اخبار إضافيةتراند

التفاصيل المفزعة والكارثية للمشهد المصري فى ستة سنوات من الذل والمهانة

بقلم الخبير السياسى والمحلل الإقتصادى

دكتور صلاح الدوبى

رئيس منظمة “إعلاميون حول العالم” فرع جنيف- سويسرا

رئيس اتحاد الشعب المصرى

“عضو مؤسس في المجلس الثوري المصري”

من السنن الإلهية ان الظلم مهما طال امده واسودت لياليه وطالت اذرعه واشتد فساده وانتشر في ربوع الارض حتي يضرع المظلمون الي ربهم يقولون اما لهذا الليل من اخر ويتساءلون متي تنقشع  هذه الظلمة وينبلج فجر العدل : فان الله تعالى لا بد أن يأخذ الظالم ولو بعد حين، وقد  جرت عادته في خلقه أنه سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل، ونهاية الظالمين أليمة  والمتأمل في سيرهم في القرآن الكريم يجد في مصارعهم عبرة وعظة ولا يبالي الله في أي واد يهلكون ويخزيهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة وقد جعل الله عقوبة الظلم والبغي معجلة في الدنيا قبل الآخرة لشناعة الظلم وكثرة أضراره.

وعلى الظالم  الباغي تدور الدوائر فيبوء بالخزي ويتجرع مرارة الذل والهزيمة وينقلب خاسئاً وهو حسير لم يبلغ ما أراد ولن يظفر بما رجا، أقرب الأشياء صرعت الظلوم وأنفذ السهام دعوة المظلوم.

فإن دعوة المظلوم سهم لا يرد ولايخطيء، فيا بؤس الظالم المخذول ينام ملء عينيه والمظلوم يدعو عليه، يجأر إلى الله أن ينتقم منه، وأن يشتت شمله، ويعجل عقابه، وينزل به بأسه، ويحل عليه سخطه، ويأخذه أخذ عزيز مقتدر، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين)[رواه الترمذي3598](واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب)[رواه البخاري1496]

فقد عبد الفتاح السيسى عقله وأعصابه وقرر تأسيس فرق الموت ، لكن فيروس البلادة الذي أصابنا لم يصب شعبا في الأرض قاطبة مثلما أصابنا.

كل التفاصيل المفزعة والكارثية للمشهد المصري في ربع قرن لم تحرك قادة الفكر والأدب والشعر والعدالة والمحاماة وأساتذة الجامعة والطلاب الذين من المفترض أنهم لا يخشون على مال أو ممتلكات أو أسرة أو أولاد.

كل العبادات في المساجد والكنائس والخطب والمواعظ عن القيم والمباديء والسمو والخير ورضا الله لم تحركنا قيد شعرة، بل جعلتنا نشتاق أكثر للذة السوط وهي تهبط على مؤخراتنا في مشهد بكائي يستدر دموع أشد العبيد خنوعا ومذلة.

إذا كان قُضاتنا ومحامونا وعباقرتنا وقادة الفكر والعلم والدين والسياسة يلطمون وجوههم حسرة، ويفوضون أمرهم إلى الله لكي يرسل إليهم ملائكة تنقذهم من ضعفهم، فأي مستقبل لمصر؟

عشرون مليون عاطل عن العمل يمدون أيديهم لآباء خلت جيوبهم من ثمن طعام لصغارهم، ولا يستطيعون حتى أن يرفعوا أصواتهم مُحَمّلة بكرامة ورغبة في العيش وقيمة فقدوها، فكيف سيكون مستقبل مصر؟

إذا كان مائة مليونا من المصريين يلعنون في نهارهم وليلهم ونومهم وأحلامهم وكوابيسهم الطاغية عبد الفتاح خليل السيسى وزبانيته، لكنهم ينكمشون لضعف خلف صفوة النخب، ونخبة الفكر والثقافة والعلم، فكيف سيكون مستقبل مصر القادم؟

لم أعد أتحمل السير في جنازة وطن يضحك فيه القاتل فيبتسم لضحكته الموتى كلهم لقد وصل بى الحال.

يتردد لساني كلما اشتبك مع جهازي العصبي الذي يحاول اقناعه أن روح الله هربت من المصريين , وغادرت أرض الكنانة، لكنني كنت دائما أبقي على شعرة دقيقة واهنة لئلا أخسر كل أبناء الشعب المصرى.

لا أستطيع أن أصدق أن جيش مصر العظيم وجنرالاته أصحاب الكروش الضخمة الذين صمتوا في ثكناتهم وهم يشاهدون أخواتهم وبناتهم وزوجاتهم يتحرش بهن أعفن الأنظمة على وجه الأرض, سيتحركون إلى ماسبيرو والقصر الجمهوري ، وينقذون ما تبقى من كرامة شعبنا فاقد التنفس .

أربعون ألف قاض، ومئة ألف محام، ومئة ألف من المثقفين الاعلاميين وقيادات الفكر والجامعات، وعشرون مليون عاطل عن العمل، وعشرة ملايين من سكان المقابر، وعشرون مليون أصابهم نظام السيسى بأمراض الكبد والسرطان ، وأربعون مليونا يشربون مياه المجارى، وثلاثون مليونا تحت خط الفقر، ومليون هم أهالي وأقرباء وأحباب مئة ألف معتقل رأي وضمير، وأعداد لا تحصى من أقارب مواطنين تم تعذيبهم أو قتلهم أو اغتصابهم في أقسام الشرطة ، يقفون عاجزين عن التنفس أمام بلحة رئيس الرؤساء.. أمام أقل من خمسين فردا لو اعتصمنا أو انتفضنا أو بدأنا عصيانا مدنيا فإن هؤلاء سيتبولون على أنفسهم بعد أقل من ثلاثين دقيقة.

أكتب هذه الكلمات يملئ قلبى فلم أكن أصدق يوما أنني سأشهد جنازة بلدي، وسأرى شعب الخمسة آلاف سنة في هذه الأرض الطيبة منذ آلاف السنين وقد تحول كله إلى جبل من جليد، لو قرأت عليه تفاصيل أشد جرائم التاريخ بشاعة وظلما وقسوة ووحشية ترتكبها تلك العصابة الفاجرة لما احتاج الأمر لأكثر من دقيقتين فقط لتسقط من ذاكرته مع افتراض أن المصري سيقرأ هذه الكلمات لآخرها.

أنا لا أفهم ماذا يقول المصريون لله تعالى، في مساجدهم وكنائسهم، وهم يتضرعون أن يساعد الله المائة مليونا في مواجهة خمسين أو ستين ألف شخصا على أكثر تقدير؟

ماذا حدث في عقول صفوة الشعب المصرى، ونخبة المثقفين، وتجمعات صانعي القرار الفكري والاعلامي والمعارض لقوىَ الشرّ التي يمثلها الطاغية القزم عبد الفتاح السيسى والهانم زوجته وأحلامها فى اقتناء القصور والمجوهرات؟
أما المعلومات فحدّثْ ولا حرَج، ولا يجهل أي منهم مشهدا باهتا جانبيا لأي من فصول كارثة مصر في ربع القرن المنصرم!
تحدّثَ مع أحدهم، فسيُسمعَك تفاصيل التفاصيل عن التعذيب والأسماء والأشخاص والأماكن، وعن أعداد المعتقلين، وعن الذين تم اغتصابهم في أقسام الشرطة، وعن عمليات النهب، والأموال التي قام بتهريبها حيتان عهد السيسى وأبناءه والمشؤوم مبارك.
استزد منه ما يعرف، فسيصُمّ اذنيك بعد ارهاقهما بكم هائل من المعلومات عن المشروعات الفاشلة، وقوى الفساد، والتزوير والتزييف والكذب والاحتيال والخداع والاعتداء على الدستور وشبكة العفن السلطوي لرؤساء مصر المحروسة من العسكريين الفاشيين في كل شبر من أرض مصر التي كانت طاهرة.

لو حدثته أى المواطن المصرى عن الآمال والأحلام واشراقات غَد جميل لوطننا العزيز، فستندفع من بين شفتيه عواصف وأنواء وأعاصير من الغضب على هذا الديكتاتور السفاح الذي حمل معه البوم والنعيق والخراب والأمراض والفقر ونهب خيرات مصر واللصوص والقسوة واحتقار الشعب وازدراء ممثلي العدالة.
استعلم منه عن جهازه العصبي وكيف يتحمل مشهد مِصْرِه الطيبة يجثم فوقها أشد الطغاة قسوة ووحشية وذئبية ينهشها قطعة .. قطعة، فيجيبك أنه لا ينام الليل إلا قليلا، نصفه أو ثلثه وطائفةٌ من الذين معه، فهو يحب مصر حبا ملك عليه حواسَه، ويخترق هذا الولَهُ بأم الدنيا كلَّ مسامات جسده، وهو يعرف أن الله لا يقف مع المترددين، وأن حب الوطن إن لم ينعكس سلوكا يخيف الطغاة فهو كراهية مخبئة خلف قلب يرتعش ، واسنان تصطك، وركب تنفصل لدى رؤيتها كلاب القصر.
سَلْهُ ماذا يقول لرب العزة في صلاته وتهجده وركوعه وسجوده، فسيقول على استحياء: إنني أطلب من الله أن يذهب وحده ويقاتل مع الشجعان، أما أنا فسأراقب الوضع عن كثب.

صناعة العبودية ليست فقط سوطا يلسع ظهر المصري كلما فكر في أن يرفع رأسه أمام سيد القصر قزم الأقزام أو زوجته أو من يقوم مقامهما في الامساك بطرف السوط ولو كان مأمور قسم في الشرطة يستكمل هيبة السلطة في دُبر المواطن، لكنها تكتمل بالعبودية المختارة تلك التي يفقد فيها المصري إيمانه بأن مصر بلده، وأن ناهبيها يفَرغون جيبه، وثعابنها يأكلون اللقمة من أفواه أولاده، وحاكمها يُزيف أوراقَ ثبوتيةِ وطن، ويُزَوّر تاريخه لوضع لافتة على صدر وعقل وقلب كل مواطن بأن ملكية أم الدنيا ليست حقا لأبنائها، إنما هي وثيقة عهد موَقّعَة من طرف واحد يحق له أن يُسَفّف أهلها التراب دون أن ينبس أحد بكلمة.

والمصري الطيب الوديع ابن نهرالنيل الخالد بدأ ينحسر، ويتراجع، وأحيانا يختفي ليحل محله مصري جديد لم يتعلم أن مصر بلده، وأن نهب قطعة أرض هي سرقة مباشرة من أمواله، وأن تزوير الانتخابات تزييف في إرادته وأمام عينيه، وأن السيسى الذي أجبره على لعق أحذية الشرطة والعسكر لا يزال في ولايته الثانية بفضل عدم قناعة المصري بأن هذه بلده.

والمصري الجديد صناعة استغرق العمل فيها أكثر من ستة سنوات، وقد تمَتّ برمجته على أحدث سُبل وطرق الاستعباد الطوعي، فيثور اللبنانيون والأكرانيون والفنزويليون والبوليفيون والمجريون والصوماليون وفقراء توجو، إلا هو بعد تركيب كل برامج قبول الهوان والبرامج المساعدة لها منذ وصول القاتل السفاح عبد الفتاح السيسى إلى سدة الحكم.
والمصري لا يقرأ إلا قليلا، ويكتفي بعناوين المقالات، وقد يقرأ سطرين في الأول ومثلهما في آخر المقال ليرد عليك، ويستنفر كرامة مغشوشة بحجة أنه يرفض وصفك إياه بالجبن أو اللامبالاة أو البلادة أو مساندته للطاغية أو جلد الذات، أما تفاصيل جرائم العصر وكل العصور التي تحيل حياته إلى جحيم فهو لا يأتي على ذكرها إلا لمِامَاً ومن طرف خفي خشية أن تغضب السلطة.
والمصري الجديد مهما كانت وظيفته محام وقاض ومستشار ومهندس وأكاديمي وعاطل وأمي وجاهل ومثقف وشاعر وسياسي وفلاح وعامل وبرلماني يعرف أن حدوده قد تم رسمها، وأن اليوم الذي يقتنع فيه بأن مصر بلده هو نهاية الحكم الدموي الساقط والآثم والارهابي للطاغية السيسى، لذا تظل كل عوامل الغضب بعيدةً تماما عن هذه القناعة، فكل جريمة في حق الوطن لا تمسه شخصيا، ولو قامت إنتصار السيدة الأولى والأخيرة بعقد صفقة مع رئيس البرلمان على عبد العال أو مرتضى منصور لشراء أسهم الوطن المسكين كله فإن المصري يتهكم على الحدث، لكنه لن يقتنع للحظة واحدة بأن مصر بلده، وأن كل الجرائم موجهة ضده شخصيا.

والمصري الجديد يضحك حتى تبدو نواجذه لو دعوت لعصيان مدني أو ثورة شعبية أو غضبة من أجل الكرامة أو خروج كل العاطلين عن العمل للمطالبة بحقوقهم، وسينظر إليك كأنك قرد يرقص في قفص، ولن يفهم أنك تدافع عنه أو أنها رسالة حب إليه شخصيا وإلى أهله وأولاده وتراب وطنه الغالي.
والمصري الجديد ينتظر بصبر نافد انتقال السلطة من طاغية إلى طاغية، وتجديد شباب السوط لعله يكون أخف لسّعَاً على الظهر، ويتمنى أن تكون كَفُّ الرئيس الجديد وهو يصفعه ناعمةً لا تترك أثراً على الوجه أو القفا.

الشيطان يتحدث اليكم

أشعر معكم أنني أصبحت عاطلا عن العمل بعد إعتلاء عبد الفتاح السيسى السلطة، بل أجزم بأن مهمتي في الحقب الماضية كلها لم تكن بمثل تلك السهولة التي تجعلني راغبا في حثكم على الفضيلة والأخلاق والرحمة والتسامح لعل هذا يُعيد مهمتي إلى دائرة التحدي التي تليق بمَلك الخطايا، إبليسكم ورافض السجود لابيكم آدم الذي خلقه الله من طين وخلقني من نار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى