الأرشيفتقارير وملفات
أهالى سيناء ابحثوا عن وطن آخر .. كيف دمر الجيش المصري رفح؟
“Look for Another Homeland” | Human Rights Watch


“Look for Another Homeland”
Forced Evictions in Egypt’s Rafah
العنوان أعلاه استخدمته نصًا منظمة هيومان رايتس ووتش أهم منظمة لمراقبة حقوق الإنسان وأنشطة الحكومات في العالم. المنظمة غير الربحية وغير الحكومية أصدرت تقريرًا بالأمس مكون من أربع وثمانين صفحة موثقة تشرح فيه كيف قام الجيش المصري بواحدة من أكبر عمليات التهجير القسري لآلاف من عائلات مدينة “رفح” المصرية في شمال سيناء والمتاخمة للحدود المصرية الفلسطينية بهدف إنشاء منطقة عازلة على الحدود ضمن خطة محكمة، خطة لم تكن وليدة اللحظة أو التهديدات التي يؤكد على وجودها يوميًا الرئيس المصري الجنرال “عبد الفتاح السيسي” وإنما هي من عهد الرئيس المخلوع (محمد حسني مبارك)، خطة ومنطقة عازلة كانا يراد لهما التنفيذ بضغط أمريكي إسرائيلي منذ سنوات حتى أصبحا حقيقة الآن بفضل النظام المصري الجديد.
اعتمد التقرير على معلومات تم أخذها عن طريق عدد من الصحفيين والناشطين من سيناء، وتحدثت المنظمة أيضًا مع 11 عائلة مصرية من المطرودين والمهجرين قسرًا من المنطقة العازلة مع تحليل شامل لخمسين صورة التقطتها الأقمار الصناعية فوق سماء رفح مسلسلة زمنيًا في الفترة بين 11 مارس 2013 و15 أغسطس 2015، وفي هذا التقرير المعلوماتي سنحاول تقديم ملخص لنقاط التقرير البحثي الرئيسية للمنظمة وأهم الأرقام والمعلومات التي وردت فيه.
1- الأرض الخراب!
أريد أن أصرخ أمام الكاميرا ليرى العالم ما لحق بنا من انتهاكات إنسانية وتهجير قسري، ولكن سينتظرني فورًا الاعتقال إن لم يكن القتل)، أحد سكان المرحلة الثالثة من عمليات التهجير القسري
بعد عزل الرئيس السابق (محمد مرسي) عن طريق القوات المسلحة المصرية في الثالث من يوليو لعام 2013 وفي ذروة التوتر المجتمعي والسياسي المصري قام الجيش المصري بأوامر واضحة من الأمانة العامة للقوات المسلحة ببدء عملية نوعية للتمهيد لإقامة منطقة عازلة بالتدريج على الحدود المصرية الفلسطينية بدعوى هدم الأنفاق التي تكمن تحت منازل أهالي (رفح المصرية) وهي الدعاوي التي نفاها أهالي المدينة بإصرار شديد ولم يثبتها الجيش، وإنما استمر بالقوة الجبرية في هدم المنازل وتهجير السكان المصريين والبداية كانت بخمسة عشر منزلًا على الأقل على الحدود مما تبعه مظاهرات قام بها المئات احتجاجًا على الهدم، قوة جبرية قال عنها الشيخ إبراهيم المنيعي – رئيس اتحاد قبائل سيناء – إنها عملية في غاية الخطورة والهمجية وأن الجيش يفجر المنازل بلا فترة تحذير كافية وينسفها فوق ممتلكات ومتاع الأهالي بلا تعويضهم بأي شيء (حسبما قال).
في الفترة من يوليو 2013 إلى أغسطس 2015 وعلى مدار أكثر من عامين هدمت القوات المسلحة المصرية 3255 مبنىً على الأقل تنوعت بين مبان سكنية وتجارية وإدارية ومجتمعية (مدارس ووحدات صحية) وطردت بالقوة عدة آلاف من المصريين القاطنين في “رفح المصرية”، عملية تمت على ثلاث مراحل وتم فيها تدمير 685 هكتار من الأراضي الزراعية الخصبة (ما يوازي 1692 فدان تقريبًا)، والأسر التي هُجرت أصبح عدد لا بأس بها بلا مأوى بعد نسف منازلهم التي توارثوها أجيالًا عن أجيال، والبعض الآخر في خيام أو أكواخ أو في أراض مفتوحة مع تفرق آخرين بين مدن سيناء وقبائلها أو إلى القاهرة والدلتا.
يمكن فصل ما حدث في شمال سيناء (ورفح المصرية بالأخص) إلى فترتين زمنيتين، ما قبل عملية تنظيم (أنصار بيت المقدس) الكبرى الأولى ضد الجيش المصري وما بعدها، ففي الرابع والعشرين من أكتوبر لعام 2014 قام التنظيم بتنفيذ هجوم انتحاري قُتل فيه 26 جنديًا بالإضافة إلى ثلاثة آخرين في هجوم متزامن لترتفع الحصيلة لـ 29 جنديًا بالإضافة إلى عدد مماثل من المصابين، بعد العملية أصدر رئيس الوزراء المصري إبراهيم محلب مرسومًا بعزل وإخلاء مساحة طولية تقدر بـ 79 كيلو مترًا مربعًا على الحدود مع عمق بين 5:7 كيلو مترات للداخل السيناوي، منطقة يسكنها 78 ألف مصري هم أهالي رفح المصرية، بعد المرسوم صرح اللواء أركان حرب عبد الفتاح حرحور محافظ شمال سيناء أن القوات المسلحة هدمت 122 منزلًا فقط، رقم نفته هيومان رايتس بتحليلها لصور الأقمار الصناعية في الفترة الزمنية المحددة لتجد أن الجيش نسف 540 منزلًا في الفترة ما بين الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي وبين إصدار المرسوم وهو ما يمثل أربعة أضعاف الرقم الرسمي المصري بلا أي داع، أما ما بعد العملية فقد نسف الجيش المصري 2715 منزلًا، عدد بالغ الضخامة قد يبدو مبررًا في إطار مصطلح (الحرب على الإرهاب) لكن المنظمة ستبين خطأ ذلك مباشرة!
2- مخالفة القوانين الدولية والإنسانية
أنت ضابط جيش، هل تتصور أنني لا أستطيع أن أذهب لرفح وأحاصرها وأخرج السكان منها ثم أفجر المباني الموجودة فيها؟! بالطبع نستطيع، لكننا بذلك نشكل عدوًا ضد مصر، والأمن يكون بالتواجد لا بالقتال، هؤلاء أهلنا، وحينها يمكننا أن نستدعي حالة انفصال جنوب السودان حيث كانت المعالجة أمنية فقط. *الفريق أول: عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع أثناء لقاء مع ضباط الجيش المصري في ديسمبر 2012.
يواصل تقرير “هيومان رايتس” تأكيده على أن العمليات الانتحارية – المتصاعدة منذ أكتوبر 2014 – ضد قوات الجيش المصري المتواجدة في شمال سيناء والتي نفذها تنظيم “أنصار بيت المقدس” ربما وفرت الذريعة المناسبة لإقامة المنطقة العازلة بالكامل لكن هذا غير صحيح، وفقًا للمنظمة، فالأنظمة المصرية المتعاقبة أعدت لسنوات خطوات وسيطة لإقامتها.
في 2007 واستجابة للضغوط الأمريكية الإسرائيلية قام نظام “حسني مبارك” بالبدء في إنشاء حزام عازل بعمق 150 مترًا على حدود رفح كمرحلة أولى لكن المظاهرات حينها أفشلت المشروع قبل أن يبدأ، ثم عاد النظام بعدها بعامين ليبدأ بناء جدار فولاذي بعمق 18 متر تحت الأرض على الحدود لغلق الأنفاق وهي المحاولة التي لم يكتب لها النجاح.
في 2012 وتحت حكم الرئيس المعزول “محمد مرسي” تم تجديد الفكرة عن طريق وزير الدفاع “عبد الفتاح السيسي” الذي أمر بضم أرض مصرية مساحتها تمتد لخمسة كيلومترات داخل غزة إلى ملكية الجيش المصري وإعلانها (منطقة استراتيجية ذات أهمية عسكرية)، بعد عامين وعند صدور مرسوم محلب ستطابق مساحة الأرض المطلوب إخلاؤها وعزلها في المرسوم المساحة التي استحوذ عليها الجيش المصري بقرار السيسي وهو التطابق المثير للكثير من التساؤلات!
تصريحات المسؤولين المصريين قبل وبعد صدور مرسوم رئيس الوزراء في العام الماضي كانت متضاربة، فاللواء أركان حرب “عبد الفتاح حرحور” قال قبل صدوره إن الجيش سيخلي مساحة 500 متر مربع فقط من المدينة، ثم في 17 نوفمبر للعام الماضي صرح الجيش أن العزل سيمتد لكيلو متر مربع كامل، ثم في يناير من هذا العام صرح “حرحور” أن العزل ربما سيعني طرد سكان رفح المصرية وإخلاءها بالكامل، ثم في أغسطس الماضي قال المحافظ أنه تمت زيادة المساحة لكيلو متر مربع ونصف مما يعني على الأرجح تدمير 1200 منزل آخر، وتحليل هيومان رايتس لصور الأقمار الصناعية أثبت أن الهدم توسع لخارج المنطقة التي صرح بها المسؤولون المصريون وهي “500 متر مربع”قبل صدور مرسوم رئيس الوزراء بعام كامل!