تقارير وملفات إضافية

«السيسي سيعاني كثيراً».. صحيفة إسرائيلية: أي تدخل عسكري مصري في ليبيا سيكون مغامرة لا يحمد عقباها

شهد الاحتفال الذي دشَّن فيه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، هذا الأسبوع، قاعدة «برنيس» العسكرية الضخمة على ساحل البحر الأحمر حضور ضيفٍ مميز، ولي عهد أبوظبي الأمير محمد بن زايد آل نهيان. وأحضر ولي العهد هدية لطيفة –أربع نوق تنتج وفرة استثنائية من الحليب، في رمزية ربما إلى الضرع السخي لدولة الإمارات العربية المتحدة التي أسهمت بمليارات الدولارات للاقتصاد المصري، كما يصف ذلك تسفي بارئيل، محلل شؤون الشرق الأوسط بصحيفة Haaretz الإسرائيلية.

ففي صيف 2013، قدَّمت أبوظبي 3 مليارات دولار بعد إطاحة السيسي بمحمد مرسي وسيطرته على السلطة. ومنحت البلاد لاحقاً 4 مليارات دولار أخرى، وبَنَت 50 ألف شقة و100 مدرسة تحدد المناهج فيها، وأودعت في الفترة بين 2014 و2018 بالبنوك المصرية قرابة 9 مليارات دولار، بالإضافة إلى استثماراتها المباشرة في نحو 900 شركة من الإمارات تعمل بمصر.

أقام السيسي وبن زايد صداقة وثيقة، إلى درجة أنَّ الرئيس المصري كثيراً ما يتشاور معه في مسائل تتعلق بإدارة مصر، بل حتى في مسائل ترتبط بالجيش المصري. على سبيل المثال، تشاور السيسي قبل شهرين مع بن زايد قبل أن يقرر نقل نجله محمود من منصبه بالمخابرات المصرية إلى منصب دبلوماسي بالسفارة المصرية في موسكو، كما تقول «هآرتس».

لكن هذه ليست صداقة شخصية وحسب. إذ شكَّلت مصر وأبوظبي تحالفاً استراتيجياً وعسكرياً واقتصادياً ينسق فيه الزعيمان تحركاتهما وسياساتهما. وواحدة من أهم الجبهات التي يعمل الرجلان فيها جنباً إلى جنب منذ سنوات هي ليبيا، حيث تدخَّل الجانبان بصورة مباشرة عسكرياً حين زعما محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) والجماعات الإسلامية في البلاد، وبالأخص في مدينة درنة.

ومن هذا المدخل، بدأ الدعم المباشر من البلدانِ للحرب الهجومية التي يشنها الجنرال المتقاعد خليفة حفتر على حكومة الوفاق في طرابلس، وكانا ينظران إليه باعتباره حليفاً يستحق الحصول على المساعدة في مسعاه لفرض السيطرة على البلاد بالكامل، وليس فقط مجرد شريك مؤقت في هذه الحرب.

حينما قرر حفتر، في أبريل/نيسان الماضي، محاولة انتزاع العاصمة طرابلس، تشاور مع صديقيه السيسي وولي العهد الإماراتي، وتمكن من تأمين دعم روسيا، التي أرسلت مئات المرتزقة. والآن، يعتزم حفتر مجدداً محاولة السيطرة على العاصمة طرابلس، بعد فشل محاولاته السابقة.

لكنَّ معركة حفتر للسيطرة في ليبيا حوَّلت البلاد إلى ساحة تنافس دولي انحازت فيها تركيا وقطر وإيطاليا إلى جانب فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً بطرابلس، في المقابل دعمت مصر والإمارات والسعودية وروسيا وفرنسا الخصم المنافس حفتر. لم تعد هذه معركة تضع مساعي الحكومة الرسمية لترسيخ نفسها في مواجهة مع طموحات الجنرال المنشق؛ لقد أصبحت لعبة لي ذراع المتنافسَين الرئيسيَّين فيها: مصر وتركيا.

بالنسبة لتركيا، تمثل ليبيا أهمية كبيرة لها، إذ إنها جسر إلى إفريقيا، حيث «خسرت» تركيا ذلك برحيل الرئيس المصري الراحل مرسي، الذي كان عقد مع أنقرة وتعهد بسلسلة من الاتفاقات التجارية المتبادلة.

تقول الصحيفة الإسرائيلية، إن تهديد حفتر لحكومة السراج كان في مصلحة الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي سرعان ما وجَّه دعوة إلى رئيس الوزراء الليبي لزيارة أنقرة، كي يعرض عليه صفقة شاملة. وفي إطار هذه الصفقة، وقَّع البلدان اتفاقاً عسكرياً واقتصادياً يتضمَّن الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية بينهما. في المقابل، تعهَّدت تركيا بالدفاع عن نظام السراج، وبإرسال قوات لتحارب بجانب الحكومة الشرعية.

تنظر مصر إلى الاتفاق باعتباره إعلان حرب. إذ تخشى من أنَّ تعيين الحدود البحرية سيمنع خطوط النفط والغاز إلى أوروبا من المرور بتلك المنطقة، أو على الأقل سيتطلب الأمر التفاوض مع عدوتها تركيا بهذا الخصوص.

مثَّل هذا التطور نقطة تحوُّل في ساحة المعركة الدبلوماسية بليبيا، في ظل نظر كلٍّ من مصر والإمارات الآن إلى تركيا باعتبارها التهديد الوجودي الذي لا يمكن أن يؤدي فقط إلى إحباط طموحاتهما فيما يخص ليبيا، بل كذلك تقويض مستقبل مصر الاقتصادي. وبالنسبة لتركيا، لا يتعلق الأمر فقط بالدفاع عن حليفها حكومة السراج، بل كذلك بتصفية حساب قديم بين أردوغان والسيسي.

تقول «هآرتس»: «يبدو أنَّ أردوغان كان ينتظر أن يتحداه السيسي بتهديدات ضد التدخل التركي في ليبيا بغرض إظهار تصميمه على الحفاظ على كلمته وجعل تهديدات السيسي تبدو فارغة. فبعدما سارع البرلمان التركي بالتصديق على الاتفاق مع ليبيا وإرسال القوات التركية إلى هناك، أرسلت تركيا أول وفد من المستشارين والمدربين العسكريين، وتعهَّدت أيضاً بنقل منظومات أسلحة متطورة، بينها طائرات ومروحيات، لجمع المعلومات الاستخباراتية لصالح القوات الحكومية الليبية، ولاحقاً لبناء قاعدة عسكرية مشابهة لتلك التي أقامتها تركيا في قطر». 

ويجد السيسي نفسه في وضع محفوفٍ بالمخاطر، إذ سيتعين عليه أن يقرر ما إذا كانت مصر ستردُّ على «الاستفزاز» التركي بإرسال قوات مصرية بالإضافة إلى الدعم الجوي الذي سبق أن قدمته؛ ومن ثم تجعل من ليبيا جبهة مشتعلة على الحدود المصرية، أم ستظل على التزامها تقديم الدعم والمساعدة لحفتر من بعيدٍ كما هو الحال حتى الآن. 

ولا شك في أن هذا ليس بالقرار الذي يسهل حسمه لقائدٍ يُلوّح في الوقت نفسه بمعركة ضد إثيوبيا تتعلق بمنظومة السدود الكهرومائية التي تعتزم إقامتها على نهر النيل، وهو مشروع يعتبره السيسي خطراً عظيماً على مصر. وقد سبق أن هددت القاهرة بعمل عسكري ضد إثيوبيا إذا استكملت بناء منظومة السدود، أو أعرضت ورفضت التوصل إلى اتفاق جديد ينظّم عملية تقاسم مياه النيل، إلا أن حملةً عسكرية ضد إثيوبيا قد تعني توسُّعَ القوات العسكرية لمصر على جبهاتٍ كثيرة، في حين أنها لا تزال عالقةً في حرب دموية ضد الجماعات المسلحة بسيناء.

عند اتخاذ قرار استراتيجي مثل هذا، يتعين على السيسي أن يأخذ في حسبانه المشاكل التي يعانيها مع السخط المتفاقم بالداخل، وهو ما أبرزته الاحتجاجات الجماهيرية التي خرجت ضد النظام في سبتمبر/أيلول الماضي، في أعقاب ما كشف عنه المقاول السابق مع الجيش، محمد علي، من ممارسات فساد ومخالفات ارتكبها مجموعة من كبار المسؤولين العسكريين وأعضاء عائلة الرئيس نفسه.

يواصل علي، وهو مقاول إنشاءات وممثل، نشر التسريبات والتحذيرات، وخلال مقابلات أخيرة معه، ادّعى أن ثمة استياءً واسع النطاق ينتشر بين الضباط من الرتب المتوسطة والمنخفضة، بسبب سلوك السيسي وكبار الضباط العسكريين.

وحتى كبار الضباط امتد إليهم السخط مؤخراً، عندما أعلن السيسي عن عزمه خصخصة الشركات الحكومية، ومنها الشركات المملوكة للجيش.

خلال السنوات القليلة الماضية، عمد السيسي إلى قص أجنحة بعض كبار الضباط ممن شعر بأنهم حازوا قدراً كبيراً من القوة والسلطة. فقد أقال، على سبيل المثال، رئيس الأركان ورئيس المخابرات العامة السابق، وتقول تقارير واردة من مصر إنه نقل أو أجبر أكثر من 200 ضابط على التقاعد المبكر. ولكي يهدِّئ العاصفة الناجمة عن تلك الاضطرابات، أمر السيسي في ديسمبر/كانون الأول، بإطلاق سراح رئيس الأركان الأسبق سامي عنان، بعد أن قضى عامين من حكمٍ بالسجن تسع سنوات بتهمة تزوير وثائق، والتي أدين بها بعد أن قرر تحدي السيسي والترشح ضده لرئاسة البلاد في عام 2018.

في نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، تأسست «مجموعة العمل الوطني المصري» المعارضة بهدف الإطاحة بالسيسي. ورغم أنه ليس من الواضح بعد من هم أعضاء هذه المجموعة، أو حجمها، فإنها أخذت تبدي نشاطاً كبيراً على وسائل التواصل الاجتماعي، وعمدت إلى توجيه الانتقادات إلى السيسي؛ لتورطه في ليبيا، وغيرها من الأمور.

تحل السبت المقبل، الذكرى التاسعة لبدء الربيع العربي في مصر، وقد أخذت المجموعة المعارضة تدعو المصريين إلى «إعادة إحياء الثورة»، والخروج في «حشود مليونية للاحتجاج» بميدان التحرير. ومع ذلك، فإنه يبدو من المسلّم به أنه، باستثناء تلك الهمهمات هنا وهناك، ليس ثمة ما يدل على أنَّ وضع السيسي داخل الجيش أو الحكومة متزعزع أو معرَّض للخطر، تقول هآرتس.

وتضيف الصحيفة، أنه على الرغم من ذلك، فإن الممكن أيضاً أن السيسي قد أخذ شيئاً فشيئاً ينمّي داخله هذا النوع من جنون العظمة الذي عادةً ما يصيب القادة الذين يحكمون فترة طويلة من الزمن، (إذ يقارب السيسي عامه السابع في السلطة ويمنحه الدستور المعدَّل القدرة على البقاء في السلطة حتى عام 2034)، وقد يخطط للبقاء في السلطة فترة أطول حتى من ذلك. ومن ثمَّ، فإن حرباً في ليبيا أو على أي جبهة أخرى ليست إلا مثاراً للاضطرابات السياسية وتفاقماً للسخط الداخلي. وربما من الأفضل تدشين القواعد العسكرية الجديدة الفخمة، وشرب حليب الإبل مع قادة الخليج، على الشروع في مغامرةٍ جديدة تُفضي إلى ما لا يُحمد عقباه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى