تقارير وملفات إضافية

ما يخفيه التطبيع البحريني.. ذريعة لمنح نوبل لترامب وعودة بن سلمان للبيت الأبيض، والأهم ما ستقوم به الغواصات الإسرائيلية

إنها “مجرد محطة لخطوة الأمير محمد بن سلمان الكبرى”، هكذا وصفت صحيفة Haaretz الإسرائيلية، خطوة التطبيع البحريني مع إسرائيل.

تقول الصحيفة إن البحرين، العضو الأحدث في جوقة التطبيع، لن تحظى بمراسم مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في المقابل، ستضطلع بدورٍ داعمٍ لنجم العرض يوم الثلاثاء 15 سبتمبر/أيلول في البيت الأبيض، وهي دولة الإمارات العربية المتحدة. 

السؤال الذي طُرِحَ على الفور بعد الإعلان الرسمي عن تطبيع العلاقات مع البحرين كان من التالي؟ 

إذ إن المنامة محطةٌ في طريق التطبيع الذي تصل وجهته النهائية إلى المملكة السعودية. وكلُّ الاحتمالات الأخرى، من عمان إلى المغرب، ومن تونس إلى السودان، هي هكذا مجرد محطاتٍ على طول هذا الطريق، حسب وصف تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية. 

وليست البحرين، التي بلغ سكَّانها في وقت تعداد 2010 نحو 1.2 مليون نسمة، نصفهم من الرعايا الأجانب، غريبةً على إسرائيل. زار مسؤولون بحرينيون كبار إسرائيل على الأقل مرتين، وخلال العام الماضي قُدِّمَ الجزء الاقتصادي من خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط في مؤتمرٍ عُقِدَ في المنامة، لكن قبل نحو شهرٍ مضى كان الموقف الرسمي للبحرين إزاء القضية الفلسطينية هو دعم حلِّ الدولتين، على أن يتم التوصُّل إلى ذلك قبل تطبيع العلاقات مع إسرائيل. 

وعلى مدار الشهر الماضي، واجَهَ الملك حمد بن عيسى آل خليفة ضغطاً هائلاً بشأن هذه القضية من جانب ترامب، الذي رُشِّحَ الأسبوع الماضي لجائزة نوبل للسلام مرتين -الأولى من جانب مُشرِّعٍ نرويجي يميني لوساطته في الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، ولاحقاً من قِبَلِ مُشرِّعٍ سويدي لوساطته في الاتفاق بين صربيا وكوسوفو. 

وتعلق الصحيفة قائلة، “فإذا كان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما قد مُنِحَ جائزة نوبل للسلام قبل أن يحرز تقدُّماً كبيراً في الساحة العربية الإسرائيلية، فإن ترامب قد تجاوَزَه بالفعل سلفه المباشر في البيت الأبيض. 

ويُفتَرَض أن ترامب يأمل أن يتمكَّن، بحلول يوم الانتخابات في 3 نوفمبر/تشرين الثاني، من إقناع وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بالانضمام إلى جيرانه الخليجيين في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ومن ثم يحتفي به في مراسم رسمية في البيت الأبيض. وحتى الآن، يكتفي وليّ العهد بإرسال مبعوثين. 

صاغ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الحاكم الفعلي للإمارات، الطريق بالتنسيق مع المملكة السعودية. أما ملك البحرين، الذي يعتمد كليَّةً على السعودية، التي لا يفصله عنها سوى جسرٍ بطول 25 كيلومتراً، فقد تلقَّى “رخصةً” سعودية للمُضي قُدُماً تجاه التطبيع، لكن الرياض نفسها لا تزال تنتظر مكافأتها، التي ستتضمَّن تبرئة وليّ العهد في واشنطن وإبراء سمعة المملكة في الكابيتول هيل. 

وفي الوقت الحالي، يُظهِر وليّ العهد أمام ترامب قدرته على مدِّ العباءة العربية لخطة الرئيس للسلام في الشرق الأوسط. لقد فَتَحَ المجال الجوي السعودي للطائرات الإسرائيلية، وبدأ في غلق النهايات المفتوحة لمقتل جمال خاشقجي، كاتب الأعمدة بصحيفة Washington Post الأمريكية، في القنصلية السعودية في إسطنبول -حَصَلَ وليّ العهد على “عفوٍ” من عائلة خاشقجي، مِمَّا أنقذ المسؤولين السعوديين الخمسة الذين أُدينوا بقتله من عقوبة الإعدام. 

هذه العباءة العربية التي بدأت بالإمارات ولحقت بها البحرين، ليست فقط من أجل ترامب أو إسرائيل، بل إنها تمنح المملكة السعودية الدعم الإقليمي الذي هي بحاجةٍ إليه من أجل تحقيق تقدُّمٍ في تطبيعها مع إسرائيل. 

تُعَدُّ البحرين جزءاً مهماً من استراتيجة دفاع الخليج ضد النفوذ الإيراني. فهي تستضيف قاعدةً بحريةً أمريكية تتضمَّن طاقماً مُكوَّناً من 6 آلاف فرد، وقد تصبح بمثابة قاعدة إطلاقٍ لهجماتٍ برية وبحرية ضد التهديدات من إيران. ويركِّز الإسرائيليون بصورةٍ رئيسية على فرصة الاستثمار الهائلة للإمارات، والآن البحرين، لكن قليلين منهم يتحدَّثون عن إمكانية التعاون العسكري، باستثناء التقارير عن أنشطة شركات التجسُّس الإسرائيلية. وقد أكَّدَت دول الخليج، بما في ذلك المملكة السعودية، على أنها لا تنوي المشاركة في النشاط العسكري ضد إيران. 

كان السعوديون حذرين في الردِّ على الهجمات على ناقلات ومنشآت النفط السعودية والإماراتية، ووقَّعَت أبو ظبي اتفاقية تعاون لحماية حركة الشحن في الخليج. 

لكن ليس من المُستَبعَد أن نفترض أن أحداً في إسرائيل يتفحَّص بالفعل إمكانية تمركز غواصات إسرائيلية في الخليج، يمكنها الاستفادة من الخدمات اللوجيستية في البحرين أو الإمارات، كامتدادٍ للتعاون الذي جرى التعبير عنه في المناورات المشتركة للقوات الجوية الإسرائيلية والإماراتية. 

وترى البحرين إيران ليس فقط باعتبارها تهديداً استراتيجياً إقليمياً، بل أيضاً تهديداً لنظامها. أكثر من 60% من البحرينيين مسلمون شيعة، يُنظَر إليهم كمواطنين مُخرِّبين في أحسن الأحوال، وكطابور إيراني خامس في أسوئها. هؤلاء يمثِّلون مصدر قلقٍ لجهاز الأمن الداخلي في البحرين، والبنية التحتية التي بناها الضابط البريطاني إيان هندرسون، الذي كان مسؤولاً عن قمع انتفاضة الماو ماو في كينيا في خمسينيات القرن الماضي. في البحرين.

ولقد ترأس هذا الرجل المديرية العامة لمباحث أمن الدولة في الفترة من 1966 إلى 1998، وعُرِفَ بـ”جزَّار البحرين”، نظراً لعمليات التعذيب وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان التي يُزعَم أنها حدثت تحت إمرته. ويواجه الشيعة تمييزاً واضطهاداً مؤسَّسياً في البحرين، ومشاركتهم في الحكومة أقل بكثيرٍ من تمثيلهم بين السكَّان، ويُستَبعَدون من المناصب العامة والعسكرية العليا، ويمثِّلون معارضةً سياسيةً نشطة تسعى إلى المساواة. 

وحين اندلعت مظاهرات الربيع العربي في 2011، كان النشطاء الشيعة الذين “احتلوا” ميدان اللؤلؤة والشوارع الرئيسية في العاصمة المنامة. كانوا أيضاً أول أهداف قوات الأمن، البحرينية في بادئ الأمر ثم تدخلت السعودية، إذ جاء السعوديون لمساعدة الحكومة في المنامة في إحكام السيطرة على الاحتجاجات. ووفقاً لبعض التقديرات، قُتِلَ المئات من الأشخاص في هذه الاحتجاجات، وأُصيبَ الآلاف، واعتُقِلَ آلافٌ غيرهم. 

وتظلُّ المنامة على قناعةٍ بأن طهران كانت وراء الاحتجاجات، وأنها مستمرةٌ في تجنيد الشيعة البحرينيين بغرض إسقاط الحكومة، التي تسيطر عليها عائلة خليفة منذ منتصف القرن الثامن عشر. وتُعتَبَر البحرين بلداً ليبرالياً (بالمعايير الخليجية)، إذ لا يُطلَب من النساء غير البحرينيات أن يرتدين الزيّ التقليدي، ومن السهل نسبياً العثور على المشروبات الكحولية. 

ولهذا السبب يزور الكثير من السعوديين البحرين في عطلات نهاية الأسبوع. لكن البحرين تحتل المرتبة 149 من أصل 167 بلداً في مؤشِّر الديمقراطية الذي تعده وحدة الاستخبارات الاقتصادية التابعة لمجلة The Economist البريطانية. 

ويعيِّن الملك الأعضاء الأربعين في مجلس النواب ومجلس الشورى، ويمكنه حلّ مجلس النواب، وهو هيئةٌ مُنتَخَبة تضم نساءً. وتمتلك العائلة الملكية منافذ الإعلام، أو تسيطر عليها جزئياً، وتقمع كذلك وسائل التواصل الاجتماعي في المملكة. 

لكن البحرين تُعتَبَر أيضاً دولةً قياديةً في تشجيع الاستثمار الأجنبي وريادة الأعمال. وتُفرَض ضريبة دخلٍ فقط على شركات النفط الأجنبية، وليس على المواطنين أو المقيمين، وتُقدَّم أغلب خدمات التعليم والصحة بالمجان. وتأتي 85% من عائدات المملكة من النفط، أما السياحة، التي تأتي من الدول العربية المجاورة بالأساس، فتمثِّل باقي العائدات. ويأتي الزوَّار من أجل العمل أو الترفيه، وليس لزيارة مواقع تاريخية أو طبيعية. وفي الحقيقة، تُعَدُّ البحرين بلداً مملاً لا يمكنها التنافس على الجذب مع الإمارات، التي هي نفسها ليست تماماً مثل روما أو باريس، حسب وصف الصحيفة الإسرائيلية

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى