تقارير وملفات إضافية

كيف ضرب طيران الإمارات اقتصاد دبي في مقتل؟ خسائر لم يسبق لها مثيل

كانت شركة طيران الإمارات هي المحرك الرئيس للارتقاء بدبي من صحراء جرداء إلى ظاهرة حضرية في الشرق الأوسط، جاعلةً المدينة أحد أكبر المحاور بين جميع قارات العالم ومولِّدةً ازدهاراً اقتصادياً دامَ سنواتٍ عديدةً.

لكن الآن، أرغمت جائحة فيروس كورونا والانهيار الاقتصادي الناجم عنها أول عملية تسريحٍ كبرى لعاملي شركة الخطوط الجوية التي تحمَّلت صراعات الشرق الأوسط وصدمات سوق النفط فيما مضى. ونتيجةً لذلك، تصبُّ الشركة المملوكة للدولة آثار خسائرها في اقتصاد مدينة دبي، بحسب تقرير لصحيفة The Wall Street Journal الأمريكية.

أكبر كبوة لخطوط جوية

إذ اضطُرت الشركة الأم لطيران الإمارات، وهي أحد أكبر مقار العمل في دبي، إلى تسريح عشرات آلاف الموظفين من قواها العاملة المكوَّنة من نحو 100 ألف فردٍ، عقب تعطيل الجائحة نسبة كبيرة من السفر الجوي على مستوى العالم، وهي كبوةٌ هائلةٌ لخطوطٍ جويةٍ طالما تفوقت على منافسيها في الولايات المتحدة وأوروبا من ناحيتي عدد الركاب وحقوق الهبوط.

وأسفر هذا بدوره عن نزوح أعدادٍ كبيرةٍ من المغتربين والمقيمين في دبي والمرتبطين بطيران الإمارات بصورةٍ أو بأخرى؛ مما أدى إلى تقليص حجم الإنفاق في المطاعم والبارات وحتى المدارس الخاصة.

في حوارٍ له، صرَّح تيم كلارك رئيس شركة طيران الإمارات، قائلاً: “الأمر شديد الصعوبة على مجال الضيافة؛ أصحاب المطاعم والفنادق”، مضيفاً: “لقد تراجعت أعداد الوافدين على دبي بنسبة كبيرة. وتجمَّدت حركة كل الأنشطة”.

على سبيل المثال، كافيه Rock Bottom بدبي، الواقع بقرب عمارة سكنية يقيم بها مئاتٌ من عاملي طيران الإمارات، كان فيما سبق يعجُّ بالساهرين حتى الصباح الباكر. أما الآن فيخدم نحو 50 شخصاً فقط في العطلات الأسبوعية، على حد قول ميتيندرا شارما، المدير العام لمجموعة Ramee للفنادق والمنتجعات، المالكة للكافيه إضافة إلى أربعة فنادق أخرى في دبي. وقد تقلَّص عدد عاملي المجموعة من 1000 إلى 300، في ظل شَغل ما يتراوح بين 10 و15% فقط من غرف فنادقها، مقارنةً بـ95% في هذا الوقت من العام الماضي، كما أوضح شارما.

وأضاف شارما: “كانت طيران الإمارات هي القوة المحركة للسياح، وهي الآن تسرِّح موظفيها وتقلِّص عدد رحلاتها. وقد تأثرت المجالات كافة نتيجةً لذلك”.

من شركة بطائرتين إلى أسطول ضخم

يُذكر أن حكومة دبي قد أسست طيران الإمارات عام 1985 برأس مالٍ يبلغ 10 ملايين دولار وطائرتين مستأجَرتين من الخطوط الجوية الدولية الباكستانية. وأسهم الحاكم الحالي لدبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في تجهيز الشركة وأمر بوجوب أن “تكون جيدة، وتبدو جيدة، وتجني أموالاً”.

وسرعان ما تحولت طيران الإمارات إلى إحدى كبرى شركات الخطوط الجوية في العالم، مستعينةً بأسطولٍ من الطائرات النفاثة العريضة لنقل الركاب عبر محورها في دبي. وبدأ كثير من المسافرين يتوقفون في المدينة، مما ساعد على تحفيز بناء الفنادق ومولات التسوق. وأسهم ذلك بدوره في تكوين فقاعةٍ بسوق العقارات وحدوث انهيارٍ جذريٍّ إبان الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2009.

ومن خلال بناء شبكةٍ عالميةٍ تخدم الأسواق النامية، تحمَّلت طيران الإمارات الأوجاع الاقتصادية التي أصابت دبي. بل أضافت كذلك كثيراً من المباني على المشهد الحضري للمدينة، إذ شيَّدت مساكن لموظفيها وتوسَّعت للعمل في مجال الفندقة. وفي 2014، انتزع مطار دبي الدولي من مطار هيثرو بلندن لقب أكثر مطارات العالم اشتغالاً بالمسافرين بين الدول، وعاد أغلب الفضل في ذلك إلى طيران الإمارات. وباتت المدينة مرتعاً للمواطنين الأوروبيين الباحثين عن ضوء الشمس في الشتاء، والسعوديين المحرومين من خيارات الترفيه في مملكتهم الأكثر تحفظاً.

وتضاعفت أيضاً أعداد الطيارين والمضيفين الجويِّين. وأصبحت “ليلة السيدات” في البارات أيام الثلاثاء أمراً محبباً لدى أطقم الضيافة الجوية بطيران الإمارات التي يتألف معظمها من الإناث، إضافة إلى تضاعف أعداد بوفيهات الفطور والغداء أيام الجمعة بفنادق المدينة ومطاعمها، وتتألف نسبةٌ من زوارها من موظفي الطيران، كما تقول الصحيفة الأمريكية.

والآن لا تواجه هذه الأماكن نفسها توابع تسريحات موظفي طيران الإمارات فقط، وإنما القيود المرتبطة بجائحة كورونا؛ في ضربة مزدوجة أصابت بعض المؤسسات في مقتل.

إذ أوضح ديفيد كاتانتش، المدير العام لـIrish Village، وهو بار شهير يقع قريباً من منشآت تدريب طيران الإمارات بمطار دبي الدولي، أن عليه مواجهة كل من تناقص أعداد الزائرين والقواعد التي تنص على الحفاظ على مسافة مترين بين كل زائر وآخر. وعلَّق على ذلك قائلاً: “سنظل نتكبد خسائر حتى يُطرح المصل”.

رغم إنهاء الإغلاق فإن الوضع كما هو

مع أن دبي أعلنت إعادة فتح السياحة يوم 7 يوليو/تموز الماضي، بعد إغلاقٍ دامَ ثلاثة أشهر، فقد ظلت الرحلات الوافدة من أعلى الأسواق المغذية لها -الهند، وبريطانيا، والسعودية، والصين، وروسيا- محدودةً بسبب أعداد الإصابات المرتفعة أو قيود السفر. ووفقاً لتصريحات تيم كلارك، فإن طيران الإمارات تتولى حالياً نقل 12% من الركاب مقارنةً بهذا الوقت من العام الماضي، إثر ارتفاع أعداد المصابين على مستوى العالم.

هذا وقد طرأ تراجعٌ على مجال السفر والسياحة بدبي في كل شهرٍ منذ يناير/كانون الثاني الماضي، مما يعكس انتكاس النشاط في كل أنحاء الإمارة، بحسب مؤشرات IHS Markit. فيما تتنبأ شركة العقارات Colliers International بوصول نسبة النازلين بفنادق دبي إلى ما بين 45 و50% خلال 2020. فضلاً عن ذلك، أعلنت شركة S&P Global Ratings الأمريكية، السبت 3 أكتوبر/تشرين الأول، توقعها لتراجع اقتصاد دبي بنسبة 11% تقريباً خلال 2020، عازيةً ذلك إلى تركيز المدينة على السفر والسياحة.

يُذكر أن دولة الإمارات قد أعلنت عن وجود 1231 حالة إصابة جديدة بفيروس كورونا يوم السبت، وهو رقم قياسي، مما وصل بإجمالي عدد المصابين إلى 97,760 والوفيات إلى 426 منذ بداية الجائحة.

ولتحفيز الجمهور على السفر، تتعهد طيران الإمارات بتغطية التكاليف العلاجية للركاب في حال تشخيصهم بكوفيد-19.

ومن جانبه، صرَّح كبير مولشنداني، مدير فندق Five الفاخر بجزر النخيل في دبي، قائلاً: “لقد ساعدنا هذا كثيراً جداً”. إذ كان عدد النازلين قد شهد انهياراً في بداية الجائحة، لكنه الآن يستقبل مزيداً من المسافرين من الخارج.

وعلى جميع الركاب القادمين إلى دولة الإمارات تقديم تحليل سلبي لفيروس كوفيد-19 قبل الرحيل بأربعة أيام. ومع أن دبي لا تعلن بوضوحٍ عن عدد حالات الإصابة، فإنها تشكِّل ثلث عدد سكان المقدَّر بعشرة ملايين نسمة دولة الإمارات، التي تجاوزت الصين في إجمالي حالات الإصابة المؤكدة يوم 21 سبتمبر/أيلول الماضي.

محاولة تدارك الأزمة

ولطالما هدف مسؤولو دبي إلى تشغيل الخطوط الجوية دون مزيدٍ من التدعيم النقدي من الحكومة، لتحقق أرباحها بنفسها. لكن طيران الإمارات أعلنت حاجتها إلى كفالة إنقاذ مالية في مارس/آذار الفائت. وسرعان ما تحرَّك المسؤولون لدعم الخطوط الجوية بملياري دولار من أسهم رأس المال، وهي المرة الأولى التي ضخَّت فيها الحكومة رأس مال جديداً منذ تأسيس الشركة.

ولم تجب حكومة دبي عن الاستفسارات بخصوص كفالة الإنقاذ ولا التداعيات العامة لتسريح موظفي طيران الإمارات. فيما رفضت الشركة التعليق على خفض التكاليف الناتج عن تسريح العاملين.

من الأمثلة الأخرى على التداعيات الاقتصادية لهذا الأمر مركز GymNation للِّياقة البدنية، المحبوب لدى أطقم الضيافة الجوية، الذي بدأ يفقد أعضاءه بعد تسريح موظفي طيران الإمارات، مما دفع مسؤوليه إلى دراسة تعطيل خطط افتتاح فرعٍ جديدٍ بالقرب من مساكن العاملين، ولكنهم قرروا عدم التراجع عنه، أملاً في تنامي أعداد موظفي الشركة من جديدٍ عقب تعافي سوق السفر العالمية، وفقاً للرئيس التنفيذي للمركز، لورين هولاند.

بينما يتفاوض فرع مدرسة Kent College الخاصة في دبي -وهي مؤسسة تعليمية بريطانية التحق بها كلارك في طفولته- مع آباء موظفي طيران الإمارات الذين خسروا وظائفهم على خفض مصاريف الدراسة، وفقاً لناظر المدرسة أنتوني كاشين. وأضاف أنه قد جرى كذلك تخفيض مصروفات الدراسة للطيارين المحتفظين بوظائفهم، مما يضع مزيداً من الضغط على الوضع المادي للمدرسة.

وتابع كاشين قائلاً: “إنه وقت عصيب. نتعامل مع العائلات حالةً بحالةٍ”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى