آخر الأخباركتاب وادباء

هل نعيب زماننا أم العيب فينا

من روائع الأديب الكاتب

مؤمن الدش

عضو مؤسس فى المنظمة

الزمن من الأشياء الهلامية التي لا تري بالعين أو تلمس باليد وليس كائن حي يمكننا تقييمه والحكم عليه بالسلب أو بالإيجاب . كالروح والهواء والمشاعر . كلها أشياء تحس لكنها لا تلمس باليدين . لذا فالزمان الذي يوصف بالجميل لم يكن جميلا إلا بوجود أشخاص جعلوه جميلا . هؤلاء الأشخاص كانوا يتحلون بكل ما هو جميل من مبادئ وقيم وأصول وأخلاق .

فلما رحلوا باتت الأجيال الحالية بلا قائد أو معلم ولأننا مقلدون بلا وعي فقد إمتلأت أدمغة هذه الأجيال بأفكار ومعتقدات بعيدة كل البعد عما تربينا نحن عليه وساعد علي ذلك وجود الشبكة العنكبوتية ( الإنترنت ) وآلاف القنوات التي تأتينا عبر الأطباق الفضائية فقتلت كل جميل وأحيت كل قبيح . ومع إنشغال أرباب الأسر باللهث خلف لقمة العيش بات الشباب هائمون علي وجوههم بلا رقابة أو حساب ، وكما يقول المثل ( ربنا وزع الأرزاق محدش عاجبه رزقه ووزع العقول كل واحد مريحه عقله ) .

فصارت الغالبية تمشي وراء ما يعتقدون أنه الصواب من وجهة نظرهم . فاندثرت كثير من القيم التي تربينا عليها تحت أقدام الوافد الجديد من مفردات عجيبة وغريبة مثل كلمة ( فشخ ) بديلا عن كلمة كثير وهذا علي سبيل المثال لا الحصر .

 

وفي الفجوة السحيقة مابين الجدود والٱباء سقط ٱلاف الشباب جراء عدم وجود رقابة .

فلم يعد الطالب يحترم مدرسه بعدما كنا نغير طريقنا إذا وجدنا مدرسنا يسير من نفس الطريق مهابة ورهبة وتقديرا له . ولا الإبن يقدر أبوه بعدما كنا لا نستطيع الجلوس والأب واقفا . ولم يعد الخال والد بعدما أصبح الخال يدخن السجائر مع إبن أخته معتقدا أنه خال ( مودرن ) .

والأم صارت تجلس أمام شاشات الفضائيات أو تتصفح الإنترنت من دون أن تشغل نفسها بماذا يفعل أبناءها وهم جالسون علي شبكة الإنترنت يتصفحون مواقع من كل بلاد الدنيا معبأة بكل انواع الثقافات المنحرفة . وصارت الأسرة كسيارة إنفجر أحد إطاراتها فانقلبت وتحولت إلي أشلاء كل جزء منها يعيش في جزيرة منعزلة عن بقية الأجزاء . فإذا أراد قائدها أن يعود إلي قيادتها يحتاج إلي أن يعيدها سيرتها الأولي .

لذا فمجتماتنا تحتاج إلي إعادة ضبط مصنع .

………. …

الزمن الحالي برئ من كافة التهم الموجهة إليه . لأن العيب فينا . وكما قال الامام الشافعي ( نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا ) .. وبما أننا إستسلمنا لحالة اللامبالاة التي تملكتنا منذ عقود واستسهلنا كل شئ حتي الأكل نطلبه دليفري لأسباب مختلفة . فهناك من يلجأ لتلك الطريقة كنوع من الرفاهية . وهناك من يلجأ إليها لإنشغاله في اللهث وراء لقمة العيش . حتي الأسرة الواحدة لم تعد تلتف حول مائدة واحدة يسودها الود فإختفت المواعظ والعبر التي كان يلقيها الأب والأم علي مسامع أبنائهم في لحظات ود كانت تتكرر كثيرا والٱن صارت نسيا منسيا . حتي الأعياد التي كانت الفرصة الأخيرة لجمع شتات الأسرة فقدت بهجتها بعدما إستسهل الكل اللقاء عبر الهواتف النقالة سواء بالفيديو كول أو الواتس أو الماسينجر أو حتي عبر رسائل الsms . إفتقد الجميع دفئ الأسرة . ونصائح الأب وحنان الأم . فتجد الأوضاع الٱن وقد صارت مقلوبة . إذا حدثت الأب في مشكلة يقول لك سأعيد الرأي علي إبني وأرد عليك . وإذا تكلم الأب في جلسة صلح عرفية صاح فيه الإبن أمام الناس ليسكته ويتحدث بديلا عنه … لذا تجد الكل الٱن يشكو الملل والخنقة . والجميع يتملكه شعور بعدم الرضا وعد الراحة .. وإذا سألت أحدهم ما هي مشكلتك قال لك لا أعرف .. هو مشكلته مدفونة داخله في العقل الباطن لكنه لا يستطيع إخراجها ولا يجيد التعبير عنها …… كلنا نحتاج إلي ( restart ) إعادة تشغيل …. نفصل . ثم نعيد تشغيل أنفسنا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى