تقارير وملفات إضافية

لماذا يطمئن الغرب للبرنامج النووي الإماراتي ويقلق من السعودي؟ نوايا المملكة تجاه اليورانيوم تغضبه

بدأ يثار في الغرب قلق من محاولة السعودية الحصول على سلاح نووي خاصة مع الإعلان عن اكتشاف منشأة سرية ضمن البرنامج النووي السعودي، مقابل رضا لافت عن البرنامج النووي الإماراتي.

فقد نشرت صحف كبرى مثل  The Wall Street Journal و The New York Times هذا الشهر تقارير كشفت فيها عن أن السعودية تعمل سراً مع الصين لتطوير منشآت صناعية تتمكن من خلالها من معالجة خام اليورانيوم المستخرج محلياً وتحويله إلى وقود نووي.

وقد وجهت ألمانيا بالفعل للسعوديين تحذيراً شديد اللهجة، وقالت وزارة الخارجية الألمانية في بيان صدر الأسبوع الماضي رداً على التقارير الأخيرة: “من الأهمية بمكان أن تمتثل السعودية امتثالاً كاملاً لالتزاماتها التي تقضي بها معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وأن يخضع برنامجها النووي لمعايير التحقق الدولية (“الضمانات”) التي تشترطها الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، وذلك بعد تقرير إخباري عن اكتشاف منشأة نووية سرية في شمال غرب السعودية.

ومن المؤكد أن الدول الصناعية الأخرى ستتخذ مواقف مماثلة، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.

وتعزز هذه المخاوف من أنه على مدار العقود الثلاثة الماضية، كثيراً ما أثارت تقارير إخبارية أو بيانات حكومية رسمية تكهناتٍ بشأن محاولة السعودية امتلاك أو تطوير أسلحة نووية. 

السعودية تريد الوقود النووي. الموقف الرسمي الذي عادةً ما تعلنه المملكة هو أن الشرق الأوسط بأكمله، ويشمل ذلك إيران وإسرائيل، يجب أن يكون منطقة خالية من الأسلحة النووية، ومع ذلك فإنها ترى أن الطاقة النووية المدنية هي مسألة أخرى. 

فالسعودية تعلن التزامها تطوير الطاقة النووية المدنية، لأن استهلاكها من النفط لتوليد الطاقة يقلل من كمية النفط المتاحة للتصدير. ورغم أن النفط المصدَّر يظل شريان الحياة للاقتصاد السعودي، فإن الحكومة على دراية تامة بالنماذج الإحصائية والتوقعات التي تشير إلى تجاوز الاستهلاك المحلي المتضخم للقدرة التصديرية قبل حلول منتصف القرن.

تُشغِّل المملكة منذ سنوات عديدة، وعلى نحو علني، مركزاً لأبحاث الطاقة النووية، يهدف جزئياً إلى تعزيز قدرة العلماء السعوديين على التعامل مع المواد المشعة وإتقان عملية تخصيب اليورانيوم. ويذكر “المشروع الوطني السعودي للطاقة الذرية” التابع للحكومة على موقعه على شبكة الإنترنت، أن “الوقود النووي يستخدم في توليد الكهرباء وتحلية المياه. وتمتلك السعودية موارد اليورانيوم التي يمكن استخدامها لإنتاج الوقود النووي لمفاعلات الطاقة الوطنية المستقبلية ولسوق اليورانيوم الدولي”.

يجادل السعوديون بأنه ليس من المنطقي شراء اليورانيوم المخصب من الولايات المتحدة أو دول أخرى، في حين أنهم يمكنهم استخدام خامهم الخاص بهم، وتوسيع اقتصادهم غير النفطي، من خلال تشغيل منشآتهم الخاصة لاستخراج خام اليورانيوم وتخصيبه.

من الناحية النظرية، يمكن بالطبع تطوير محطات طاقة نووية مدنية دون أي ارتباط بالأسلحة النووية، كما فعلت اليابان وكوريا الجنوبية ودول أخرى. 

ومع ذلك، فيما يتعلق بحالة السعودية، فقد تسبب مزيج من تطورات مريبة محتملة وتصريحات مندفعة تفتقر إلى التوازن تصدر من حين لآخر من كبار المسؤولين السعوديين، ومنها تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في إثارة مزيدٍ من الشكوك الدولية.

إذ سبق أن هدد بن سلمان بأن المملكة سوف تمتلك قنبلة نووية إذا حازت إيران على واحدة.

ربما المثال الأشهر هو عندما اكتشفت الولايات المتحدة بالصدفة في عام 1988 أن السعودية قد حصلت سراً من الصين على أسطول من الصواريخ الباليستية متوسطة المدى ذات القدرات النووية.
وبعدها بعقدٍ من الزمان، أجرى الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وزير الدفاع آنذاك، جولة نادرة لمنشآت الأسلحة النووية الباكستانية، ما أثار الشكوك حول صفقة يمكن للسعوديين من خلالها الحصول على أسلحة نووية مقابل تمويل برنامج الأسلحة الباكستاني، وإن لم تظهر أي أدلة ملموسة على أي ترتيب من هذا القبيل.

من الناحية العسكرية البحتة، فقد يتملك السعوديزن غوايةٌ ما في حيازة أسلحة نووية، ففي النهاية هم يعيشون في جوار خطير، تمتلك فيه إسرائيل أسلحة نووية، ولدى إيران برنامج قادر نظرياً على تطويرها. كما أن قواتها المسلحة التقليدية، وإن كانت جيدة التجهيز، فإنها لا تتمتع بخبرات قتالية كبيرة.

ومع ذلك، فإن الواقع يشير إلى أن العواقب السياسية والاقتصادية السلبية على السعودية إذا سارت في طريق الأسلحة النووية ستتجاوز بكثير أي مكاسب استراتيجية محتملة. إذ بصفتها طرفاً في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ستواجه المملكة عقوبات اقتصادية شديدة من الأمم المتحدة ومن عديد من الدول إذا انتهكت التزاماتها التي تقضي بها تلك المعاهدة.

علاوة على ذلك، فإن أي إشارة تدل على أن السعودية تسعى للحصول على أسلحة نووية ستنطوي على انتهاك لالتزامات طويلة الأمد تجاه الولايات المتحدة، وتضع حداً لوضعها المتميز في واشنطن. 

ففي عام 2008، وقعت وزيرة الخارجية الأمريكية، كونداليزا رايس، والأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية آنذاك، على “مذكرة تفاهم” بشأن تعاون نووي مدني يعلن “الالتزام المشترك من الطرفين بالحفاظ على أعلى معايير الحرص على عدم الانتشار النووي والسلامة والأمن”.

في تلك الوثيقة، أكد السعوديون عزمهم “الاعتماد على الأسواق الدولية المتوفرة حالياً للحصول على خدمات الوقود النووي كبديل لمتابعة التخصيب وإعادة المعالجة”، وفي المقابل، ستسمح لهم الولايات المتحدة بشراء أي كميات من اليورانيوم المخصب يحتاجون إليها للأغراض السلمية.

إلى جانب ذلك، تتفاوض السعودية والولايات المتحدة منذ سنوات حول اتفاقية تعاون نووي، تُعرف باسم “اتفاقية المادة 123” [مادة في قانون الولايات المتحدة للطاقة الذرية لعام 1954 وتنطوي اتفاقية للتعاون كشرطٍ أساسي للصفقات النووية بين الولايات المتحدة وأي دولة أخرى]، والتي من شأنها السماح بدخول هذا الترتيب حيز التنفيذ. وعند التوقيع على الاتفاقية، ستقوم الولايات المتحدة، كما وعدت في مذكرة التفاهم لعام 2009، ببيع اليورانيوم المخصب وتكنولوجيا المفاعلات وإمدادات وخدمات أخرى لبرنامج نووي مدني.

وقد طلبت الولايات المتحدة من السعوديين قبول ما يعرف بـ “نموذج أبوظبي” أو “المعيار الذهبي” لاتفاقية 123، مثل المتفق عليه مع الإمارات.

فقد وافقت الإمارات، التي بدأت أخيراً في إنشاء أول محطة للطاقة النووية فيها، على التخلي عن طرفي دورة الوقود النووي: لن تخصِّب الإمارات يورانيوم خاصاً بها ولن تعالج وقودها النووي المستهلك.

ومع ذلك، فإذا أصر السعوديون على التخصيب النووي، فمن المحتمل أن يُحرموا من إمكانية إبرام اتفاقية 123 مع الولايات المتحدة، ما يقتضي منهم الحصول على المعدات من مكان آخر، فرنسا ربما أو روسيا، التي بنت أول منشأة لإيران، أو الصين.

لكن أبعد من ذلك، إذا ظهر دليل واضح على أن السعودية لا تسعى فقط للحصول على القدرة على التخصيب، ولكن الحصول على أسلحة فعلية، فإن رد فعل الكونغرس سيكون عنيفاً للغاية، ربما لدرجة منع السعودية من شراء مزيد من الأسلحة الأمريكية. وفي ظل حكم أي رئيس آخر غير دونالد ترامب، ربما يُحرم السعوديون من الوصول إلى برامج التدريب الأمريكي التي شكلت قواتهم العسكرية والأمنية لما يقرب من نصف قرن.

في وقت من الأوقات، قال مساعد وزير الدفاع الأمريكي ريتشارد أرميتاج للسفير السعودي: “هذا هو قانون العواقب غير المقصودة. لقد وضعتم المملكة مباشرةً في دائرة الاستهداف الإسرائيلية… إذا ارتفع بالون واحد في أي مكان في الشرق الأوسط، فستكونون أول من يتلقى الضربة”.

ومن جهة أخرى، قال “معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي” في تحليل لتقارير صحيفة New York Times و Wall Street Journal الأخيرة: “لا يمكن لإسرائيل أن تظل غير مبالية بالتطورات النووية المتسارعة في السعودية”.

وفي “قمة الأمن النووي” التي عقدها أوباما في عام 2010، قال المندوب السعودي، الأمير مقرن بن عبدالعزيز، علانيةً، إنه “لا يمكن إرساء الأمن والاستقرار في أي منطقة من خلال مساعٍ لامتلاك أسلحة دمار شامل”، فهل ما زال السعوديون يؤمنون بذلك؟

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى