تقارير وملفات إضافية

“الخيارات الآمنة”.. خطة الكاظمي لـ”لجم” نفوذ إيران بالعراق، فهل تنجح؟

ثمّة اتفاق بين معظم الأوساط السياسية العراقية والولايات المتحدة بشكل واضح وإيران إلى حد ما على دعم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بصفته شخصية مستقلة من خارج الكيانات السياسية، لا سيما بعد اعتذار عدنان الزرفي عن تشكيل الحكومة استجابة لضغوطٍ إيرانية مباشرة أو غير مباشرة عبر القوى الحليفة لها في البلاد.

اتجهت السياسات الإيرانية بعد مقتل قاسم سليماني إلى الابتعاد مرحلياً عن مواصلة دعم وتسليح الفصائل والمجموعات المسلحة الحليفة لها في مواجهة واستهداف القوات الأمريكية في العراق والمنطقة، والالتفات إلى مقايضة عدم الاعتراض على تسمية مصطفى الكاظمي رئيساً للوزراء والسماح بتمرير حكومته في مجلس النواب.

يأتي ذلك مقابل دعم المطالب الإيرانية بإخراج القوات الأمريكية كاملة من العراق، واستمرار توريد السلع الاستهلاكية وإمدادات النفط والغاز بالعملات الأجنبية، لتفادي بعض تداعيات حملة “الضغط الأقصى” التي تشنّها الولايات المتحدة على إيران لتدمير اقتصادها على مراحل بدأت في أيار/مايو 2018.

بدا ذلك من خلال إطلاق مجموعات مسلحة حليفة لإيران بيانات تهديد، كما أطلقت صواريخ استهدفت مواقع عراقية تستضيف قواتٍ أمريكية ومحيط السفارة الأمريكية في بغداد قبل وأثناء عقد مناقشات جلسات الحوار الاستراتيجي بين واشنطن وبغداد في 11 يونيو/حزيران الماضي.

الكتل السياسية الحليفة لإيران وأجنحتها العسكرية سواء ضمن تشكيلات هيئة الحشد الشعبي أو خارجها من المجموعات الشيعية المسلحة المعروفة باسم “الفصائل الولائية”، باستثناءاتٍ قليلة، لم تعترض على مضي الكاظمي بتشكيل حكومته ولم تحاول إسقاطه قبل تشكيلها مشترطةً عليه تنفيذ قرار مجلس النواب بالطلب من الحكومة المركزية مخاطبة الولايات المتحدة لسحب جميع قواتها من العراق وفق جدولٍ زمني محدد.

ومن بين أهم الفصائل “الولائية” المتمسكة بمعارضة مصطفى الكاظمي ومحاولة إسقاطه، كتائب حزب الله العراقي بشكل واضح وصريح، وبشكل أقل وضوحاً وعلانية حركتا “النجباء” و”عصائب أهل الحق” وجماعات أخرى أقل أهمية.

يتميز مصطفى الكاظمي عن غيره من رؤساء الحكومات بعد عام 2003، بأنه لم يكلف من قيادات الكتل السياسية في مجلس النواب العراقي، وأنه لا يميل فكرياً إلى التيارات الإسلامية رغم التزامه بالمرجعية الشيعية في النجف، وأنه يرتبط بعلاقات جيدة مع محيط العراق العربي والإقليمي، ومع الولايات المتحدة والدول الغربية.

ويُتهم الكاظمي من قيادات في المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران بحكم مسؤوليته السابقة كرئيس لجهاز المخابرات العراقية بالتواطؤ مع الولايات المتحدة، وتسهيل مهمة اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ورفيقه نائب رئيس هيئة الحشد أبومهدي المهندس في 3 يناير/كانون الثاني الماضي.

يُعد قرار مصطفى الكاظمي بمداهمة ورشة لتصنيع الصواريخ تابعة لحزب الله العراقي في أطراف بغداد من قبل جهاز مكافحة الإرهاب، الخطوة الأكثر جرأة وخطورة على مستقبله السياسي ومستقبل الأوضاع الأمنية في البلاد.

أسفرت المداهمة عن مصادرة منصتي إطلاق صواريخ وكميات من الأسلحة والذخيرة واعتقال 13 شخصاً، بينهم 3 في مواقع قيادية، من اللواء 45 التابع لكتائب حزب الله العراقي ليل 26 يونيو/حزيران، إثر اتهام بتنفيذ ضربات صاروخية على القوات الأمريكية.

نفذ عملية الاعتقال جهاز مكافحة الإرهاب، وهو قوة شكلتها الولايات المتحدة نهاية عام 2003، وتنتهج عقيدة قتالية أمريكية، وتنفرد بأنها مؤسسة عسكرية “مستقلة” إلى حد كبير عن تأثير القيادات السياسية وقيادات الحشد الشعبي والمجموعات الشيعية المسلحة.

وترتبط قوة جهاز مكافحة الإرهاب مباشرة بمكتب القائد العام للقوات المسلحة الذي هو نفسه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.

وتعتقد قيادات حليفة لإيران أن قرار الكاظمي بإعادة تسمية عبدالوهاب الساعدي رئيساً لجهاز مكافحة الإرهاب بعد إقصائه في سبتمبر/أيلول الماضي يشكل تحدياً لها، واقتراباً واضحاً من السياسات الأمريكية في العراق، وهو ما تخشاه إيران والقوات الحليفة لها.

وتتخوف إيران والقوى الحليفة لها من محاولات عراقية يقودها رئيس الحكومة بالتخلص التدريجي من النفوذ الإيراني المباشر أو غير المباشر بدعم أمريكي ومباركة دول الجوار العربي.

ويرى خبراء أن عاملين اثنين يقفان وراء خشية إيران والكيانات الحليفة لها من فقدان نفوذها في العراق، وهما تحول عدد من فصائل الحشد الشعبي وانحيازها إلى المرجع الشيعي في النجف، علي السيستاني، وغياب قاسم سليماني عن المشهد مع عدم وجود شخصية تمتلك قدراته على إدارة الملفات الشائكة، مثل ملف النفوذ الإيراني والوجود العسكري الأمريكي في العراق.

لذلك، أطلقت قيادات من كتائب حزب الله العراقي مثل أبوعلي العسكري مستغلة حادثة مداهمة مواقع لها واعتقال أفراد منها، تحذيرات لرئيس الحكومة بالإفراج عن المعتقلين فوراً مع تهديدات باستمرار مهاجمة القوات الأمريكية متوعدة بإسقاطه في أقرب فرصة سانحة.

كما أن قيادياً آخر في الحشد الشعبي، وهو قيس الخزعلي الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق، الحليفة لإيران والتي ترتبط ببيعة “شرعية” للمرشد الأعلى علي خامنئي، حذر رئيس الحكومة من تكرار حملات المداهمة أو الاعتقال، مؤكداً أن حكومة الكاظمي هي حكومة مؤقتة مكلفة بمهمتي إجراء الانتخابات المبكرة ومعالجة التحديات الاقتصادية والصحية، متوعداً إياه بعدم التمكن من وقف ما وصفه بـ”عمليات المقاومة ضد القوات الأمريكية في العراق”.

حاول الكاظمي من خلال قراره مداهمة موقع تابع لكتائب حزب الله العراق، استعادة هيبة الدولة ومؤسساتها المرتهنة لنفوذ قيادات الحشد الشعبي عموماً، والحفاظ على الأمن والاستقرار الداخلي الذي هو الآخر رهن إرادة المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران، والتي أثبتت قدرتها على تحدي القوات الأمنية والحكومة المركزية بخروج أرتال من عجلاتها المسلحة بعد دقائق من إعلان اعتقال أفراد منها، والتجوال في شوارع العاصمة بكامل أسلحتها واقتحام مكتب إدارة أمنية تابع لجهاز مكافحة الإرهاب في المنطقة الخضراء دون أي إجراء من القوات الأمنية.

ويدرك مصطفى الكاظمي أن قدرات فصائل الحشد الشعبي تتفوق على قدرات القوات الأمنية وأن أفراد هذه القوات لا يمكن أن يدخلوا في اشتباكات مفتوحة مع مقاتلي الحشد الشعبي نظراً للتداخل الاجتماعي بين مقاتلي هذين الفريقين واعتقاد أفراد القوات الأمنية بشرعية وجود قوات الحشد الشعبي المستمدة أولاً من فتوى المرجع الشيعي علي السيستاني “المُعتَبر” لدى عموم الشيعة، ومن قرار مجلس النواب الذي أعطى الشرعية الدستورية لهذه الهيئة التي تنضوي تحت قيادتها جميع الفصائل المسلحة، بما فيها المجموعات المسلحة الحليفة لإيران.

لذلك فان أي مواجهات بين القوات الأمنية وفصائل الحشد الشعبي أو المجموعات المسلحة الحليفة لإيران تبدو غير متوقعة، وسيلجأ الكاظمي إلى خيارات عدّة ليس من بينها تكرار حملة المداهمات والاعتقالات، إنما بالحوار مع قيادات الحشد لضبط استخدام أسلحة الفصائل والاتفاق على عزل الفصائل غير الملتزمة بقانون هيئة الحشد الشعبي الذي يُخضع مقاتليه لقانون العقوبات العسكرية المعمول به في وزارة الدفاع.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى