اخبار إضافيةاقتصاد

معاناة قطاع الصحة العمومية بالمغرب “الصحة في المغرب الكنز المفقود”

بقلم الإعلاميةوالباحثة الإستقصائية

رشيدة باب الزين

عضو فاعل منظمة “إعلاميون حول العالم”

روما – إيطاليا

تتخبط المملكة المغربية في مجموعة من المشاكل لم تنجح الحكومة في حلها على مدار عقود مثل التعليم والبطالة والفساد وقطاع الصحة يعد واحدا من أبرز المشاكل التي يشتكي منها المواطن المغربي باستمرار.

يعاني المغرب من نقص كبير على مستوى البنية التحتية بمستشفيات الصحة ونقص إن لم نقل انعدام المراكز خاصة بالعالم القروي والتي تفتقر الى التجهيزات الطبية اللازمة لتقديم خدمة صحية مقبولة للمواطنين المغاربة وظروف تطبيب غير سليمة كما يفتقر القطاع الصحي الى الموارد البشرية الطبية فضلا عن انعدام تكوين الأطباء تكوينا علميا ومهنيا على مستوى المعايير العالمية لجودة التكوين الطبي علاوة على ذلك تنتشر بالمستشفيات المغربية ظواهر غريبة عن المجال الصحي كخدمة عمومية سامية تمنح الحياة لأفراد المجتمع بدءا من الرشوة والمحسوبية والزبونية مرورا بالإهمال وسوء المعاملة مع المرضى.

إن سياسة الغموض هي التي تعم هياكل وزارة الصحة ومصالحها الداخلية والخارجية وطريق تنظيمها، فكثيرا ما تجد تداخلا بيم الأقسام والوحدات التي تسير دواليب وزارة الصحة ومديرياتها ومندوبياتها. إذ أن بعض الوحدات أو الأقسام لا مبرر لوجودها أو أن بعض الوحدات لاوجود لها رغم أهميتها، فضلا عن نهج سياسة مركزة اتخاذ القرار والتدبير بوزارة الصحة بالرباط، في الوقت الذي كان من المنتظر أن تفوض الوزارة مجموعة من الصلاحيات لفائدة المديريات الجهوية المحدثة مؤخرا، لكن للأسف بدل أن تتحول هذه المديريات إلى وزارات صغيرة بالجهة أضحت مجرد مندوبيات كبيرة تكتفي بأمور بسيطة من قبيل الإشراف على الامتحانات وجمع تقارير المندوبيات قبل إرسالها إلى الوزارة، أو في أهم الأحول تعتبر سلما إداريا يزيد الجهاز البيروقراطي في قطاع الصحة تعقيدا.

كما أن سياسة الاستقلالية التي تتمتع بها المستشفيات الجامعية الكبرى في المغرب (5 مستشفيات)، جعلت منها قلاعا محصنة ضد أي رقابة محلية أو جهوية، وإنما أضافت إلى المسؤولين الإقليميين والجهويين مسؤولا ثالثا لا يسأل محليا وإنما وطنيا، وهو ما يسهم في المزيد من التمركز وإهدارا للجهد وانتقاصا من المؤسسات الجهوية والإقليمية التي ليس بمقدورها الإشراف الكامل على مستشفيات تقع في دائرة ترابها، وتتعرض للنقد بسبب فشلها أو تقصيرها، فهل يمكن تحميل مندوب إقليمي أو جهوي مسؤولية تدهور الصحة العمومية بإقليم ما، دون أن تكون لهما سلطة الإشراف والمراقبة على أهم مؤسساته الصحية وهي المستشفيات الجامعية؟ (وما يعمق من هذه الأزمة أن هذه المستشفيات لا زالت تشرف على بعض المهام التي هي من اختصاص المندوبيات وخاصة المهام ذات المردود المالي من قبيل لجنة الفحص الطبي المخصص لتسليم رخص السياقة، في الوقت الذي نجد فيه مؤسسات من المفروض أن تكون تحت إشراف المراكز الاستشفائية الجامعية من قبيل مصالح المساعدة الطبية المستعجلة SAMU التي لا زالت تحت الإشراف المرتبك للمديريات الجهوية).

 

ويتجلى الغموض أيضا من خلال تداخل الاختصاصات بين مجموعة من مؤسسات وزارة الصحة، إذ لا زالت بعض المؤسسات مشتركة بين المديريات الجهوية والمندوبيات الإقليمية (من قبيل مراكز الصيانة، ومراكز تحاقن الدم التي وعلى الرغم من أنها تحت إشراف المديريات الجهوية إلا أن مداخليها المالية تتجه نحو المستشفيات الإقليمية) كما أن الحدود المرسومة لكل من المندوب الإقليمي والمدير الجهوي غير مرسمة بشكل محكم، وإنما في كثير من الأحيان تجتهد الأطراف لتحديد المسؤوليات (والدليل على ذلك ما يحصل بخصوص التعيينات الجديدة، إذ وقعت صراعات بين بعض المديرين الجهويين والمندوبين الإقليميين حول من الأحق بأن تمر عبره التعيينات، حيث أن الوزارة ترسل تعيينات مباشرة إلى المندوبيات بينما الصواب أن توجه التعيينات أولا إلى المديريات لكي يعاد توزيعها وفق حاجيات الجهة).

ويعاني قطاع الصحة من خلل كبير في تحديد المسؤوليات والصلاحيات والترسيم القانوني للمهام، فالكثير من المسؤوليات خاصة على مستوى الوحدات والمصالح هي شبه تطوعية وبدون إطار قانوني ينظمها، مما يؤدي إلى عزوف جل الأطر الكفأة عن تحمل المسؤولية وبقاء الكثير من المستشفيات والمصالح بدون مدراء و مسؤولين (صرح وزير الصحة بأن أكثر من 50 مستشفى بدون مدير). فالمسؤولية في قطاع الصحة هي، تقريبا، المسؤولية الوحيدة التي لا يحصل من يتحملها على تعويضات مرسمة وقانونية ومحددة القدر، وإنما تبقى مرتهنة للتحولات السياسية وأمزجة الرؤساء الفاضل من الميزانية. وينطبق الأمر نفسه على التعويضات السنوية لكل موظفي وزير الصحة حيث تسود العشوائية والانتقاء في التوزيع رغم ضآلة هذه التعويضات مما يحدو بالكثير منهم إلى الامتناع عن تلقيها (تصل أحيانا إلى 300 درهم في العام لموظف في السلم 11).

لقد أثرت هذه الاختلالات التنظيمية بشكل واضع على قطاع الصحة من حيث بطء سرعة اتخاذ القرار وتعقيد الإجراءات البيروقراطية وإهدار المال العام في أمور غير ذات أولوية وفي خلق مؤسسات بدون صلاحيات، وتوزيع المسؤوليات عل أكثر من طرف، مما لا يضمن القدرة على المحاسبة أو تحديد المسؤولية، كما تسببت هذه الاختلالات في تراخي المنظومة البشرية

على مستوى آخر تعرف الأدوية أسعارا مرتفعة في الصيدليات المغربية واختفاء كبير بالمستشفيات مثل ادوية السكري لانسولين وبعض ادوية الامراض العضال كالسرطان ……الخ بالرغم من اطلاق بعض الاصلاحات مثل نظام الرميد الذي اقترحته حكومة عباس الفاسي لدعم نسبة قليلة من الفئات الهشة ماديا من أجل العلاج إلا أن هذه الإصلاحات طلت فقط للشهرة اكثر مما كان لها أثر حقيقي على أرض الواقع ليتعثر نظام الرميد بسبب غياب التمويل والوسائل الطبية اللازمة لتقديم الخدمات الصحية وتتحمل الدولة المسؤولية الكبرى فيما آل إليه الوضع الصحي بالمغرب من فساد وسوء تدبير وتدني مستوى الخدمات الصحية بالمستشفيات العمومية المغربية.

ومن ثمة، تمثل قضية الصحة في المغرب، إشكالية منظومة بأكملها، تحتاج إلى تشخيص أماكن العطب على مختلف المستويات، من التكوين الطبي والبنية الصحية المؤسساتية، إلى السياسات والقوانين المتبعة في القطاع الصحي، فضلا عن توفير البيئة السليمة، للوصول إلى مستوى تقديم خدمات صحية تليق بالمواطنين.

يتبع …..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى