاتب الكبير طه حسين، والشعراء أحمد شوقي وخليل مطران والأديب عباس محمود العقاد وغيرهم من الأدباء والصحفيين المنتمين لمختلف التيارات الفكرية.  

وقد استمر صالون مَي قُرابة 25 عاماً مُتواصلة ولم تتغيب عن استقبال ضيوفها إلا في الحالات الطارئة كالمرض أو السفر، وهِي أطول فَترة عَرفها صالون أدبي في الشرق أو الغرب.

من الطبيعي أن تكون فتاة مثقفة وجميلة ومرهفة الإحساس مثل مي محط اهتمام العديد مِنَ الشُّعراء والكتّاب والأدباء في عَصرِها، وخاصة الذين التقوا بِها في الواقع في صالونها الأدبي، أو حتى أولئك الذين عشقوها فقط عن طريق المراسلة دون أن يلتقوا يوماً بها، لكنه غالباً ما يكون حباً من طرف واحد.

ومن أبرز هؤلاء الشاعر والأديب المصري إسماعيل صبري باشا الذي يعتبر أحد أهم شعراء عصره ويلقب بـ”شيخ الشعراء”.

كما عشقها الأديب والصحفي والشاعر المصري عباس محمود العقاد، والأديب والناقد طه حسين، ومصطفى صادق الرافعي، وأنطون الجميّل، وأمير الشعراء “أحمد شوقي”، وغيرهم كثيرون.

حتى أن الشّيخ مُصطفى عَبدالرازق شَيخ الأزهر آنذاك و صاحب كتاب “الإسلام وأصول الحكم” كان واقعاً في حب مي زيادة، إلا أنه لم يفصح عن حبه لها سوى في مراسلاتهما الشخصية.

لكن من بين كل محبيها لم تكنّ مي زيادة مشاعر عميقة حقيقية سوى للشاعر اللبناني جبران خليل جبران.

من الغريب أن مي وجبران وقعا في الحب وخلفا لنا كنزاً أدبياً من مراسلات العشق، دون أن يلتقيا ببعضهما ولو لمرة واحدة.

وقد شبهه البعض بالحب السماوي الذي يحلق في فضاء الفكر، ووصفه البعض بأنه لم يكن إلَّا محض خيال، أو وهم جميل عاشه الاثنان.

كانت مي هي من بادرت بمراسلة جبران خليل جبران، فكتبت له رسالة تعرفه فيها على نفسها، وتخبره رأيها بقصته “مرتا البانية”، وقد تلقى جبران رسالتها بسعادة وكتب إليها يشجعها على الاستمرار في مراسلته وأهداها روايته الجديدة “الأجنحة المتكسرة”.

لم تحب مي أحداً مثل جبران، وجبران كذلك أحبها وأغرم بها، لكنهما لم يتخذا خطوة للأمام لتتويج هذا الحب وهذه القصة الأسطورية بالزواج.

كتبت مي في رسالة تعترف فيها بحبها لجبران قائلة: “ما معنى هذا الذي أكتبه؟ إني لا أعرف ماذا أعني به. ولكني أعرف أنك محبوبي وأني أخاف الحب. إني أنتظر من الحب كثيراً فأخاف أن لا يأتيني بكل ما أنتظر. أقول هذا مع علمي بأن القليل من الحب كثير. ولكن القليل في الحب لا يرضيني. الجفاف والقحط واللاشيء خير من النزر اليسير”.

وعلى مدار عشرين عاماً استمرت المراسلات بين الحبيبين، حتى وفاة جبران في نيويورك عام 1931، دون أن يكتب لهما اللقاء ولو لمرة واحدة.

لم يكن موت جبران هو الصدمة الأولى، فقد توفي والد ميّ قبل ذلك بعامين، ثم توفيت والدتها في العام 1932.

وبعد وفاة أحبابها عاشت مي فترة عصيبة من حياتها تعاني الوحدة وألم الفراق، وقد أمضت آخر أيام حياتها في لبنان عند أقاربها الذين لم يستطيعوا احتواء ما تمر به من أزمات نفسية صعبة وأرسلوها إلى مشفى للأمراض العقلية فترة من الزمن، وما إن خرجت منه حتى عادَت إلى مصر لتموت وحيدة هناك في العام 1941 عن عمر يُناهز 55 عاماً، حيث لم يمشِ في جنازتها سوى ثَلاثة هم: أحمد لطفي السيد، وخليل مطران، وأنطوان الجميل.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى