كتاب وادباء

زكريات فى زمن الطفولة وتصور الإسلام فى عقول الصغار من أبناء القرية : الحلقة الأولى

بقلم الكاتب الروائى
محمد عبد الله زين الدين
كنت صغيرا جدا حوالي  أربع سنوات حين جاء أبي يزف إلينا البشارة بترقيته في العمل في وزارة الزراعة كمدير في بلدة صغيرة إسمها بني مزار أعتقد انها تبع مديرية المنيا وجاءت الترقية على عجل وأتذكر أيضا أننا كنا نحزم الأمتعة بخفة وسرعة حتى يتثنى لنا أن نلحق بالقطار إلى الصعيد وأنا الآن اتذكر منظر القضبان اللامعة الموازية لبعضها وكأنها أمامي وأتذكر رهط من أبناء الجنوب كانوا يركبون الدرجة الثالثة معنا ويداعبونني أمام أبي وأمي وهم يبتسمون إنها ذكريات عبرت أفق خيالي .
حقيقي فعلا هي بارقًا يلمع في جنح الليالي فالبيئة التي عشتها ذات رائحة ممزوجة بدخان الحطب المثير والمخبوزات الشهية أتذكر الآن أم محمد العجوز وهي تصرخ مني فأنا خير من يطارد ديكتها في عشة الفراخ الخاصة بها وحينما أدخل تصبح الحظيرة كلها في حالة إستنفار أمني و طوارئ مما يزيد من الجلبة و صياح الديكة والفراريج وأصوات الرفرفة والحركة من فعل مني ورد الفعل ممن في الحظيرة وأنا أجري بأقصى سرعة وراء الجميع بلا هوادة أو رحمة فيالها من أيام جميلة أتذكر فيها مكان الجرن والنورج الذي ركبته مرات عديدة وسيارات النقل الذاهبة الى مصر والتي تعلقت بمؤخرة إحداها كي أذهب إلى مصر ولولا ستر الله كانت  الأسرة فقدتنى وأتذكر نباح كلب الجيران والحاوي الذي أوهمنا أنه قتل طفلا أمامنا ثم بعد ذلك جعله يهب واقفا بعد ذلك وماذلت أتذكر مكتب التموين في الدور العلوي لبيت الأستاذ محمد البغدادي وأنا المح مفتشي التموين وهم يركبون السيارة الجيب ورائحة البنزين النفاذة التى ماذالت في أنفي إلى الآن .
ومن ذكرياتى الجميلة أنه فى بداية سنة 1960 وبعدها بحوالي سنتين دخلت مدرسة أودة باشا بشبرا مصر فى صف أولى ابتدائي هنا إختلف المشهد تماما حيث الحياة المدنية فصوت المؤذن في بني مزار أسمعه     كصوت خافت جميل النبرات يلاطف الاذن بطبقاته اللحنية إذ لم يكن معه مايكروفون ومع العودة حرمنا من ذلك الصوت الممتع الذي يبعث  الطمأنينة في سائر الجسد ويجعل النوم يزحف الى جفون العين التي يملؤها الكري إلى رحلة الأحلام السعيدة وقت العشاء  فى كل يوم إنها    الشفافية المطلقة  وهدوء البال  إنه رتم الحياة البطئ  فكل صنعة متقنة لا إجبار عليها لوجود وفرة في الصحة والموارد ورفعة فى الأخلاق    وذكريات جميلة كان الدين فيها هو رمز الحياة وليس رمزا للموت .
   جامع الحاج محمود الشهير بشارع شيكولاني شبرا مصر ياله من خيال جميل اأنعم به أحيانا للهروب من صروف الدهر وأتمثل تفاصيله الدقيقة وأتصور أي حدث يمر بي أو أي قصة أسمعها وكأنها تحدث بين حرم جدرانه العتيقة .
وبين المغرب والعشاء الحديث المقدس اليومي والشيخ الجليل على مرتفع منا ونحن جلوس حوله على الأرض نستمع ونستمتع بالسيرة النبوية المطهرة التى كنت أسمعها وأتمثل أنها تحدث في هذا المكان الرائع وتاريخ الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم وصحابته الأجلاء يحدث حولنا في نفس التوقيت وأنظر إلى الصحابة فأراهم في وجوه الجالسين وكأنهم هم فعلا الصحابة حتى الرسول صلى الله عليه وسلم قد إستوحيت وجهه من بعض المحيطين الصالحين معنا ولم أدري أنه لا يصح أن افعل هذا أم لا فأنا لم أكن أفكر بهذه الحيثية ففى وقتها كنت صبيا صغيرا لا يألوا جهدا في كشف الحقيقة وسبر غور الأحداث وتمثلها واللحاق بأحداثها الشيقة في أول الدعوة وفي الهجرة وفي الغزوات وفي فتح مكة كما لم أستطع أن أَحِدَّ من فضولي كطالب معرفة هذا الشخص كان داخلي وإلى الآن وقد حدث كل هذا بالفعل وسط الحضور الذين يستمعون الدرس كل يوم لقد أحدثوا دون أن يقصدوا إسقاطا من طبائعهم إلى الأحداث التي كنا نستمع إليها في تشوق ونهم وكان للشيخ الجليل نصيبا لا نقصان فيه في إثراء هذه المشاعر المثيرة التي تربيت عليها وهي جزء من تكوين من هم في مثل حالتي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى