تقارير وملفات إضافية

كيف هز كورونا الاقتصاد العالمي؟ إليك الطريقة التي أثرت بها «شيكاغو الصين» على العالم

لم يعد الانتشار المخيف لفيروس كورونا يهدد الصين والدول التي أصيب
بعض مواطنيها فقط، بل أصبح الاقتصاد العالمي كله في مرمى الوباء الجديد، إذ بدأ
الاقتصاد العالمي المُترابط يشعر بوطأة الفيروس الذي تفشّى مؤخراً في الصين،
واحتمالية فقدان 160 مليار دولار في مُعدّلات النمو.

ففي نيوزيلندا، قال بائع أثاثات حمام لأحد العملاء إن رأس الدش ألماني التصميم الذي طلبه ليس مُتاحاً؛ لأن المصنع في شنغهاي مُغلق. أما في كاليفورنيا، فشكّل المسؤولون التنفيذيون لشركة REC Group غرفة حربٍ لسلاسل التوريد، من أجل التخطيط للنقص المُحتمل في الشاحنات ومأزق الميناء في الصين. وفي الشرق الأوسط، تحشد المملكة العربية السعودية الدعم لاجتماعٍ طارئ في منظمة أوبك خشية تراجع الطلب على النفط، بحسب تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية. 

ومنذ أزمة الصين الصحية الأخيرة، حين تفشّى سارس في عام 2003، تضاعفت
حصتها في الناتج الاقتصادي العالمي بأربعة أضعاف لتصل إلى 17% تقريباً. وباتت الآن أكبر سوقٍ
للسيارات الجديدة وأشباه الموصلات، وأكبر مُنفق على السياحة الدولية، والمُصدِّر
الرئيسي للملابس والمنسوجات، والأرض التي تشهد صناعة الكثير من الحواسيب الشخصية
وكافة هواتف آيفون تقريباً. وربما تكون الضربة العالمية الناجمة عن تفشّي الفيروس
الجديد أكبر بثلاث أو أربع مرات من الضربة الناجمة عن تفشّي سارس، والتي وصلت إلى
40 مليار دولار بحسب تقديرات أستاذ الاقتصاد في الجامعة الوطنية الأسترالية وارويك
ماكيبين.

وحتى الآن، امتصت الصين الشطر الأعظم من الصدمة الناجمة عن فيروس
كورونا المعروف باسم فيروس كورونا الجديد 2019، الذي قتل أكثر من 210 أشخاص داخل
حدودها وأصاب أكثر من 9950 شخصاً حول العالم. وما تزال ووهان، المدينة ذات الـ11
مليون نسمة، حيث ظهر الفيروس، معزولةً عن العالم. وبموجب تمديدٍ من الحكومة لعطلة
رأس السنة القمرية، فسوف يجري إغلاق المقاطعات التي تُنتج ثُلثي الناتج الاقتصادي
على الأقل الأسبوع المُقبل، بما في ذلك شنغهاي ومراكز التصنيع الرئيسية في الشرق.

وفي الوقت ذاته، تُواصل حصيلة ضحايا الفيروس التصاعد ويتصاعد معها
القلق. ودور الصين الأساسي في سلسلة التوريد العالمية يعني أن مُلّاك الشركات
ومسؤوليها التنفيذيين في كافة أنحاء العالم سيُجبَرون على التفكير ملياً في ما
سيحدث حال استطالة الأزمة.

وقال ميغيل باتريسيو، الرئيس التنفيذي لشركة Kraft
Heinz Co:
«الجميع في انتظار رؤية ما ستؤول إليه الأمور. تكمُن الخطورة بالطبع في حال
استمرار الوضع واضطرار الناس للبقاء في المنزل؛ فحينها ستظهر مشكلات التوزيع
والإنتاج». إذ تمتلك شركة المواد الغذائية العملاقة بضعة آلاف من الموظفين في
الصين، ومن بينهم فريق مبيعاتٍ صغير في ووهان.

قبل أربعة أشهر، فتحت شركة Levi Strauss & Co أبوابها أمام متجرٍ
رئيسي برّاق جديد في ووهان، التي تُعَدُّ من مراكز القوى الصناعية وتُوصف بيشكاغو
أو ديترويت الصين. ويتميّز الموقع بثلاث طوابق من التشكيلات الممتازة، ومتجرٍ ضخم
للخياطة. وتُساوي مساحة الموقع قرابة ضعف أيّ متجرٍ آخر للشركة في الصين، بمساحةٍ
تصل إلى 697 متراً مربعاً. واحتفى كبار المسؤولين التنفيذيين بالمتجر الضخم،
باعتباره رمزاً لعصرٍ جديد من النمو للعلامة التجارية في البلاد.

واليوم بات المتجر مغلقاً، على غرار كل متجرٍ آخر تقريباً في البلاد.
وبهذا تعرقل واحدٌ من المكوّنات الرئيسية في استراتيجية نمو الشركة بالبلاد، لتنضم
إلى آلاف الشركات العالمية والتكتّلات الصينية والشركات الصغيرة في الموجة الأولى
المُتأثرة اقتصادياً بالفيروس.

وقال الرئيس المالي للشركة هارميت جي سينغ في مقابلةٍ عبر الهاتف:
«أولويتنا هي موظفينا. وفي حال عدم تصحيح الموقف تلقائياً وبسرعة؛ فسوف تظل
أبوابنا مغلقةً لفترةٍ على الأرجح».

وقد تدفّقت الشركات العالمية على الصين لتفتتح منافذ Estée
Lauder، ومتاجر
Canada Goose، ومعارض Rolls-Royce في بكين وشنغهاي. وخلال
السنوات الأخيرة، انتقلوا إلى مدن الدرجة الثانية والثالثة التي تضخّمت أعداد
سكانها خلال مرحلة التحضُّر الجماعي التي مرت بها البلاد.

وامتنعت شركاتٌ مُنخرطةٌ في الصين بشدة عن التنبُّؤ بحجم تأثير
الفيروس على الطلب هذا الأسبوع، ومنها شركاتٌ مثل Starbucks
Corp وTesla Inc، قائلين ببساطة إنّهم
سيُحدّثون توقعاتهم بمجرد أن يعرفوا أكثر. في حين وضعت شركاتٌ مثل Apple Inc وMicrosoft
Corp نطاقات
توقعات أوسع من المُعتاد للربع الجاري، وسط شكوك حول مدى تأثير الفيروس.

ويكمُن الأمل بالطبع في أن يستطيع مسؤولو الصحة احتواء انتشار
الفيروس بما يكفي، من أجل السماح للناس بالعودة إلى رتم حياتهم الطبيعي في غضون
أسابيع. ويُمكن أن تستغرق صناعة اللّقاح شهوراً أو أعواماً، لكن بعض الفيروسات قد
تحرق ذاتها في غضون الفصل. بينما تستغرق فيروساتٌ أخرى وقتاً أطول. إذ أُعلِنَت
حالة الطوارئ العالمية بسبب مرض السارس في مارس/آذار عام 2003، قبل اعتبار أنه تم
احتواؤه بنجاح في يوليو/تموز.

لكن المشكلة هي أن فيروس كورونا الجديد 2019 يتمتّع بمزايا التخفّي
-على هيئة أعراضٍ لا تظهر قبل أسبوعين من الإصابة بالعدوى- ما يمنحه القدرة على
البقاء أطول. وفي أسوأ الأحوال، يُمكن أن يُحبط ذلك أفضل جهود سلطات الصحة
العالمية، ويُحدث الفوضى داخل خطوط التجارة ومجالس الإدارة لأشهر مُقبلة.

وتأتي موجة التأثير الاقتصادي الأولى بسبب الفيروس في لحظةٍ حساسة.
إذ ساعدت الشركات الغربية في تحويل احتفالات رأس السنة القمرية الأخيرة إلى
مهرجانات تسوّق، لدرجة أنّها صارت فترةً محورية في نمو الاقتصاد الصيني. ولكن في
العام الجاري، كانت الاحتفالات خافتةً لدرجة أن نمو الاستهلاك في الربع الأول
سيتراجع بأكثر من النصف داخل الصين، مقارنةً بمعدل النمو الذي وصل إلى 5.5% خلال
الأشهر الأخيرة من عام 2019 بحسب وكالة Bloomberg الأمريكية.

ومن السهل أن نفهم السبب. إذ أغلقت شركة Starbucks مثلاً أكثر من 2000 منفذ
في كافة أنحاء الصين -أي نصف منافذها- ولا تستطيع الحصول على بعض العناصر على
قائمتها من أجل المنافذ التي ما تزال مفتوحة. في حين أغلقت سلسلة McDonald’s المئات من مطاعمها.
وبدأت البضائع تنفد من بعض متاجر Walmart Inc. أما ملاهي Walt
Disney Co في
شانغهاي وهونغ كونغ فقد انطفأت أضواؤها بالكامل. وقّلصت شركات الطيران رحلاتها إلى
البلاد، قبل حتى أن تنصح الولايات المتحدة واليابان مواطنيها بتجنُّب السفر إلى
الصين -ليس بسبب الخوف من العدوى، ولكن بسبب قلة أعداد المُسافرين.

وبهذا خسر الناتج المحلي الإجمالي الكثير من مبيعات القهوة ونفقات
العطلات وعمليات الشراء الاندفاعية، إذ لن يشتري المستهلكون كوبين من القهوة في
مارس/آذار لتعويض كوب القهوة الذي لم يتناولوه في يناير/كانون الثاني. أما التصنيع
فيتمتّع بوضعيةٍ مُختلفة. إذ ستظل المصانع، التي كان يُفترض بها أن تُعيد فتح
أبوابها الآن، مغلقةً. وربما يتمتع الكثير منها بمساحةٍ للمناورة من أجل تعويض
الوقت الضائع، ودفع أجر وقتٍ إضافي للموظفين من أجل إنهاء الطلبات المُتأخّرة.

ولكن مع كل يومٍ يمُر؛ تقل مساحة المناورة. إذ إنّ أنشطة الإنشاءات
التي توقّفت في الشتاء، خاصةً في الأجزاء الشمالية الأكثر برودة من الصين، يجب أن
تُستأنف الآن. ومن المحتمل أن يتم كبح جماح إنفاق رأس المال، بالتزامن مع تأخير
الشركات لقراراتها حتى تعرف أكثر بشأن تأثير الفيروس.

ويتعيّن على الكثير من الشركات التي تعتمد على الصناعة الصينية أن
تُقدِّم طلباتها قريباً، من أجل أن تصير منتجاتها جاهزةً في موسم ذروة التسوق.

ولندرس مثلاً حالة مُؤسِّسَة شركة OMG
Accessories في
نيويورك آن هاربر، التي تبيع الحقائب وحقائب الظهر لمتاجر مثل: Macy’s Inc وNordstrom
Inc وDillard’s Inc وTJ Maxx وBurlington
Stores Inc. فقبل
انطلاق احتفالات رأس السنة القمرية، عملت على تأمين الطلبات مع مُورِّدها بالقرب
من غوانزو لتضمن حصولها على الأولوية بعد انتهاء العطلة. إذ يُريد العملاء
المنتجات جاهزةً بحلول مايو/أيار أو يونيو/حزيران، من أجل موسم العودة إلى
المدارس، حين يبيع بعض العملاء 80 ألف حقيبة في الأسبوع الواحد. ما يعني أن شركة OMG تُحاول ملء مستودعها
بحلول أبريل/نيسان.

وقالت آن: «إنّ تسليم تلك الطلبات مُهمٌ للغاية من أجل استمرار
دورة حياة منتجنا. إذا تأخّرت في التسليم؛ سيكون الجميع قد اشتروا حقائبهم
المدرسية بالفعل».

وسيكون لتفشّي الفيروس تأثير واسع النطاق على صناعة التكنولوجيا، إذ
تستحوذ الصين على قرابة 21% من الإنفاق العالمي على أجهزة تكنولوجيا المعلومات بحسب ما كتبه مُحلّلو وكالة Bloomberg
الأمريكية في الـ29 من يناير/كانون الثاني
. وتمتلك أكبر شركات تصنيع الحواسيب الشخصية
ومُكوّناتها مقرات في الصين، ولا شكّ أنّ عرقلة المبيعات ستحُدُّ من الطلب على
نظام تشغيل Windows من شركة Microsoft.

تُستخدم أكثر من 50% من الرقائق الإلكترونية التي تُباع كل عام (470
مليار دولار سنوياً) داخل أجهزةٍ تُباع في الصين، أو تُشحَن إلى هناك لوضعها في
الأجهزة قبل بيعها في مُختلف أنحاء العالم.

وتمتلك شركة Apple مثلاً قرابة 10 آلاف مُوظّف مُباشر في الصين، وتمتلك سلسلة
توريدها بضعة ملايين من العاملين في تصنيع منتجات مثل آيباد، وآيفون، وساعات Apple الذكية. وتتهيّأ الشركة،
التي يقع مقرها الرئيسي في كوبيرتينو بولاية كاليفورنيا، لسيناريوهات صعبة مثل
فيروس كورونا من خلال ضمان حصولها على المُكوّنات الرئيسية من مصادر مُختلفة من
ناحية البائعين والموقع على حدٍ سواء، ولكن ليس من المحتمل أن تتأثّر خططها
الإنتاجية بشدةٍ على الفور، وفقاً لتصريحات مصدرٍ مُطّلع على عمليات الشركة
الأسبوع الجاري. ورغم ذلك، فإنّ غالبية أعمال تجميع منتجات الشركة تجري في الصين؛
لذا فإن نقص العمالة على خطوط التجميع سيكون له تأثيرٌ مُباشر على أعداد المنتجات
المشحونة.

وعلى الجانب الآخر من المُعادلة يُوجد المُصنّعون الصغار في الصين،
والذين تعتمد مصادر رزقهم على ثقة عملائهم. وأيّ تردُّدٍ من العملاء سيُسبِّب فوضى
لأشخاصٍ مثل كاش لوي، مُدير المبيعات في شركة Shenzhen
Kingston Sanitary Ware لصناعة مغاطس الجاكوزي.

إذ قال لوي، في رسالةٍ عبر تطبيق تراسل: «اختار بعض عملائنا
الانتظار ليروا ما سيحدث، وأوقفوا تقديم الطلبات بسبب المخاوف من فيروس كورونا.
لذا فسوف يفوتنا على الأرجح موسم الذروة بالنسبة للمبيعات إلى أوروبا في
مارس/آذار».

أضِف إلى ذلك تأثيرات انخفاض الاستهلاك والاستثمار وتوقُّف التصنيع،
والتأثير الناجم عن إضرار الفيروس بنمو إجمالي الناتج المحلي الصيني في الربع
الأول، لينخفض إلى 4.5% -وهو أقل مُعدّلٍ للبلاد منذ بدأ جمع البيانات الربع
السنوية عام 1992- وذلك بعد أن وصل مُعدّل النمو إلى 6% خلال الأشهر الثلاثة
الأخيرة من عام 2019 بحسب كبيرة اقتصاديي آسيا في وكالة Bloomberg تشانغ شو. إذ كتبت أن
هونغ كونغ ستشعر بأكبر التداعيات الثانوية، وتليها كوريا الجنوبية واليابان. وربما
يتراجع الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا واليابان بنسبة 0.2%، في حين قد تصل
النسبة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى 0.1% فقط.

ويُمكن النجاة من تلك التداعيات، فضلاً عن الحوافز المالي من بكين
تستطيع تخفيف آثار التراجع. ومن ناحيةٍ أخرى، تُشير التقديرات إلى احتواء الفيروس
داخل الصين. إذ كتبت الاقتصادية: «كلما طال تأثُّر إنتاج المصانع؛ زاد خطر
تقويض وضعية الصين المُهيمنة على سلاسل التوريد العالمية للأنشطة الإنتاجية في
أماكن أخرى».

يُعيد الفيروس الجديد إلى الأذهان مشاهد من ذروة الحرب التجارية مع الولايات
المتحدة العام الماضي داخل وخارج الحدود الصينية، حين سارعت الشركات العالمية إلى
العثور على بدائل لمُورّديها الصينيين من أجل تجنُّب التعريفات الجديدة.

وقال وزير التجارة الأمريكي ويلبور روس، لقناة Fox
Business
الأمريكية الأسبوع الجاري، إن تفشّي الفيروس ربما يُحفّز المزيد من الشركات على
نقل مصانعها إلى الولايات المتحدة والمكسيك. لكن الأمر الواضح هو أنّ الفيروس
يُضيف مستوى جديداً من التعقيد للشركات التي كانت قد بدأت للتو في تنفس الصعداء
عقب تهدئة التوتّرات التجارية.

وقالت ميليسا شو، مُديرة التصدير في مصنع قطع غيار السيارات الخاص
بشركة E.D. Opto Electrical Lighting Co في مدينة تشنجيانغ: «ربما يُمثّل تفشّي الفيروس ضربةً أكبر
بالنسبة لنا من الحرب التجارية الأمريكية-الصينية».

وأسهمت عقود العولمة في زيادة أريحية قادة الشركات الكبيرة عند
التعامل مع التحدّي اللوجستي المُتمثّل في نقل الموارد من مكانٍ لآخر، والاستجابة
بخفة للتحوّلات الجيوسياسية. لكن عام 2019 كان أصعب من أن يتعامل معه أحد، لذا
فإنّ فكرة التعاطي مع فيروس قاتل في عام 2020 ستُجبر رؤساء الشركات الأكثر
تمرُّساً على التفكير بتأنٍّ.

وقال إيمانويل شيريكو، الرئيس التنفيذي لشركة PVH Corp المالكة لعلامات Calvin
Klein وTommy
Hilfiger:
«بعد تفشي الفيروس، وفرض التعريفات من قبله، وما سبقها من احتجاجاتٍ في هونغ
كونغ بت أنتظر ظهور الجراد ليأكل الأخضر واليابس». وأضاف أن الوقت مُبكّرٌ
للغاية على تحديد مدى التأثير الذي سيُحدثه الفيروس على صناعة الملابس.

«الإجابة الصادقة هي أنه لا أحد يعلم شيئاً حتى الآن».

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى