آخر الأخبارتقارير وملفات

دور فرنسا في تقسيم إفريقيا إلى أيديولوجيات وحدود ولغات

الاستعمار الفرنسي والإبادة الجماعية في إفريقيا

تقرير بقلم الإعلامى

هشام محمود

عضو مؤسس بمنظمة “إعلاميون حول العالم

“كش ملك”.. حكاية سقوط قطع الشطرنج الفرنسية في الساحل الأفريقي

تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت، ولكن لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت. ربما تنطبق هذه المقالة في حالتنا هنا، فقد ذهب خداع الحرية والديمقراطية والاستقلال الذي أوهم به الغرب العالم الذي غزاه واحتله سابقًا، بلا رجعة.
اعترف مؤخرًا الرئيس الفرنسي ماكرون بالجرائم الأوروبية في أفريقيا، وأنها لا تنكر، داعيًا إلى فتح علاقات جديدة، ولا يخفى أنها محاولة بائسة في زمن قد ضاعت فرصته فيها، ولكنه بإباء المستعمر لم يعتذر، ولم يطرح أية فكرة أو إشارة إلى نوع من التعويض، بل مزيد من اتباع الوسائل الاستعمارية في المكر والكيد لأجل المزيد من النهب.


وهذا غيض من فيض جرائم الاحتلال الفرنسي في أفريقيا التي تحظر فرنسا الوصول إلى الأرشيف الذي يوثق هذه الحقبة الاستعمارية السوداء في أفريقيا، التي استمرت قرابة الـخمس قرون، من القتل والاغتصاب ونهب الثروات:
عقب إطلاق أنشطتها الاستعمارية، عام 1524، أسست فرنسا حكمها الاستعماري في عشرين دولة بين شمالي وغربي قارة أفريقيا. وعلى مدار قرابة ثلاثة قرون، خضعت 35 بالمئة من مناطق القارة السمراء للسيطرة الفرنسية الاستعمارية.
تعتبر المستعمرات الفرنسية في أفريقيا هي أكثر المستعمرات معاناة وحروبا؛ حيث الإرهاب والقتل والدمار؛ حيث تعمل فرنسا بكل وحشية على استنزاف تلك الدول، وليس نصيب المعارض منها إلا القتل أو الانقلاب.
ليس من عجب أن يكون المحرك لهذ التوحش منذ القرن التاسع عشر هو اعتبار سكان العالم الجديد لا يمتلكون أرواحا في أبدانهم، وأن البشر السود لحقت بهم اللعنة التي أطلقها نوح ضد ابنه حام.
في 1685 تم إصدار القانون الأسود أو قانون السود، الذي «يُنظّم الإبادة الجماعية النفعيّة، الأكثر عدائيّةً، للحداثة». والدولة هي التي تسنّ قانون العبيد الذي أُخضِعَ له الإنسان الأسود، ضحية الاستعباد والعبودية. وهذا القانون الأسود هو الأصل الشرعي لتحويل العبد إلى وحش ونشأة نزعة العِرقيّة العنصرّية.
وفرضت قوانين عقابية وأطلقت عليها مسمى “القوانين الخاصة” التي تتيح لها ارتكاب جرائمها تحت غطاء قانوني، وأجازت مبدأ (القتل لكل مقاوم).
منذ عام 1830م فاق عدد ضحايا الاستعمار الفرنسي في الجزائر فقط الـ 10 ملايين جزائري. كما مارست فرنسا إبادة ثقافية بحق المجتمع الجزائري، وعملت على القضاء الهوية الجزائرية والآثار العثمانية، التي يمتد تاريخها إلى 300 عام. وأقدمت على تغيير معالم دينية وتاريخية عديدة في الجزائر، لطمس هويتها العربية والإسلامية.
وكذلك في المغرب قامت القوات الفرنسية الغازية بمحاولة فصل المجتمع المغربي عن هويته وتغييب ذاكرته الوطنية والثقافية، وأصدر فرنسا عام 1930 ما عرف بـ”الظهير البربري”، وهو قانون يمنع الأمازيغ في المغرب من التحاكم في قضاياهم المختلفة إلى الشريعة الإسلامية، أو إلى العرف البربري. كما منعت فرنسا المغاربة الأمازيغ من تعلم الإسلام واللغة العربية، بغية محو الهوية الإسلامية للمجتمع الأمازيغي والقضاء على كل ما هو عربي في هذا المجتمع التقليدي والمحافظ.

 

تجارب نووية في الصحراء الجزائرية لدراسة مدى أثرها على الجزائريين

أجرت القوات الفرنسية سلسلة تجارب نووية في الصحراء الجزائرية بين عامي 1960 و1966، لدراسة مدى أثرها على البشر، من بينها 17 تجربة نووية، على الأقل بحسب مسؤولين فرنسيين، وتسببت تلك التجارب بمقتل 42 ألف جزائري وإحداث عاهات مستدامة للملايين، بسبب الإشعاعات النووية التي لا تزال آثارها مستمرة حتى اليوم.
وفي خلال الفترة الاستعمارية تم توثيق الكثير من الجرائم الفرنسية في تونس والمغرب وسائر البلدان الأفريقية، منذ بداية الاحتلال وحتى ما بعد خروجه. وتنوعت الجرائم بين القتل والإعدامات والتصفيات والاعتقالات والملاحقة، واغتصاب النساء وقتلهن، والاعتداء على الممتلكات ومصادرتها، وإحراق المزارع، والمحاصيل الزراعية، وهدم المنازل بالجرافات في عدة مناطق على الأراضي التونسية، وأسر أفراد القبائل، ونفي قبائل تونس وتهجيرهم، وبلغ الشهداء عشرات الآلاف.
1911، اكتملت السيطرة الفرنسية على تشاد، ومارست أنواعًا كثيرة من التعذيب، وألغت القوانين الإسلامية ومنعت استخدام اللغة العربية، ودمرت الآثار الإسلامية التي خلفتها الإمارات والسلطنات والممالك الإسلامية في المنطقة. وأحرقت المساجد والجوامع والمدارس القرآنية أيضًا، وعملت على نشر النصرانية، لتحقيق أهدافها في الاستعمار والاستقرار والاستغلال في هذه الدولة الحديثة.

مجزرة كبكب.. عندما كشفت فرنسا عنصريتها وقتلت 400 عالم دين تشادي

1917، “مجزرة كبكب”: جمعت القوات الفرنسية خير علماء الدين الإسلامي في تشاد والمنطقة، ما يقارب 400 عالم دين وزعيم محلي في مدينة “أبشة” بإقليم “واداي”، كان اللقاء مبرمجًا ظاهريًا للحديث عن إدارة البلاد تحت الحكم الفرنسي وكيفية تصريف شؤونها، إلا أن المستعمر الفرنسي كانت يبطن الشر، حيث تم القضاء عليهم، عبر ذبحهم بدم بارد مرة واحدة، ودفن هؤلاء العلماء في مقبرة جماعية بمنطقة “أم كامل” وهو وادي داخل أبشة والمقبرة موجودة حتى الآن.
بعد اندلاع حركات التحرر لوطني إلى الاستقلال، مارست القوات الفرنسية انتهاكات جسمية ومروعة، وزادت من مستوى القمع والتنكيل. قتل وإعدام واعتقالات بالجملة وقصف عشوائي واغتصاب للنساء وإحراق للمزارع، تلك كانت الإجابة التي تقيمها القوات الفرنسية ردا على سؤال التحرر والاستقلال، في محاولة منها لقمع أي حركة للمقاومة، وقتل في حركات التحرر الأفريقية بضعة ملايين مواطن أفريقي.
استخدمت فرنسا دولا أفريقية، مثل السنغال وساحل العاج وبنين، كمراكز لتجارة العبيد، وقامت ببيع وشراء الأفارقة السود كسلعة، خلال مدة تصل إلى 300 سنة، اشترت فيها ملايين من البشر كالعبيد من القارة السمراء.

سكان مستعمراتها الأفريقية دروعا بشرية

استخدمت فرنسا في حروبها، خاصة العالميتين، سكان مستعمراتها الأفريقية دروعا بشرية، ولقي أكثر من 71 ألف جندي أفريقي مصرعهم دفاعا عن فرنسا ضد ألمانيا، ومعظمهم من غرب أفريقيا وشمال أفريقيا من المغرب والجزائر وتونس ومدغشقر، وما تزال تلك الدول الأفريقية تعاني من سياسات فرنسا العدوانية.
بعد الخروج الوهمي لفرنسا من الدول لتي احتلتها، سعت إلى تحويلها إلى ما أسمته “جمهوريات موز”، من خلال زعزعة استقرار النظام السياسي فيها، فقد دعمت خلال الخمسين عاما السابقة ما مجموعه 67 انقلابا في 26 دولة إفريقية، منها 16 دولة كانت خاضعة للاستعمار الفرنسي، ما يعنى أن 61% من الانقلابات حدثت في إفريقيا الناطقة بالفرنسية، من تدبير فرنسا، وهذه بعض الأمثلة:
عندما حاول رئيس ساحل العاج “لوران غباغبو” إنهاء الاستغلال الفرنسي لبلاده، دبرت فرنسا انقلابا للإطاحة به، وتدخلت الدبابات والطائرات الفرنسية والقوات الخاصة مباشرة في الأزمة، وأطلقت النار على المدنيين وقتلت الكثيرين، وبعد نجاح الانقلاب ونقل السلطة إلى “ألأسن أوتارا”، طلبت باريس من أوتارا دفع تعويضات لمجتمع رجال الأعمال الفرنسي لخسائرهم خلال الحرب الأهلية.
1958م عندما قرر سيكو تورى رئيس غينيا كوناكيري التحرر من الاستعمار الفرنسي، واختار استقلال دولته، وأبدى معارضة كبيرة لفرنسا ورفض الاندماج الذي دعا إليه الجنرال ديغول، إلا أن باريس قررت معاقبته، حيث غادر آلاف الفرنسيين غينيا، حاملين معهم كل ما يستطيعون، كما طبعت الملايين من العملة الغينية المزورة وأدخلتها بين العملة الغينية الصحيحة لضرب اقتصاد غينيا، وانهيار دولة سيكو توري.
1958م وخوفا من عواقب الاستقلال من الاستعمار الفرنسي، صرح الرئيس ليبولد سادير سينغهور: “إن خيار الشعب السنغالي للاستقلال هو لبناء صداقة مع فرنسا لا لأجل إثارة نزاع معها”.
1962م قرر موديبيا كيتا، وهو أول رئيس مالي بعد الاستقلال التخلص من عملة الاستعمار الفرنسي “الفرنك الإفريقي”، فدبروا له انقلابا عسكريا عام 1968م بقيادة “موسى تراوي”، أحد ملازمي الفيلق الفرنسي.
1963م عندما قرر رئيس توغو سيلفانوس أوليمبيو التخلى عن الفرنك الإفريقي، الذى خصصته فرنسا لمستعمراتها، وإصدار عملة نقدية خاصة لدولته، قامت المخابرات الفرنسية باغتياله.
1964م، أطاح الجيش الغابوني في انقلاب غير دموي بالرئيس ليون إمبا، لكن بعد يومين فقط، قامت القوات الفرنسية بعملية إنزال في ليبرفيل وأعادت حليفها، ذو السياسات الموالية لفرنسا، إلى الحكم.
– 1966، قادَ “جين بيديل بوكاسا”، ملازم سابق للفيلق الفرنسى، انقلابًا ضد ديفيد داكو أول رئيس منتخب لجمهورية إفريقيا الوسطى، ولا زالت الدولة في صراعات سياسية حتى اليوم.
1966م كان موريس ياميوغو، أول رئيس منتخب فى جمهورية فولتا العليا التي تسمى اليوم بوركينا فاسو، ضحية انقلاب قاده “عبد القادر سنغولى لاميزانا”، أيضا ملازم سابق فى الفيلق الفرنسى، إذ قاتل هذا الملازم مع القوات الفرنسية فى إندونيسيا والجزائر ضد استقلال تلك البلدان.
من أشهر المجازر الجماعية، والإبادات البشرية التي قامت بها فرنسا، 1994م، عندما لعبت دورا كبيرا في الإبادة الجماعية بحق إثنية “التوتسي” في رواندا، وهي من أكبر عمليات الإبادة في التاريخ البشري، إذ سقط أكثر من 800 ألف قتيل.


ورغم تمتع دول إفريقية بالاستقلال منذ أكثر من 50 عاما، تفرض فرنسا إتاوة على 14 دولة إفريقية تحت اسم ضريبة “فوائد الاستعمار”، وتجبرهم على وضع 85% من احتياطاتها الأجنبية في البنك المركزي بباريس.
وإلى جانب ذلك الشرط، تنص الاتفاقية التي تتضمن 11 بندا على وجوب دفع تلك الدول ضريبة مقابل البنية التحتية التي بنتها فرنسا أثناء الاحتلال، ولفرنسا الأولوية بشراء الموارد الطبيعية الموجودة في أراضي تلك الشعوب، كما تنص على وجوب عرض العقود الحكومية على الشركات الفرنسية.
جرائم فرنسا مازالت مستمرة حتى الآن، في عموم القارة، وكمثال: اعترافها بدعم مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا، في ارتكاب جرائم حرب، تحقق فيها الأمم المتحدة وانتهاكات منظورة لدى محاكم أميركية، ما يمثل امتدادا لسجل فرنسا الإجرامي الذي بدأ قبل 5 قرون ومازال مستمرا حتى يومنا هذا.
الاستعمار الفرنسي والإبادة الجماعية في إفريقيا
استعمرت فرنسا مناطق غرب ووسط إفريقيا قرونا عدة، وأنشأت أشكالا مباشرة للإدارة خلال تلك الفترة، واتبعت سياسات الاستيعاب من خلال فرض أنظمتها الثقافية وقيمها.
توزعت المستعمرات الفرنسية في إفريقيا على منطقتين هما “غرب إفريقيا الفرنسية” و”إفريقيا الاستوائية الفرنسية”، كما اتبعت باريس استراتيجية فرّق تسد، بين القبائل المحلية، ما وفر لها سهولة الإدارة، وضمان عدم حدوث تمرد ضد قواتها المستعمرة.
كما تمكنت فرنسا من إيجاد نخب إفريقية، دافعت عن الاستعمار وحاربت الأفكار الاستقلالية، ونشأ تيار فكري بين الأفارقة يدعى “الأوربة الإفريقية”، ركز على مناهضة الحركات الاستقلالية، مسلطا الضوء على فوائد الاستعمار.
بدوره، قال رئيس أول مؤتمر لعموم إفريقيا عام 1919، وعضو الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) عن السنغال بليز دياني، “نحن سكان المستعمرات نود البقاء ضمن ممتلكات فرنسا في إفريقيا. لأنها أعطتنا كل أنواع الحرية، وعاملتنا كأطفالها دون أي تمييز. لا أحد منا يريد من فرنسا أن تترك إفريقيا للأفارقة فقط، كما يود البعض”.
وقال رئيس السنغال (1960/ 1980) ليوبولد سيدار سنغور، إن الطريقة الأنسب والمرغوبة لبلاده، هي المحافظة على موقعها داخل الإمبراطورية الفرنسية.
لكن وعلى الأرض، فرقت الحدود التي وضعتها القوى الاستعمارية بين أبناء القبيلة والأسرة الواحدة، ما تسبب في صراعات بين العديد من البلدان الإفريقية بعد الاستقلال.
وكشرط لتأسيس العالم الرأسمالي الجديد الذي أنشئ بعد الحرب العالمية الثانية، وافقت فرنسا على منح مستعمراتها في إفريقيا استقلالا هزيلا ومشروطا، وافق عليه معظم الزعماء الأفارقة، باستثناء رئيس غينيا أحمد سيكو توري، في الوقت الذي وصف فيه الفيلسوف الاجتماعي فرانتس فانون (1925 ـ 1961) هذا النوع بأنه “استقلال زائف“.

رفضت غينيا هذا النوع من الاستقلال، فيما وافقت البلدان الإفريقية الأخرى، لكن فرنسا ضمنت استمرارها في إفريقيا عبر اتفاقيات تعاون ملزمة، خاصة فيما يتعلق بالعملة الاستعمارية الفرنسية (الفرنك الإفريقي)، ونظام التعليم الفرنسي، والعلاقات العسكرية والتجارية.
علاوة على ذلك، اضطرت الدول “المستقلة” الجديدة، إلى دفع تكاليف البنية التحتية التي أسستها فرنسا في تلك الدول خلال الفترة الاستعمارية، حيث تقوم 14 دولة إفريقية، من بلدان المستعمرات الفرنسية السابقة، بدفع الضرائب الاستعمارية إلى فرنسا منذ استقلالها.
وبينما ينبغي لفرنسا الاعتذار على نهبها وتبديدها للثروات الإفريقية، واستعبادها وقتلها الملايين في القارة السمراء، وزرعها الفوضى الاجتماعية، وارتكابها أعمال إبادة جماعية، تواصل بلدان القارة دفع الضرائب لها، مع أنها المسؤولة عن عمليات الإبادة الجماعية هناك.
قتلت فرنسا ملايين الجزائريين خلال فترة استعمار الجزائر، التي استمرت 132 عاما، حيث عمدت خلال هذه الفترة إلى ترحيل السكان والضغط عليهم، وعدم الاعتراف بحقوقهم، فضلا عن أعمال القتل.
إضافة إلى أن الوحدات العسكرية الفرنسية التي شاركت في “عمليات المساعدات الإنسانية” خلال الإبادة الجماعية التي قام بها “الهوتو” ضد “التوتسي” في رواندا، دعمت بشكل مباشر عمليات الإبادة الجماعية.
وعام 1994، شهدت رواندا أعمال عنف واسعة النطاق، بدأت في 6 أبريل/ نيسان واستمرت حتى منتصف يوليو/ تموز من العام ذاته، حيث شن قادة متطرفون في قبيلة “الهوتو” التي تمثل الأغلبية في رواندا، حملة إبادة ضد أقلية “التوتسي”.
ولا يزال حتى الآن عدد القتلى في تونس والسنغال والنيجر وموريتانيا والكاميرون وبوركينا فاسو وغابون وغينيا وبنين غير معروف.
كما استهدف الفرنسيون، مثل غيرهم من القوى الاستعمارية الأخرى، القادة والعلماء في المجتمع، حيث قامت قواتهم وعلى سبيل المثال لا الحصر، بقتل نحو 400 عالم مسلم خلال مؤتمر في تشاد عام 1917.

شحن العبيد

وقال ثيام إن البواخر الأوروبية في ذلك الزمن كانت تزور باستمرار أسواق النخاسة في أفريقيا لشراء العبيد الأكثر قوة وشبابا، وإن أهم هذه الأسواق كان موجودا في جزيرة غوري.

وأضاف أن أسعار العبيد الذكور كانت تتحدد وفق عدة معايير مثل الطول والوزن والقوة العضلية، أما بالنسبة للنساء والأطفال فكانت الحالة الصحية وشكل الأسنان تلعب الدور الأكبر في تحديد الأسعار، وكان اقتياد العبيد إلى أوروبا يتم بواسطة بواخر مؤلفة من طابقين العلوي منها للتجار، والسفلي للعبيد.

وأشار إلى أن مدينة سانت لويس السنغالية -نسبة إلى ملك فرنسا لويس الرابع- كانت تشتهر أيضا بأسواق العبيد إلى جانب جزيرة غوري.

الأفارقة وقودا للحرب

وخلال الحرب العالمية الأولى، ضمت جميع الدول الاستعمارية وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا إلى صفوف جيوشها فرقا من العبيد الأفارقة، وكانت تدفع بهم دائما إلى الخطوط الأمامية من الجبهات.

ووفقا لتقرير مركز روبرت شومان للأبحاث أصدره عام 2011 بخصوص خسائر الحرب الكونية الأولى، فإن 71 ألف جندي أفريقي في صفوف الجيش الفرنسي لقوا مصرعهم، معظمهم من المغرب والسنغال والجزائر وتونس ومدغشقر.

وهو ما أيده الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، في كلمته خلال فعاليات إحياء الذكرى المئة لمعركة فردان (مدينة فرنسية تعرضت لهجوم ألماني) معربا عن امتنانه واحترامه لكافة الجنود الأفارقة والمسلمين الذين ضحوا بحياتهم في سبيل فرنسا.

وقبيل فترة قصيرة من انتهاء الحرب العالمية الثانية، قتلت فرنسا الآلاف في الجزائر نتيجة انطلاق الثورة في البلاد، بعدما كانت وعدت الجزائريين بالحرية سابقا في حال قتالهم إلى جانبها في الحرب.
وحتى إعلان الجزائر الاستقلال عام 1962، سقط في حرب الاستقلال أكثر من مليون شهيد على يد القوات الفرنسية.

ولم تكتف فرنسا بارتكاب انتهاكات في مستعمراتها السابقة فقط، إنما امتد ذلك إلى الدول التي تتمتع فيها بنفوذ سياسي أيضا، حيث لعبت دورا في واحدة من أكبر حروب الإبادة الجماعية عبر التاريخ، وذلك في رواندا تحديدا حيث قُتل ثمانمئة ألف شخص عام 1994.

وطبقا لتقرير هيومن رايتس ووتش فإن الجنود الفرنسيين في رواندا لم يأخذوا بعين الاعتبار المعلومات الاستخباراتية التي وردت إليهم بخصوص التحضيرات لإبادة جماعية، وأنهم غادروا المنطقة، بينما شارك عدد منهم في تلك المجازر.

ووفقا لتقرير آخر صادر عن هيئة الأبحاث الرواندية عام 2008، فإن فرنسا كانت على علم مسبق بالمجازر التي ستقع في البلاد، وأنها قدمت الأسلحة والمعلومات المخابراتية للمتطرفين في هذا الإطار.

وقد اضطر مواطنو الكثير من الدول التي خاضت حروب استقلال ضد المستعمر الفرنسي إلى السفر إلى فرنسا بهدف العمل نتيجة انهيار الاقتصاد في بلدانهم على خلفية الحروب.

ويتعرض هؤلاء العمال للاستغلال في فرنسا، حيث يعملون بأجور أدنى وشروط أصعب من نظرائهم الفرنسيين.

 انقلاب النيجر وما نهبته فرنسا لسنين

النيجر بلد إفريقي يمتلك حدوداً مع أغنى دول المنطقة من الجزائر لليبيا لمالي، لكن قلة سمعوا بها، أو لربما خلطوا بينها وبين نيجيريا، فلولا الانقلاب الأخير لما أدرك العالم أن شعب النيجر موجود ويعيش الفقر والفاقة، وهو الذي تطأ أقدامه تراب أغنى البلدان لما يمتلكونه من اليورانيوم والذهب والبترول والأراضي الخصبة الصالحة للزراعة، لكن أينما حضرت فرنسا حضر الخراب والدمار والمشاكل التي لا تنتهي.

بعد الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال عبد الرحمان تياني على الرئيس المخلوع محمد بازوم، المعروف بولائه لفرنسا وتقييده للاقتصاد النيجري بترك الهيمنة للشركات متعددة الجنسيات على خيرات البلاد وثرواتها، بانية أحلام دولها على شتات أحلام البسطاء والمهمشين المستعبدين في الأرض.

ففرنسا التي نقلت جيشها من مالي للنيجر تحت كذبة التدريبات لمكافحة الإرهاب، علم الجميع هناك أن الغرض حماية منشآت اليورانيوم وتحصين معاقل الشركات.

لكن فرنسا، ورغم جيشها الموجود هناك وقواعدها العسكرية المترامية على الأراضي النيجرية، صارت اليوم تذرف دموع الحسرة بعد الانقلاب المفاجئ الذي أتى على حين غرة لم يتوقعه أحد؛ ومن أولئك جهاز المخابرات الفرنسية، فالمخابرات الخارجية لجهاز الاستخبارات الفرنسي لم يتمكن من رصد الانقلاب قبل حدوثه، ما كلف باريس التأخر في التدخل لمنع الانقلاب، وبالتالي ضياع مصالحها، ولربما إلى الأبد في النيجر.

خاصة بعد فعلة قائد الانقلاب وجماعته التي قررت بعد 60 عاماً من استقلالها العسكري عن فرنسا؛ أنها قيد الاستقلال اقتصاديا، ففرنسا بشركة كوجيما، ثم أريفا وأورانو بدأت استغلال اليورانيوم قبل استقلال النيجر، وما زالت تستغله إلى اليوم؛ مستخدمة القانون النيجري غير العادل بالنسبة للنيجر في توزيع الحصص والأكثر من مفيد لفرنسا، هذه الأخيرة تدعي أن استخراجها لليورانيوم يساعد النيجر وتطورها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى