تقارير وملفات إضافية

برنامج الإمارات النووي من الألف للياء.. مَن صنعه، وكيف سيُدار، وما جدواه الاقتصادية، ولماذا قد يمثل خطراً عليها؟

أعلنت الإمارات أنها أول دولة عربية تصبح لديها برنامج نووي فعال، ينتج طاقة كهربائية، والدولة الثالثة في الشرق الأوسط، فكيف أنشأت الإمارات برنامجها النووي؟ وما حقيقة أهدافه في ظل امتلاك البلاد موارد طاقة متعددة؟ وما مدى جدواه الاقتصادية والمخاطر التي يواجهها؟

والمنشأة النووية الجديدة، الواقعة في منطقة الغربية على الساحل، بالقرب من قطر والمملكة العربية السعودية، هي الأولى من بين عدة محطات نووية محتملة في الشرق الأوسط، فيما تخطط مصر لبناء محطة طاقة بأربعة مفاعلات نووية.

وتقوم المملكة العربية السعودية أيضاً ببناء مفاعل نووي مدني وتسعى لاتفاق تعاون نووي مع الولايات المتحدة، على الرغم من أن إدارة ترامب قالت إنها لن توقع على مثل هذا الاتفاق إلا إذا تضمن ضمانات ضد تطوير الأسلحة النووية.

ويلاحظ أن البرنامج النووي الإماراتي قد تأخر كثيراً عن جدوله الزمني، كما يبدو أن دراسات الجدوى الخاصة به قامت في ظروف مختلفة عن الظروف الحالية، إذ أدى تراجع أسعار النفط، وازدياد فاعلية الطاقات البديلة والمتجددة إلى تقليل الجدوى الاقتصادية للمشروع.

كما أن النموذج الذي اتبعته الإمارات في تأسيس المشروع أقرب للنموذج التجاري، وبالتالي يعتقد أنه لن يؤدي إلى تراكم خبرات محلية وعربية في المجال النووي، وهو المكسب الرئيسي الذي ينتظر من مثل هذه المشروعات.  

إضافة إلى ذلك فإن هناك دواعي قلق حقيقية فيما يعلق بتأثيراته البيئية على دول الجوار، والأهم أن المخاطر المتعلقة بالتوتر في الخليج.

إذ إن البرنامج النووي الإماراتي أصبح بمثابة نقطة ضعف إضافية للدولة الخليجية الغنية في مواجهة إيران وأذرعها في المنطقة.

في هذا التقرير نرصد كيف أنشأت الإمارات برنامجها النووي؟ ومن ساعدها فيه وجدواه الاقتصادية، والمخاطر السياسية والأمنية المحيطة به؟

إحدى مفارقات البرنامج النووي الإماراتي أنه قد نشأ كفكرة خليجية مشتركة.

– في ديسمبر/كانون الأول 2006، أعلنت الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي -الكويت والمملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة وقطر وعمان- أن المجلس أصدر تفويضاً لإجراء دراسة حول الاستخدامات السلمية للطاقة النووية. وافقت فرنسا على العمل معهم في هذا الشأن، أما المفارقة الأكبر أن إيران قد تعهدت بتقديم المساعدة في مجال التكنولوجيا النووية.

– في فبراير/شباط 2007 اتفقت الدول الست مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية على التعاون في دراسة جدوى لبرنامج نووي إقليمي وتحلية مياه. وقادت السعودية البحث حول كيفية هذا البرنامج المفترض في جهود تكامل شبكة الكهرباء الإقليمية.

–  في أبريل/نيسان 2008، نشرت الإمارات بشكل مستقل سياسة شاملة بشأن الطاقة النووية، مشيرة إلى الطلب المتزايد المتوقع على الكهرباء من 15.5 غيغاوات في عام 2008 إلى أكثر من 40 غيغاوات في عام 2020، مع قدرة إمدادات الغاز الطبيعي على توفير نصف هذه الكمية فقط، وتم رفض الفحم المستورد كخيار بسبب الآثار البيئية وأمن الطاقة، وقالت الدراسات إن الطاقة المتجددة ستتمكن من توفير 6-7٪ فقط من الطاقة المطلوبة بحلول عام 2020.

–  بعد ذلك أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة أنها ستقدم “ترتيبات مشروع مشترك للمستثمرين الأجانب لبناء وتشغيل محطات الطاقة النووية المستقبلية” على غرار الهياكل المستقلة القائمة لإنتاج المياه والطاقة والتي تمتلك الحكومة 60٪ منها و 40٪ للشريك المشترك. (س).

اللافت هنا أن الإمارات وضعت نموذجاً لإدارة برنامج الطاقة النووية الخاص بها بناءً على خدمات المقاول بدلاً من بناء الخبرات المحلية الذي يكون عادة أبطأ  (ويشير هذا النموذج إلى محدودية دور الخبرات المحلية في المشروع).

–  منتصف 2009، طلبت الإمارات عطاءات بحلول منتصف عام 2009 من ثلاث شركات عالمية.

–   في ديسمبر/كانون الأول 2009، أعلنت الإمارات أنها اختارت عرضاً من كونسورتيوم بقيادة شركة كوريا للطاقة الكهربائية (KEPCO)، ويشمل الكونسورتيوم Samsung وHyundai وDoosan، بالإضافة إلى Westinghouse  الأمريكية، التي تم تطوير تصميم نظامها 80+ (المعتمد في الولايات المتحدة) ليصبح APR1400.  .

وتم الاتفاق مع KEPCO  على أربعة مفاعلات APR1400، ليتم بناؤها في موقع واحد.

بلغت قيمة عقد البناء والتشغيل وتحميل الوقود لأربع وحدات حوالي 20.4 مليار دولار، ويتوقع الكونسورتيوم أيضاً أن يربح 20 مليار دولار أخرى من خلال التشغيل المشترك للمفاعلات لمدة 60 عاماً (يشير ذلك إلى التشغيل سيتم من قبل الكوريين).

في مارس/آذار 2010، منحت كيبكو (KEPCO)  عقد بناء بقيمة 5.59 مليار دولار لشركة هيونداي وسامسونغ لعملية التصنيع الأولية.

وادعت كيبكو لاحقاً أن سبب اختيارها في مواجهة المنافسة القوية من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية واليابان هو عامل السعة الأعلى الذي يمكن إثباته، وأقل تكلفة البناء، وأقصر وقت للبناء بين مقدمي العروض.

في أبريل/نيسان 2010، قدمت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية ENEC طلبات الترخيص وتقييماً بيئياً للموقع الذي اختارته في منطقة البركة (المعروفة سابقاً باسم “براكة”)، على الساحل 53 كم غرب الرويس و300 كم غرب مدينة أبوظبي.

في يوليو/تموز 2020 أي بعد أكثر من 11 سنة من إطلاق المناقصة وبتأخير واضح للجدول الزمني، أعلنت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية اكتمال بناء الوحدة 2، وأن الوحدتين 3 و 4 وصلتا إلى نسبة 92٪ و 85٪ على التوالي.

ومع وجود إيران في مواجهة مع القوى الغربية بشأن برنامجها النووي، وإسرائيل في الجوار والتوترات الشديدة بين دول الخليج، يرى بعض المحللين أن المحطة الجديدة صداع أمني وبيئي، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times.

كما بدأت دول عربية أخرى، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، تخطط لبرامج للطاقة النووية.

وفي سعيها لتهدئة المخاوف من أنها كانت تحاول بناء قوتها لاستخدامها ضد منافسيها الإقليميين، أصرت الإمارات على أنها تنوي استخدام برنامجها النووي لأغراض الطاقة فقط.

وتحاول أبوظبي تقديم أدلة على أن نواياها سلمية، وتشير إلى تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي راجعت مشروع البركة، والولايات المتحدة، التي وقعت معها اتفاقية تعاون في مجال الطاقة النووية في عام 2009 تسمح لها بتلقي المواد النووية، والمساعدة الفنية من الولايات المتحدة مع منعها من تخصيب اليورانيوم وأنشطة أخرى محتملة لتطوير القنابل.

لكن في المقابل فهناك مخاوف جدية أثارها الخبراء بشأن سلامة المفاعل النووي الإماراتي وموقعه.

وفي هذا الإطار تقدمت قطر، العام الماضي، بشكوى إلى مجموعة المراقبة النووية الدولية حول محطة البراكة، واصفة إياها بأنها “تهديد خطير لاستقرار المنطقة وبيئتها”، ومما يعزز من مصداقية المخاوف القطرية أن موقع المفاعل لقطر أقرب منه إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي، حسب تقرير للاتحاد الدولية للطاقة النووية.

يعاني الشرق الأوسط بالفعل من العداوات بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ضد إيران وعملاء إيران الإقليميين.

ادعت جماعة الحوثي الموالية لإيران أنها نفذت هجوماً على مفاعل البراكة عندما كان قيد الإنشاء في عام 2017.

ويُعتقد على نطاق واسع أن إيران وراء سلسلة من الهجمات على منشآت نفطية سعودية وناقلات نفط تمر عبر الخليج خلال العام الماضي.

من شأن تشغيل المفاعل النووي أن يجعل لدى أبوظبي نقطة ضعف جديدة، وأثبت الإيرانيون والحوثيون قدرتهم على استهداف أهداف عالية القيمة داخل الإمارات.

وحذر بول دورفمان، الذي يرأس مجموعة الاستشارات النووية وهو باحث مشارك في معهد الطاقة بجامعة كاليفورنيا، من أن استثمار الإمارات في المحطة “قد يزيد من خطر زعزعة استقرار منطقة الخليج المضطربة، ويضر بالبيئة ويزيد من إمكانية الانتشار النووي”.

قالت الإمارات إنها قامت ببناء المصنع لتقليل اعتمادها على النفط الذي دعم البلاد وأغناها لدول الخليج منذ عقود. وقالت إنه بمجرد تشغيل جميع وحداتها الأربع، ستوفر المحطة التي صممتها كوريا الجنوبية ربع الكهرباء في البلاد.

وتقول الإمارات العربية إنها نظرت في الاعتماد على الغاز الطبيعي ومصادر الطاقة المتجددة قبل أن تعطي الأولوية لصالح الطاقة النووية، لأنها لن تنتج ما يكفي لاحتياجاتها.

والإمارات العربية المتحدة من بين أكبر منتجي الوقود الأحفوري في العالم.

على الرغم من تدفق النفط، فقد استوردت كميات متزايدة من الغاز الطبيعي في السنوات الأخيرة جزئياً لتشغيل محطات تحلية المياه الكثيفة الطاقة.

لكن النمو السريع للاقتصاد يعني أيضاً زيادة هائلة في الطلب على الطاقة في البلاد والحاجة إلى مصادر بديلة.

وأشادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تشرف على استخدام الطاقة النووية في جميع أنحاء العالم، بإطلاق المحطة باعتبارها “مَعلماً هاماً”.

ومع ذلك، شكك بعض الخبراء في الحاجة إلى محطة الطاقة النووية بالنظر إلى إمكانات البلاد لتطوير الطاقة الشمسية والتوترات المحيطة بالطاقة النووية في الشرق الأوسط.

قال جيم كرين، زميل دراسات الطاقة في معهد بيكر التابع لجامعة رايس الأمريكية، إن المحطة النووية، بناءً على التكاليف البحتة، “خيار غير تنافسي” بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة.

وكتب في نشرة العلماء الذريين: “من الناحية الاستراتيجية، تعد الطاقة النووية مشكلة كبيرة بالنسبة لدولة انتقلت بسرعة من عقيدة الحياد غير التدخلي إلى مبدأ المشاركة النشطة في النزاعات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وما وراءها”.

في مقاله الذي نُشر في وقت سابق من هذا العام، قال دورفمان إن الاستثمار في المحطة الجديدة “غريب”، نظراً لانخفاض أسعار تكنولوجيا الطاقة المتجددة وارتفاع تكاليف توليد الطاقة النووية.

وكتب قائلاً: “بما أن الطاقة النووية تبدو غير ذات جدوى اقتصادية في الخليج، الذي يمتلك بعضاً من أفضل موارد الطاقة الشمسية في العالم، فإن طبيعة اهتمام الإمارة بالطاقة النووية قد تكون في إطار مساعٍ للحصول على الأسلحة النووية”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى