تقارير وملفات إضافية

ماذا ينتظر الجزائريون بعد الانتخابات الرئاسية التي يقاطعها الحراك الشعبي؟

يتوجه الجزائريون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس جديد للبلاد غدا الخميس 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري، والحراك الشعبي يدعو للمقاطعة بينما تريد السلطة القائمة المشاركة، فما السيناريو الأقرب، وإلى أين تتجه الأمور؟

صحيفة الغارديان البريطانية نشرت تقريراً حول الأوضاع هناك بعنوان: «الحراك الشعبي الجزائري قد يقاطع الانتخابات الرئاسية».

من المقرر أن يُصوِّت ملايين الجزائريين لاختيار رئيس جديد في اقتراع مثير للجدل، يوم الخميس 12 ديسمبر/كانون الأول، يُرجَّح أن تقاطعه الحركة الاحتجاجية الحاشدة في البلاد؛ ما يفسح المجال لمزيد من الاضطرابات مستقبلاً.   

وقال الحراك الشعبي، الذي انبثق عن المظاهرات الأسبوعية ضد المؤسسة السياسية في المستعمرة السابقة للاحتلال الفرنسي، إنه لا يمكن اعتبار التصويت حراً أو نزيهاً، طالما تستمر النخبة الحاكمة، بما في ذلك الجيش، في السلطة.   

ويرتبط المرشحون الخمسة للرئاسة بصلات وثيقة مع المؤسسة الحاكمة؛ ما يدفع الكثير من الجزائريين لاعتبار الانتخابات الرئاسية المقررة يوم الخميس، 12 ديسمبر/كانون الأول، جزءاً من استراتيجية تهدف لتجنب حدوث تغيير حقيقي في الدولة.  

وفي هذا السياق، علَّقت ياسمين بوشن، متظاهرة في الـ29 من عمرها عضو اتحاد Les Jeunes Engagés للنشطاء: «لا تتمتع الانتخابات بشرعية على الإطلاق، فهي أقرب لاستعراض كوميدي من أي شيء آخر. نريد انتقالاً حقيقياً مع أشخاص لا تربطهم صلات بالنظام القديم».

ويوم الجمعة الماضي، 6 ديسمبر/كانون الأول، تجمهر حشدٌ كبير في العاصمة الجزائر، وهم يهتفون: «لا للانتخابات.. نقسم لن نتوقف» و «لا تراجع»، ونُظِمت مسيرات في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك المدن الكبرى في وهران وقسنطينة.

يُشار إلى أنَّ اثنين من المرشحين، الذين نالوا الموافقة على خوض السباق الرئاسي، شغلا منصب رئيس الوزراء تحت حكم الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، الذي أُجبِر على التنحي بعد 20 عاماً في السلطة عقب اندلاع مظاهرات ضخمة ضده في أبريل/نيسان من العام الحالي.

وفي مناظرة تلفزيونية يوم الجمعة -وهو أول حدث من نوعه يذاع في تاريخ الجزائر- واجه المرشحون الخمسة 13 سؤالاً، أغلبها عن الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي للبلاد.

وتعهد الجيش الجزائري وجبهة التحرير الوطني -الحزب الذي قاد الثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي حتى استقلَّت في عام 1962 وحكمها منذ ذلك الحين- بأن يكون التصويت حراً.

وتعني معارضة الحراك الشعبي للانتخابات الرئاسية أنَّ الإقبال يوم الخميس سيكون حاسماً؛ إذ يأمل الجيش والمؤسسة الحاكمة في مشاركة كافية لضمان شرعية رئيس جديد يمكنه التحرك لإنهاء الاحتجاجات. في حين يقول المتظاهرون إنه لا ينبغي إجراء أي تصويت إلا بعد تبني تغييرات شاملة.

وقال زيلاج لامين، البالغ 33 عاماً ويعمل في شركة اتصالات وطنية وشارك في الاحتجاجات منذ انطلاقها في فبراير/نيسان، إنه لم يقرر بعد ما إذا كان سيدلي بصوته. وأضاف: «مثل أي جزائري، أريد دولة تحترم الحقوق. نحن بحاجة إلى الضغط على المسؤولين لحل المشكلات الحقيقية في هذا البلد». وبدأت الجزائر محاكمات بارزة في جرائم الفساد ضد كبار المسؤولين الأسبوع الماضي. 

من جانبه، قال جيمس ماكدوغال، أستاذ التاريخ بجامعة أوكسفورد البريطانية ومؤلف كتاب عن تاريخ الجزائر، إنَّ هذه الخطوة تهدف إلى تعزيز مصداقية تعهدات الحكومة بالتصدي للفساد.

وأضاف: «كان هناك القليل من التحول. لكن [أولئك الذين في السلطة] يعتقدون أنهم يستطيعون الفوز في حرب الاستنزاف بين النظام والحركة… فإذا تمكنوا من تثبيت هؤلاء الأشخاص على أنهم العصابة [المسؤولة عن الفساد] فإن ذلك سيُهدئ قدراً معيناً من الغضب الشعبي».

وكان الكسب غير المشروع المستشري في البلاد إحدى القضايا التي دفعت المتظاهرين للخروج إلى شوارع المدن والبلدات الجزائرية في أواخر فبراير/نيسان، عندما أصبح واضحاً أنَّ بوتفليقة (82 عاماً) سيسعى للحصول على ولاية خامسة.

وأصغر المرشحين الخمسة يبلغ 56 عاماً، بينما غالبية سكان الجزائر تقل أعمارهم عن 30 عاماً. ووصف دبلوماسيون غربيون لدى الجزائر المرشحين بأنهم «نسخة أبسط عن نظام بوتفليقة».

وقالت كلوي تيفان، المحللة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: «المطلب المحوري للمتظاهرين منذ سقوط بوتفليقة هو تغيير النظام؛ وذلك لضمان عدم سيطرة نفس الأشخاص على مقاليد الحكم. لكن الإصلاحات الوحيدة المتبناة جرت على السطح».

وعانى المرشحون لتنظيم حملاتهم الانتخابية؛ إذ وقفت الحشود المعادية خارج التجمعات السياسية للمرشحين، التي شهدت حضوراً ضعيفاً، في أماكن تخضع لحراسة مشددة. ومزق المعارضون الملصقات الانتخابية.

من جانبها، كثَّفت السلطات ضغوطها على الحراك الشعبي في الأشهر الأخيرة؛ من خلال محاكمة بعض القادة البارزين واحتجاز أكثر من 150 شخصاً، من بينهم صحفيون وناشطون عماليون ورسام كاريكاتير معارض.

وقالت المُحتجَّة ياسمين بوشن: «ألقى النظام في السجن أي شخص من الحراك أصبح شهيراً؛ الأمر الذي يثبت أنه لن يكون هناك انتقال حقيقي أو شفافية من خلال تحريك الأوضاع وفق شروطه».

وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش الدولية إنَّ عشرات المحتجين اعتُقِلوا منذ سبتمبر/أيلول، ومعظمهم بتهم زائفة مثل «الإضرار بالوحدة الوطنية».

ومع اقتراب موعد التصويت، ازدادت خطابات السلطة حدة. فمنذ تنحي بوتفليقة، أصبح رئيس أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح هو الحاكم الفعلي للبلاد.   

ووصف صالح المعارضين للانتخابات بأنهم «عصابة إجرامية.. مليئة بالمرارة والكراهية الشديدة لهذا البلد»، وقال إنه أمر قوات الأمن بإحباط أية اضطرابات مُدبَّرة تستهدف التسيير الحسن للاقتراع.

وقال صالح في كلمة ألقاها الأسبوع الماضي: «مرة أخرى، نحذر العصابة وأذنابها، وكل من تسول له نفسه المساس بهذا المسار الدستوري، أو عرقلته للزج بالبلاد في مخاطر من خلال التشويش على الانتخابات، أو محاولة منع المواطنين من ممارسة حقهم الدستوري».

وقد تساعد التوترات داخل الحركة الاحتجاجية السلطات. إذ لفت ماكدوغال إلى أنَّ طبيعة المظاهرات تغيرت في الأشهر الأخيرة، وأصبحت أقل احتفالاً وإبداعاً، وتجذب المتظاهرين كبار السن، بما في ذلك المزيد من الإسلاميين.

وقال ماكدوغال: «هناك بعض الأدلة على حدوث انقسام. وتأمل [المؤسسة السياسية] أن تتجاوز الأشهر القليلة المقبلة، أو السنة المقبلة، وتنتظر إلى أن تتلاشى الحركة الاحتجاجية تدريجياً».

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى