الأرشيفتحليلات أخبارية

ماكرون في الجزائر لترسيخ الانتداب!

بقلم الكاتب الجزائرى

فيصل عثمان
أخيرا، ماكرون في الجزائر” عنونت صحيفة جزائرية الهوية فرونكوفيلية الهوى قبل أيّام على صدر صفحتها الأولى، عبارة من أربع كلمات تختصر مأساة الشعب الجزائري برمّته، أربع كلمات وأربع عهدات رئاسية وأربعون هزيمة نفسية تلقّاها هذا الشعب، أربع كلمات لإنقاذ من قتلوا ربع مليون جزائري بعد 40 سنة من الاستقلال.
حين قرّر رئيس دولة العدو الفرنسي (ليس خطأ كتابيا) الترشّح للانتخابات الرئاسية في بلده اختار الجزائر لبداية حملته الرئاسية التي قابل في أثنائها أربع شخصيات معروفة بولائها الفكري والسياسي لفرنسا، استهلّ ماكرون إذ ذاك حملته بلقاء وزير الخارجية الجزائري حامي مصالح الدبلوماسية الفرنسية في إفريقيا، ثمّ وزيرة التربية نبيّة الانتداب وحاملة لوائه، السيدة بن غبريط الغنية عن كلّ تعريف لا يربطها بالمدرسة الاستعمارية ولا يذكّرها بأمجاد جدّها عميد مسجد باريس الأسبق نصير الامبراطوية الفرنسية ناشرة رسائل التمدين والحضارة في الجزائر كما كان يقول منتصف أربعينات القرن الماضي!
وقبل أن يعود ماكرون إلى بلده اطمأنّ على استثماراته في الحديقة الخلفية فالتقى رئيس منتدى رؤساء المؤسسات الاقتصادية ليوصيه بالشركات الفرنسية خيرا، وهكذا كان.
وختم ماكرون تلك الزيارة المشؤومة بلقاء الوزير الأوّل الذي ضمن له دعم النظام الوظيفي في الجزائر لسيادته، وهاهو الرئيس الفرنسي يقرّر العودة إلى الجزائر في ظرف استثنائي.
فالجزائر تشهد صراعا محتدما في أعلى هرم السلطة بين تيّارين أو تيّارات متقاتلة لم يعد التوافق بينها ممكنا، وإن كانت المعلومات شحيحة في هذا الصّدد إلّا أن المؤكّد أن ماكرون استجاب لنداء الاستغاثة الذي أطلقته طائفة أنصار “الجزائر الفرنسية” من بقايا الضباط العاملين في الجيش الفرنسي سابقا وكلّ مقرّبيهم المعروفين في الجزائر باسم حزب فرنسا، هؤلاء الذين ينحدرون من مدرسة كولونيالية واحدة ويشكّلون دولة موازية داخل الدولة الجزائرية منذ زمن الثورة وليس منذ الآن فقط.
طائفة الدولة العميقة ظلّت على مدار نصف قرن ماسكة بزمام القيادة، متوغّلة في الجيش والإدارة والاقتصاد والتربية والمخابرات تبيد كلّ من يحاول الوقوف في وجهها وأضحت اليوم على فوهة بركان بعد أن اشتدّ عود فئة من أبناء الشعب وارتفع صوتها مشيرا إلى أنّ مرحلة التسعينات كانت إبادة متعمّدة وليست إرهابا بالمفهوم الذي روّجه إعلام الدولة العميقة، والمصالحة الوطنية كانت إنقاذا لسدنة معبد الانتداب، والمرحلة البوتفليقية التفاف على وعي الشعب وتدمير لتاريخه وسطو على مآثره وتحطيم لكلّ مشروع نهضوي جديد، لكنّ الانتداب تلميذ غبيّ لم يعِ أنّ الصراع الحضاري مؤبّد وأن النصر للمؤمنين مؤكّد.
ولأنّ الوعي عدوّ الاحتلال يستغيث سدنة الانتداب بكبيرهم الذي علّمهم فنّ السيطرة على الشعوب بالزيف والاحتيال والتقية السياسية والباطنية الفكرية، إذْ لأوّل مرّت يخرج من أبناء الشعب من يبيّن لهم حقيقة الصّراع وطبيعته، ويخبرهم أنّ الفساد وليد الاستبداد والاستبداد ابن الانتداب والوصاية الأجنبية، وهذه الأخيرة أصل الدّاء والفساد عرَض وأحذق الأطباء الذي يستأصل الدّاء من جذوره، وقد صرخ الحاذقون أنْ:
لا تقطعنّ ذنب الأفعى وترسلها
إن كنت شهما أتبع رأسها الذّنبا
اكتشف الجزائريون أنّ رأس الأفعى في باريس والسمّ تنفثه طائفة الخونة أولي الباع في العمالة والنذالة مذ وطئت أقدام دي بورمون قائد الحملة الفرنسية هذه الأرض عام 1830، ولأنّ خبث النّسل من خبث الأصل تخفي فرنسا أرشيف الثورة الجزائرية وما قبلها كي لا يستبين الجزائريون من خذلهم وأعان عدوّهم عليهم، ويستمرّ أولاء وأولئك في محاولات اختطاف العقل وتسطيحه بمفاهيم التعاون الاقتصادي، والشراكة الندّية، وأكاذيب تجريم الاستعمار والاعتذار عنه للتغطية عن لبّ المشكلة الرئيس؛ مشكلة الانتداب وعملائه الأوفياء.
في كتابه المعنون “المعضلة الجزائرية الأزمة والحل” يقول الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي: “نؤمن بأنّ الصراع الحقيقي في الجزائر هو صراع حضاري بين الاتّجاه العربي الاسلامي  والاتجاه التغريبي الدّخيل كيفما كانت الأقنعة التي يتستّر خلفها”، وإن كان هذا التصريح مواربا وغير مباشر إلّا أنّه يؤكّد أنّنا بلغنا اليوم ذروة الصّراع الحضاري بين أنصار الجزائر المسلمة وأنصار الجزائر الفرنسية، تماما كما كان الحال إبّان مرحلة الاحتلال، الفارق فقط أنّ ذاك استعمارا استيطانيا مباشرا واحتلال اليوم بالوكالة، أي بتأمين نظام انتدابي وظيفي يؤدّي الدور الذي كان يؤدّيه الحاكم العام الفرنسي في السّابق، وقد غدا ذلك صار ملموسا مُعاشا لا يخطئه ذو بصيرة.
إنّ زيارة ماكرون اليوم تشبه زيارة الجنرال ديغول لمدينة قسنطينة سنة 1958 حين استبدل آنذاك استراتيجية الاستعمار ونمطه فمكّن لطابور “الحركى” منذ تلك اللحظة إلى اليوم، وها قد عاد إيمانويل ماكرون لإنقاذهم بعد أن شعروا بالخطر المحدق وصرخوا كما البغيّ إذ تحنّ لأيّام الرذيلة “Macron, enfin à Alger”، ماكرون في الجزائر كي ينجينا وينصرنا، ماكرون هنا كي ينتشلنا من مخالب الشعب… هكذا لسان حالهم.
ماكرون لأجل بقايا البشاغات والڨياد والزواف والصبايحية، وفي الجزائر أطلق الشباب حملة ضدّه تحت شعار #لا_لماكرون_في_الجزائر لإيقاظ الوعي وإعادة ضبط بوصلة الصراع لأنه هذه الأرض ليست للبيع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى