ثقافة وادب

تشرب دماء ضحاياها للحصول على الشباب الدائم، ما هي حقيقة إليزابيت باثوري التي ألهمت كتاب أفلام الرعب؟

آكلة لحوم بشر، عديمة الرحمة، تشرب دماء ضحاياها العذراوات، ظناً منها أن ذلك سيمنحها الشباب الدائم، أُم أرملة،تتملك من المال والسلطة ما يكفي لإرهاب حاكم المجر الذي سعى لتشويه سمعتها بكافة الطرق، من هي إليزابيث باثوري؟

لا نعلم على وجه التحديد أياً من هذه السيناريوهات وقع فعلاً في بدايات القرن السابع عشر، لكن ما نعلمه يقيناً أن قصة الكونتيسة إليزابيث باثوري واحدة من أكثر القصص إثارة للاهتمام والجدل في آن واحد، سواء صدق كل ما قيل عنها أم صدق بعضه فقط.

 إليك كلَّ ما نعلمه عن «الكونتيسة دراكولا»، بحسب ما ورد في موقع All That’s Interesting.

بدأت قصة الكونتيسة إليزابيث في عام 1602، عندما كثرت الشائعات حول الفتيات القرويات اللواتي يختفين بعد أيام من توجههن للعمل في قلعة «كاشتيكا»، التي تسكنها الكونتيسة إليزابيث.

كانت إليزابيث سليلة عائلة مجرية نافذة ونجلة البارون جورج باثوري، وقد تزوجت من بطل الحرب المجري فيرينك ناداسدي، الذي أهداها تلك القلعة التي حيكت حولها العديد من الأساطير كهدية زفاف.

وعندما تولى ناداسدي قيادة الجيش المجري وانطلق في حملةٍ عسكرية ضد الإمبراطورية العثمانية، ترك زوجته مسؤولة عن ممتلكات هائلة، وعن حكم السكان المحليين، لتبدأ بعدها سلسلة من الأقاويل حول تعذيب إليزابيث لخادماتها بصورة وحشية، لاسيما بعد وفاة زوجها في الحرب.

بحسب الشهود، بدأت إليزابيث في قتل ضحاياها منذ تاريخ وفاة زوجها في العام 1604، وقد كانت تستهدف في البداية الفتيات الفقراء اللاتي أغرتهن ليأتوا من أجل العمل في القلعة.

وقال الشهود إنَّ إليزابيث وسَّعت نشاطها سريعاً، وبدأت في قتل بنات النبلاء اللاتي كُن يُرسَلن إلى كاشتيكا من أجل التعليم، وكانت تعمد إلى اختطاف الفتيات اللاتي لا يقبلن المجيء إلى القلعة من تلقاء أنفسهن.

وبحسب التقارير والقصص التي رُوِيَت عنها، كانت إليزابيث تعتمد طرقاً وحشية في تعذيب ضحاياها، إذ كانت تحرقهن بالحديد الساخن، وتضربهن بالهراوات حتى الموت، وتغرز الإبر أسفل أظافرهن، وتصُب الماء المُثلّج على أجسادهن قبل أن تتركهن في العراء ليتجمّدن حتى الموت.

كما كانت بحسب ما قال الشهود تغطّي ضحاياها بالعسل حتى تقتات الحشرات على جلدهن المكشوف، وتخيط شفاههن العلوية مع السفلية، وتقضم قطع لحمٍ من صدورهن ووجوههن.

علاوةً على ذلك، قال الشهود إنَّ إليزابيث كانت تُحب استخدام المقص لتعذيب ضحاياها، إذ كانت تستخدمه لقطع أيديهن، وأنوفهن، وأعضائهن التناسلية.

وأضافوا أنّ وسيلة تسليتها المفضلة كانت استخدام المقص لقطع الجلد الموجود بين أصابع الضحايا.

كما تدوال الناس تلك القصص الرهيبة عن الكونتيسة، التي سرعان ما اكتسبت لقب «الكونتيسة دراكولا»، حيكت عنها أيضاً العديد من الأساطير والأقاويل الخارقة للطبيعة.

فقد قيل عنها إنها تأكل لحوم البشر، وإنها مصاصة دماء تشرب من دماء ضحاياها للحصول على الشباب الدائم، كما كانت تستحم بدماء الفتيات صغيرات السن.

وذهب آخرون إلى أبعد من ذلك، بأن زعموا أنهم رأوها تمارس الجنس مع الشيطان ذاته.

كل تلك الأساطير جعلت من الكونتيسة مادة ملهمة لقصص وأفلام الرعب في يومنا هذا، فصدر عدد من الأفلام المستوحاة من قصتها، مثل فيلم Stay Alive وفيلم The Countess.

استطاعت إليزابيث الإفلات من القانون بسبب ثروتها وسلطتها لمدة ست سنوات، اختفت خلالها العديد من الفتيات القرويات والنبيلات على حد سواء، بحسب ما قال الشهود، لكن وُجهت إليها في النهاية تهمة قتل 80 فتاة وأرسل الملك المجري ماثياس الثاني أعلى ممثليه رتبةً وهو جورجي ثورزو، من أجل التحقيق في الشكاوى المُقدّمة ضدها.

جمع ثورزو أدلةً من قرابة الـ300 شاهد، وهو ما مهَّد الطريق أمام تهمٍ مُرعبة بحق الكونتيسة.

وقد زعم أحد الشهود أنّه اطّلع على مذكراتٍ كتبتها إليزابيث بنفسها، وفيها دوّنت أسماء كافة ضحاياها الذين وصل إجمالي عددهم إلى 650 ضحية.

ولكن يبدو أنَّ هذه المذكرات هي مُجرد أسطورة، إذ لم يعثر عليها أحد.

وحين انتهت المحاكمة أُدين شركاء إليزابيث بممارسة السحر وأُعدِموا حرقاً، ومنهم مرضعة أطفال الكونتيسة.

واحتُجِزَت إليزابيث نفسها داخل غرفتها بكاشتيكا، حيث ظلّت قيد الإقامة الجبرية لمدة أربع سنوات حتى وفاتها عام 1614.

هناك العديد من النظريات حول قسوة إليزابيث، فالبعض عزاها إلى أنها عقد سادية نشأت لدى باثوري بسبب عائلتها التي علّمتها القسوة.

فقد ذكرت بعض المصادر أن أفراد أسرة باثوري كانوا يمارسون التعذيب أمام ابنتهم، وذهب البعض إلى القول إنهم كانوا متورطين بأعمال السحر، إلا أنه لا توجد أي أدلة على تلك الادعاءات.

كما يذكر البعض أن الكونتيسة أحبّت شاباً هجرها من أجل فتاة جميلة وأصغر سناً، فراحت تشرب من دماء الجميلات بحثاً عن الشباب الدائم، وهذه قصة أخرى ليست مدعمة بمصادر موثوقة.

لكن في كل الأحوال صنفت إليزابيث باثوري من قبل موسوعة غينيس للأرقام القياسية باعتبارها أكثر القاتلات غزارة في التاريخ.

بالرغم من أن الشهادات ضد باثوري قد جُمعت من قرابة 300 شخص، فإن قضيتها ليست واضحة تماماً.

إذ يقول بعض الباحثين المجريين إنّ تلك الأقاويل ما هي إلا شائعات انتشرت لأسباب سياسية، فقد تبين أنّ الملك ماثياس الثاني كان مديناً لزوج إليزابيث الراحل -وإليزابيث من بعده- بدينٍ كبير.

ولم يكُن ماثياس ينتوي سداد ذلك الدين، لذا يقول المؤرخون إنّ تلك المسألة هي التي حرّكته على الأرجح، لمحاولة إدانة الكونتيسة وحرمانها من فرصة الدفاع عن نفسها في المحكمة.

ويقول بعض المؤرخين إنَّ الشهود قدَّموا شهادات تُدينها -رغم تناقضها- على الأرجح بالإكراه، وإنَّ الملك دعا إلى توقيع عقوبة الإعدام عليها قبل أن تتدخل عائلتها للوقوف في صفها.

وهي خطوةٌ أخرى لها دوافع سياسية أيضاً، لأنّ عقوبة الإعدام تعني أنّ الملك سيُصادر أرضها.

يُرجِّح المُؤرّخون أنّ القصة الحقيقية لإليزابيث باثوري كانت على النحو التالي: كانت الكونتيسة تمتلك أرضاً مهمةً استراتيجياً، وبصفتها امرأةً ذكية وقوية تحكم من دون رجلٍ إلى جوارها، وسليلة عائلةٍ تُرهِب الملك بثروتها؛ سعى بلاطه إلى تشويه سمعتها وتدميرها.

مع ذلك، نحن لا نعلم اليوم بشكل قاطع إن كانت هذه هي القصة الحقيقية أم لا، فأفضل السيناريوهات فيما يخص قصة إليزابيث أنها كانت تُسيء إلى خدمها، لكن ليس بالقدر الوحشي الذي زعم أثناء محاكمتها، وأن تلك القصص لم تكن إلا ذريعة للتخلص منها.

في حين أنَّ أسوأ السيناريوهات ينصُّ على أنّها كانت فعلاً بتلك الوحشية التي جعلت الناس يتخيلونها كشيطانة تشرب الدماء، أُرسِلَت من الجحيم لقتل العذارى.

وفي الحالتين، تظل القصة رائعة، حتى وإن كانت إحداهما حقيقية والأخرى مزيفة.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى