تقارير وملفات إضافية

هل عاقب ناخبو النهضة الغنوشي على اعتداله، ولماذا قد يستفيد المرشح الرئاسي قيس سعيد من البرلمان المفكك؟

تونس تواجه شبح الفراغ الحكومي في ظل نتائج الانتخابات التشريعية التونسية، التي أجريت الأحد 6 أكتوبر/تشرين الأول، والتي لم تأتِ بأغلبية واضحة، بعد أن شهدت امتناعاً قوياً عن التصويت من قِبَل الناخبين.

والفائز الأكبر في الانتخابات التشريعية التونسية هو: العزوف عن التصويت، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة Libération الفرنسية.

فمن بين كل 10 ناخبين توجّه إلى صناديق الاقتراع يوم الأحد 6 أشخاص فقط؛ لتصل نسبة الإقبال إلى 58.7%. لكن اللافت أن معدل الإقبال على التصويت رغم الانتقاد الموجَّه له يمثل  ضعف ما كان عليه في الانتخابات التشريعية السابقة عام 2014 التي بلغت نسبة الإقبال عليها 31.6%. 

لماذا يعزف الناخبون عن التصويت؟

وبينما وجد التونسيون أنفسهم عالقين بين جولتَي الانتخابات الرئاسية، أعرضوا عن التصويت على المؤسسة الأهم في البلاد.

ويأتي ذلك في ظل اشتعال المنافسة على الرئاسة مع قرب انعقاد الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في 13 أكتوبر/تشرين الأول) بين نبيل القروي -المسجون على خلفية اتهامات بغسيل الأموال والتهرب الضريبي- وقيس سعيد، حسب ما يقول سليم خراط، المدير التنفيذي لمنظمة البوصلة غير الحكومية.

ويرجع سببٌ هذا العزوف؛ إلى الأداء الضعيف للبرلمان على مدار السنوات الخمس الماضي. ووفقاً لدراسة أجريناها، 76% من التونسيين لا يثقون بمسؤوليهم المُنتخَبين.                   

وبالنظر إلى النتائج الأولية لتصويت يوم الأحد -الذي ستظهر نتائجه الرسمية اليوم الأربعاء 9 أكتوبر/تشرين الأول- فلا يبدو أنَّ مجلس النواب سيبلي بلاءً أفضل من سابقه؛ لأنَّ النتائج لا تشير إلى حصول تكتل معين على أغلبية المقاعد. ويتصدر حزبان النتائج: النهضة الإسلامي المحافظ، وقلب تونس بزعامة رجل الأعمال الشعبوي نبيل القروي المسجون للتحقيق في شبهات فساد. 

ويزعُم كل من النهضة وقلب تونس أنه الفائز ويستعد للتفاوض حول تشكيل الحكومة.   

بموجب الدستور التونسي، يجب أن يُسنِد رئيس الجمهورية منصب رئيس الحكومة لمرشح الحزب أو الائتلاف الذي نال أكثر عدد مقاعد برلمانية. 

ووفقاً للمؤشرات الأولية، سيحصل كل من «قلب تونس» و «النهضة» على ما بين 33 و40 مقعداً مع تقدم طفيف لصالح الأخير، أي لا يزال كلاهما بعيداً عن حصيلة الـ109 مقاعد اللازمة للحصول على الأغلبية المطلقة.

 ومن ثم، ستظهر الحاجة لتشكيل تحالفات، وهو ما كان متوقعاً أيضاً إذا أُخِذ بنظام التمثيل النسبي، لكن تشتت الأصوات بين المرشحين يجعل المفاوضات صعبة للغاية. 

وخلف المرشحين المتصدرين التصويت، تأتي 5 تكتلات: ائتلاف (الكرامة) المتشدد بزعامة سيف الدين مخلوف، الذي اشتُهِر بمناصرته لمعظم التونسيين المشتبه بضلوعهم في الإرهاب؛ والحزب الدستوري الحر، الذي يشعر بالحنين لنظام بن علي القديم؛ وحزب التيار الديمقراطي؛ والجبهة الشعبية (حزب يساري يؤيد القومية العربية) وتحيا تونس (التيار الحداثي) بزعامة رئيس الوزراء الحالي يوسف الشاهد.     

ويمكن أن يتوجه حزب قلب تونس بزعامة نبيل القروي، المعارض بشدة للإسلاميين، إلى الحزب الدستوري الحر والتيار الديمقراطي وتحيا تونس لتشكيل ائتلاف أغلبية ومن ثم الفوز بتشكيل الحكومة. 

غير أنَّ القروي يكره يوسف الشاهد، ويعتبره مسؤولاً عن سجنه، وأنَّ التيار الديمقراطي يكافح بلا هوادة ضد الفساد (في حين يعتبر البعض زعيم قلب تونس نموذجاً لهذا الفساد). 

وفي ضوء مشاعر الكراهية هذه، نعيد التركيز على أنَّ حركة النهضة فقدت مليون صوت منذ عام 2011، التي انضم غالبية المنشقين عنها إلى الكرامة. 

وقال زياد كريشان، مؤسس صحيفة (المغرب) والخبير في الإسلام السياسي: «من الواضح أنَّ النهضة يدفع ثمن سعيه  للمكانة البارزة؛ مما تسبب في انقسام تيار الإسلام السياسي المتشدد وتوجه المنشقين إلى الكرامة».

ويظهر ذلك في الانتخابات الرئاسية التي منح فيها الناخبون قيس سعيد الذي تبنى مواقف أكثر محافظة من النهضة تجاه قضايا مثيرة للجدل مثل المثلية التي أعلن فيها النهضة مواقف أكثر تحررية بدأ أنها أثارت حفيظة قاعدته الانتخابية المحافظة.

ومن ثم، فمن المرجح أنَّ كلاً من قلب تونس والنهضة سيتوجهان إلى المرشحين المستقلين (وعددهم 60 مرشحاً) الذين ليس لديهم ملفات معروفة. 

لكن يبقى هناك احتمال بأن يشكل النهضة وقلب تونس ائتلافاً، على غرار ما حدث في 2014 حين توجهت حركة النداء التونسي التي حصدت أغلبية المقاعد وقتها (التي ينبثق عنها غالبية أعضاء قلب تونس) لحزب النهضة لتشكيل حكومة وحدة وطنية، بالرغم من أنَّ نداء تونس آنذاك ركزت في حملتها الانتخابية على مناهضة الإسلاميين. 

لكن هذا الاحتمال مستبعد؛ لأنَّ هذه «التركيبات» هي تحديداً ما قاطعها الناخبون، ومع ذلك فهو ليس مستحيلاً تماماً لدى طبقة سياسية بارعة في التعامل مع التحولات غير المتوقعة.

وفي مواجهة هذه الصعوبات، هناك سيناريو آخر مطروح؛ هو: الفوضى؛ إذ علَّق سليم خراط: «مع ملاحظة أنه يلزم، بديهياً، تشكيل ائتلاف من أربعة إلى خمسة أحزاب للحصول على الأغلبية؛ فليس من المستحيل أن ينتهي الأمر بالفشل في تشكيل حكومة». 

وهذا بالضبط ما يأمله مؤيدو قيس سعيد، الذين ينادون بوضع دستور جديد، وتحديداً برلماناً مُنتخَباً من المجالس المحلية. 

إذ تعهد خليل عباس، أحد مؤيدي قيس سعيد من التيار اليساري الليبرالي: «وفقاً للدستور، إذا لم تنَل الحكومة ثقة أغلبية مجلس النواب خلال أربعة أشهر، يجوز لرئيس الجمهورية حلّ المجلس [بموجب المادة 89]. 

قيس سعيد سيفعل ذلك. وعندها سيكون الأمر متروكاً لنا لفرض تغيير النظام. ومن خلال الشارع إذا لزم الأمر».                          

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى