آخر الأخبارتحليلات

مستقبل السودان تحت المجهر حرب “عصابات في الخرطوم.. وكوميديا الأخطاء الدولية” !

تحليل الحرب فى السودان بقلم رئيس التحرير

سمير يوسف

رئيس منظمة “إعلاميون حول العالم”

سيطرة العسكر على الحكم فى منطقة “الشرق الأوسط” خطة غربية “السودان ومصر مثال”

فشل الرباعية بالسيطرة على قائد العسكر عبد الفتاح البرهان الطامح لكرسى الحكم البراق فى السودان و محمد حمدان دقلو الملقب بـ حميدتي سببا في المواجهة الحالية، فبلد كان قبل عدة سنوات على حافة تحول ديمقراطي طال انتظاره أصبح أمام حرب أهلية كارثية.!

توقف إمداد المياه والكهرباء تصل بشكل متقطع وتعاني المستشفيات من أزمة. وفي مدينة يسكنها 7 ملايين نسمة لا يوجد مخابز عاملة ولا إمدادات طعام ولا أسواق مفتوحة لأكثر من أسبوع. وأوقف برنامج الغذاء العالمي عملياته بعد مقتل 3 من موظفيه، وتم نهب مجمعات الإغاثة. إلا أن الخروج الأجنبي من السودان يعكس واقعا مظلما. ففي الوقت الذي سارعت فيه الولايات المتحدة والدول العربية والأوروبية لإنقاذ مواطنيها إلا أنها لم تقم إلا بجهد أقل لوقف القتال ومساعدة السودانيين.

وتتفق الدول الغربية وجيران السودان العرب والأفارقة وكذا الصين وروسيا على أن الحرب كارثة. والفشل في وقفها هو شجب للنظام الدولي المتعدد القطبية وبخاصة الرباعية التي من المفترض أنها تحرك المفاوضات.

موجة حر شديدة فى السودان مبكرة غير العادة وملتهبة بين حرب عصابات  وفرضت على أهله فصلاً جديداً من الصراع على السلطة. اعتقدا طرفا هذا الصراع أن الأمر يسير وسيتم حسمه سريعاً، لكن خابت الظنون، فماذا كانت النتيجة؟

الساعات تحولت إلى أيام، والأيام امتدت لأسابيع دون أن يقضي طرف على الطرف الآخر. فلا الجيش بقيادة البرهان تمكن من القضاء على الدعم السريع بقيادة حميدتي، ولا معسكر حميدتي تمكن من قتل البرهان أو اعتقاله كما كانوا يأملون.

بدأت مشاهد النزوح من الخرطوم العاصمة تتصدر المشهد، فالدول الكبرى إقليمياً ودولياً كثفت جهودها لإقناع الطرفين بالتوقف مؤقتاً عن القتال حتى تتمكن من إجلاء رعاياها، أي إنهم يتوقعون صراعاً ممتداً قد يتحول إلى حرب أهلية.

ماذا عن السودانيين ومن يحميهم من تلك النار المستعرة؟ من يجليهم إلى مناطق أكثر أمنا؟ الإجابة ليست جديدة واعتادها ذلك الشعب الذي لم يتوقف يوماً عن النضال من أجل وطن آمن وحياة أفضل: لا أحد!

في هذا التقرير نرصد المشهد الحالي في السودان بحسابات طرفيه التي أدت إلى انهيار الموقف أمنياً وسياسياً واقتصادياً، وسيناريوهات المستقبل في ظل حسابات القوى الخارجية وفرص الحل السياسي على المدى القصير واحتمالات الضياع التام على المدى البعيد.

لم يكن الصراع على الحكم مفاجئاً؟

استيقظ السودانيون الآمنون في الخرطوم، السبت 15 أبريل/نيسان 2023، على أصوات الرصاص وانفجارات القنابل وقذائف المدافع والصواريخ، لكن هذا المشهد المرعب لم يحدث فجأة أو دون مقدمات.

فالموقف بين الرجلين القويين المتنافسين على السلطة في البلاد: الجنرال عبد الفتاح البرهان، الحاكم الفعلي للبلاد وقائد القوات المسلحة السودانية، وتاجر الجمال محمد حمدان دقلو، المعروف على نطاق واسع باسم حميدتي، الذي يقود قوات الدعم السريع، كان متوتراً للغاية خلال الشهور السابقة على الانفجار.

كان البرهان وحميدتي حليفين في مواجهة القوى المدنية في البلاد منذ أن أطاحت ثورة شعبية بالرئيس السابق عمر البشير، الذي حكم البلاد لثلاثين عاماً بالحديد والنار وشهد حكمه حرباً أهلية انتهت بانفصال جنوب السودان، وتمرداً دموياً في دارفور كانت ميليشيات الدعم السريع واحدة من تداعياته.

خرج السودانيون إلى الشوارع بعد أن فاض بهم الكيل وتحملوا، لأكثر من 4 شهور متواصلة، الغاز المسيل للدموع والرصاص بأنواعه، وفقد المئات حياتهم وأصيب الآلاف، دون أن يخافوا أو يتراجعوا حتى أجبروا الجنرالات الأقوياء على التخلي عن البشير وعزله، وكان ذلك في أبريل/نيسان 2019.

ومنذ تلك اللحظة التي تم فيها عزل البشير حتى لحظة انطلاق الرصاصة الأولى في شوارع الخرطوم خلال الصراع الدموي الحالي، أي مدة 4 سنوات، تجمعت على السودانيين فصول المأساة التي يعانون منها وشارك في الإعداد لها، عن غير قصد على الأرجح، أطراف داخلية وخارجية، جمع بينها السعي لتحقيق مصالحها الخاصة، بأي طريقة وعلى حساب أياً كان.

وكان يوم 3 يونيو/حزيران أحد الأيام الدموية في تلك السنوات الأربع. داهمت قوات الأمن اعتصاماً للقوى المدنية أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم، وقتلت أكثر من 100 شخص، لتعرف المداهمة إعلامياً بوصف “مجزرة القيادة”، ووجهت القوى المدنية المعتصمة أصابع الاتهام لقوات الدعم السريع.

لم تفت المجزرة في عضد السودانيين الساعين إلى نظام حكم يحميهم ويحمي بلادهم الغنية بالثروات ويجعلهم يتطلعون لمستقبل أفضل، فاستمر الحراك والتظاهر حتى جاء يوم 17 أغسطس/آب 2019، ليشهد توقيع قوى الحرية والتغيير اتفاقاً لتقاسم السلطة مع الجيش خلال فترة انتقالية كان يفترض أن تؤدي إلى إجراء انتخابات، وتم تعيين عبد الله حمدوك الاقتصادي والمسؤول السابق في الأمم المتحدة على رأس الحكومة في وقت لاحق من الشهر.

كان من المفترض أن تكون تلك الأيام مفتاح الفرج وبداية الطريق نحو حكم مدني وديمقراطي، لكن القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة لم تحرك ساكناً، بل استغلت واشنطن الموقف لتحقيق مصالحها الخاصة. فساوم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وماطل الحكومة السودانية الساعية إلى رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، حتى رضخت الخرطوم لطلبات ترامب فوافقت على التطبيع مع إسرائيل ودفع تعويضات قيمتها أكثر 330 مليون دولار لأسر أمريكيين قتلوا في هجمات إرهابية وقعت قبل أكثر من ربع قرن واتهم نظام البشير في الضلوع فيها.

أضاف هذا الابتزاز والتجاهل عاملاً جديداً من عوامل الاضطراب إلى المشهد السوداني المضطرب أصلاً، لتخفت جذوة الأمل لدى المدنيين والشعب من ورائهم، بينما يقوي عسكر الجيش المدجج بالسلاح نفسه استعداداً للانقضاض على الحكم مرة أخرى مثلما حدث فى مصر .

وهكذا استيقظ السودانيون يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 على خبر القبض على حمدوك والعديد من القيادات المدنية في مداهمات قبل الفجر، وإعلان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان حل الحكومة المدنية وغيرها من الهيئات الانتقالية، لتعود الأمور إلى المربع الأول من تظاهرات واحتجاجات، ويعود حمدوك بعد نحو شهر بغرض “منع المزيد من إراقة الدماء وحماية الإصلاحات الاقتصادية”، بنص كلامه، لكنه يستقيل بعد أقل من شهرين مع استمرار الاحتجاجات.

نال الإنهاك من القوى المدنية بطبيعة الحال، وازدادت الأوضاع الاقتصادية سوءاً، لدرجة أنه في يوم 16 يونيو/حزيران 2022، أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن أكثر من ثلث سكان السودان يواجهون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي.

أما على الجانب الآخر، فقد بدأت رائحة الانقسام تفوح بقوة من معسكر الجنرالات. فالسودان، بسبب البشير وأخطائه القاتلة وعلى رأسها حميدتي وميليشيات الدعم السريع، أصبح يضم جيشين، وليس جيشاً واحداً كما هي طبيعة الأمور؛ جيشاً نظامياً بقيادة البرهان وآخر هو الدعم السريع بقيادة حميدتي، يسيطران معاً على 75% من اقتصاد البلاد وخيراتها، وبالتالي فالطمع في الانقضاض على السلطة لم يغادر أياً منهما منذ اللحظة الأولى لعزل البشير، كما اتضحت الصورة لاحقاً.

وعلى الرغم من توصل قوى الحرية والتغيير إلى اتفاق إطاري مع الجيش، يوم 5 ديسمبر/كانون الأول 2022، لبدء عملية جديدة للانتقال السياسي مدتها عامان وتعيين حكومة مدنية، إلا أن التوقيع على الاتفاق وتفاصيله الأخيرة تأجل أكثر من مرة. 

والسبب؟ الاختلاف حول وضع قوات الدعم السريع، التي أراد قائدها أن تمتد عملية دمجها في الجيش رسمياً فترة 10 سنوات تكون خلالها تحت قيادة رئيس الوزراء المدني، بينما أراد الجيش الطامح لحكم السودان ألا تمتد عملية الدمج لأكثر من عامين وأن تتبع تلك القوات قيادة الجيش منذ اللحظة الأولى لتوقيع الاتفاق.

اللافت هنا هو أن هذا الخلاف كان علنياً وتراه جميع الأطراف الخارجية التي تشرف على المفاوضات، ورغم ذلك لم يتحرك أحد منذ البداية لمنع وصول الأمور إلى الصدام المسلح. وكان آخر تلك المواعيد يوم 5 أبريل/نيسان 2023 حين كان من المفترض التوقيع على الاتفاق للمرة الثانية وهو ما لم يحدث.

شهدت تلك الفترة تحشيداً واضحاً من جانب قوات الدعم السريع، وقال الجيش يوم 13 أبريل/نيسان 2023 إن تعبئة قوات الدعم السريع تنطوي على خطر حدوث مواجهة. وبعد يومين فقط، اندلعت الاشتباكات بين الجانبين في الخرطوم ومدن أخرى.

وتتضارب الروايات من الجانبين بطبيعة الحال، فالجيش يقول إن قوات الدعم السريع هاجمت مقر إقامة البرهان، وهو ما أدى إلى اندلاع القتال، بينما تقول قوات الدعم إن الجيش هو من بدأ الهجوم على مقرات قواتها في الخرطوم.

رد فعل المجتمع الدولى كان المفاجأة الكبرى للعالم؟

إن رد فعل المجتمع الدولي هو الذي يعتبر مفاجأة. فتصريحات وزير خارجية أمريكا، أنتوني بلينكن، في الأيام الأولى لاندلاع الاشتباكات، كانت وردية تماماً وتوحي بأن الأمر لم يخرج عن السيطرة وأن الاتصالات التي يجريها مع نظرائه في المنطقة ومع طرفي الصراع سوف توقف القتال سريعاً ويعود الطرفان إلى طاولة المفاوضات.

أكد بلينكن وقتها أنه لا داعي إطلاقاً لإجلاء الرعايا الأمريكيين أو الأجانب، فهل كان كبير الدبلوماسية الأمريكية غائباً عن حقيقة المشهد لهذه الدرجة؟ على أية حال، ومع استمرار القتال لليوم العاشر، وفشل الهدنة 3 مرات، بدأت النغمة تتغير وسارعت أمريكا وباقي دول العالم لإجلاء رعاياها على وجه السرعة من السودان، في مؤشر يراه أغلب المراقبين “نذير شؤم”. وقال سليمان عوض، الأكاديمي السوداني الذي يسكن في منطقة بأم درمان تعرضت للقصف، لرويترز، إن “الإجلاء السريع للرعايا الغربيين يعني أن البلاد على شفا الانهيار”.

وهكذا أثارت عمليات الإجلاء للرعايا الأجانب الذعر أكثر بين السودانيين، فسارع القادرون منهم إلى النزوح، سواء داخلياً أو خارجياً. وبحسب مسؤولين في الأمم المتحدة، الثلاثاء 2 مايو/أيار، أجبرت الاشتباكات المستمرة 100 ألف سوداني على الفرار عبر الحدود.

وفي ظل استمرار القتال، الذي دخل أسبوعه الثالث دون أي بوادر على توقفه على المدى القصير، أصبحت الكارثة الإنسانية في السودان، على غرار ما شهده اليمن، احتمالاً قاتماً يلوح في الأفق بقوة.

إذ قال مسؤولون بالأمم المتحدة لرويترز إن منسق الإغاثة في حالات الطوارئ التابع للمنظمة مارتن غريفيث يعتزم زيارة السودان، وبات غريفيث اسماً معروفاً في المنطقة من خلال كارثة حرب اليمن.

برنامج الأغذية العالمي، الذي كان قد أعلن عن توقف مؤقت لأنشطته في البلاد عقب مقتل 3 من موظفيه في بداية الاشتباكات، ذكر أنه سيستأنف العمل في الأجزاء الأكثر أماناً في البلاد، بينما قال مايكل دانفورد المدير الإقليمي لبرنامج الأغذية العالمي لشرق إفريقيا: “الخطر هو أن هذه لن تكون أزمة سودانية فحسب، بل ستكون أزمة إقليمية”.

وقال دانفورد لرويترز إن بورتسودان، التي فر إليها الآلاف من الخرطوم سعياً للإجلاء من البلاد، هي نقطة دخول رئيسية للمساعدات بالنسبة للعديد من البلدان في المنطقة، وأضاف: “إذا لم نوقف القتال، إذا لم نوقفه الآن، سيكون التأثير على مجال العمليات الإنسانية هائلاً”.

وأصبحت بورتسودان نقطة تجمع للرعايا الأجانب وبعض السودانيين الهاربين من الجحيم، حيث يتم نقلهم بحراً إلى ميناء جدة السعودي كمحطة انتقالية للتوجه إلى بلادهم، بينما أصبح المعبر الحدودي بين السودان ومصر محطة رئيسية للنازحين برا، وسط تقارير عن تكدس شديد ومعاناة أشد انتظاراً للدخول إلى مصر، التي تنتظرها أياما أكثر صعوبة على ما يبدو.

أين يتجه الطمع في حكم  السودان؟

لا يُظهر قائدا الجيش وقوات الدعم السريع أي مؤشر على التراجع، رغم أن الواضح أن أياً منهما غير قادر على تحقيق نصر سريع، وهو موقف يثير المخاوف من نشوب صراع طويل الأمد قد يجتذب قوى خارجية.

فالجيش يمتلك ميزة كبرى تتمثل في سلاح الطيران والمدرعات، لكن هذه الميزة قابلها تحرك سريع من جانب الدعم السريع، حيث هجرت ميليشيات حميدتي قواعد تمركزها في الخرطوم وانتشرت في الأحياء السكنية، مما يجعل مهمة الطيران والمعدات الثقيلة شبه مستحيلة، فضرب الأحياء السكنية بالصواريخ وقذائف الدبابات قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة على قادة الجيش، وهذه التداعيات ليست غائبة عنهم بطبيعة الحال.

على الجانب الآخر يمتلك الدعم السريع ميزات متعددة، فحميدتي ورجاله يسيطرون على نحو 50% من الاقتصاد السوداني، مثل الذهب في منطقة جبل عامر وأراض زراعية شاسعة يتم تأجيرها لدول منها الإمارات لزراعتها وتصدير محصولها كنوع من الاستثمار، إضافة إلى مناجم تعدين وثروات أخرى.

وتسمح هذه الثروة الطائلة بتوفير الأموال اللازمة لتجنيد المزيد من السودانيين ضمن الدعم السريع، حيث تشير التقارير إلى الفارق الشاسع بين ما يتقاضاه العسكري في صفوفهم مقابل ما يتقاضاه العسكري في الجيش، وبالتالي فإن عامل الاقتصاد هام جداً في مسألة التجنيد واستقطاب حاملي السلاح.

كما تتميز قوات الدعم السريع بخفة الحركة والتسليح الجيد، مثل مضادات الطيران والمدرعات والأسلحة الخفيفة وأشهرها الكلاشينكوف. وسعت تلك الميليشيات خلال فترة الاشتبكات الأولى إلى السيطرة سريعاً على المطارات في الخرطوم والمدن الأخرى بهدف تحييد سلاح الطيران وإفقاد الجيش أحد أهم مميزاته، لكن فشلت تلك المحاولة على ما تشير إليه مسيرة الاشتباكات في الأسبوعين الأولين من الصراع.

ضياع كارفور وهى الهدف من الحرب التى ترعاها قوى دولية “مصر ،الإمارات ، إسرائيل”

انتهت على الأرجح فرصة الحسم السريع لصالح أي من الطرفين. وفي ظل عدم الثقة فيما يصدر عن أي منهما من بيانات حول مناطق السيطرة المطلقة لأيهما، خصوصاً في العاصمة الخرطوم، يبدو أن الأمور تسير في اتجاه لا يبشر بالخير، وهو تحول الاشتباكات الحالية إلى صراع ممتد يشمل جميع الأراضي السودانية.

ويبدو أن الجيش يقترب من حسم الأمور، ولو خلال أسابيع أو شهور ربما، في معركة الخرطوم، حسب ما يرشح من أنباء على لسان الفارين من الجحيم ومن خلال التقارير الميدانية. فالسيطرة على أغلب المطارات تدين للجيش، ويستهدف الطيران التعزيزات من قوات الدعم السريع القادمة إلى العاصمة؛ مما يشير إلى أن المتواجدين منهم داخل الخرطوم، إما يواجهون حصاراً وتوشك أسلحتهم على الاستنفاد، وإما يسعون إلى حسم الأمور والسيطرة على العاصمة.

الدخان الأسود يتصاعد فوق الخرطوم، وتستهدف ضربات جوية مناطق بحري بينما الاشتباكات في أم درمان إلى الغرب مستمرة وإن كانت بشكل متقطع. ويستخدم الجيش القوة الجوية ضد قوات الدعم السريع المتوغلة في مناطق سكنية بالخرطوم، مما ألحق أضراراً بأجزاء من العاصمة، كما تجدد الصراع في إقليم دارفور في أقصى غرب السودان.

وإذا ذُكرت دارفور ذُكر حميدتي بطبيعة الحال، فمن هناك نشأ ومن هناك بدأت حكايته. والبرهان أيضاً يرتبط بصورة أو بأخرى بالإقليم الذي عاش أهوالاً على مدى عقدين وساهم في تشكيل المشهد الحالي. وبالتالي يخشى سكان المنطقة من أن يؤدي القتال المستعر في الخرطوم، حيث بدأ، إلى إيقاظ الصراع في المنطقة الصحراوية مترامية الأطراف.

كان الصراع في دارفور قد اندلع في عام 2003 حينما وقفت مجموعة من المتمردين في وجه القوات الحكومية المدعومة من ميليشيات الجنجويد التي اشتهرت بامتطاء الخيل في أعمال عنف أدت إلى مقتل نحو 300 ألف شخص وتشريد الملايين.

ورغم اتفاقيات السلام العديدة، فإن الصراع مستمر منذ ذلك الوقت، كما تصاعدت حدة العنف على مدى العامين الماضيين. وسرعان ما امتد العنف الحالي إلى دارفور بعدما اندلعت المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الخرطوم.

اندلعت أعمال نهب وسلب وهجمات انتقامية عرقية واشتباكات بين الجيش والدعم السريع في مراكز تجمعات سكانية بأنحاء المنطقة التي تشتهر بالزراعة ويسكنها البدو وتعادل مساحة فرنسا تقريباً.

ساعدت جهود الوساطة المحلية على تهدئة الصراع في مدينتي نيالا والفاشر الرئيسيتين، لكن القصف والنهب استمرا في مدينة الجنينة، مما أشعر سكان دارفور بالخوف من انفجار كبير آخر للحرب. وقال أحمد قوجة، الصحفي والناشط الحقوقي في نيالا، لـ”رويترز”: “إذا استمر هذا وإذا قُتل قادة عسكريون ينتمون إلى قبائل ذات تأثير، فسوف تحدث فوضى وستكون هناك تعبئة قبلية”.

وتكتسب دارفور أهمية استراتيجية لطرفي الصراع المتحاربين في السودان وهما البرهان وحميدتي، إذ بنى الرجلان حياتهما المهنية في دارفور، حيث ارتقى البرهان بصفوف الجيش في أثناء القتال بدارفور، بينما بدأ حميدتي حياته العسكرية قائداً لإحدى الميليشيات التي قاتلت في معارك عدة لصالح الحكومة السودانية خلال الصراع في دارفور.

وبينما يحاول الجيش الآن طرد مقاتلي قوات الدعم السريع من مواقعهم في الخرطوم، فإن القوات شبه العسكرية، والتي أعلن البرهان حلها واعتبارها ميليشيات متمردة، يمكن أن تعود إلى جذورها بدارفور، في محاولة لإعادة ترتيب صفوفها والحصول على مزيد من التعزيزات.

في حالة حدوث السيناريو، ماذا يعني ذلك؟

يعني أن الجيش قد تمكن من السيطرة على الأوضاع في الخرطوم العاصمة وأن معركة العاصمة قد حُسمت، لكن الحرب الأهلية قد بدأت. مدير المجلس النرويجي للاجئين في السودان، ويل كارتر، قال لـ”رويترز”: “بغض النظر عن الطريقة التي تسير بها المعركة حالياً في الخرطوم، نتوقع صراعاً أكثر دموية الآن في منطقة دارفور ومزيداً من الجماعات المسلحة والأسلحة والأعمال القتالية”.

وماذا قد يحدث في تلك الحالة؟ انتقال الصراع إلى دارفور يعني أن المعسكر الذي خسر معركة الخرطوم؛ حميدتي وقواته، سيستميتون في معركة دارفور، ولديهم بالفعل إمكانيات هائلة هناك، مادية وبشرية وعلاقات خارجية، تمكنهم ربما من السعي إلى انفصال الإقليم عن السودان، فهل تقود دولة دارفور برئاسة حميدتي؟ لا أحد يمكنه التكهن إلى أين تتجه الأمور، خصوصا أن صراعاً ممتداً يعني بالضرورة استدعاء للتدخل الخارجي.

القوى الخارجية وصراع السودان

لكن القوى الخارجية مشتبكة مع الصراع في السودان بالفعل، ولكل أسبابه وأطماعه ومصالحه. فدارفور، على سبيل المثال هنا، تقع على حدود أربع دول، هي: ليبيا وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى وجنوب السودان، وتشهد الدول الأربع حالة من عدم الاستقرار بسبب نزاعات داخلية، بحسب تقرير لشبكة DW الألمانية.

وبشكل عام، فإن الموقف المعلن من القوى الدولية والإقليمية بأن ما يحدث في السودان هو شأن داخلي، وأن تلك القوى ترفع شعار الحياد، لا يمكن أخذه على محمل الجد. فتلك القوى لها مصالح متناقضة في السودان، وهو ما يدحض مزاعم الحيادية قولاً واحداً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى