آخر الأخبارتحليلات

العاصمة الإدارية الجديدة في مصر على وشك الانفجار

تقرير إعداد

فريق التحرير

تحدث تقرير نشرته مؤسسة “بوميد” (مشروع حول الديمقراطية في الشرق الأوسط)، لافتا إلى أن مشروع العاصمة الإدارية الجديدة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي تبلغ تكلفته حوالي 58 مليار دولار، من أبرز مشاريع الزهو والاختيال الضخمة، التي كانت أحد الأسباب البارزة التي تقف وراء المشاكل الاقتصادية الحالية في البلاد.

التقرير الذي صدر في 102 صفحة، بعنوان “فقاعة السيسي في الصحراء.. الاقتصاد السياسي للعاصمة الإدارية الجديدة في مصر”، تناول دور الجيش في المشروع، ويقدم نظرة معمّقة في الاقتصاد السياسي الذي يقف وراء هذا المشروع المكلف للغاية.

ويلفت إلى أن أنه “بعد 10 سنوات من استيلاء السيسي على السلطة من خلال انقلاب عسكري، ووعده بتحقيق الاستقرار والازدهار، ساهم إنفاقه من خلال الديون على المشاريع العملاقة، التي يتولى الجيش إدارتها، في أسوأ أزمة اقتصادية تعيشها مصر منذ عقود”.

التقرير الذي أعده زاكاري وايت مساعد التحرير، وإيمي هوثورن نائبة مدير بوميد للأبحاث، قال إن السيسي يعد العاصمة الإدارية الجديدة لتكون مقرا لنظام حكمه.

الطاووس المختال

ولفت التقرير إلى أنه “في الخريف الماضي، وافقت الحكومة المصرية على إبطاء المشاريع العملاقة والحد من الدور الاقتصادي للدولة، بما في ذلك نفوذ الجيش، الذي توسع دوره الاقتصادي بشكل كبير في عهد السيسي، وذلك بهدف تأمين خطة الإنقاذ الرابعة خلال 7 سنوات من صندوق النقد الدولي”.

وأضاف: “ومع ذلك أصر السيسي على المضي قُدما في مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، الذي تُقدّر كُلفته بـ58 مليار دولار”.

ومشروع العاصمة الذي وصفه التقرير بـ”الاختيال”، المُقام في الصحراء، والذي تم الإعلان في الأصل على أنه سيستغرق 5 سنوات فقط للانتهاء منه، تأخر عن الجدول الزمني له بسنوات، وتجاوز ميزانيته بمليارات الدولارات.

وتعد العاصمة الإدارية الجديدة، هي أكبر مشاريع السيسي العملاقة التي يديرها الجيش، وكشف عنها للمرة الأولى في مؤتمر “مصر المستقبل” خلال مارس/آذار 2015 بشرم الشيخ، وتقع على بعد حوالي 30 ميلاً شرق القاهرة.

وكان التصور عن العاصمة الإدارية الجديدة في الأصل أنها مشروع من 3 مراحل يمتد على حوالي 170 ألف فدان، وأنه سيتم تنفيذه بالكامل من قبل شركة إماراتية للتطوير العقاري وبتمويل كامل من قبل المستثمرين الخليجيين.

لكن هذه الخطة لم تتحقق، وبدلاً من ذلك، جاء معظم تمويل العاصمة الإدارية الجديدة من الموارد العامة في مصر.

وبدأ العمل في المرحلة الأولى 41.5 ألف فدان، ما يعادل حجم واشنطن العاصمة تقريباً في عام 2016، مع الإعلان بأن تاريخ الانتهاء سيكون في 2019-2020، لكن المشروع تأخر بشكل كبير؛ فقد تم الانتهاء فقط من 60% من المرحلة الأولى.

وتجاوزت النفقات بالفعل 45 مليار دولار حتى الآن، ومن المتوقع أن ترتفع الكُلفة الإجمالية للمرحلة الأولى البالغة 58 مليار دولار.

ومن المقرر أن تكون العاصمة الإدارية الجديدة “مدينة ذكية”، تعمل بنظام تحكم قيادي مركزي بشكل كامل، لتتبع جميع الأنشطة في المدينة، على غرار الصين، بما في ذلك من خلال بث مرئي (فيديو) مباشر عبر 6 آلاف كاميرا.

وستضم المدينة قصراً رئاسياً ضخماً ومقراً وزارياً جديداً؛ وحي دبلوماسي من المتوقع أن تنتقل إليه جميع السفارات الأجنبية، ومراكز تشمل الفنون الفخمة والمؤتمرات والرياضة، بالإضافة إلى منطقة تجارية مركزية مبنية على الطراز الصيني بها أطول برج في أفريقيا، وأكبر مسجد وأكبر كاتدرائية في الشرق الأوسط، ومناطق سكنية وتجارية راقية؛ ومساحة 22 ميلا من الحدائق والمنتزهات تسمى “النهر الأخضر”، والكثير غير ذلك.

ووفق تقرير “بوميد”، فإنه على الرغم من تأكيد السيسي مراراً وتكراراً على أن “الدولة المصرية لن تدفع فلساً واحداً” للعاصمة الإدارية الجديدة، فإن معظم الأموال التي تم إنفاقها حتى الآن جاءت بالفعل من الخزينة العامة للدولة، سواء كان ذلك في شكل مخصصات مباشرة في الموازنة، أو من خلال بيع الأراضي المملوكة للدولة (غالباً ما يكون عائدها إلى الدولة)، أو القروض المدعومة من الدولة، أو الدين الحكومي.

 “ستجد الأجيال المقبلة من المصريين نفسها مضطرة إلى سداد هذه الديون على مدى عقود طويلة”.

وتابع: “يجني المقربون من النظام فوائد هائلة من العاصمة الإدارية الجديدة، كما تستفيد القوات المسلحة، قبل الجميع، من خلال اقتناص مليارات الدولارات، بصفتها المشرف الرئيسي على المشروع، وتتمتع الشركات التي يقودها الجيش بتحصيل عائدات مبيعات الأراضي والتخفيضات الكبيرة لجميع العقود تقريباً، مع إيداع الدخل الآتي من ذلك في حساباتها المصرفي الخاص، دون أي رقابة مستقلة عليها”.

كما تستفيد من ذلك أيضاً شركات البناء والتطوير العقاري التي لها علاقات وثيقة مع النظام (بعضها راسخ في السوق وبعضها جديد وغامض) من خلال العقود المربحة التي توزع عليهم دون إجراء أي مناقصات، وفق التقرير.

ولفت إلى أنه “يتم إدماج أعضاء الأجهزة الأمنية بشكل معمّق في شبكات المحسوبية ودوائر التربح هذه، سواء كمساهمين أو مشرفين أو موردين أو وسطاء”.

وتابع: “تجني الشركات الأجنبية أيضاً أرباحاً من ذلك، فهذه الشركات متواطئة في إثقال كاهل حسابات الدولة المصرية بالديون وإعادة توجيه مواردها الشحيحة نحو مشاريع الزهو والخيلاء باهظة الثمن والتي تحظى بالأولوية على أبواب الإنفاق الاجتماعي الأساسي الأقل بريقاً”.

ونظراً لأن عقودهم يتم توقيعها عادةً مع كيانات يسيطر عليها الجيش، فإنهم يساهمون أيضاً في التغطية على الحسابات المصرفية لتلك الإقطاعيات العسكرية طوال الوقت، ويشمل ذلك الشركة الأمريكية “هَني ويل”، التي تم إسناد تطوير نظام المراقبة الجماعية في العاصمة الإدارية الجديدة لها، حسب “بوميد”.

مغامرة محفوفة بالمخاطر بشكل لا يصدق لنظام السيسي”

قال التقرير: “بالنظر إلى غموض المشروع وتفشي المحسوبية، فإن العاصمة الإدارية الجديدة هي مغامرة محفوفة بالمخاطر بشكل لا يصدق لنظام السيسي”.

وأضاف: “حتى في أفضل السيناريوهات، من غير المرجح أن ترى الدولة عائداً إيجابياً على الاستثمار من الموارد العامة الهائلة التي يتم ضخها في العاصمة الإدارية الجديدة”.

وتابع: “يكاد يكون من المؤكد أن المشروع سيتراجع عن رؤيته الأصلية، وتم بالفعل إلغاء بعض العناصر الرئيسية، مثل الإسكان الميسور التكلفة، في حين أن المساكن الراقية الوفيرة ستكافح للعثور على مشترين كافين”.

وفي غضون ذلك، أدت مطالب السيسي بأن يتم الإسراع في استكمال عاصمته الجديدة إلى أعمال بناء رديئة وإهدار، وفق التقرير.

ويتوقع التقرير، في أسوأ السيناريوهات، انفجار الفقاعة، لافتا إلى أن العاصمة الإدارية الجديدة عُرضة بشكل فريد لمخططات احتيالية، مع إشراف متساهل، بينما يعتمد مطورو النوافذ المنبثقة الغامضون على أموال جديدة لسداد مستثمرين سابقين.

وتابع: “إذا توقف تدفق الأموال، فسوف ينهار المشروع بأكمله، تاركاً الكثير من المدينة التي لم تكتمل بعد في شكل رمال في الصحراء”.

وزاد التقرير: “بدون تدفقات جديدة من السيولة، سينفد السيسي من سبل دعم مشروع العاصمة الإدارية الجديدة ومكافأة الموالين له، وعندما يحدث ذلك، لن يقف حتى عملاؤه العسكريون إلى جانبه، ويقررون أن ولاءاتهم الانتهازية في مكان آخر أفضل”.

وحسب تقرير “بوميد”، فإن مشروع العاصمة الإدارية الجديدة يثير مخاوف كبيرة بشأن الإدارة الاقتصادية، والمديونية، والمحسوبية، والفساد، والمراقبة الجماعية، والاستقرار في مصر، وهو ما يستوجب على الإدارة الأمريكية، لإجراء مراجعة لسياسة استقرار النظام المصري وقدرته على البقاء باعتباره “شريكاً استراتيجياً” في ضوء سوء إدارة السيسي الاقتصادية، كما يتضح بوضوح من مشروع العاصمة الإدارية الجديدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى