تقارير وملفات إضافية

الأغنية التي قتلت صاحبها.. كيف تسبَّب اغتيال المغني الإثيوبي في تسليط الضوء على المظالم التي يتعرَّض لها الأورومو؟

شهدت إثيوبيا -الدولة كثيفة السكان في القرن الإفريقي- ست سنوات من عدم الاستقرار السياسي مؤخراً. وسيطرت على السنوات الأربع الأولى احتجاجات دموية في ولايات أوروميا وأمهرة، وآخر هذه الاحتجاجات ما حدث قبل أيام عندما قُتل المغني هاشالو هونديسا.

ووفّر هونديسا خلفيةً موسيقية للحركة الاحتجاجية ضد الحكومة بقيادة شعب الأورومو. وجاءت حقوق الحكم الذاتي، وإنهاء انتهاكات حقوق الإنسان، في صميم مطالب جماعات المعارضة من أجل التغيير، بحسب تقرير لموقع DW الألماني.

وفي عام 2018 استسلمت الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية وتعهّدت بالإصلاح، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، ودعوة الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام والنشطاء المنفيين إلى العودة لأرض الوطن.

وقبل فترةٍ وجيزة، اتّهم الساسة والنشطاء حزب الازدهار الحاكم المُجدّد بإخلاف وعوده للمحتجين. وجادل ساسة شعب الأورومو تحديداً بأنّ الحكومة تواصل توقيف وقتل أبناء الأورومو، الذين يُمثّلون أكبر جماعةٍ عرقية في إثيوبيا.

وقال المحللون السياسيون إنّ مقتل هاشالو يوم الإثنين 29 يونيو/حزيران، وحالات الوفاة المبلغ عنها بسبب الاحتجاجات في منطقة أوروميا، تزيد تفاقم المناخ السياسي المتوتر بالفعل.

استخدم هاشالو كلمات ملحمية متناغمة في أغنيات تُركّز على تهميش شعب الأورومو. إذ تعكس أغنيته الناجحة من عام 2015 “أين نحن؟ Maalan Jiraa!” مدى حزنه حيال القمع الدائم لشعب الأورومو في إثيوبيا ومطالبتهم التاريخية بأديس أبابا -أو فنفين في لغة الأورومو.

وفي عام 2017 حصدت أغنيته الناجحة “نحن هنا Jirra” نجاحاً كبيراً، إذ قال هاشالو إنّه أراد تذكير شعب الأورومو بهذه الأغنية حتى لا ينسوا أين هم وما يجب أن يفعلوه مستقبلاً.

وأوضح هاشالو دوافعه في مقابلةٍ مع شبكة DW الألمانية في يناير/كانون الثاني عام 2018، بعد تسلّمه جائزة أودا لموسيقيي الأورومو المؤثرين. إذ قال: “حسناً، أعتقد أنّ الموسيقى تُساعدك على تحليل الظروف السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، وحياة المجتمع. وعلى المستوى الشخصي، أشعر بالسعادة عند تأدية أغاني المقاومة. وتأدية هذه الأغنيات هو جزءٌ من دوري بصفتي جزءاً من المجتمع. وإذا كان المجتمع مقموعاً وأنا واحدٌ من المقموعين، فأنا أُعبّر عن خيبة أملي من هذا القهر عبر الموسيقى. الفن هو أداةٌ لقول الحقيقة وكشف الاستبداد”.

وفي مقابلةٍ مع شبكة Oromia Media Network الإثيوبية النافذة الأسبوع الماضي، قال هاشالو إنّه كان يُخطّط لإصدار أغنية جديدة بعنوان “أين أنتم؟ Eessaa Jirta?”. وكان المغني في الـ36 من عمره ووالداً لثلاثة أطفال وقت وفاته.

أشارت التقارير إلى توقيف وقتل العشرات بالتزامن مع نشر الجيش في ولاية أوروميا، وانفجار ثلاث قنابل في أديس أبابا عقب مقتل هاشالو.

وقطعت السلطات بث شبكة Oromia Media Network وألقت القبض على رئيسها جوار محمد. ففي مقابلته الأخيرة مع الشبكة، تحدّث هاشالو عن تهديدات القتل التي وصلته من أولئك الذين يكرهون أعماله. كما تعهد بعدم الرضوخ لتلك التهديدات.

وحثّت منظمة العفو الدولية الحكومة الإثيوبية على “إجراء تحقيقات فورية، وشاملة، ونزيهة، ومستقلة وفعّالة في جريمة قتل المغني. مع تقديم أي مشتبه فيه إلى العدالة”.

في حين قالت سارة جاكسون، نائبة المدير الإقليمي لمنطقة شرق إفريقيا والقرن الإفريقي والبحيرات الكبرى بمنظمة العفو الدولية: “يجب أن تتحقّق العدالة في جريمة قتل هاشالو هونديسا”.

وتشمل قائمة أبرز الساسة وقادة الاحتجاجات غير الرسميين المحتجزين جوار محمد وبيكيلي جيربا. إذ اعتقلتهما قوات الأمن بعد نزاعٍ نشب بينهما في جنازة هاشالو حول ما إذا كان يجب دفنه في أديس أبابا، أم في مسقط رأسه في أمبو على بُعد 100 كم غرب العاصمة.

وقال رئيس الوزراء آبي أحمد، في خطابٍ مُتلفز بعد يومٍ من مقتل هاشالو، إنّ القوى الداخلية والخارجية هي المسؤولة عن الجريمة. وزعم أنّ هذه القوى هي نفسها التي كانت تُحاول منع إعادة المغني إلى مسقط رأسه. لكنّه لم يُفصح عن هوية تلك القوى الداخلية والخارجية. ولم يذكر أيّ تفاصيل إضافية.

بيكيلي وجوار كلاهما أعضاء في مؤتمر الأورومو الفيدرالي، أحد الأحزاب التي يُقال إنّ لها قاعدة قوية في ولاية أوروميا. وسُجِن بيكيلي في السابق بسبب دفاعه عن حقوق شعب الأورومو. وتعرّض نجله ونجلته للاحتجاز كذلك في وجهةٍ غير معلومة هذا الأسبوع، بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش.

إذ قال ميريرا غودينا، رئيس مؤتمر الأورومو الفيدرالي، لشبكة DW: “إنّ احتجاز أولئك الأشخاص لن يُفيد البلاد على الإطلاق في الظروف الحالية”. ودعا الحكومة إلى “إطلاق سراحهم لأنّ احتجازهم لن يُساعد على إحلال السلام والاستقرار في البلاد”.

ووفقاً لكجيتيل ترونفول، أستاذ دراسات السلام والصراع في جامعة يوركنز بأوسلو، فإنّ رد فعل العامة على مقتل هاشالو يُظهر أنّه كان يُعتبر “مدافعاً قوياً عن حقوق ومصالح شعب الأورومو”.

وأردف في حديثه إلى شبكة DW: “كان يُنظر إليه بوصفه الشخص الذي دعم ودافع عن الإطار الدستوري الحالي من خلال أغانيه، وتصريحاته، وظهوره. إذ ينقل الدستور الإثيوبي مركزية السلطات السياسية إلى الولايات الإقليمية من أجل الحكم الذاتي، وهذه هي القضية الأساسية بالنسبة لشعب الأورومو في ولاية أوروميا الإقليمية.

كما يتحدّث المحللون السياسيون عن إعادة إحياء حركة الاحتجاج بين عامي 2014 و2018 نتيجة موت المغني”.

إذ أوضح ترونفول: “كان جوار يُعتبر واحداً من القادة غير الرسميين للاحتجاجات طوال السنوات الأربع أو الخمس. ويُعدُّ جوار وبيكيلي من أقوى أنصار الإطار الدستوري. لذا فإنّ القبض عليهما يُعتبر بالنسبة لشعب الأورومو محاولةً للاستيلاء على الحزب المُعارض، ومحاولةً لتهميش المعارضة قبل الانتخابات”.

انتشرت أنباء قتل هاشالو، وعمليات التوقيف والقتل اللاحقة للمحتجين على يد قوات الأمن، عبر الشبكات الاجتماعية، مثل النار في الهشيم. وتدفّقت التعازي ومشاعر الغضب من مواطني الشتات عبر مختلف المنصات. بينما علّق ساسة الولايات المتحدة، ومن بينهم عضوة الكونغرس إلهان عمر، على الأمر أيضاً.

إذ تُشير التقارير إلى أنّ الحكومة الإثيوبية قطعت الاتصال بالإنترنت عن البلاد مع اندلاع الاحتجاجات. وأشارت منظمة العفو الدولية إلى أنّ الإجراء “زاد صعوبة التحقّق من تقارير قتل المواطنين في الاحتجاجات الجارية”.

وعلّقت سارة قائلةً: “يجب أن ترفع السلطات حظر الإنترنت في كافة أنحاء البلاد على الفور، مع السماح للناس بالوصول إلى المعلومات ورثاء المغني بكل حرية”.

بينما حذّرت ليتيتيا بدر، مديرة منطقة القرن الإفريقي في منظمة هيومن رايتس ووتش، قائلةً: “يُمكن لإغلاق الإنترنت، واستخدام القوة المفرطة، والقبض على رموز المعارضة السياسية بواسطة السلطات أن يزيد الوضع المُتقلّب سوءاً بدلاً من استعادة الهدوء. وعلى الحكومة أن تتخذ خطوات فورية لتعكس تأثيرات تلك الأفعال، أو تُخاطر بالانزلاق إلى أزمةٍ أكبر”.

يُجادل منتقدو رئيس الوزراء آبي أحمد بأنّ إدارته لم تتحوّل بالبلاد من نظامٍ سياسي قمعي إلى نظامٍ ديمقراطي.

وبحسب ترونفول، فإنّ المسار السياسي الإثيوبي يُعتبر مساراً لا يُعالج للمظالم العميقة.

إذ قال: “إنّ استخدام الاستراتيجية القسرية قد لا ينجح، بل يُمكن أن يُسفر عن رد فعلٍ عكسي أقوى يزيد الاحتجاجات، وربما يخرج بها عن نطاق ولاية أوروميا، مما يُهدد بزعزعة استقرار البلاد على نحوٍ خطير”.

بينما قال ميريرا إنّ “الحوار الوطني” الحقيقي يُمكن أنّ يخرج بالبلاد من مستنقع عدم الاستقرار السياسي.

وأردف في حديثه لشبكة DW: “لا أعتقد أنّ بإمكاننا المضي قدماً دون التطرّق إلى المشكلات السياسية الأساسية، أو التوصّل إلى اتفاقٍ حقيقي. ونحن أمام مفترق طرق حساس للغاية. ويجب على الحزب الحاكم أن يُساعد البلاد بالانخراط في حوارٍ وطني حقيقي. ونحن بحاجةٍ ماسة إلى المصالحة الوطنية”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى