تقارير وملفات إضافية

لماذا فشلت الصين في كسب معركة القلوب عالمياً؟ قمع الإيغور وكورونا وأمور أخرى

نشر سفير الصين في بلجيكا مقطع فيديو لشباب وفتيات يرقصون بسعادة، زاعماً أن هذا حال مسلمي الإيغور، في إطار حملة علاقات عامة مكثفة تهدف لتحسين صورة القوة العظمى التي تسعى لقيادة العالم، فإلى أي مدى نجحت تلك الحملة حتى الآن؟

تغريدة السفير الصيني في بلجيكا التي نشرها قبل أيام وكتب فيها “الأقليات العرقية في تشينغيانغ يرقصون. الناس السعيدة والخالية من الهموم فقط يمكنهم الرقص بهذا الجمال”، أثارت عاصفة من الردود السلبية شملت نشر كثير من المغردين لصور معسكرات الاعتقال النازية، مصحوبة بتعليقات تنتقد معسكرات اعتقال ملايين الإيغور المسلمين، والتي تسميها الصين “معسكرات التأهيل”، كما شارك كثير من المعلقين على تغريدة السفير تقارير عن تعريض النساء للعقم الإجباري، وغيرها من الممارسات الصينية بحق الإيغور.

Ethnic minorities dancing in Xinjiang. Only happy and carefree people can dance so beautifully. pic.twitter.com/ICNlK8fqQ6

لم يكن هذا بالطبع ما يهدف إليه السفير الصيني عندما نشر تغريدته ومقطع الفيديو الراقص، وهو ما يكشف عن فشل حملة العلاقات العامة الضخمة التي بدأتها الصين قبل أكثر من عامين، في ظل الحرب التجارية بينها وبين الولايات المتحدة، بهدف الإعلان عن جاهزيتها لقيادة العالم أو على الأقل مزاحمة واشنطن على المسرح الدولي.

فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، بدأت الصين في الخروج من عزلتها وتبنّت سياسة خارجية أكثر جرأة وانفتاحاً، بأوامر مباشرة من الرئيس شي جين بينغ، وهو ما انعكس على الوجود الصيني في كثير من المناطق الساخنة حول العالم، ولكن بنهج مختلف تماماً عن الأسلوب الأمريكي الأكثر عدوانية، والذي يراه البعض أسلوباً فوقياً استعلائياً في كثير من الأحيان.

وعبر مبادرة الحزام والطريق تمكّنت الصين تحت زعامة شي من أن تفرض وجودها الاقتصادي في غالبية دول العالم، وخصوصاً في إفريقيا وأوروبا، وبدأت وزارة الخارجية الصينية وممثلوها حول العالم في الظهور بصورة مكثفة والحديث مباشرة إلى الشعوب، بالتزامن مع حملة إعلامية نشطة بلغات متعددة، وبات واضحاً تماماً أن التنين يسعى لكسب مكانة متميزة في عقول وقلوب العالم، في الوقت الذي أدى فيه وصول ترامب إلى البيت الأبيض إلى انعزال أمريكي وسياسة أكثر انسحاباً من الأزمات والصراعات حول العالم، تاركة فراغاً يسعى لاعبون دوليون لشغله، ورأت الصين أنها الأكثر استعداداً.

ومع ظهور فيروس كورونا في مدينة ووهان الصينية، وتحوّله إلى جائحة عالمية لها آثار كارثية على الصحة والاقتصاد حول العالم، وجدت الصين نفسَها في مأزق داخلي وخارجي، فتعاملت مع الوضع الداخلي أولاً وطبّقت إغلاقاً كاملاً على مقاطعة هوبي ومدينة ووهان، ونفّذت خطة أمنية شبه محكمة للسيطرة على المعلومات، شملت اعتقال الأطباء الذين اكتشفوا الفيروس في البداية، حتى ظهر شي في مدينة ووهان، يوم 10 مارس/آذار، معلناً الانتصار على الفيروس، وفي اليوم التالي مباشرة أعلنت منظمة الصحة العالمية تحوله لجائحة عالمية، وهنا بدأت بكين في التحول من الدفاع للهجوم في حرب الوباء.

ورصد تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية استراتيجية الصين في التعامل مع تداعيات الوباء على الساحة الدولية، من خلال إلقاء اللوم على الدول الأخرى، وخصوصاً الدول الغربية، في تعاملها الفاشل مع الوباء، بدلاً من الاعتذار عن تستُّرها عليه في البداية، وقمع الأطباء الشجعان الذين كانوا أول من أبلغ عن حالاته الأولى في ووهان.

وفي هذا السياق، طالب المتحدث باسم الخارجية الصينية عبر تويتر بالشفافية من جانب الحكومة الأمريكية في معركة الوباء، زاعماً أن “الجيش الأمريكي ربما يكون المسؤول عن إدخال الجائحة إلى ووهان”.

ويوضح هذا السياق كيف أن الجائحة قدَّمت فرصة رائعة للصين كي تغير من صورتها وتقوي من وضعها على المسرح العالمي، وهو ما يؤكد أن ما قاله الرئيس شي في مؤتمر دافوس عام 2017 لم يكن مجرد أمنيات، حينها شرح شي بالتفصيل لماذا يحتاج العالم إلى قيادة صينية في هذه المرحلة.

بعد شهور طويلة من تلك الحملة الدعائية المكثفة للصين، من الطبيعي أن يتم التوقف قليلاً عند ما حققته من نتائج، وهذا ما كشف عنه استطلاع رأي شامل في هذا السياق نشره مركز Pew للأبحاث قبل أيام، أظهر فشلاً ذريعاً للصين في كسب عقول وقلوب شعوب الدول الغربية بالتحديد، حيث تراجعت النظرة الإيجابية للصين بصورة تاريخية غير مسبوقة.

وأظهر استطلاع الرأي الذي شمل 14 دولة حول العالم أن الغالبية من سكان تلك الدول ينظرون بصورة سلبية للصين، ووصلت تلك النسبة في أستراليا والمملكة المتحدة وألمانيا وهولندا والسويد والولايات المتحدة وإسبانيا وكوريا الجنوبية وكندا إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق، منذ بداية مركز الأبحاث في إجراء ذلك الاستطلاع سنوياً قبل أكثر من 10 سنوات.

ففي أستراليا ينظر أكثر من 81% من المشاركين في الاستطلاع بصورة سلبية إلى الصين، بزيادة بلغت 24% عن استطلاع العام الماضي، وفي المملكة المتحدة ثلاثة من كل أربعة يحملون نفس النظرة السلبية، في ارتفاع بنسبة 19% عن الاستطلاع السابق، كما ارتفعت نسبة الكارهين للصين في الولايات المتحدة 13% عما كانت عليه العام الماضي.

ويتصدر تعامل الصين مع الجائحة في بداية ظهورها في ووهان أسباب ارتفاع نسبة النظرة السلبية للبلاد وللرئيس شي في تلك البلدان التي شملها استطلاع Pew، وهو ما يشير إلى فشل الحملة الدعائية الضخمة لبكين في تحقيق هدفها.

فالرئيس الصيني ليس موثوقاً به في نظر غالبية شعوب تلك الدول، وهو ما يجعل من تدخله في أي أزمة عالمية أمراً غير مرحب به من الأساس، وهنا يأتي دور العامل الثاني في قائمة أسباب كراهية الصين، وهو القمع غير المسبوق للإيغور المسلمين في إقليم شينغيانغ، والذي أصبح حديث العالم منذ نهايات العام الماضي، بعد تسريب وثائق وشهادات تكشف مدى وحشية الأساليب الصينية التي وصلت إلى حد التطهير العرقي بحق الإيغور.

وعلى الرغم من ترتيب الخارجية الصينية جولات لصحفيين مسلمين من حول العالم وعرب، لتُريهم على الطبيعة أن قمع الإيغور ليس إلا دعاية غربية مضللة، هدفها تشويه سمعة الصين وعرقلة تقدمها نحو قيادة العالم، فإن بعض من شاركوا في تلك الجولات نجحوا -رغم الرقابة الصارمة- في الوصول لبعض الضحايا، وتسجيل شهاداتهم التي كشفت حقيقة مغايرة تماماً لما تروج له بكين، وأكدت أن ما تتعرض له الأقلية المسلمة من جرائم وتطهير عرقي ربما يكون أكثر قسوة مما تم الكشف عنه فعلاً.

ويرى عدد من المحللين أن الصين تظن أن بإمكانها أن تخدع العالم، عن طريق تجاهلها للحقائق وترديد روايتها الخاصة للأحداث مراراً وتكراراً حتى تخلق حقائق بديلة، وليس فيديو رقص الإيغور الذي نشره السفير في بلجيكا إلا دليل صارخ في هذا السياق، لكن الواضح أن تلك الحملة الدعائية فشلت حتى الآن في تحقيق أي من أهدافها.

والقصة هنا أن قمع الإيغور والتستر على الوباء ليست مجرد حوادث يمكن نسيانها بسرعة، بل هي جرائم لا تسقط بمرور الوقت نظراً لتداعياتها المستمرة، وفي حالة الإيغور المتوارثة من جيل لآخر، إضافة إلى تصرفات أخرى مثل سرقة الملكية الفكرية وحذف مشاهد من أفلام هوليوود عند عرضها في دور السينما المحلية، وغيرها من التصرفات الصينية التي لا يمكن أن تغطي عليها مقاطع فيديو راقصة.

كما أن قيادة العالم ليست أمراً سهلاً أو يمكن فرضها بالقوة العسكرية والاقتصادية فقط؛ فالولايات المتحدة -قبل ترامب بالطبع- شاركت في حربين عالميتين وخرجت فيهما منتصرة، وطبّقت خطة مارشال لإعادة إعمار أوروبا، وقدمت مساعدات حول العالم بصورة مستمرة، والتزمت بحماية حلفائها على مدى عقود، وهو ما أكسبها مكانها كقوة عظمى كبرى حول العالم، أما الصين فمن الواضح أنها تحتاج لإعادة التفكير مرة أخرى في مدى جدوى الاعتماد على الحملات الدعائية القائمة على تجاهل الحقائق، أو حتى التضليل المتعمَّد، إذا ما أرادت أن تحقق مكاسب في معركة العقول والقلوب بالفعل.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى