اخبار المنظمة

جنرالات مصر ..قصة وطن تم سرقته

بقلم رئيس التحرير

سمير يوسف k

سمير يوسف

كيف نخطوا بحثًا في موضوعٍ كهذا؟ علينا تحسس موضع أقدامنا مع كل معلومة نوردها في ظل قبضة عسكرية للبلاد؟ من ستكون مصادرنا وكيف نتأكد من صحتها وسط موضوع جليده المخفي في المحيط أكثر طولاً من البادي؟ دعنا نبدأ بتقرير منظمة الشفافية الدولية والتي قيمت فساد الجيش في مصر بأنه “حرج”، مذكرًا بأن الجريمة المنظمة اخترقت الجيش، وأن دفع الرشى أمر متفشٍ، وشراء المعدات العسكرية أمر محاط بالسرية.

محمد على

يوليو وبزوخ دولة العسكر

يمكننا اعتبار ثورة يوليو 52 هي بداية فرض المؤسسة العسكرية سيطرتها على الاقتصاد، وإن كان لهذا جذور تاريخية أوضحها دولة محمد علي والتي يحلو للمؤرخين كثيرًا مقارنتها بدولة عبد الناصر؛ حيث يؤكد خالد فهمي، أستاذ التاريخ في الجامعة الأمريكية، في كتابيه ثورة “كل رجال الباشا” و”الجسد والحداثة” أن محمد علي “الباشا” في بناءه للدولة الحديثة لم يهتم بشيء مثلما اهتم بقوته العسكرية، وأخضع لها كل مؤسسات الدولة، بل إن المؤسسات ما كانت أحيانًا إلا لخدمة الجيش.

فالاهتمام ببناء القصر العيني والطب من أجل الرعاية الطبية لمقاتلي الجيش، ومصانع السفن والاهتمام بالبعثات العلمية الدارسة للهندسة والكيمياء لم تكن إلا على حواشي الاهتمام بالجيش، الا أننا وكما افترضنا سنبدأ بثورة يوليو، فمنحانا هنا ليس تأريخي.

التحول الجوهري في مصر بعد ثورة يوليو يمكن اختصاره في اتخاذ البلاد للنظام الاشتراكي بدلاً من الليبرالي قبل ثورة يوليو؛ حيث الملكية العامة هي البروتوكول الأول في طقوس تطبيق الاشتراكية، والحكومة هي ممثل الشعب وعليه فهي المتولية للتحكم والسيطرة على الاقتصاد ومشاريعه، فثوار يوليو لم يجدوا من هو أكفأ منهم ليتولى حكم كل شيء.

وتسقط التجربة الناصرية بهزيمة 67، وتتراجع سلطة العسكر في عهد السادات الساعي للانفتاح على الغرب والخروج من جُب الاتحاد السوفيتي، واضطر العسكر وقتها لقبول المشاركة الاقتصادية مع طبقة رجال الأعمال الحليفة للسادات.

ثم تأتي كامب ديفيد، ويكون على إثرها وجوب تسريح عدد غير قليل من الجيش، فكان السؤال ماذا لجنود قتاليون أن يفعلوا في ظل دولة اكتفت من الحروب؟ هل ندخلهم في الإدارة ونوليهم مناصب مدنية ؟.. بالضبط هذا ما تم، فأنشئ جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، والمنوط به إنشاء مشاريع مختلفة، الا أن إدارتها كاملة من العسكريين الذين تركوا الخدمة، وهو بالطبع معفيٌّ من الضرائب والجمارك ولا يخضع لسلطة القوانين.

أما نظام مبارك فمع رأسماليته، وخصخصته للقطاع العام وبيعه لأكثر من 230 شركة إلا أن يده لم تمتد للقطاع الاقتصادي في المؤسسة العسكرية بما يفسره البعض محاولة لحفظ اتزان قوى الدولة (جيش – شرطة)، وطريقة ليكونوا تحت السيطرة، بل إن جزءًا من شركات تمت خصحصتها أُحيلت وبيعت لإدارة المؤسسة العسكرية، مثل شركة ترسانة الإسكندرية المنتجة للسفن 2007، ومصنع “سيماف” 2002.

حجم ما يمتلكه الجيش

حقيقة يبدو أن كل ما أمامنا تخمينات فالموضوع بالإضافة إلى أنه يُعتبر ضمن الأسرار العسكرية فالتناول الصحفي في الإعلام المصري لموضوع كهذا يكاد يكون غير موجود، وفي ظل غياب المحاسبة والشفافية يختلف تقدير الخبراء من امتلاكه لـ5% من الاقتصاد لامتلاكه 40%، فبينما تشير زينب أبو المجد، أستاذة الاقتصاد بالجامعة الأمريكية، إلى أن الجيش يسيطر على ثلث الاقتصاد المصري، يقول أحمد السيد النجار، الخبير الاقتصادي، إن حصة الجيش من الاقتصاد لا تزيد عن 5%، فيما يخمن رشيد محمد رشيد في حوار له من الإمارات مع النيويورك تايمز أنه لا يزيد عن 10%.

وفي حين تقول الأرقام الرسمية أن الجيش لا يجني أكثر من 750 مليون دولار في السنة، فإن العاملون بمصانع وشركات الجيش يقولون إن هذا الرقم أقل مما تجنيه شركة واحدة مملوكة للجيش سنويًّا.

وتذكر زينب أبو المجد في تقرير لها بعنوان “بزنس العسكر” أن للجيش ثلاث هيئات كبرى هي المسيطرة على أعماله المدنية، وزارة الانتاج الحربي وتمتلك 8 مصانع يذهب 40% من إنتاجها لاسواق مدنية، والهيئة العربية للتصنيع وتمتلك 11 مصنعًا وشركة يذهب 70% من إنتاجها لأسواق مدنية، وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية وهو كل أعماله خدمة مدنية.

ويدخل اقتصاد الجيش في إنتاج كل شئ تقريبًا من إنتاج الأواني المنزلية  إلى المكرونة واللحوم وأسطوانات الغاز ومحطات البنزين والمشمعات البلاستيكية، وشركات النقل البحري، وشركات قطاع البترول وشركات الشحن والتفريغ وشركات البتروكيماويات والأسمدة وأخرى للتطوير العقاري وغيرها لتأجير المعدات الثقيلة، هذا غير امتلاكه لفنادق ومنتجعات سياحية وشاليهات وأندية.

لماذا الموازنة العسكرية سرية؟

أو “عن من يخفي الجيش سرية موازنته؟”، يمكن أن يكون السؤال أفضل. فنحن الآن أمام نشاطين اقتصاديين للمؤسسة العسكرية، نشاط عسكري يدّعي الجيش أنه لا يجوز الإفصاح عن ماهيته، ويؤكد على سرية الموازنة العسكرية؛ حيث إنها أسرار حربية ولا يمكن مراقبتها لا من محكمة خاصة مثلما فعلت تركيا ولا من قبل لجنة خاصة بمجلس الشعب، وهنا يمكننا الرد بأن أي نشاط إنتاج عسكري للجيش منشور ومعروف، ليس من الجيش، ولكن من طرف شريكه الأمريكي، والذي يتنوع دوره بين تصدير أساس الاسلحة فيكون دور الجيش التجميع، إلى منحه المعونة العسكرية المنصوص عليها في كامب ديفيد والبالغه 1.3 مليار دولار ضمن برنامج “التمويل العسكري الأجنبي”؛ وحيث إن الحكومة الامريكية تلتزم الشفافية والصراحة أمام شعبها فكل اتفاقيتها مع دولة العسكر في مصر مُعلنة، وبالتالي سؤالنا هنا يجب أن يكون “أي اقتصاد آخر يخفي الجيش أسراره عن الشعب؟”.

السادات

وما المانع إن كانوا أكفاء؟

سيجرنا هذا السؤال تلقائيًّا لمعايير الكفاءة، وسيذكرنا بالطبع بأنه لا رقابة علي اقتصاد العسكر، وبالتالي لا يمكننا الحكم على درجة كفاءة وإنتاجية وشغل قطاعاته وشركاته، بالطبع سنتغاضى هنا عن بديهية تناسب المواقع، فسؤال كـ”ما الذي يجعل لواء جيش مديرًا لمصلحة الصرف الصحي” لن يكون من الجيد طرحه هنا، وسؤال عن حجم الفساد المتخيل في ظل سيطرة من الجيش على أغلب قطاعات الدولة المدنية إداريًّا من جانب واقتصاده من جانب لن يكون مطروحًا أيضًا.

يمكننا هنا طرح أن مؤسسات الجيش الاقتصادية لا يقف أمامها عائق، فهي لا تدفع ضرائب أو جمارك، وبالتأكيد لن يقف في وجهها منافس، ويمكننا ذكر معلومة أن الكثير من العاملين بقطاعات الجيش مجندون تجنيدًا إجباريًّا وفق المادة 86 من الدستور “الحفاظ على الأمن القومى واجب، والتزام الكافة بمراعاته مسئولية وطنية، يكفلها القانون. والدفاع عن الوطن، وحماية أرضه شرف وواجب مقدس، والتجنيد إجباري وفقًا للقانون” وهو ما لم تفسره المادة بأن كان الخدمة في شركة لإنتاج المكرونة أو تقديم العصائر في نوادي القوات المسلحة يندرج ضمن الحفاظ على الأمن القوي أم لا؟!.

حمدى بدين

السياحة مصدر ثروة كبار الضباط

بالإضافة إلي كل تلك المشروعات المربحة اقتحم الجيش المصري مجال السياحة بقوة وراح كبار قادة القوات المسلحة يتملكون ويديرون كبريات الفنادق والقري السياحية في شرم الشيخ وهي المشروعات التي بدأت منذ عهد المشير عبدالحليم أبو غزالة (وزير دفاع مصر في أواخر عهد أنور السادات وبدايات عهد مبارك) والذي بدأ مسيرة القوات المسلحة الإقتصادية لكن مبارك لم يلبث أن عزل أبو غزالة في عام 1989 من منصب وزير الدفاع لحرص مبارك علي إقصاء كل منافسيه علي السلطة وخوفاً من شعبية أبو غزالة المتزايدة من جهة ولشيوع رائحة الفساد في إمبراطورية الجيش الإقتصادية التي يشرف عليها أبو غزالة.

وزير الدفاع الجديد يوسف صبري أبو طالب كان مختلفاً عن أبو غزالة وكان يسعي لإبعاد الجيش عن أي مشروعات إقتصادية غير مرتبطة بالدفاع وتنافس القطاع الخاص وأكد أبو طالب أنه سيحارب الفساد في المؤسسة العسكرية لكن الرجل لم يتمكن من تحقيق ما يصبو إليه حيث تمت إقالته في 1991، ربما لنواياه تلك! كما تم تعيين محمد حسين طنطاوي بدلاً منه، وهو الرجل الذي رفض كل محاولات حل الإمبراطورية الإقتصادية للجيش بل علي العكس من ذلك فقد قام الجيش في العشر سنوات الأخيرة بالسيطرة علي العديد من الشركات الحكومية التي تم خصخصتها أو تعاون مع مالكيها الجدد.

شركة الأهرام للمشروبات علي سبيل المثال وهي إحدي الشركات الإحتكارية تم خصخصتها عام 1997 وآلت ملكيتها في 2002 إلي شركة هاينكن (Heinken) الهولندية في 2002 وبعد ذلك بعام واحد حصلت الشركة علي حق توزيع مياة “صافي” المعدنية التي ينتجها الجيش من واحة سيوة وبالطبع وراء ذلك مغزي كبير يشرحه مدير شركة الأهرام للمشروبات السابق أحمد الزيات حيث يقول : “عندما نقوم بتوزيع منتجاتنا (بيرة وخمور) مع منتجات ينتجها الجيش كمياة “صافي” المعدنية فإن حماية الشرطة المحلية لشاحناتنا تصبح مضاعفة كما أن الشرطة ستفكر ألف مرة قبل أن تضايقنا”.

مربة الجيش

مثال آخر هو الشركة العربية الأمريكية للسيارات (Arab American Vehicle) والتي يديرها الجيش بالتعاون مع شركة كرايسلر الأمريكية لصناعة السيارات فهذه الشركة لا تنتج المعدات والمركبات العسكرية فحسب ولكن أيضاً سيارت الجيب شيروكي ورانجلر للإستخدام المدني.

الأمثلة عديدة لكن أغلب البيانات عن إمبراطورية الجيش العسكرية لا تزال سرية لكنها ليست سرية علي الإتحاد الفيدرالي العلمي الأمريكي والذي أفاد بأن مصنع 54 الحربي علي سبيل المثال والذي يتم التمويه عن إسمه بإستخدام إسم بديل هو “شركة المعادي للصناعات الهندسية” لم يعد ينتج بنادق قتالية أو مدافع رشاشة بل بات ينتج سكاكين مطبخ وشوك ومشارط ومقصات.

مصنع آخر هو مصنع 63 الحربي أو حلوان للصناعات غير الحديدية لم يعد لديه أي طلبات شراء خراطيش أسلحة فإتجه المصنع إلي صناعة الكابلات وحنفيات بلاستيكية لري الحدائق وأكواب الشاي البلاستيكية.

أما مصنع رقم 100 أو “أبو زعبل” فلم يعد ينتج الديناميت وقذائف الدبابات فقط بل أصبح ينتج الأسمدة ومستحضرات التجميل بينما لم يكتف مصنع رقم 360 أو شركة حلوان للأجهزة المعدنية بصناعة أغطية الألغام بل بدأ في تصنيع الثلاجات والتكييفات.

الجنرال سيد مشعل وزير الدولة للإنتاج الحربي والرجل الثاني في الإمبراطورية الإقتصادية بعد وزير الدفاع صرّح أثناء عرضه لميزانية عام 2010 والخاصة بنشاط عدد من المصانع الحربية بأن الوزراة قامت بتوريد 40 قطار و 220 وحدة تنقية مياة و 50 وحدة معالجة صرف صحي وقال مفتخراً أنه تم تطوير صناعة الثلاجات وأن صناعة التلفزيونات قد تراجعت بسبب المنافسة القوية في السوق المحلي.

كما أن عشرات الآلاف من المدنيين يعملون ضمن المنظمة الإقتصادية العسكرية وأن مؤسسة الجيش المصري التجارية تحصل علي إمتيازات لا ينافسها فيها أحد حيث يعمل في شركات الجيش الكثير من المجندين الإلزاميين الذين يخدمون في تلك الشركات لشهور دون مقابل ويقّدر الإقتصادي الشهير شبرينجبورج (Springborg) عدد أولئك المجندين بقرابة ال100 ألف مجند يمثلون قوي عاملة مجانية في إمبراطورية الجيش الإقتصادية كما يتمتع إقتصاد العسكر في مصر بميزات إحتكارية أخري من أبرزها الإعفاء من الضرائب والإعفاء من الحصول علي التراخيص والإعفاء من دفع الرسوم المستحقة والإعفاء من أي مسآلة قانونية علنية أو محاسبة مالية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى