كتاب وادباء

إنهم يكذبون …. كما يتنفسون….!

من ابداعات الأديب الكاتب

السعيد الخميسى k

السعيد الخميسى

 

  • إذا كانت الأسماك تتنفس تحت الماء … فإن كذب هولاء قد أحاط بالأرض من كل جانب , إحاطة السوار بالمعصم , حتى ملأت سحائبه الداكنة السوداء الفضاء , حتى وصل لعنان السماء بلا خشية أو إحساس أو حياء . إنهم يكذبون فى الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب . إنهم يعيشون على الكذب , وينامون على الكذب , ويستيقظون على الكذب , ويرتزقون من الكذب , ويرتدون رداء الكذب الذى هو أكثر خداعا من لمعان السراب . إن وجوههم من كثرة الكذب اسودت , وأعينهم من شدة الكذب ابيضت , وأرجلهم من كثرة السير فى طريق الكذب التوت واعوجت , وأيديهم من ثقل أحمال الكذب انشلت . إنه الكذب الذي منه ينفقون سرا وعلانية بالليل والنهار في ملاهي الشيطان الليلية والتي تسمى الفضائيات . إذا نظرت إلى أحدهم وهو يثرثر بالكذب تشعر وكأنك تغوص فى تلال من كثبان الرمال المتحركة من حولك . إنه الكذب بضاعتهم الرخيصة . قال حكيم : الكذاب والدجال والمتملق يعيشون على حساب من يستمعون إليهم  , وقد وجد هولاء من ينصت إليهم بإذن واعية , فازدادوا فى غيهم وكذبهم وضلالهم .

  • الإعلام
    * إن الكذب الذي تنطق به ألسنتهم ليل نهار يهدف إلى تزييف الحقائق  , وإشعال الحرائق فى ثوب الحقيقة حتى يحترق ويصير رمادا تذروه الرياح تحت أقدام الكذابين والدجالين والمتملقين .    إنهم لا يعلمون أن الحقيقة العارية أفضل من أجمل كذبة لباسا  .  إنهم يفضحون أنفسهم بأنفسهم . فمن علامات الكذب  ” زيغ البصر ” فالكذاب يتعمد دائما إزاغة بصره أثناء الكلام , فترى بصره مثل كاميرات التصوير تجول وتصول وهى ثابتة فى مكانها . ومنه أيضا ” التكلف العصبي ” فيميل الكذاب إلى تكلف منظر الجاد الصادق الحازم لاسيما فى  ملامح وجهه ليخدع الناس , إلا أنه يكشف نفسه ببعض الحركات اللا إرادية كمسح النظارة ولمس الوجه والأنف . ومنه أيضا ” التكرار الممل ” يميل الكذاب إلى استخدام نفس الكلمات مرات متتالية وكذلك نفس المبررات ليقنع بها غيره , لكنه يسقط فى بئر الكذب من تلقاء نفسه . ومنه أيضا ”  الاستخفاف بالآخرين ” فهو يميل إلى ينسب للآخرين تصرفات وأقوال رديئة لا تليق بهم لإبعاد شبهة الكذب عن نفسه .  ومنه أيضا علامات الكذبالنسيان “إن الكذاب سريع النسيان وقد يفضح نفسه بنفسه من كثرة مواقف الكذب التي عاشها فى حياته . الكذاب أكذب من لمعان السراب  فلا تصدقوه وان تعلق بأستار الكعبة……!.

  • قنوات
    * إن خطر تلك النخبة الكذوبة التي تتصدر المشهد , لا يتمثل فى الكذب بالكلمات , بل الأخطر منه , هو الكذب بالصمت , لان الصمت من علامات الرضا . الصمت على كل خطا , وكل جريمة , وكل موقف فيه قلب للحقائق . والأخطر من الاثنين معا , هو الكذب بالخداع , أعنى بذلك تصدير قضايا هامشية شكلية تافهة , وشغل الرأى العام بها صباحا ومساء . ولا أدل على ذلك من القضية ” العكاشية ” وكأنها قضية القضايا وأصل الخطايا لمجرد صرف الأنظار عما هو أهم وأخطر فيما يتعلق بمستقبل البلاد والعباد .
    قال الإمام على :” الغوغاء إذا اجتمعوا ضروا , وإذا افترقوا نفعوا . فقيل له : علمنا مضرة اجتماعهم ,  فما منفعة افتراقهم ..؟  قال : يرجع أهل المهن إلى مهنتهم فينتفع الناس بهم . كرجوع البناء إلى بنائه , والنساج إلى منسجه , والخباز إلى مخبره . الشاهد فى هذا أن اجتماع هولاء الكذابين فيه مضرة للمجتمع , ولو أنهم تفرقوا لانتفع بهم المجتمع لأنهم يمتهنون وظيفة ليسوا أهلا لها . فلا هم إعلاميون , ولا هم صحفيون , ولا هم كتاب محترمون . هم تسلقوا تلك المهن على أكتاف الغير من باب المحسوبية والوساطة والرشوة . ولو تفرقوا لعلم كل واحد مهنته الأصلية وعاد إليها غير مأسوف عليه بعيدا عن الأضواء وتوجيه الرأي العام .
    *
    يقول الشاعر : احفظ لسانك أيها الإنسان… لا يلدغنك إنه ثعبان .      كم فى المقابر  من قتيل لسانه …. كانت تهاب لقاءه الشجعان  . ولما خرج يونس عليه السلام من بطن الحوت قيل له : ألا تتكلم..؟ قال : الكلام صيرني فى بطن الحوت  . وقال الحكماء : من نطق فى غير خير فقد لغا , ومن نظر فى غير اعتبار فقد سها  , ومن سكت فى غير فكر فقد لها  . وتلك النخبة الكاذبة يمثلون اللغو والسهو واللهو . وقال حكيم أيضا : إذا أعجبك الكلام فاصمت  , وإذا أعجبك الصمت فتكلم .  وقبل لرجل : بما سادكم  ” الأحنف ” وما كان بأكبركم سنا ولا بأكثركم مالا ..؟ قال بقوة سلطانه على لسانه . وقيل أيضا : الكلمة أسيرة فى وثاق الرجل فإن تكلم بها صار فى وثاقها . وقال عمرو بن العاص : الكلام كالدواء إن أقللت منه نفعك وإن أكثرت منه قتلك . وقال لقمان لولده : يا بنى إن افتخر الناس بحسن الكلام فافتخر أنت بحسن الصمت . ليت شعرى لو أن هولاء يصمتون ويبلعون ألسنتهم ويغلقون حناجرهم بالضبة والمفتاح ليكون المجتمع منهم فى أمن وارتياح .
    * إن هولاء الكذابين أخطر على المجتمع من مخلفات المصانع وعوادم السيارات وأكوام القمامة ومستنقعات الماء الراكد الممتلئة بقواقع البلهارسيا والديدان . ألم يأتك نبأ الذي قال :
    لا يكذب المرء إلا من مهانته  أو فعله السوء أو من قلة الأدب…. لبعض جيفة كلب خير رائحة من كذب المرء فى جد وفى لعب . وقال أحد محترفي الكذب قديما : إن لم اكذب انشقت مرارتي …!. لقد جاء فى الحديث الشريف إن الكذب يهدى إلى الفجور ” وهولاء وصلوا لدرجة الفجور والسقوط فى مستنقع الرذيلة الذى لا يبقى ولايذر أى فضيلة قائمة على أصولها . إنهم أبناء وأحفاد مذيع النكسة الذى جعل البحر طحينة وعسل مصفى ولبن لم يتغير طعمه . والحقيقة أن البحر كان ممتلئا بالهزائم والنكسات والمصائب وخيبة الأمل . يدور الزمان دورته وتنشق الأرض شقا عن كذابين ودجالين ومتملقين جدد كالحرباء يتلونون  كل لحظة  حسب الطقس والمناخ السائد . لكن الله فاضحهم وكاشفهم على رؤوس الأشهاد فى الدنيا قبل الآخرة .

  • والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

  • . والله من وراء القصد والنية .

     

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى