دنيا ودينكتاب وادباء

3 – الإنسان : حقوق وحريات . . الأمن الشخصي واحترام خصوصيات الإنسان بين الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية

3 – الإنسان : حقوق وحريات

بقلم الكاتب

محمد أبوغدير k

 محمد أبوغدير المحامي

. . . . . . .  الأمن الشخصي واحترام خصوصيات الإنسان بين الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية

إذا غاب الأمن أو انتزع لم يأمن الناس على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم وحرياتهم ، وقد امتلأت قلوبهم خوفاّ وذُعراّ ، وعاشوا في قلقٍ واضطراب ، فلا يجدون السعادة في جاه ولا مال ، ولا يتلذذون بطعام ولا بشراب ولا يهنئون بمنامٍ ، ولا يخشعون في صلاة وقد لا يتلذذون بطاعة ، فالأمن نعمة لا يشعُر بها ولا يدرك قيمتها إلا من حرم منها ، ومن ثم فالحياة بلا أمن لا تساوي شيء .

المحامى

مفهوم الأمن:

الأمن لغةً: هو الإيمان ، والأمانة الطمأنينة.الأمْنُ والآمِن: والأمن ضد الخوف ، الأمان والأمانة بمعنى، وقد أَمِنْتُ فأنا أمِن، وآمنت غيري من الأمن والأمان. والأمانة ضد الخيانة.

الأمن اصطلاحا: هو حالة شعورية من الرضا النفسي الذي تسود الفرد أو الجماعة الناشئة عن ضمان حقوق وحريات الفرد أو الجماعة في المجتمع المحلي أو الدولي ، ومؤدى هذا التعريف أن الأمن أنواع : أمن فردي أو شخصي ، وأمن عام ، وأمن وطني ، وأمن إقليمي وأمن دولي .

وتنحصر هذه السطور على الأمن الفردي أو الشخصي الذي يتناول جوانب تأمين وحماية نفس الإنسان من الترويع أو التخويف ، وجسده من التعذيب ، وحريته من التوقيف أو الاعتقال ، وحياته من القتل ، وحماية خصوصياته فلا يقتحم مسكنه أحد ولا يدخله إلا بإذنه ، ولا يتجسس عليه أحد .

وقد أقرت الشريعة الإسلامية والاتفاقيات الدولية حق الإنسان في الأمن الشخصي واحترام خصوصياته ، وأكدت على ضرورة احترامه ، وقدمت له من الضمانات ما يكفل حمايته وتخفيف حدّة الاعتداء عليه إن وقع ، وبيان ذلك في الآتي :

أولا : الأمن الشخصي واحترام خصوصيات الإنسان في الشريعة الإسلامية :

لقد امتنَّ الله تعالى بنعمة الأمن على قريش حين أعرضوا عن دِين محمد – صلى الله عليه وسلم – فقال سبحانه: (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ) القصص: 57 ، وبها دعاهم إلى الإيمان؛ فقال جلَّ ذِكرُه : ( فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) قريش: 3 .

كما من الله تعالى بالأمن على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين فقال تعالى : ( وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) الأنفال 26

ولقد أمنت الشريعة الإسلامية حياة الإنسان الشخصية بداية من النهي عن ترويعه وتخويفه وحماية جسده من التعذيب ، وحصنت نفسه من التعدي عليها بالقتل ، واحترمت خصوصياته وبيان ذلك في الآتي :

أ – مظاهر الأمن الشخصي للإنسان في الشريعة الإسلامية :

أمنت الشريعة الإسلامية حياة الإنسان بداية من ترويعه وتخويفه ، وتعذيبه ، وحصنت نفسه من التعدي عليها بالقتل  :

 . 1الإسلام ينهى عن ترويع الإنسان :

لا يجوز في شرع الله تعالى ترويع الآمنين سواء كان ذلك عن طريق الإيذاء الحسي أو المعنوي، سواء كان هذا الترويع بالقول أو بالفعل، وسواء كان على سبيل الجد أو اللعب ، لأن ترويع الإنسان ظلم وتعد ظاهر على حق .

أن ترويع المسلم في الدنيا يستَوْجِب معاملة فاعله بالمثل يوم القيامة، فلا يأمن من فزع هذا اليوم ، فقد رُوِيَ عن عامر بن ربيعة أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “لا تُرَوِّعُوا المسلم ؛ فإن رَوْعَة المسلم ظلم عظيم”، ورُوِيَ عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: “مَن أخافَ مؤمنًا كان حقًّا على الله أن لا يُؤَمِّنَه من أفزاع يوم القيامة“.

وحُرْمة ترويع المؤمن متحقِّقة ولو كان بمجرد النظرة التي قُصِد منها الإخافة ، ولهذا فقد رُوِيَ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن نظر إلى مسلم نظرةً يُخيفه فيها بغير حق أخافَه الله يوم القيامة“.

وتتأكد حرمة ترويعه وإخافتَه سواء كان على سبيل الجد أو اللعب ، وسواء كان هذا الترويع بالقول أو بالفعل ، فقد روى عبد الله بن السائب بن يزيد عن أبيه عن جده، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (لا يأخذن أحدكم متاع أخيه، لاعبا ولا جادا ، ومن أخذ عصا أخيه فليردها). سنن أبي داود

وفي حديث ابن أبي ليلى قال : “حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يحل لمسلم أن يروع مسلما ) ، رواه الترمذي وأبو داود

وتشتد الحرمة إذا كان الترويع إشارة بالسلاح أو بما أجريَ مجراه من الحديد أو نحوه، لِما يترتَّب على هذا من التسبُّب في إفزاع المؤمن بغير حق، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: ( لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار) رواه البخاري .

.  وحرمت شريعة الإسلام التعذيب :

الأصل في الإنسان براءةُ الذمة ، فلا يجوز توقيفه إلا ببيِّنة شرعية، أو تهمةٍ معتبرة ، ويكون التعامل معه خلال ذلك بما يتوافق مع إنسانيته وكرامته ولا يجوز تعذيبه بغير حق ، وأن تعذيب والمتهمين المسجونين حرام :

فإن الله تعالى حرم الاعتداء على نفس المسلم أو على أي جزء من بدنه، وقرر عقوبة شرعية على من يعتدي على شيء من ذلك، قال الله تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ المائدة:45 ، وقال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً الأحزاب:58 .

وثبت في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا. ) رواه مسلم ، وقال صلى الله عليه وسلم: ( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه. رواه مسلم ، وقال صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ) رواه مسلم.

وقد خطب عمر بن الخطاب في إحدى خطبه فقال: إني لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم ولا يأخذوا أموالكم، من فعل به ذلك فليرفعه إلي أقصه منه ، فقال عمرو بن العاص : لو أن رجلاً أدب بعض رعيته أتقص منه؟ قال: إي والذي نفسي بيده، ألا أقصه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أقص من نفسه. انتهى من جامع الأصول 4/467.

 . 3وحرم الإسلام التعدي على الحياة بالقتل :

فحق الحياة مقدس في شريعة الإسلام ، لا يحل انتهاك حرمته، ولا استباحته إلا بحق ، وقد جعلت الشريعة قتل النفس الواحدة بمثابة قتل الناس جميعاً، وإحياءها إحياء الناس جميعاً ، فقال تعالى: ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفساً بِغَيْرِ نفَسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بعَدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ﴾ المائدة: ٣٢ .

والأنفس محل الأمان والحماية هي الأنفس المسلمة ، فلا يجوز بحال الاعتداء عليها وقتلها بغير حق، ومن فعل ذلك فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب العظام ، يقول الله تعالى: “ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد ً ً له عذابا عظيما (النساء : ٩٢

وكذلك أنفس المعاهدين وأهل الذمة والمستأمنين من الأنفس المعصومة في الإسلام ولها كامل الأمن والسلامة من التعدي بالقتل .

عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قتل قتيلاً من أهل الذمة لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد في مسيرة مائة ) ، أخرج الطبراني. وأخرجه البخاري في صحيحه بلفظ( ليوجد من مسيرة أربعين عاماً (

ب – مظاهر تأمين وحماية الحياة الخاصة في الشريعة الإسلامية  :

 . 1تأمين وحرمة المسكن :

كون البيت الذي يتخذه الإنسان هو من خصوصياته التي لا يحق للغير التجاوز عليها، وذلك أن المنزل يحتوي عرض الإنسان الذي يعتبر اعز الأشياء عنده، علاوة على خصوصياته التي لا يحب أن يطلع الغير عليها .

تحريم اقتحام المساكن : من صوره أيضًا اقتحام البيوت، والخلوات بحجة ضبط من فيها متلبسين بالمعصية ، ولا شك أنَّ هذا مما لا يبيحه الشرع ولا يقبله ، قال الله تعالى : ( ليس البر بان تأتوا البيوت من ظهورها، ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها) البقرة /189.

عدم الدخول إلا بإذن : ومن مقتضيات حرمة المنزل هو احترام طريقة دخول منزل الغير، فلا يحق للإنسان دخول بيت غيره بدون إذنه ، قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكّرون) النور 24 

. 2حرمة التجسس على الحياة الخاصة :

التجسس : هو أن يتتبع الإنسان أخاه ليطلع على عوراته سواء كان ذلك عن طريق مباشر بأن يذهب هو بنفسه يتجسس، أو كان عن طريق الآلات المستخدمة في حفظ الصوت أو غير ذلك فهو محرم ، قال تعالى : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا ” الحجرات : 12 .

ومن صور التجسس الممنوع : الاستماع المباشر للمرء إلى حديث قوم وهم له كارهون ، فقد تُوُعِّدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من يفعل ذلك بأنه سيصبُّ في أذنه الآنك يوم القيامة بسبب فعلته ، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، أو يفرون منه، صُبَّ في أذنه الآنك يوم القيامة)

ومن صور التجسس الممنوع – كذلك – التنصت على هواتف الناس ومكالماتهم ، فهو يأخذ حكم التجسس ويكون حكمه حكم التسمع إلى حديث قوم وهم كارهون؛ لأنَّ العادة أنَّ الناس لا يريدون أن يطلع على مكالمتهم أحد، والذي يتنصت على هواتف الناس بهذا المعنى يدخل تحت الوعيد .

ثانيا : الأمن الشخصي واحترام خصوصيات الإنسان في المواثيق الدولية:

لقد كرسـت الشرعية الدولية حق الإنسان في الأمن الشخصي واحترام خصوصيات الإنسان في وثائق أممية عديدة منها : الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية و البرتوكول الاختياري الثاني الملحق به ، وبيان ذلك في الآتي :

أ – مظاهر الأمن الشخصي للإنسان في المواثيق الدولية :

. 1تأمين النفس من التعذيب :

في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قررت المادة الخامسة على أنه لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة.

وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية النافذ في 23 مارس 1976، نصت المادة السابعة منه على أنه لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة. وعلى وجه الخصوص، لا يجوز إجراء أية تجربة طبية أو علمية على أحد دون رضاه الحر.

وفي اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة النافذ في 26 يونيه 1987 نصت المادة الرابعة منه على أنه :

تضمن كل دولة طرف أن تكون جميع أعمال التعذيب جرائم بموجب قانونها الجنائي، وينطبق الأمر ذاته على قيام أي شخص بأية محاولة لممارسة التعذيب وعلى قيامه بأي عمل آخر يشكل تواطؤا ومشاركة في التعذيب.

تجعل كل دولة طرف هذه الجرائم مستوجبة للعقاب بعقوبات مناسبة تأخذ في الاعتبار طبيعتها الخطيرة ، ومن أجل الحماية وضمانات سلامة الجسد من التعذيب نصت المادة السابعة عشر على إنشاء لجنة لمناهضة التعذيب .

. 2تأمين وضمان حرية الإنسان :

في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قررت المادة الثالثة على أنه : لكل فرد حق في الحياة والحرية و الأمان على شخصه.

وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية النافذ في 23 مارس 1976، نصت المادة التاسعةعلى وسائل الأمن والحماية للحياة والحرية وسلامة الجسد في الآتي :

لكل فرد حق في الحرية وفى الأمان على شخصه. ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفا. ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقا للإجراء المقرر فيه.

يتوجب إبلاغ أي شخص يتم توقيفه بأسباب هذا التوقيف لدى وقوعه كما يتوجب إبلاغه سريعا بأية تهمة توجه إليه.

يقدم الموقوف أو المعتقل بتهمة جزائية، سريعا، إلى أحد القضاة أو أحد الموظفين المخولين قانونا مباشرة وظائف قضائية، ويكون من حقه أن يحاكم خلال مهلة معقولة أو أن يفرج عنه.

ولا يجوز أن يكون احتجاز الأشخاص الذين ينتظرون المحاكمة هو القاعدة العامة ، ولكن من الجائز تعليق الإفراج عنهم على ضمانات لكفالة حضورهم المحاكمة في أية مرحلة أخرى من مراحل الإجراءات القضائية، ولكفالة تنفيذ الحكم عند الاقتضاء.

لكل شخص حرم من حريته بالتوقيف أو الاعتقال حق الرجوع إلى محكمة لكي تفصل هذه المحكمة دون إبطاء في قانونية اعتقاله، وتأمر بالإفراج عنه إذا كان الاعتقال غير قانوني .

لكل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال غير قانوني حق في الحصول على تعويض .

. 3الحماية من التعدي على الحياة بالقتل :

وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية نصت المادة السادسة منه على أن الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان. وعلى القانون أن يحمى هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا.

وأنه لا يجوز في البلدان التي لم تلغ عقوبة الإعدام، أن يحكم بهذه العقوبة إلا جزاء على أشد الجرائم خطورة وفقا للتشريع النافذ وقت ارتكاب الجريمة وغير المخالف لأحكام هذا العهد ولاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. ولا يجوز تطبيق هذه العقوبة إلا بمقتضى حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة.

وحين يكون الحرمان من الحياة جريمة من جرائم الإبادة الجماعية ، يكون من المفهوم بداهة أنه ليس في هذه المادة أي نص يجيز لأية دولة طرف في هذا العهد أن تعفى نفسها على أية صورة من أي التزام يكون مترتبا عليها بمقتضى أحكام اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.

ولأي شخص حكم عليه بالإعدام حق التماس العفو الخاص أو إبدال العقوبة. ويجوز منح العفو العام أو العفو الخاص أو إبدال عقوبة الإعدام في جميع الحالات.

ولا يجوز الحكم بعقوبة الإعدام على جرائم ارتكبها أشخاص دون الثامنة عشرة من العمر، ولا تنفيذ هذه العقوبة بالحوامل .

ب- مظاهر تأمين وحماية الحياة الخاصة في المواثيق الدولية  : 

 . 1في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قررت المادة الثانية عشر لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمس شرفه وسمعته. ولكل شخص حق في أن يحميه القانون من مثل ذلك التدخل أو تلك الحملات.

 . 2وفي العهد الدولي قررت المادة السابعة والعشرين أنه لا يجوز إجراء أي تعرض تحكمي لأي إنسان في حياته الخاصة، أو أسرته، أو منزله، أو مراسلاته ، ولا أي مساس بشرفه وسمعته. ولكل إنسان حق في حماية القانون من مثل هذا التعرض أو المساس به .

 . 3وقد أكدت الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية التي صدرت في روما سنة 1950 على حرمة الحياة الخاصة في المادة الثامنة فنصت على أنه : لكل إنسان له الحق في احترام حياته الخاصة والعائلية والمنزلية ، لا يمكن تدخل السلطة العامة في ممارسته هذا الحق إلا إذا كان هذا التدخل مقررا في القانون ويشكل في مجتمع ديمقراطي تدبيرا ضروريا للأمن الوطني والأمن العام والرفاهية الاقتصادية للبلد وحماية النظام والوقاية من الجرائم وحماية الصحة والأخلاق وحقوق الآخرين . 

ثالثا : الأمن الشخصي واحترام خصوصيات الإنسان بين النظريات والتطبيق  :

على الرغم من كل النصوص القانونية، الدولية والمحلية السالف بيانها التي تقرر وتؤكد سلامة الجسد لا يزال التعذيب منتشرًا على أوسع نطاق لإنتزاع الاعترافات من المتهم البريء بأي وسيلة ، ورغم تلك النصوص التي تقرر حرية الأفراد اعتادت النظم الاستبدادية التي تقوم على إرهاب شعوبها وتخويفهم أو الثأر المباشر أو الانتقام من الداعين إلى الإصلاح والتغيير استخدام الاختفاء القسري كسلاح ضد معارضيها وأداة لتكميم أفواه القوى الرافضة من طلاب وقيادات سياسية وشبابية وصحفيون ومحامون. 

أ – مظاهر انتهاك الحق في سلامة الجسد : 

تقرير حقوقي مصري يرصد 114 حالة تعذيب في يونيو 2015 :

تحت هذا العنوان وفي أول يوليو 2015م نشر موقع العربي الجديد تقريرا تضمن الآتي :

كشف التقرير الشهري لمركز النديم لتأهيل ضحايا التعذيب ، عن وقوع 114 حالة تعذيب ، خلال شهر يونيو الماضي، تنوعت بين حالات وفاة نتيجة إصابات بالسرطان والفشل الكبدي والإهمال الطبي، والتعذيب الفردي والجماعي، ، والاختفاء القسري.

وبحسب تقرير المركز، فإن الشهر الماضي شهد 14 حالة وفاة في أماكن الاحتجاز المصرية نتيجة الإصابة بالسرطان والفشل الكبدي والإهمال الطبي والاختناق والطلق الناري المباشر والهبوط الحاد في الدورة الدموية، وبعضها لأسباب غامضة، فضلاً عن 36 حالة تعذيب فردي من بينهم فتاتان، و5 حالات تعذيب جماعي في معسكر الأمن المركزي ببنها وسجن طلخا وقسم شرطة طلخا وقسم شرطة فأقوس وسجن ميت سلسبيل.

وأشار التقرير إلى أن الشهر الماضي، شهد 3 حالات تكدير جماعي، في مركز شرطة فارسكو وقسم شرطة السيدة زينب وسجن العقرب، و20 حالة إهمال طبي، شملت أنيميا حادة، وأمراض الكبد والقلب والصدر وحروقاً وغيبوبة وسرطاناً وصفراء وثلاث حالات مهددة بالإصابة بالغرغرينا، فضلاً عن 36 حالة اختفاء قسري، ظهر منهم بعد اختفائه 16 يوماً، إسراء الطويل وعمر صهيب، ومحمود غزلان وعبد الرحمن البر.

وأكد المركز أن تقريره استند إلى ما نشرته وسائل الإعلام المصرية المختلفة، طوال الشهر الماضي.
وكان المركز قد رصد 126 حالة تعذيب في مايو الماضي، موزعة ما بين 49 حالة تعذيب، و23 حالة وفاة، و20 حالة إهمال طبي، و19 حالة إخفاء قسري، و6 حالات تكدير وتشريد جماعي، و6 أحكام إعدام منفذة، و3 حالات تم اتخاذهم كرهائن للضغط على أقاربهم بتسليم أنفسهم.

ولم تفرق السلطات المصرية فى انتهاكها لحقوق الإنسان بين كبير أو صغير ولا بين رجل أو امرأة، فقد رصدت هيومن رايتس مونيتور 582 حالة اختفاء خلال النصف الأول لعام 2015 من بينهم 378 رجل، و23 سيدة، و56 قاصرا، و128 طالب وطالبة.

الاختفاء-القسرى

ب _ مظاهر انتهاك حق الحرية  :

الاختفاء القسري الممنهج جريمة ضد الإنسانية :

تحت هذا العنوان وفي 4 / 8 /2015 م وعلى صفحة منظمة هيومن رايتس مونيتور نشرت تفريرها الذي عرف الاختفاء القسري بأنه : حرمان من الحرية يتبعه رفض الاعتراف بمصير الشخص المختفي أو مكان احتجازه مما يجعله خارج حماية القانون وعادة ما يتم هذا الاختفاء على أيدي السلطات الحاكمة ويكون وراءه دوافع سياسية أ استهداف لمعارضين أو صحفيين أو أصحاب الرأي.

وتضمن التقرير أنه : منذ الثالث من يوليو 2013 وتمارس السلطات المصرية كافة أنواع الجرائم تجاه مواطنيها من اعتقال تعسفي، اختفاء قسري ،تعذيب،وقتل خارج إطار القانون دون تمييز بين رجال ،نساء،قصر، ومسنين ، وأنه تزايدت نسبه الاختفاء القسري التي تقوم بها السلطات المصرية تجاه شعبها ففي شهر يناير من هذا العام رصدت المنظمة 41 حالة اختفاء قسري بينما رصدت في فبراير 62 حالة ،وفي مارس 60 حالة , وأبريل 114 حالة , ومايو 216 حالة وأخيرا في يونيو 82 حالة.

وأضاف التقرير : أن هناك منهجية في طريقة القبض على المتهمين وفي اشتراكهم في نفس التهم وفي إنكار جميع أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز القانونية وغير القانونية لحيازتها لضحايا الاختفاء القسري. وكذلك دور أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز في تعذيب الضحايا تعذيبا شديدا – قد أدى في حالات عديدة إلى الوفاة – لانتزاع اعترافات من الضحايا بارتكابها تهما لفقت لهم ونشر مقاطع فيديو لهم وقد اعترفوا بارتكاب تلك التهم وتشويه سمعتهم والقضاء على مستقبلهم عن طريق إذاعة تلك الاعترافات المنزوعة تحت التعذيب وهو أمر مخالف للقانون.

ج _ مظاهر انتهاك حق الحياة  :

مقتل خمسين مصريا خارج القانون بثلاثة أشهر

تحت هذا العنوان وعلى موقع الجزيرة نت في يوم الاثنين الموافق 6/7/2015 م ذكرت أت المنظمة العربية لحقوق الإنسان ومقرها في لندن أصدرت في ذات اليوم الاثنين تقريرا تضمن إن أوضاع حقوق الإنسان في مصر بلغت أدنى مستوياتها على الإطلاق بعد عامين من الانقلاب على الرئيس محمد مرسي, مشيرا إلى مقتل خمسين مصريا برصاص الأمن في الأشهر الثلاثة الماضية خارج نطاق القانون داخل مراكز الاعتقال وفي الشوارع في مظاهرات مناهضة للسلطة.

وأوضحت المنظمة العربية لحقوق الإنسان أن ستة من هؤلاء قتلوا إثر استخدام قوات الأمن القوة القاتلة أثناء تصديها لتجمعات سلمية, في حين توفي 44 على الأقل داخل مراكز الاحتجاز, وبين هؤلاء 11 لمعارضتهم السلطة. كما توفي في الفترة نفسها 33 شخصا من المعتقلين الجنائيين داخل تلك المراكز.

كما تحدث التقرير عن 21 حالة وفاة “في ظروف ملتبسة”، إذ قالت الداخلية المصرية إنهم لقوا حتفهم أثناء تنفيذهم عمليات وصفتها بالإرهابية، بينما أكد ذووهم أن الأمن قام بتصفيتهم أثناء أو بعد اعتقالهم.

ورأت المنظمة في وفاة عشرات المعتقلين في مراكز الاحتجاز التابعة للداخلية المصرية وكذلك في السجون, وفي الشوارع استمرارا لما سمتها “عمليات القتل المنهجية في مواجهة مواطنين مصريين“.

ورصد التقرير في الفترة من مطلع أبريل/نيسان إلى نهاية يونيو/حزيران 2015 م اعتقال أكثر من 2500 شخص لأسباب سياسية، ليرتفع عدد المعتقلين هذا العام إلى 4000. كما سجلت المنظمة تواصل أعمال التعذيب والإخفاء القسري للمعارضين.

وانتقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان القضاء المصري, مشيرة إلى ما سمته تصاعد وتيرة “الأحكام القاسية” ضد المعارضين، فقد صدر في فترة الأشهر الثلاثة الماضية 165 حكما بالإعدام، ونفذ فيها ستة أحكام بالإعدام. وصدرت أيضا أحكام بالسجن المؤبد ضد 451 من المعارضين, كما صدرت أحكام بالسجن لمدد متفاوتة على أكثر من ثمانمئة آخرين.

وتقول منظمات دولية على غرار منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش إن حقوق الإنسان في مصر تدهورت إلى مستوى غير مسبوق في ظل انعدام تام لمقومات المحاكمات العادلة. وتقدر منظمات دولية عدد المعتقلين منذ الانقلاب بأكثر من أربعين ألفا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى