تقارير وملفات إضافية

حوارات بوزنيقة.. هدنة استعداداً لصراع أكثر عنفاً أم بداية النهاية للأزمة الليبية؟

جولة الحوار بين الفرقاء الليبيين في مدينة بوزنيقة المغربية تمثل فرصة هائلة لإنهاء الأزمة الليبية، المغرب وسيط نزيه، وهناك تأييد دولي لحل سياسي، والحل العسكري يبدو غير متاح لأي من الطرفين، لكن هناك أيضاً مؤشرات مقلقة بأن الأطراف ربما تستغل الحوارات لاستكمال الاستعداد لجولة أخرى من الصراع المسلح، فإلى أين تتجه الأمور؟

اجتمع وفدا المجلس الأعلى للدولة الليبي ومقره طرابلس، ومجلس النواب من أعضائه في مدينة طبرق الليبية في مدينة بوزنيقة المغربية، الساحلية على المحيط الأطلسي بين الرباط والدار البيضاء، وفي منتجعها كانت اللقاءات بين الوفدين الليبيين إثر مبادرة قدّمها عقيلة صالح، الذي شغل منصب رئيس مجلس النواب قبل العدوان على طرابلس، حيث  انقسم مجلس النواب بين طبرق وطرابلس، وقد كان من المقرر أن يكون اللقاء سرياً تشاورياً بين الوفدين، بعد دعوة وزير الخارجية المغربي “ناصر بوريطة” للفرقاء الليبيين للتشاور حول إمكانية استئناف الحوارات بين الوفدين.

وكانت هذه الحوارات قد بدأت بالفعل مع مجيء المبعوث السابق غسان سلامة، واستمرت خلال العام 2018، لكنها لم تسفر عن أي نتائج تذكر، وفي سياق فشل دخول قوات حفتر لطرابلس وانسداد الأفق أمام الحل العسكري، كانت مبادرة عقيلة صالح، والتي تهدف لتغيير المجلس الرئاسي وتكوين حكومة تنفيذية منفصلة عن المجلس الرئاسي وتقليل عدد أعضاء المجلس من تسعة أعضاء إلى ثلاثة أعضاء، لكن المبادرة كان ينقصها الكثير قانونياً، لذا قامت الخارجية المغربية بتهذيب هذه المبادرة، لجعلها تتناسق مع اتفاق الصخيرات، الذي وقع في 17 ديسمبر/كانون الأول عام 2015، وعدّل على أساسه الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس الانتقالي الذي حكم ليبيا، أثناء ثورة السابع عشر من فبراير/شباط عام 2011.

اللقاء خرج من السر للعلن، بعد أن أعلن عنه السيد عقيلة صالح ونشرته وسائل إعلام مختلفة، ويبدو أن المغرب قد نجح في التوفيق بين وجهات النظر، ولأسباب تبدو واضحة اتّجه الجدل حول الحديث عن تولي المناصب السيادية، وهي المادة 15 من الاتفاق السياسي، وتأجيل النقاش حول قضايا أخرى وهي محاولة -فيما يبدو- لاتباع سياسة الخطوة بخطوة بنقاش القضايا الممكنة، وتأجيل كل الإشكالات التي قد تعيق الحوار، لم يدع للحوار في بوزنيقة أي من الأطراف الدولية، ولكنهم دعوا لمباركتها كأساس لجولة من المفاوضات الجديدة على غرار الصخيرات.

ردود الفعل من كافة الأطراف الدولية كانت مرحبة، سواء من روسيا أو فرنسا أو تركيا أو الولايات المتحدة الأمريكية، وحتى مصر والإمارات. هذا الترحيب الدولي والنتائج الإيجابية التي خرج بها الحوار، وهي الاتفاق على قواعد لتولي المناصب السيادية وفقاً للمادة 15، والتي تنص على (يقوم مجلس النواب مع مجلس الدولة، خلال 30 يوماً من تاريخ إقرار هذا الاتفاق) بالتوافق حول المناصب السيادية، ونص الاتفاق على بيان هذه المناصب في نفس المادة، وهي: محافظ مصرف ليبيا المركزي، ورئيس ديوان المحاسبة، ورئيس جهاز الرقابة الإدارية، ورئيس هيئة مكافحة الفساد، ورئيس وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات، ورئيس المحكمة العليا، والنائب العام.

ويتطلب إعفاء شاغلي المناصب الحالية توافق المجلسان كما هي الفقرة الثانية من المادة 15 من اتفاق الصخيرات، ولا ندري بالضبط ما هي هذه التوافقات والقواعد التي اتفق عليها الطرفان، لكنهم اتفقوا على تأجيل الحديث عن أسماء حول هذه المناصب السيادية والتركيز على المعايير والإجراءات للترشيح والتعيين، واتفقوا كذلك على العودة لإعلام ومناقشة ما اتفقوا عليه مع المجلسين في طبرق وطرابلس.

وهنا يجب ألا يغيب عن بالنا أن مجلس النواب منقسم على نفسه، وأن الأكثرية التي تعقد اجتماعات، ومنتظمة في عملها هي في طرابلس، بينما لم يعد في طبرق إلا القليل، وكثير من أعضاء المجلس قد آثروا الامتناع عن تأييد أي من الطرفين، لذا فهو مجلس منقسم على نفسه معلّق، فلا المجلس في طرابلس مارس صلاحياته كبرلمان للأمة، ولا الأعضاء في طبرق التقوا وحددوا مسارهم، فليس هناك أي معلومات عن جلسات قانونية يعتد بها في قرارات هذ المجلس المنعقد في طبرق، إنما يمثّله عقيلة صالح كرئيس للمجلس، والجدل كبير حول موضعه، هل هو رئيس للمجلس أم ممثل لقبيلة العبيدات، أحد القبائل الفاعلة في الشرق الليبي.

هذا ما حدث في بوزنيقة، وتباينت ردود فعل الأوساط السياسية في ليبيا بين مرحب ومن يرى الاتفاق بداية لنهاية للأزمة الليبية، كما صرّح عضو المجلس الأعلى للدولة عبدالسلام الصفراني وبين من يرى أنها مجرد محاولة لتقاسم السلطة، وأننا ما زلنا بعيدين عن حل للأزمة الليبية.

وللإجابة عن سؤال هل نحن أمام مشاورات قد تنتهي لمفاوضات تصل بليبيا لبر السلام والأمان، أم أننا أمام مناورات سياسية، القصد منها كسب الوقت للجوء للسلاح ثانية، أو أنها مجرد رغبة من القوى الدولية لتجميد الأزمة الليبية عبر إطلاق هذه المفاوضات، إلى حين توافق هذه الدول حول التحولات الجيواستراتيجية في شمال إفريقيا وشرق المتوسط.

هذه السيناريوهات الثلاثة قد تكون جزءاً من التحليل السياسي، لكننا على كل حال أمام محاولة من المغرب لإيجاد حالة توازن إقليمي، وإطلاق مسار سياسي وترحيب دولي، فإذا تجاوزنا مسألة السياق السياسي الممكن لهذا الحوار بين المناورة (كسب الوقت للدخول في حرب جديدة من قبل حفتر وعقيلة صالح)، أو المداورة ( تجميد المشهد)، أو المحاورة (إطلاق حوار ينتهي لتوافق وحل للأزمة الليبية)، فإن أمام هذا الحوار عدة عوائق وعقبات، هي التي قد تحدد فشله أو نجاحه، كما أن لديه عدة فرص ونقاط قوة يمكن أن تكون سبباً في أن يعبر بالأزمة لشاطئ الأمان، بعيداً عن أمواج الحرب العاتية، دعنا نناقش هذه الفرص والمخاطر.

يمكننا أن نعدد هنا عدة فرص لنجاح مشاورات بوزنيقة، فالأجواء الودية التي تحدّث عنها وزير الخارجية المغربي، وكذلك أعضاء المجلسين، وعدم خروج أي متحدث باسم حفتر يستخف بالحوار، كما فعل المتحدث الرسمي باسم حفتر، بعد أن أعلن رئيس المجلس الرئاسي وقف إطلاق النار في سرت، والدخول في عملية تفاوضية، كل هذا يضع هذه المشاورات في سياق صحيح جاء بعد حرب دامية في طرابلس، لذا فإننا يمكن أن نضع هذا الإطار لفرص نجاح هذا الحوار:

سياق الأزمة الليبية في مساره الكلي يتحدث أن ليبيا قد مرّت بعملية سياسية منذ العام 2011، لكنها توقفت عام 2014، إثر انقلاب عسكري من خليفة حفتر، ودخل البلد بعدها في حرب أهلية استمرت لنهاية العام 2015، ووقع اتفاق الصخيرات، هذا الاتفاق لم يصمد حتى بدأت حرب جديدة في طرابلس انتهت بهزيمة حفتر عام 2020. هذا المسار إذا قارنّاه بعديد من النزاعات الدولية، فإنّ الصراع في ليبيا يبدو أنه قد وصل لنهايته، فالقوة التي يمتلكها الطرفان واضحة، وكذلك حلفاؤهم ظاهرون، ولم يعد أمامهم بعد أن ظهر عجز الطرفين على الحسم إلا الدخول في حوار، هذا المسار هو الذي أخذته عديد من النزاعات في العالم، كما حدث في ليبيريا والكونغو والبوسنة والهرسك، إذاً السياق والتوقيت نفسه له دلالة (هذا هو سلام المنهكين).

تشكّلت الخبرة لدى دولة المغرب في إدارة الحوار بين الليبيين، كما أنه وسيط نزيه، فقد حافظ المغرب على سلميته ودعوته الدائمة للحل بالطرق السلمية، ولم يمل لأي من الطرفين، كما حدث مثلاً مع مصر التي دعمت حفتر، أو التصريحات وغياب الرؤية لدى الرئيس التونسي قيس سعيد في تصريحات وتصوره الفكري والتاريخي للأزمة الليبية.

 المشاورات في بوزنيقة ركّزت على قضايا تتعلق بالمناصب السيادية، وهي قضية واقعية تشغل بال الفرقاء السياسيين الليبيين، ويمكن وصفها بأنها المخيال الذي يريد كل طرف أن يتموضع فيه في حال استقر البلد، وهذا قد يدفع الأطراف المتشددة، خاصة خليفة حفتر، للتفكير في اللحاق بهذا الحوار، لأنه قد يصل به للحكم والسلطة.

وهنا يجب التفريق بين (التموضع) و (التأسيس)، فالنظرية التي تنطلق منها البعثة الأممية في حل النزاعات هي هذا التأسيس لمؤسسات الدولة كالبرلمانات والمؤسسات الدستورية، لكن ثبت أن الدول الهشة والتي تعاني من النزاعات المسلحة قد يصلح معها نظرية التموضع، وهي أن يصمم النظام لحل إشكالات قائمة بين الفرقاء السياسيين على أساس من وضع معايير وتحديد إطار يمكن أن يشمل كافة المنخرطين في العملية السياسية. بالطبع قد يفهم من ذلك أنها محاصصة، لكنها توضع في سياق الواقعية السياسية، فمادام الصراع كله حول المناصب السيادية لنضع لها إطاراً عاماً حتى لا نقتتل عليه، لذا فإن الملاحظة المهمة التي يلحظها بعض المراقبين في الأزمة الليبية منذ نهايتها (وهو الاستراتيجي الأمريكي بيتز زيهان)، أن كل الأطراف في ليبيا حريصة على بقاء البنية التحتية لاستخراج النفط فهو موطن النزاع، بصورة أوضح الكل الآن أصبح واقعياً ويعرف عاقبة ما يمكن الاتفاق عليه.

هذا الحوار جاء في سياق مشروع البعثة الأممية، وهذان الوفدان هما من أقرتهما البعثة بعد اختيارهما في مجلس النواب والدولة، وأنهم يناقشون اتفاق الصخيرات الذي صدق عليه مجلس الأمن واعترفت به دول العالم قاطبة، وأن الحوار جاء في إطار سياسي واضح لا يتناقض والقوانين الدولية، وقد دعمت كافة الدول هذه المشاورات، وأن السياق الدولي نفسه قد يقتضي تأجيل أي نزاع في ليبيا لحين التوافق على الصورة النهائية للمنطقة، خاصة في سياق النزاع  في شرق المتوسط والصراع السوري، والخليج الذي يخفض جناحه لإسرائيل، والمخاوف الأمريكية من الدب الروسي في المياه الدافئة الليبية، والغضب الفرنسي من النقلات التركية الاستراتيجية، وطبول الحرب التي تقرع في بيلاروسيا في شرق المتوسط؛ كلها مؤشرات تؤكد أن استراتيجية وضع الأزمة الليبية في ماراثون تفاوضي هي أمر يصب في صالح الجميع.

إذا كانت تلك هي الفرص التي قد تجعل حوار بوزنيقة بداية لمفاوضات سياسية رسمية قد تنتهي لاتفاق جديد ينهي الأزمة الليبية، في سياق الإنهاك الذي أصاب الجميع، ووجود وسيط مغربي نزيه، والواقعية السياسية التي فهمها الفرقاء الليبيون الآن جيداً، في سياق دولي يتسم بالتسرع والفوضى وحالة اللايقين، ما يجعل ماراثون الحوار هو الحل الأفضل للأزمة الليبية في المدى المنظور، فإن عدة عوامل قد تكون عقبة أمام هذا الحوار، قد تجعله بداية لنذر حرب جديدة أعنف من سابقاتها، ويمكننا إجمال هذه العوامل كالتالي:

وهذه أهم الأزمات التي تواجه حوارات بوزنيقة، فإن الذي تعلمناه من حوارات الصخيرات وذكرته مجموعة الأزمات الدولية في تحليلها لتلك المفاوضات، هو أن المفاوض يجب أن يكون ممثلاً لمن يفاوض عنه، بمعنى أنه قادر على إصدار القرارات دون الرجوع لأي أطراف أخرى، أي أنه صانع للقرار وليس وكيلاً لأحد. هذا ليس لأن هذه المراجعات قد تهدر الأوقات والموارد، بل لأنها تؤثر وتشوش على عقل المفاوض لأسباب:

أولاً: أن المفاوض سيسعى لإرضاء وكلائه، بمعنى أنه يفكر في أن يخرج من الحوار بما يضمن أنه من الممكن أن يتفق عليه الأطراف التي يريد أن يمثلها، فأعضاء مجلس النواب من طبرق مثلاً يعرفون جيداً أن عقيلة صالح وخليفة حفتر لن يرضيا بأي بنود لا تصبح في صالح المشروع الذي أطلقه حفتر وقاتل من أجله، وكذلك الأطراف الممثلة للمجلس الأعلى للدولة، لا يمكنها اتخاذ أي قرارات جريئة، لأنهم يعرفون حجم الخلاف في طرابلس حول أحقيتهم في الذهاب لمثل هذه الحوارات، خاصة أن متابعة ما يصدر من النشطاء والسياسيين والتناقضات بين من ذهبوا لبوزنيقة والوفد الذي ذهب لمصر، وكذلك التناقض الذي حصل قبل شهر من الآن بين خالد المشري، وإعلانه عن حوار مع عقيلة صالح، ليخرج فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي في اليوم التالي ليعلن عن مبادرة لوقف إطلاق النار.

ثانياً: غياب التنسيق وعدم وجود قيادة تمثل كل طرف قادرة على اتخاذ القرار هي عقبة حقيقية قد تجعل حتى المخرجات التي تنتهي لها هذا الحوارات محل جدل ونزاع، كما حدث في اتفاق الصخيرات، فرغم كل ما يقال عن أنه إطار للعملية السياسية في ليبيا، فإن مؤشرات نجاحه قليلة إذا وضعت الاتفاق نفسه كمعيار للواقع وتقلباته، فحكومة الرئاسي هي حكومة مفوضة ولم يصادق عليها مجلس النواب، والمناصب السيادية لم يتفق عليها الطرفان، والترتيبات المالية والأمنية كلها ذهبت أدراج الرياح، كما أن المُدد التي خطّها الاتفاق لم يلتزم أحد بها، كما أن شرعية كل الأطراف الليبية هي خارج إطار القانون، وهي شرعية سياسية جاءت بحكم الواقع.

الثقة أساس أي تفاوض ناجح، وهي الأساس في بناء أي مجتمع ونظام سياسي، وفي ليبيا هذه الثقة قد تزعزعت بحكم العنف السياسي الذي تجذّر من خلال الاستمرار في منطق العنف السياسي الذي فرضه خليفة حفتر أكثر من مرة في مسار الأزمة، وهذا ما يجعل سردية أن هذه الحوارات هي كسب للوقت، وأن الدعم لم يتوقف عن قوات حفتر في سرت، وأن الطائرات الروسية والوفود تصل تباعاً لحفتر في بنغازي؛ كل ذلك يشكل عقبة حقيقية أمام المحاورين في إقناع الرأي العام الليبي أنه يمكن الوصول مع خليفة حفتر لحل سياسي، وأنه يمكن الفصل بين عقيلة صالح وخليفة حفتر، فقد دعم الأول حرب طرابلس بكل ما أوتي من قوة، ولم يصدر عنه ما يفهم منه أنه تخلّى عن حفتر، كما أن الأطراف في طرابلس بينها نزاع كبير حول سؤال: هل حفتر يحضّر لعملية جديدة في طرابلس؟ هذه الأجواء تجعل المثل العربي حاضراً في ذهن الفرقاء الليبيين… (كيف أعودك وهذه آثار فأسك)!

كما ذكرنا سابقاً، لم يتطرق الحوار في بوزنيقة لكثير من القضايا العالقة من أجل توفير أجواء للحوار والتفاهم بين الفرقاء، لكن هذا لا يعني أنه سيأتي يوم للحوار حول قضايا أساسية، هي أزمات حقيقية، وهي السبب الحقيقي للنزاع في ليبيا، ففي النزاعات الدولية هناك مفهومان أساسيان يجب التفريق بينهما لمعرفة إمكانية نجاح حوارات بوزنيقة، وهي تسوية النزاع وتحوّل النزاع. في الأول يقع المحاورون تحت ضغط الواقع، ويكون الهدف هو إنهاء الحرب والنزاع بأي وسيلة كانت، لذا يكون الاتفاق حول مظاهر وأعراض النزاع دون إدراك أسبابه الحقيقية والتعامل معها، أما في تحول النزاع فهي مجموعة خطوات مدروسة للوصول لحالة تنقل النزاع إلى مرحلة ما بعد النزاع، ومنها للاستقرار والتنمية، أي أن هناك استراتيجية تحقق النتائج المرجوة من الحوار، وتحوّل الأزمة لفرصة وخطة عمل. هذا الأخير هو الذي يجعل أمام الحوار عقبات حقيقية سيكون من الصعب القبول بها إلا بتنازلات هي من الصعوبة بمكان.

أزمة المهجرين والنازحين في طرابلس أزمة حقيقية تحتاج لحل، وستكون عقبة حقيقية، فمعلوم أنه بعد إخراج أهل بنغازي من ديارهم قام بعض المخربين والميليشيات التابعة لحفتر بأخذ بيوت هؤلاء النازحين وتملّكوها وتحكموا فيها بيعاً أو سكناً، وهذه ليست حادثة أو حادثتين، بل حوادث كثيرة جداً، لذا سيكون فتح هذا الملف خطيراً جداً، وسيكون على حفتر أو عقيلة صالح مواجهة هذه الميليشيات إن كان يريد الحل للأزمة الليبية.

أزمة الدماء التي سالت من الطرفين وإجراءات العدالة الانتقالية، فإن القضايا كثيرة التي رفعت من الليبيين الذين تعرضوا للقتل والتمثيل والمقابر الجماعية التي هي رهن التحقيق في محكمة الجنايات الدولية، وهذا سيضع أسئلة كثيرة عن إمكانية قبول مخرجات الحوار، لأنه من دون العدالة الانتقالية يصعب تصور تحول النزاع من مرحلة لأخرى.

أزمة الارتهان للخارج من قبل خليفة حفتر، فهناك كثير من القواعد والمرتزقة الذين قد وجدوا ملجأً لهم في ليبيا، كما أن هنالك ميليشيات في طرابلس سيرفضون المخرجات، لأنها لا تصب في مصالحهم وسيواجهونها بالسلاح. هذه الأزمات وغيرها كثير تجعل تسوية النزاع أمراً عارضاً، وعلى المحاورين أن يوسعوا دائرة التفاوض لتشمل كافة المنخرطين في الأزمة الليبية حتى يضمنوا تمثيل كافة الأطراف، وهكذا يمكن أن تنشأ قواسم مشتركة لحوار وطني حقيقي يحقق الثقة، ويجعل الجميع أمام مسؤولياتهم في قبول عملية تحول كاملة، فيها رد اعتبار لكافة المتضررين بقواعد عدالة انتقالية شفافة وفقاً للتجارب الدولية، ونزاع سلاح المقاتلين ودمجهم في مؤسسات الدولة وإصلاح القطاع الأمني في البلد، ومن ثم الانتقال لعملية دستورية انتخابية يمكنها أن تحقق قواعد لحكم رشيد يحقق التنمية في ليبيا.

مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، ومشاورات بوزنيقة بداية، وربما يمكن بعد اللقاء المزمع في نهاية هذا الشهر في المغرب إمكانية توسيع دائرة المشاركة، والبحث عن إجراءات دعم الثقة، وربما تكون هناك وساطة دولية، ودعم من بعثة الأمم المتحدة، التي سيكون لها مبعوث من الأمين العام للأمم المتحدة وليس نائباً عنه، بعد الاجتماع المقرر في هذا الشأن.

كما أن التفاوض الروسي التركي والمفاوضات التي أعلن عنها قبل أيام بين فرنسا وروسيا، والوفد  من الغرب  الليبي الذي اتجه لمصر للحوار، والمشاورات الاستخباراتية بين تركيا ومصر، كلها تصبّ في إطار أن الأزمة الليبية كغيرها من الأزمات لها منحنى قد يصل لنهايته إذا صدقت النوايا ولم تغتاله المفاجآت أو الحروب.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى