تقارير وملفات إضافية

توابع «غرق مصر في شبر ميَّه».. تعطيل الدراسة خوفاً من الاحتجاجات، وفيسبوك تحت أعين الأمن

حالة شلل أصابت العاصمة المصرية القاهرة بسبب سقوط الأمطار وقرار الحكومة المصرية بإغلاق المدارس والجامعات، أثارت موجة جديدة من الاستياء الشعبي المتزايد مؤخراً ضد حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي، مع تساؤلات تتعلق بتصريحات الرئيس عن الإنجازات في مجال البنية التحتية للبلاد، وهو ما كشف غرق القاهرة المتكرر عن كونه غير حقيقي، مما دفع الأجهزة الأمنية لطلب إلغاء الدراسة خوفاً من اندلاع تظاهرات.

هذه العبارة الدارجة في العامية المصرية (تعني: مصر أغرقتها كمية ضئيلة من المياه، وهي كناية عن ضعف الدولة وهشاشتها من ناحية الاستعداد لمواجهة أي أمر طارئ)، ليست جديدة في القاموس الاجتماعي المصري للتعبير عن فساد النظام وإهماله، لكنها هذه المرة تحمل بُعداً آخر، في ظل تركيز الرئيس المصري على المشاريع التي يسعى لإنجازها على الطرق والكباري ومشاريع البنية التحتية.

ما شهدته القاهرة الكبرى (محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية) من شلل مروري تام نتيجة لتجمع بِرَك المياه، إضافة لانقطاع الكهرباء في مناطق متعددة والارتباك الكبير في شبكة الاتصالات، كشف تردياً مقلقاً في البنية التحتية في أهم منطقة، وهي العاصمة التي تشهد أفضل الخدمات وتُنفق فيها النسبة الأكبر من الميزانية المرصودة لصيانة الطرق والخدمات الأخرى المرتبطة بالبنية التحتية، أما الأوضاع في المحافظات الأخرى في الدلتا والصعيد فهي من الأساس سيئة.

القرار الذي اتخذه رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي بتعطيل الدراسة في المدارس والجامعات في محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية اليوم الأربعاء 23 أكتوبر/تشرين الأول جاء بناء على «تعليمات من أجهزة سيادية»، بحسب مسؤول في أمانة مجلس الوزراء تحدث لـ «عربي بوست» مشترطاً عدم كشف هويته، لأنه غير مخوَّل بالحديث لوسائل الإعلام.

وقال إن السبب هو القلق من «اندلاع احتجاجات غاضبة بشكل تلقائي نتيجة وجود المواطنين في الشوارع لساعات طويلة دون وجود حلول»، مضيفاً أن «الأجهزة الأمنية رصدت تنامي حالة الغضب التي عكستها تغطية مواقع التواصل الاجتماعي لحالة الشلل المروري أمس الثلاثاء 22 أكتوبر/تشرين الأول من خلال مقاطع فيديو نالت مشاهدات تخطت الملايين والتعليقات الغاضبة عليها والتي تركزت على القصور الرئاسية».

المسؤول في أمانة مجلس الوزراء يشير إلى تصريح الرئيس عبدالفتاح السيسي الشهير يوم السبت 14 سبتمبر/أيلول الماضي، أثناء مؤتمر الشباب الذي عقده للرد على فيديوهات الفنان والمقاول المصري محمد علي، التي اتهم فيها الرئيس وأسرته بالفساد وكيف أنه ينفق المليارات على تشييد قصور رئاسية بدلاً من اتخاذ إجراءات اقتصادية لتخفيف الأعباء المعيشية عن المواطنين في بلد تضاعفت فيه تكاليف المعيشة أكثر من خمس مرات منذ وصول السيسي لمنصبه في 2014.

كانت المفاجأة أن السيسي قال منفعلاً إنه «يبني قصوراً رئاسية وسيواصل بناء المزيد»، مبرراً ذلك بأنه يبنيها من أجل مصر وليس من أجل نفسه، ولاحقاً في واشنطن قال لعدد من رجال الأعمال والصحفيين الأمريكيين إنه يبني تلك القصور «كي يجد مكاناً لائقاً يقابل فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب».

تسببت فيديوهات محمد علي ورد السيسي عليها في اندلاع احتجاجات عفوية من شباب ربما كانوا أول مرة يخرجون فيها للتعبير عن غضبهم من تردي الأحوال المعيشية ورفعوا لافتات تطالب «برحيل السيسي» ولم تكن مقتصرة على القاهرة بل امتدت لعدة مدن أخرى في محافظات أخرى، وتأزم الموقف وبدا أن سياج الخوف الذي شيده السيسي من خلال القبضة الأمنية الغليظة والسيطرة المطلقة على وسائل الإعلام وتشريع قوانين تضع حرية التعبير في خانة الإرهاب وتوجيه انتقاد للرئيس أو الحكومة أو النظام يضع صاحبه تحت طائلة العقوبات القانونية، بدا أن ذلك السياج قد تم كسره، وهو ما أجبر السيسي على تشديد القبضة الأمنية واعتقال أكثر من ثلاثة آلاف شخص، ثم تقديم بعض التنازلات لامتصاص الغضب.

جاءت أمطار أمس الثلاثاء وما نتج عنها من شلل مروري وحالة وفاة لطفلة صعقاً ووصول المياه لصالة الوصول رقم 2 في مطار القاهرة الدولي لتعيد  الرئيس إلى قفص الاتهام، وسط تساؤلات عن أين تذهب الأموال الطائلة التي تحصَّل عليها النظام من قروض خارجية تخطت حاجز الـ106 مليارات دولار (بحسب آخر تقرير حكومي في مارس/آذار الماضي – مقارنة بأقل من 30 مليار دولار عند تولِّي السيسي سُدة الحكم)، إضافة لإلغاء الدعم عن المواد البترولية بشكل كامل وهو ما وفَّر لميزانية الدولة أكثر من 30% (بحسب تصريحات المسؤولين أنفسهم)، وزيادة الضرائب القديمة واستحداث وتنفيذ ضرائب جديدة وغيرها من الإجراءات التي تم تنفيذها تطبيقاً للاتفاق مع صندوق النقد الدولي ونتج عنها زيادة نسبة الفقراء في مصر بصورة كبيرة (أيضاً بحسب تقديرات الحكومة).

مدير عام بمجلس محلي في أحد أحياء القاهرة كشف لـ «عربي بوست» السبب الحقيقي وراء ما حدث في القاهرة أمس بقوله: «لا توجد ميزانية للصيانة أصلاً حتى يتهمونا بالتقصير والفساد! كل (استخدم لفظاً مسيئاً للإشارة إلى بعض الإعلاميين المصريين المحسوبين على النظام) ليس على لسانهم سوى فساد المحليات وهم يعرفون تماماً أنه منذ وصوله (السيسي) للحكم وهو لا يريد أن ننفق مليماً واحداً على صيانة الطرق أو خطوط التليفونات أو الكهرباء أو المياه أو الصرف، لأنها (خربانة – أي منهارة) ويوجِّه كل موارد الدولة لبناء المدن الجديدة».

«عندما بدأت تتجمع بِرَك المياه، أمرت بإرسال عربات شفط المياه في الحي وعددها 5، أبلغوني أن 3 منها غير صالحة للحركة من الأصل، وواحدة منها تعطلت في عرض الشارع على بُعد 200 متر من بِركة المياه فتركها السائق بعد أن تعرض لسباب بعض المواطنين وتوجه لمنزله»، وأضاف مسؤول الحي منفعلاً وبالطبع مؤكداً أنه لا تتم الإشارة له ولا حتى للحي، مضيفاً في هذه النقطة: «سيحققون ويفتشون حتى يصلوا إليَّ وعندها سأحاكم لأنني إخوان وسيتهمونني بتعمد تعطيل عربات شفط المياه».

قلق مسؤول الحي يؤكده ما ذكره المسؤول في أمانة مجلس الوزراء من أن «الأجهزة السيادية الأمنية –المخابرات العامة يعني– وجهت بتكثيف الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي وخصوصاً الفيسبوك؛ لأنه الأكثر شيوعاً في مصر والوصول لمصادر الفيديوهات والكوميكس (الصور الهزلية) التي تلقى رواجاً كبيراً، خصوصاً تلك التي تستهدف الرئيس، ومحاصرتها، مع القبض فوراً على مَن يقفون وراءها».

هذا الكلام يكشف عن كيفية تعامل النظام المصري برئاسة السيسي مع المشكلات التي تواجهها البلاد، فبدلاً من التركيز على توفير حلول حقيقية كأن يكون هناك استعداد لدى المحافظات والأحياء لدخول موسم الأمطار ورفع درجة الجاهزية لمواجهة ما حدث أمس الثلاثاء، أصبح الشاغل الأول «للأجهزة السيادية الأمنية والسياسية» هو قمع الانتقادات وتوجيه جميع الموارد المتاحة لترصد حسابات المواطنين على وسائل التواصل الاجتماعي ومطاردتهم.

اللافت أنه في الوقت الذي شهدت فيه القاهرة حالة شلل تام وتعرض أطفال المدارس لأخطار تهدد سلامتهم من الساعات الطويلة في باصات المدارس (والمقصود هنا المدارس الخاصة والدولية) وتعطل المواطنين وعربات الإسعاف في غياب شبه تام لأي تحرُّك ملموس على مدار يوم أمس وحتى الساعات الأولى من صباح اليوم، كان السيسي في طريقه إلى سوتشي الروسية لحضور اجتماعات القمة الروسية – الإفريقية.

ونقل التليفزيون الرسمي المصري، صباح اليوم، جانباً من كلمة السيسي التي دعا فيها نظيره الروسي فلاديمير بوتين لزيارة مصر وركز في كلمته «على ضرورة الإسراع بتوقيع الاتفاق النهائي لإنشاء محطة الضبعة النووية في مصر حتى نقيم احتفالاً بتلك المناسبة، انتظار للاحتفال الأضخم بالبدء فعلاً في التنفيذ».

الرئيس الذي غرقت عاصمة بلاده بفعل بضع ساعات من الأمطار ولا توجد أموال مرصودة لدى المحليات في العاصمة لمواجهة موقف على الأرجح سيتكرر كثيراً في الأيام والأشهر القادمة من فصل الشتاء، يسعى لتوقيع اتفاق بقرض روسي قيمته 25 مليار دولار لإنشاء محطة نووية في بلد يشتهر نظامه الإداري والبيروقراطي بالترهل والإهمال والفساد على كل المستويات، كما أن نفس الرئيس يركز على «إقامة احتفال ضخم بمناسبة توقيع الاتفاق النهائي وآخر أضخم بمناسبة بدء التنفيذ، وكلاهما بحضور بوتين».

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى