آخر الأخبارتقارير وملفات

تقارب تركي جزائري.. لماذا انزعجت فرنسا والإمارات؟

تقرير إعداد رئيس التحرير

سمير يوسف

رئيس منظمة “إعلاميون حول العالم”

العلاقات بين تركيا والجزائر تشهد مؤخرا تطورا وتقدما في ظل سعي البلدين لتعزيز سبل التعاون الاقتصادي والاستثماري والتعليمي والثقافي، إلى جانب عدد من المجالات الأخرى.

وبقدر ما يحمل هذا التقارب من فرص لتعميق العلاقات الإستراتيجية ما بين الطرفين وإمكانات لتشكيل محور استقرار وتنمية في المنطقة، فإنه سيزيد من دون شك من حدة الضغوطات الخارجية والداخلية على الجزائر، وفق مراقبين.

البعض يرى أنه من الممكن أن تتعرض الجزائر لمزيد من عدم الاستقرار الداخلي، نتيجة لمعارضة ومقاومة اللوبيات الاقتصادية والثقافية المرتبطة بفرنسا وأوروبا وحتى ببعض الأطراف الخليجية.

 عبد المجيد تبون رئيس الجزائر حافظ كتاب الله “القرآن الكريم”

علاقات قوية

وزير الخارجية التركي “مولود تشاويش أوغلو”، أكد أن بلاده لها علاقات قوية مع الجزائر، وأن تركيا تريد دوراً أكبر للجزائر في حل الأزمة الليبية إلى جانب دول الجوار في شمال إفريقيا. 

وقال في مقابلة نشرتها مجلة “جون أفريك” الفرنسية، في 28 ديسمبر/كانون الأول 2020، إن “بلاده لها علاقات قوية مع الجزائر وتونس والمغرب، وأن أنقرة أكدت دائماً على ضرورة أن تلعب هذه الدول دوراً مهماً في الأزمة الليبية”.

تصريح “تشاويش أوغلو” جاء بعد أيام من اتصال هاتفي دار بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والجزائري عبد المجيد تبون، في 20 ديسمبر/كانون الأول 2020، بحث فيه الطرفان سبل تطوير العلاقات الثنائية إلى جانب عدد من القضايا الإقليمية.

أردوغان” تابع كلمة “تبون” التي وجهها لشعبه، في 13 من ديسمبر/كانون الأول 2020. من ألمانيا، حيث كان يتلقى العلاج، وعبّر عن “استعداد تركيا لمرافقة الجزائر في مشروع بناء الجزائر الجديدة”.

الجزائر اقترحت على تركيا إنشاء تكتل شركات مختلطة لدخول أسواق دولية، وذلك بالتزامن مع بداية التحضيرات لإطلاق منطقة تبادل تجاري حرة إفريقية، في يناير/كانون الثاني 2020، كما جرى الحديث عن تنظيم لقاءات بين رجال أعمال البلدين، لبحث فرص شراكة جديدة بعد “جائحة كورونا”.

صحيفة “الشروق” الجزائرية، عنونت تقريرا لها في بداية ديسمبر/كانون الأول 2020، بـ”الجزائر تبحث عن شركاء بعيدا عن فرنسا”، قالت فيه: إن وزير الشؤون الخارجية، صبري بوقادوم، كشف عن بعض الدول الأوروبية التي تتفهم المطالب الجزائرية بمراجعة بعض بنود اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي.

أطراف مستاءة

يرى “ابن قيطة” أن هناك حالة استياء واضحة من بعض القوى والأطراف الإقليمية والدولية من هذا التقارب،  سواء بشكل علني أو في الدوائر المغلقة، حيث ترى في هذا التقارب تهديدا لمشاريعها بإعادة هندسة المنطقة وفق رؤى وتصورات يراد فرضها على شعوب المنطقة لتبقى في حالة انقسام وتخلف. 

ومن بين أبرز تلك القوى يوضح “بن قيطة” أن الاتحاد الأوروبي، يرى في هذا التقارب تهديدا لمصالحه التجارية والاقتصادية بالجزائر والقارة الإفريقية، خاصة بعد إعلان الجزائر عن إرادتها بمراجعة اتفاقية الشراكة التي تربطه بالاتحاد.

ووقف الخبير، عند الطرف الفرنسي الذي ينظر إلى هذا التقارب كمهدد لمصالحه الثقافية والاقتصادية، وجبهة جديدة من الصراع مع الجانب التركي الذي يحاول بشكل مستمر توظيف واستغلال ملف الاستعمار الفرنسي للجزائر كورقة ضغط في سجاله الإعلامي والدبلوماسي مع الطرف الفرنسي.

وذهب الأستاذ الجامعي إلى القول، إن أحد الأطراف: “أنصار المشروع الصهيوني بالمنطقة، ونعني هنا تلك الدول دويلات الخليج الوظيفية التي انخرطت في مسار التطبيع مع الكيان الصهيوني وتروج له” في إشارة إلى الإمارات.

ورجح المتحدث أن تزداد وتيرة الضغوطات الأمنية على الحدود الجزائرية خاصة من ناحية الجنوب بفعل الدور الفرنسي الخطير في منطقة الساحل وتمويله غير المباشر للجماعات المسلحة عبر الفدية.

زيارة تبون الأولى من نوعها لرئيس جزائري إلى تركيا منذ 17 عاماً، وكانت آخر زيارة للرئيس الأسبق والراحل عبد العزيز بوتفليقة في فبراير/شباط 2005.

ومن المرتقب أن يجري الرئيس الجزائري مباحثات ثنائية وعلى انفراد مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد قام بزيارة للجزائر بعد شهر واحد من انتخاب تبون، في يناير/كانون الثاني 2020 وكانت أول زيارة لرئيس أجنبي للجزائر حينها في نهاية 2019.

وأنقرة، هي سابع محطة للرئيس الجزائري، منذ نحو 3 أعوام، بعد كل من إثيوبيا، وألمانيا، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والكويت، وتونس.

الملفات الرئيسية الهامة

ووفق ما ذكرته وسائل الإعلام المحلية في البلدين، فإن الرئيسين الجزائري والتركي سيناقشان 3 ملفات كبرى تتعلق بالأمن والاقتصاد، وهي الزيارة التي تتزامن مع توترات دولية وإقليمية حادة، وكذا سياسة الجزائر “الباحثة عن شركاء جدد” بحسب المراقبين.

ولعل الرهانات الاقتصادية أكبر الملفات التي ستطرح على طاولة تبون وأردوغان، خصوصاً وأن تركيا تعد أكبر مستثمر أجنبي في السوق الجزائرية بأكثر من 5 مليارات دولار تمثلها أكثر من 800 شركة، وحجم تبادل تجاري سنوي يفوق 4 مليارات دولار.

وتوقعت المصادر الإعلامية أن يتم التوقيع على اتفاقيات اقتصادية جديدة تعزز الاستثمارات التركية بالجزائر خصوصاً في مجالات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والبنى التحتية والطاقة.

وتتطلع الجزائر لتنويع شركائها الاقتصاديين والتجاريين في إطار محاولاتها “الخروج من التبعية لفرنسا” وفق تحليلات الخبراء الاقتصاديين، خصوصاً نحو الأسواق الشرقية من العالم، والتي ترى في الجزائر “سوقاً عذراء”.

كما تستهدف أنقرة تنويع صادراتها من النفط، لاسيما مع الأزمة العالمية الأخيرة التي فرضتها تداعيات الحرب في أوكرانيا، كما تعتبر أنقرة الجزائر بوابة رئيسية للولوج نحو السوق الأفريقية.

وفي 2020، جددت الجزائر عقود توريد الغاز الطبيعي المسال لتركيا، عبر شريكها “بوتاش” حتى عام 2024، بكميات سنوية تقدر بنحو 5.4 مليارات متر مكعب.

ثاني المواضيع المنتظر مناقشتها بين رئيسي البلدين، ملف “إلغاء التأشيرات” وفق ما ذكرته وسائل إعلام تركية، إذ يتوقع مراقبون أن “تحسم زيارة تبون ملف إلغاء التأشيرات بين مواطني البلدين” والذي تراه السلطات التركية على أنه “ملف سياسي بامتياز”.

بينما يطرح مراقبون في الجزائر “احتمالات تحفظ الأخيرة” خصوصاً فيما يتعلق بالمطلوبين لديها والمتواجدين على الأراضي التركية، في الوقت الذي يتوقع فيه خبراء أن يتم تأجيل حسم الملف إلى وقت آخر إلى غاية “إعداد اتفاقية تعاون في التنسيق الأمني بين البلدين” فيما يتعلق بتسليم المطلوبين ومكافحة الإرهاب.

وسبق للجزائر وأن عبرت عن مخاوفها من تسلل عائدين إلى أراضيها ينتمون لتنظيم “داعش” الإرهابي عبر تركيا، بينما سلمت تركيا عددا من المطلوبين للجزائر بينهم أبرزهم الضابط قرميط بونويرة الذي حكم عليه، اليوم الأحد، بالإعدام بـ”تهمة الخيانة العظمي”.

الأزمة الليبية

وتبقى الأزمة الليبية من أكثر الملفات المطروحة بين البلدين بـ”عناوين متناقضة”، إذ تتفق العاصمتان على ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية والعامة فيها لإنهاء الأزمة بهذا البلد العربي.

إذ أن الجزائر كانت من بين دول الجوار الليبي التي دعت وطالبت بضرورة خروج القوات الأجنبية والمرتزقة التابعين لدول أجنبية من الأراضي الليبية، كما شددت على أهمية إبعاد حل أزمة جارتها الشرقية من التدخلات الخارجية.

ولا يستعبد متابعون أن تكون لزيارة الرئيس الجزائري إلى تركيا “أثرا على تطورات الأوضاع السياسية في ليبيا”، وسط مساعٍ إقليمية ودولية لإيجاد حل نهائي للأزمة الليبية وإجراء الانتخابات الرئاسية التي تأجلت منذ نهاية 2021.

تحتل الجزائر المركز الـ7 من حيث أكبر الدول التي تستثمر فيها تركيا، والمرتبة الأولى في القارة الأفريقية، وسط توقعات بارتفاع حجم الاستثمارات التركية في الجزائر.

ويستهدف البلدان مضاعفة حجم التبادل التجاري والاستثمارات إلى 10 مليارات دولار (لكل منهما) في غضون 2030.

في المقابل، اقتحمت الجزائر قطاع الطاقة في تركيا من أوسع أبوابه، بعد أن بات عملاق النفط الجزائري سوناطراك أحد أكبر المستثمرين في المشروع البتروكيميائي بمدينة جيهان، في 2021.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021، وقع عملاق النفط الجزائري 3 عقود لتطوير مشروع بتروكيماويات بمدينة جيهان التركية، والذي بلغت قيمته 1.7 مليار دولار، فيما أن 70 % من المشروع تم تمويله من بنوك عالمية، وكانت حصة تمويل الشركة الجزائرية 30 % وشريكها التركي “رونيسانس هولدينغ”.

وكشفت سوناطراك الجزائرية عن أن المصنع التركي “سيستعمل مادة أولية جزائرية وهو غاز البروبان لإنتاج مادة البولي بروبلين البلاستيكية”.

تبون: لن نعقد مؤتمرا حول ليبيا.. والقادة العرب سيشاركون بقمة الجزائر

وفي مقابلة صحفية مع وسائل إعلام محلية، نفى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون نية بلاده استضافة مؤتمر دولي حول الوضع في ليبيا وعن الانتخابات الرئاسية التي تأجلت منذ نهاية العام الماضي.

وكشف تبون في المقابلة عن أن ذلك كان بطلب رسمي من “الأشقاء الليبيين”.

وأوضح أنه “لا يوجد مؤتمر دولي حول الانتخابات الرئاسية في ليبيا، والأشقاء الليبيون طالبوا بذلك”، مشيرا إلى أن الطلب جاء من رئيس الحكومة المنتهية ولايتها.

ولفت إلى أن الجزائر “لم تقبل ولم ترفض الطلب الليبي”، وأكد أن الجزائر “لا يمكن أن تعقد مؤتمرا فاشلا”.

كما ربط الرئيس الجزائري تحفظ بلاده على استضافة مؤتمر دولي حول ليبيا إلى “عدم رغبتها في زيادة الانقسام العربي”، مشيرا إلى أن دولا عربية فاعلة “لا تتوافق مع فكرة المؤتمر الدولي في هذا الوقت”.

ولفت إلى أنه “لا يوجد حل للأزمة الليبية بدون الرجوع للشعب الليبي”.

وفيما يتعلق بالقمة العربية المقبلة التي ستحتضنها الجزائر، كشف تبون عن أن كل الدول العربية أعلنت مشاركتها في القمة العربية بمستوى القادة.

وعن العلاقات مع الدول العربية، وصف الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون علاقات بلاده مع مصر والسعودية بـ”العلاقات المتميزة بكل ما تحمله الكلمة من معنى”.

وعن علاقات الجزائر بدول مجلس التعاون الخليجي، أكد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون على أنها “علاقات متميزة”.

كما رد تبون عن زيارات عدد من وزراء خارجية دول غربية مؤخرا، وأوضح أن “استشارة الجزائر ضرورية في ملفات الساحل وغيرها وكذا في الملف الليبي والساحة المتوسطية، وكلها مهتمة بالرأي الجزائري، وتجاوزت تجربة الجزائر الحرب على الإرهاب إلى عدة قضايا”.

تأمل الجزائر في أن تكون الشراكة مع تركيا خارجة عن المجالات المعتادة المتمثلة في الطاقة التي يرغب الغرب الاستثمار فيها بالجزائر، إذ ترغب في الاستفادة من تجربتها في مجال الصناعات الصغيرة والمتوسطة التي تعد أساس البرنامج الاقتصادي للرئيس عبد المجيد تبون الذي يقول إنه سيعمل على بعث اقتصاد البلاد من جديد بالبحث عن شراكات حقيقية مع مختلف المتعاملين سواء كانوا محليين أم أجانب.

وبالنسبة لعبد النور تومي الخبير والباحث في مركز دراسات شمال إفريقيا “أورسام”، فإن العلاقات الجزائرية التركية تتجه نحو التخلص من الحواجز التي وضعها في طريقها اللوبي الفرنسي الذي سعى في السنوات الماضية لعرقلتها، من خلال رموزه وأبرزهم الوزير الأول السابق أحمد أويحيى الموجود في سجن الحراش بالجزائر العاصمة بعد إدانته في قضايا فساد.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى