آخر الأخبارتراند

“هوس” عبدالفتاح السيسي بالسيطرة على الترفيه والدرما التليفزيونية وصل إلى الجنون

شهبندر التجار "السيسى" وأحلام اليقظة"

بقلم رئيس التحرير

سمير يوسف

رئيس المنظمة

لو باع كل حاكم لمصر في السبعة آلاف سنة الأخيرة نهر النيل وجزر من البحر الأحمر “مثل تيران وصنافير واستقلال مصر وصفع الدستور وبدل مواده واقترض من دول الخليج ليرهن مستقبل مصر، فربما ارتفع صوت خافت محتجا.
كان المصري يعترض على الإعلام والسقوط الثقافي وعشرات الآلاف من الشباب المعتقلين بدون تهمة؛ أما في عهد السيسي فأنا على يقين بأنه يستطيع أن يذبح كل أفراد الشعب في ليلة واحدة وضحاها؛ ولا يرتفع صوت واحد بصرخة مكتومة.

كيف عرف السيسي كلمة السرّ التي خدّرت أو خنقت شعبًا من أعرق حضارات الأرض وهو لا يملك ما يؤهله لحُكم قرية من الجهلة.

وهكذا أصبحت مصر شعب من المظلومين المرعوبين، ومملكة القضاء الفاسد، ومجموعة من الإعلاميين عبارة عن حيوانات بشرية وبرلمانيين من خريجي محو الأمية وإهدار وطن ووضعه في حساب الأثرياء الذين سيمتلكون مصر بعد حين.

طوال نصف قرن لم أسمع قلوب المصريين وهي تقفز من مكانها كما أسمعها الآن، وكل مصري يبرر موقفه اللأخلاقي بالخوف على الأسرة والعائلة والمنصب، فحتى الذي يظهر على شاشة العفن التلفزيوني يفقد الكثير إنْ لم يتكلم عن توجيهات وعبقرية الرئيس.

هل تستطيعوا أن تسألوا عن نفقات عبد الفتاح السيسى وعائلته المبجلة وإهدارهم أموالكم، حتى عندما تحداكم وهو يدير ظهره لكباركم بأنه بني وسوف يبنى لنفسه قصورا واستراحات من أموالكم، ارتعشتم ثم بررتم هذه السرقة العلنية أن القصور والاستراحات لن يأخذها معه إلى القبر.
هل يمكنكم أن تطالبوا بالإفراج عن أبنائكم وأشقائكم وآبائكم من سجونه ومعتقلاته؛ فأنتم على استعداد للتضحية بفلذات أكبادكم حتى يترككم في سلام مغموس بالمذلة والمسكنة والمهانة.
هل تستطيعون أن تتحدثوا عن عدد سنوات إحكام قبضته على رقابكم ؟، فأنتم منشغلون بالخوف من الشرطة وأجهزة الأمن والجيش والمخبرين والمرشدين والمتعاونين، رغم أن كل هؤلاء هم أبناء بلدكم وربما أبناؤكم!
هل تستطيعون أن تتنفسوا بغير إذنه، ليس لأنه يراقبكم؛ إنما لأنكم تراقبون بعضكم بعضا، فهو لا حول له ولا قوة بمفرده .

تقرير جريدة الإيكونومست الذى قلب السحر على الساحر

تقول الإيكونومست. فبعد عامين من قيامه وضباط عسكريين آخرين بإطاحة أول رئيس مُنتخَب ديمقراطياً في مصر عام 2013، حذر السيسي نجوم التلفزيون من أنهم “سيُحاسَبون” إذا لم يعكس عملهم نظرةً إيجابيةً للدولة.

قام السيسي شهبندر التجار الآن بتأميم وسائل الإعلام كلها باستثناء أسمائها فقط، وفتح الباب لرجاله للتحكُّم في البرامج التي تُبَثُّ على هذه الوسائل. وفي عام 2016، بدأت شركةٌ مملوكة لمخابرات الدولة بشراء أكبر القنوات التلفزيونية الخاصة في مصر. ومنذ عام 2018، أنتجت إحدى الشركات التابعة لها، وهي شركة Synergy، معظم العروض الكبيرة التي تُبَثُّ خلال شهر رمضان، ما يصفه أحد المخرجين بأنه “احتكار”. 

لطالما كانت لمصر رقابة على التلفزيون. ومع ذلك، في عهد حسني مبارك، من 1981 إلى 2011، سمحوا للأفلام بتصوير وحشية الشرطة والفساد وحتى المثلية الجنسية. يقول المنتجون، إن الأفلام من تلك الحقبة تُحظَر اليوم. والتلميحات الجنسية التي كانت شائعةً في السابق محظورة. وقد لا يُعرَض الفقر المُدقِع؛ خشية أن يعتقد أحدٌ أن مصر تعاني. ويجب تصوير رجال الأجهزة المصرية على أنهم أخيار. ويعتقد النظام أن الأفلام القديمة التي تُظهِر رجال شرطة قذرين غذَّت الاحتجاجات ضد الشرطة خلال الربيع العربي لعام 2011. 

ويبدو أن أتباع السيسي لم يخطر ببالهم أن الاحتجاجات قد تكون مستوحاة من التصدي لرجال شرطة قذرين في الحياة الواقعية. يقول عز الدين فشير، الدبلوماسي السابق في عهد مبارك: “النظام يرى ما حدث قبل عشر سنوات فشلاً ثقافياً”. 

نظام السيسي يركِّز على التأثير على المصريين. يروِّج مسلسل “الاختيار” لمزاعم مشكوك فيها حول جماعة الإخوان المسلمين، التي حازت السلطة قبل السيسي. ويمجِّد فيلم “السرب”، من إنتاج شركة Synergy، غارةً جوية مصرية أسفرت عن مقتل 40 جهادياً وسبعة مدنيين (لم يذكر الفيلم هذا الجزء). يقول أحد المخرجين في القاهرة: “إنهم يستخدمون مواهب أفضل وميزانيات أكبر ونجوماً ألمع. لذا حتى لو كانت دعاية، فمن الواضح أن الجودة تتحسَّن”. 

سيغطي الجزء الثاني من مسلسل “الاختيار”، مذبحة رابعة العدوية، التي قُتِلَ فيها مئات المتظاهرين من جماعة الإخوان على يد قوات الأمن تحت قيادة السيسي في عام 2013. ووصفت منظمة هيومان رايتس ووتش الحدث بأنه “أحد أكبر عمليات قتل المتظاهرين بالعالم في يومٍ واحد بالتاريخ الحديث”. وصوُّرَ المسلسل من منظور إظهار بطولة الشرطة!

نيويورك تايمز تقدم الإجابة على سؤال “ماذا قدم مسلسل الاختيار 3″؟

تخطت حالة الجدل بشأن المسلسل الحدود المصرية وتناولت وسائل إعلام عالمية تلك الحالة؛ إذ نشرت صحيفة The New York Times الأمريكية تحليلاً عنوانه “الرئيس هو البطل”، رصد ردود الأفعال المختلفة حول المسلسل الذي شاركت في إنتاجه وزارة الدفاع المصرية.ويعتبر شهر رمضان موسماً تقليدياً مميزاً للدراما التلفزيونية، حيث يجلس ملايين المشاهدين كل ليلة لمتابعة الأعمال الفنية ذات الميزانيات الضخمة ويشارك بها ألمع النجوم.

شهبندر التجار يقول “الهدف تسجيل الحقيقة”

كان مسلسل “الاختيار” من بين هذه المسلسلات، التي أنتجتها الدولة المصرية بهدف تأريخ صعود الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي إلى السلطة عام 2013 بعد فترة من الاضطرابات العنيفة والانقسام الوطني العميق، بحسب تقرير الصحيفة الأمريكية.

لكن الحلقة الـ25، التي تناولت إحباط قوات الجيش لعملية تهريب أسلحة، أحدثت ضجة كبيرة. فقد خرج عبد الفتاح السيسي في ليلة عرض الحلقة ليؤكد للمصريين في خطاب له أنّ كل كلمة ذُكرت في المسلسل صحيحة تماماً.

قال السيسى شهبندر التجار: “ربما يتساءل كثيرون منا، ما الهدف من إنتاج هذا المسلسل؟ الهدف هو تسجيل الحقيقة بأمانة وإخلاص وشرف في وقت ينعدم فيه الشرف والصدق”.

لكن يقول منتقدون إنَّ المسلسل بعيد كل البعد عن تصوير الحقيقة ويعيد كتابة التاريخ من خلال تملّق الرئيس وشيطنة خصومه.

استطاع عبد الفتاح السيسي على مدار ما يقرب من 10 سنوات تحويل مصر من بلد يتسم بقدر من التسامح مع بعض النقاشات السياسية والإبداع الفني إلى بلد يسوده الخوف والصمت والفقر وبناء السجون الضخمة. سجنت الأجهزة الأمنية وقتلت جميع المنتقدين وجرَّمت الاحتجاجات وكمَّمت أفواه الصحافة، وهو ما أدَّى إلى تلاشي جميع أشكال المعارضة السياسية تقريباً، بحسب نيويورك تايمز.

هل هذا ما حدث في مصر حقاً أم فى عقل الحالم عبد الفتاح السيسى؟

اعتمد هذا المسلسل على أسلوب المزج بين الخيال وما يقال إنَّه وقائع حقيقية ويعرض في كل حلقة مقاطع فيديو تذاع لأول مرة سجلتها على ما يبدو المخابرات المصرية سرا لشخصيات تاريخية رئيسية.

وإذا كان بطل مسلسل “الاختيار” هو السيسي، فإنَّ الأشرار هم الإخوان المسلمون. كان الرئيس الأسبق محمد مرسي، مرشح جماعة الإخوان المسلمين، قد فاز بأول انتخابات رئاسية ديمقراطية في مصر في عام 2012، في أعقاب ثورة 25 يناير/كانون الثاني عام 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، الذي حكم مصر لمدة ثلاثة عقود كاملة.

وفي بداية حكم السيسي كان المنتجون الفنيون يتمتعون بنفس القدر من المرونة التي كانت موجودة خلال عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، الذي سمح بممارسة حرية الفن والإبداع في أواخر ستينيات القرن الماضي شريطة تجنب التطرق إلى موضوعات سياسية مثيرة للجدل، مثل مذبحة فض اعتصام مؤيدي مرسي عام 2013.

لكن منذ عام 2017، احتكرت شركة مملوكة لأجهزة الأمن الحكومية البث التلفزيوني في مصر من خلال السيطرة على شركات الإنتاج والقنوات التلفزيونية والمنافذ الإخبارية وإقصاء شركات الإنتاج الأخرى عن الساحة الفنية.

ووفقاً لمصادر مطلعة من داخل أروقة هذه الصناعة، بات محتوى حلقات البرامج المختلفة يُرسل مباشرةً إلى مسؤولين أمنيين لمراجعتها. لم يعد رجال الشرطة الفاسدون والمسيئون يظهرون في الأعمال الفنية وحلَّ محلهم أبطال قوات الشرطة والجيش. مُنع الفنانون المعارضون لهذا النهج الحكومي من العمل في مصر أو تعرضوا لحملات تشهير واتهامات بالتعاطف مع الإخوان المسلمين، كما تقول نيويورك تايمز.

الدراما والمخابرات في خدمة شهبندر التجار “عبد الفتاح السيسى”

قالت جوي شيا، الباحثة في معهد دراسات الشرق الأوسط والمتخصصة في الشؤون المصرية، إنَّ “حقيقة وجود مثل هذه السيطرة المركزية على وسائل الإعلام في مصر تعني قدرة النظام الحالي على التحكّم في المنتجين والممثلين والكُتّاب وكل مرحلة من مراحل الإنتاج من أجل إنتاج القصة التي يريدون إخبارها عن أنفسهم”.

غادر بلال فضل، كاتب السيناريو، القاهرة متوجهاً إلى نيويورك في عام 2014 بعدما أصبح منبوذاً بسبب انتقاداته انتهاكات الأجهزة الأمنية في مصر ويُقدّم الآن حلقات على يوتيوب حول قطاع صناعة الترفيه والإعلام في مصر.

قال فضل ومنتقدون آخرون إنَّ مسؤولين تنفيذيين من شركة الإنتاج التابعة للدولة قد كثفوا في السنوات القليلة الماضية سيطرتهم على قطاع الإنتاج الفني وباتوا يصدرون أوامر بإنتاج قصص معينة ويتدخلون في الخطوط الدرامية للشخصيات.

كان هذا النهج بداية نشأة مسلسل “الاختيار”. اعتمد هذا المسلسل، بمواسمه الثلاثة حتى الآن، على أسلوب المزج البارع بين الحقيقة والخيال المفرط . انتهت الحلقة الأخيرة من الموسم الأول بمشهد تسجيلي حقيقي يعرض اللحظات الأخيرة السابقة لتنفيذ حكم الإعدام بحق إحدى الشخصيات الرئيسية المتهمة بالتورط في سلسلة من الهجمات الإرهابية.

يُصوّر الموسم الثالث من المسلسل، والذي يتناول آخر 96 ساعة في حكم محمد مرسي، الرئيس السابق، وشخصيات أخرى من جماعة الإخوان متآمرين مخادعين. في المقابل، يظهر السيسي في صورة رجل عائلة متواضع قادر على التصرّف بحكمة وهدوء تحت الضغط.

قالت جوي شيا إنَّ “المسلسلات أداة قوية للغاية، فهي دراما تلفزيونية تجذب ملايين المشاهدين”.

حظى مسلسل “الاختيار” بمتابعة كبيرة من الجمهور المصري وحصد إعجاب العديد من المشاهدين، لكنه أثار أيضاً سخرية واسعة النطاق على شبكات التواصل الاجتماعي؛ حيث انتقد المستخدمون ما وصفوه بدعاية مخابراتية مبالغ فيها.

لم تكن نهاية الموسم الثالث لغزاً مشوّقاً بالنسبة إلى المشاهدين الذين عايشوا تلك الأحداث قبل أقل من 10 سنوات. أطاح الجيش بمحمد مرسي وأرسله إلى السجن، ثم توفي مرسي في وقتٍ لاحق في قاعة محكمة بالقاهرة في عام 2019.

لكن الإخوان المسلمين ظلَّوا العدو الأول لحكومة السيسي، حيث يُتّهم المعارضون السياسيون بصلاتهم بجماعة الإخوان المسلمين أو التعاطف معها. ويتعرَّض أي شخص توجه إليه هذه التهمة للفصل من العمل أو الاعتقال والمحاكمة بتهم تتعلّق بـ “الإرهاب”.

هذا ما حدث مع عبد المنعم أبو الفتوح، القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين والمرشح الرئاسي السابق الذي اعتُقل في عام 2018 وأُدين في مارس/آذار بتهمة عقد اجتماعات سرية مع هذه الجماعة.

من جانبه، قرَّر خالد علي، المحامي الحقوقي الموكّل عن عبد المنعم أبو الفتوح، قبول تعليقات الرئيس التي تؤكد صدق كل ما جاء في مسلسل “الاختيار” وأعلن أنَّه تقدم بطلب لإعادة محاكمة موكله بناءً على ظهور أدلة جديدة تثبت أنَّ موكله قد قطع علاقته بجماعة الإخوان المسلمين قبل فترة طويلة من الأحداث التي يُحاكم بسببها.

وبالنسبة للأدلة المشار إليها، فهي 4 مقاطع فيديو مسجلة سراً عرضها مسلسل “الاختيار”.

ويبدو أن أتباع شهبندر التجار “السيسي” لم يخطر ببالهم أن الاحتجاجات قد تكون مستوحاة من التصدي لرجال شرطة قتلة قذرين في الحياة الواقعية. “النظام يرى ما حدث قبل عشر سنوات فشلاً ثقافياً”. 

وسيغطي الجزء الثاني من مسلسل “الاختيار”، مذبحة رابعة العدوية، التي قُتِلَ فيها مئات المتظاهرين من جماعة الإخوان على يد قوات الأمن تحت قيادة السيسي في عام 2013. ووصفت منظمة هيومان رايتس ووتش الحدث بأنه “أحد أكبر عمليات قتل المتظاهرين بالعالم في يومٍ واحد بالتاريخ الحديث”. وصوُّرَ المسلسل من منظور إظهار بطولة الشرطة!

المخابرات المصرية والسينما وتغيير المهنة

تغيرات جوهرية تشهدها أضلاع مثلث القوى الناعمة في مصر (الفن – الرياضة – الإعلام) تشي بإعادة رسم خريطة تلك القوى التي ظلت متنفس الشارع الوحيد للخروج من الكثير من الأزمات التي يواجهها جراء فشل سياسات الأنظمة الحاكمة على مدار عقود طويلة مضت.

أربع ضربات متتالية تلقاها المصريون في أقل من شهر يرجح أن تذهب بهم إلى آفاق جديدة يفقدون خلالها رفاهية الاختيار بين بدائل عدة فيما يتعلق بما يشاهدوه من أعمال درامية أو بطولات كروية، الأمر تجاوز الحاضر والمستقبل إلى الماضي كذلك، فالتراث بكل كنوزه ربما يتسلل من بين أيديهم أيضًا.

احتكار مؤسسة واحدة لإنتاج معظم الأعمال الدرامية تلاها تدشين تطبيق جديد لعرض الأفلام السينمائية والأعمال الفنية كافة على منصات السوشيال ميديا وإغلاق البدائل الأخرى، ثم بعد أقل من يومين على هذه الخطوة يأتي إبرام عقد اتفاق لاحتكار أرشيف التليفزيون المصري لصالح منصة إلكترونية بعينها، ثم حصول ذات المنصة على حقوق البث لمباريات الدوري المحلي المصري.

كلمة السر المحورية في كل هذه التغيرات، تلك المنصة المملوكة لجهاز المخابرات المصرية باتت اليوم الحاكم الناهي، ليس في حاضر أدوات الترفيه للمصريين ومستقبلها وفقط، بل في الماضي الذي كان الملجأ للكثير من الباحثين عن العراقة والأصالة في مواجهة النشاز البصري والسمعي هذه الأيام.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى