آخر الأخبارتراند

وهل يروي الماء المالح الظمآنا…؟

من روائع الكاتب والأديب الكبير

السعيد الخميسى

**الفرق بين الإنسان والحيوان أعزكم الله هو العقل والتفكير. ولقد كرم الله بني آدم بنعمتي العقل والعلم لقوله تعالى “ولقد كرمنا بني آدم” وقد جاء في تفسيرها مايلي “

يخبر تعالى عن تشريفه لبني آدم وتكريمه إياهم في خلقه لهم على أحسن الهيئات وأكملها كما قال” لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ” أي يمشي قائما منتصبا على رجليه ويأكل بيديه وغيره من الحيوانات يمشي على أربع ويأكل بفمه وجعل له سمعا وبصرا وفؤادا يفقه بذلك كله وينتفع به ويفرق بين الأشياء ويعرف منافعها وخواصها ومضارها في الأمور الدنيوية والدينية. كما كرمه بالعقل والعلم وتهيئته لحمل الأمانة. “. فالتفكير فريضة شرعية وضرورة اجتماعية. وإذا توقف الإنسان عن التفكير فهو ميت الأحياء.

** فهل فكرت اخي الإنسان أين أنت بعد خمسين عاما أو أكثر من الآن؟ هل فكرت في مصيرك ومستقبلك وكيف يكون حسابك؟ هل فكرت في دارك التي تسكنها بعد مماتك؟ هل فكرت في المظالم المادية والأدبية والمعنوية التي عليك لخلق الله؟ هل فكرت في عمرك الذي مضي ما الله قاض فيه وعمرك الذي بقي ما الله صانع بك؟ من فضلك فكر ثم فكر ثم فكر. هل فكرت أنه بعد مائة عام من الآن  سنة  (2021م) سيكون التاريخ 2121م؟

** هل فكرت أننا  سنكون جميعاً بإذن الله مع أقاربنا وأصدقائنا وزوجاتنا وابنائنا  والعالم كله كبيره وصغيره حاكمه ومحكومه غنيه وفقيره ظالمه ومظلومه خائنه وأمينه قويه وضعيفه عزيزه وذليله  تحت الأرض.؟

وسيكون مصيرنا الأبدي قد أصبح واضحاً جلياً أمام أعيننا.

وسيسكن بيوتنا قوم آخرون . وسيؤدي أعمالنا ويمتلك أملاكنا أشخاص آخرون لايعرفوننا. لن يتذكروا شيئاً عنا.فمن فينا يتذكر أجداده وأجداد أجداده اليوم؟ وهل نتذكرهم نحن الآن حتى يذكرنا أبناؤنا وأحفادنا غدا؟ سنكون مجرد سطر في ذاكرة بعض الناس. أو صورة على الجدران أو مجرد ذكرى في ذاكرة الجيران. أسماؤنا ووظائفنا ومناصبنا وشهاداتنا سيطويها النسيان شئت أم أبيت أيها الإنسان…!

**سيأتي بعدنا عشرات الأجيال أحفادنا وأحفاد أحفادنا الذين سوف ينسون أين قبورنا حتى أماكن قبورنا لن يتذكروها وما الدافع لهم لكي يتذكروها. وهل نحن الآن نبحث عن قبور أجدادنا وأجداد أجدادنا؟ افعل ماشئت كما تدين تدان. كل بيوتنا واموالنا وكل ماجمعناه سوف يصبح ملكا لغيرنا. جمعناه نحن بعرقنا وجهدنا وتركناه لغيرنا لقوله تعالى.” وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍۢ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَآءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَٰٓؤُاْ ۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ”  نعم وراء ظهورنا لانعلم عنه شيئا جمعناه كله وتركناه كله وسوف نحاسب عليه كله. فانظروا ماذا انتم فاعلون أيها النائمون في سبات عميق؟

**نعم بعد أقل من مائة عام بكثير سوف تكون أجسادنا قد تحللت وأحلامنا قد تبخرت وبيوتنا قد تهدمت وملابسنا قد بليت  وسيرتنا من العقول قد فنيت.هل يستطيع أحد منكم أن يعارضني أو يجادلني أو يخالفني في تلك الحقيقة؟ساعتها وما ادراك ماساعتها سوف نبكي ونصرخ و نستغيث قائلين : (رَبِّ ارْجِعُونِ  لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ). 

**لكن حتى لايكون مقالي محبطا وميئسا لك فتذكر انك تقرأ مقالي هذا وانت مازلت حيا تواظب على حضور عملك في موعده وتشاهد مبارايات الكرة في موعدها وتتناول وجبات إليوم في موعدها وتقابل أصدقاءك في موعدك وتفتح محلات تجارتك في موعدها وتفتح صيدليتك وعيادتك وورشتك في موعدها وتعطي دروس طلابك في موعدها. كل شئ يبدوا في موعده حسب الخطة اليومية لحياتك فلماذا إذا

**تؤجل صلاتك عن موعدها مع علمك بقول الله:”إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا”؟

**لماذا تؤجل إعطاء كل ذي حق حقه مع علمك بقول الله تعالى   : ۞ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ ٱلْأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۦٓ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعًۢا بَصِيرًا”

** لماذا تسوف في الرجوع إلى الله والتوبة من ذنوبك مع علمك بقول الله “.   {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا} :

**لماذا تأكل أموال اليتامي بالباطل مع علمك بقول الله “إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَٰلَ ٱلْيَتَٰمَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا”

**لماذا تحب الباطل وتكره الحق مع علمك بقول الله تعالى”وقل جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَٰطِلُ ۚ إِنَّ ٱلْبَٰطِلَ كَانَ زَهُوقًا “ 

**لماذا تترك أولادك في الشوارع بلا رعاية ولاتربية لهثا وراء امرأة أخرى انستك الله ونفسك وبيتك وأولادك مع علمك بقول رسولنا صلى الله عليه وسلم “كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول”

**لماذا تركت الحلال وجمعت الحرام مع علمك بقول الله تعالى” قل لايستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث”؟ 

**لماذا تحب الظلم والظالمين وتناصرهم بكل ماتملك مع إنك لست مستفيدا من ظلمهم شيئا مذكورا مع ان الله توعدهم بالويل والثبور وعظائم الأمور في قوله تعالى ” فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}

**لماذا تمكر وتكذب وتخون وتنهب وتسرق وتزني وتضرب وتقتل وتسئ لنفسك ولخلق الله ومن في الأرض جميعا مع علمك بقول الله تعالى” ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يرى ومن يعمل مثقال ذرة شرا يري”؟

**لماذا ثم لماذا ثم لماذا حتى مطلع الفجر؟؟؟؟

نعم… أشعر أن خاطرا يخطر ببالك ووسواسا يوسوس في صدرك يقول لك أن أكثر الناس يفعل كل ماسبق ذكره. لكن هل تعلم أن الأكثرية ممقوتة وغير مرحب بها  في القرآن الكريم.

يقول الله تعالى : “وَلَـكِنَّ أَكثَرَهُم لاَ يَعلَمُونَ

، “وَأَكثَرُهُمُ الفَاسِقُونَ” ،

 “وَأَكثَرُهُم لاَ يَعقِلُونَ” ،

“وَأَكثَرُهُمُ الكَافِرُونَ” ،

“وَأَكثَرُهُم لِلحَقِّ كَارِهُونَ” ،

 “وَأَكثَرُهُم كَاذِبُونَ” ،

 “بَل أَكثَرُهُم لاَ يُؤمِنُونَ” ،

 “وَلَـكِنَّ أَكثَرَهُم يَجهَلُون” ،

” وَلاَ تَجِدُ أَكثَرَهُم شَاكِرِينَ”

، “فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ” ،

 ” ، “فَأَبَى أَكثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً “،

 “أَم تَحسَبُ أَنَّ أَكثَرَهُم يَسمَعُونَ أَو يَعقِلُونَ إِن هُم إِلَّا كَالأَنعَامِ بَل هُم أَضَلُّ سَبِيلاً “. أرأيت كيف تكون الأكثرية في كتاب الله؟

**فكن أﻧﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻠﻴﻞ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻴﻬﻢ:

{ﻭﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﻋﺒﺎﺩﻱ ﺍﻟﺸﻜﻮﺭ }  {ﻭﻣﺎ ﺁﻣﻦ ﻣﻌﻪ ﺇﻻ‌ ﻗﻠﻴﻞ}

**مقالتي ليس خطبة منبرية فلست خطيبا أو موعظة دينية فلست واعظا  ولكنها صيحة مدوية وصرخة عالية لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد.فاستيقظ من سباتك العميق ومت على الحق المبين وراجع مواقفك الحياتية وأفكارك السياسية ومعتقداتك الدينية وعلاقاتك الاجتماعية وحساباتك المادية وكتاباتك اليومية وألفاظك العفوية وغدراتك الذاتية فرب نفس يخرج من صدرك ولايعود إليك مرة أخرى فإذا انت ممتثل كما ولدتك امك أمام محكمة العدل الإلهية قاضيها هو الله وشهودها جوارحك وحراسها ملائكة غلاظ شداد لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.

فجهز ورق قضيتك الشخصية ومستندات سيرتك الذاتية وحساباتك الدنيوية  لأن القضية كبيرة والمحكمة ترفض التأجيل أو الاستئناف أو النقض فالحكم من درجة واحدة  وليس بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار. ولاتنسي الحقيقة الخالدة أن الدنيا كالماء المالح كلما ازددت منه شربا ازددت عطشا. وهل يروي الماء المالح الظمآنا؟ اللهم بلغت.. اللهم فاشهد.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى