منوعات

هل يعقل أن تنجو دون عواقب؟ ماذا يحدث عندما تتخلف الدولة عن سداد ديونها؟

في حال أقرضت صديقك أو أحد أقربائك بعض النقود وتخلف عن سدادها، قد يكون الإلحاح وسيلة جيدة تضمن لك استعادة حقك في النهاية، وقد يتضخم الأمر وتضطر إلى اللجوء لطرف ثالث أو حتى إلى المحكمة إن كان المبلغ كبيراً، لكن ماذا لو تخلفت دولة عن سداد ديونها لدولة أخرى، هل تستطيع أيضاً اللجوء إلى القانون؟

قد يكون “لا” جواباً صادماً، لكن هذه هي الحقيقة، إذ لا يوجد قوانين تلزم الدول على إعادة الأموال التي اقترضتها من دول أخرى.. كما أن تهرب الدول من سداد ديونها أمر شائع عبر التاريخ.

من فرنسا في عام 1558 إلى الأرجنتين في عام 2001، تخلفت مئات الدول عبر التاريخ عن سداد ديونها أو أعادت هيكلتها.

وتباينت الآثار المترتبة على هذه التخلفات، فبعض الدول لم تتأثر على الإطلاق من جراء تخلفها عن سداد ديونها للدول الأخرى، بينما أدى ذلك في دول أخرى إلى انخفاض كبير في الاقتصاد وتأثيرات سلبية عميقة طويلة الأجل لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا.

في هذا المقال، سوف نلقي نظرة على بعض الحالات الشهيرة التي تخلفت فيها الدول عن سداد ديونها، وسنستعرض الأسباب والنتائج، بحسب ما ورد في موقع The Balance الأمريكي.

حقق فيليب الثاني ملك إسبانيا أول تخلف في سداد الديون عام 1557، وتعثرت بلاده عن السداد ثلاث مرات أخرى بسبب التكاليف العسكرية الضخمة وانخفاض قيمة الذهب. فما السبب؟

اتضح أن الملك كان يدفع نحو 50٪ من الفوائد السنوية على قروض جديدة قبل التخلف عن السداد. ومنذ ذلك الحين، تعثرت البلاد 15 مرة بين 1557 و1939 لأسباب مختلفة.

عجزت المكسيك عن سداد ديونها في أعقاب أزمة البيزو في عام 1994.

وتسبب انخفاض قيمة العملة المحلية (البيزو) بنسبة 15٪ مقارنة بالدولار الأمريكي في دفع المستثمرين الأجانب إلى سحب رأس المال بسرعة وبيع الأسهم.

وفي الوقت نفسه، اضطرت الحكومة إلى شراء دولارات أمريكية بالبيزو المنخفض القيمة لسداد الديون الوطنية.

وأُنقذت البلاد في النهاية من خلال قرض بقيمة 80 مليار دولار من عدة دول.

ومن بين الأمثلة الحديثة، لدينا الأرجنتين التي تخلفت عن سداد ديونها في أواخر عام 2001، حيث بلغت قروضها 132 مليار دولار.

وكان هذا المبلغ يمثل سُبع جميع الأموال التي اقترضها العالم الثالث في ذلك الوقت.

كان وضع الأرجنتين تعيساً آنذاك، فإلى جانب عجز الدولة عن سداد ديونها المتراكمة، انتشر الفقر والبطالة بين الناس وانطلقت حملات الشغب في الشوارع، وغرقت البلاد في كساد اقتصادي مريع، وأغلقت البنوك لمنع هروب رؤوس الأموال، ووجد أولئك الذين كانوا يملكون مئات الآلاف من الدولارات في بنوك البلاد أنفسهم مفلسين فجأة.

وبعد فترة من التخبط، أعلن الرئيس الأرجنتيني تعليق سداد ديون البلاد، وقال إنه بدلاً من ذلك سيركز على “التزام الدولة الداخلي مع شعبها”.

بعد ذلك بسنوات قليلة، اختارت الدولة تخفيض قيمة عملتها وتمكنت في نهاية المطاف من الانتعاش مع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو 90٪ على مدى التسع سنوات التي تلت الأزمة المالية، وأعلنت الأرجنتين أنها ستسدد حوالي ثلث الدين فقط، وافق بعض الدائنين على ذلك ورفض بعضهم الآخر، ولا تزال البلاد مدينة بحوالي 16 مليار دولار بفائدة.

في مايو/أيار 2003، امتدت مشكلات الأرجنتين إلى أوروغواي، حيث تخلفت الحكومة عن سداد ديون بقيمة 5.7 مليار دولار.

لكن لجأت  البلاد في النهاية إلى إعادة هيكلة التزامات ديونها مع الدول المقرضة.

في أغسطس/آب 1998، واجهت روسيا عجزاً كبيراً عن سداد 72 مليار دولار، الأمر الذي هز الاقتصاد العالمي بأسره.

بدأت المشكلة عندما عجزت البلاد عن سداد التزامات الخزينة المحلية، وبعد ذلك واجهت مشكلات في سنداتها بالعملات الأجنبية.

لكن، في نهاية المطاف تمت إعادة هيكلة ديون روسيا في السنوات اللاحقة، وتمديد المهل التي أعطتها الدول المقرضة لروسيا.

عادة تكون حالات التخلف عن سداد الديون بالنسبة للبلدان مختلفة تمام الاختلاف عن الشركات أو الأفراد.

وبما أنه لا يوجد أي قانون دولي يلزم الدول المدينة بسداد ديونها إلى المقرضين، قد تلجأ بعض الدول ببساطة إلى رفض سداد الدين، الأمر الذي قد يكون له عواقب وخيمة، أو لا يحدث أي تأثيرات سلبية على الإطلاق على الدولة المدينة.

لكن، في الغالب لا تعلن الدول عن عدم رغبتها بسداد الدين، إنما تواجه في هذه الحالة عدداً من الخيارات:

1 – في كثير من الأحيان، تعيد البلدان ببساطة هيكلة ديونها إما بتمديد تاريخ استحقاق الدين أو خفض قيمة عملتها.

2 – في أعقاب ذلك، تخضع العديد من البلدان لفترة من التقشف القاسية تليها فترة من النمو المستأنف (وأحياناً السريع).

على سبيل المثال، إذا خفضت دولة قيمة عملتها لسداد ديونها، فإن انخفاض قيمة العملة يجعل منتجاتها أرخص بالنسبة للتصدير وهذا يساعد في دعم صناعاتها المحلية، مما يساعد في نهاية المطاف على تنشيط اقتصادها وجعل سداد الديون أسهل.

3 – في النهاية، يقرض المقرضون الدول المدينة حتى تلك البلدان غير الجديرة بالائتمان لأنهم عموماً لا يخسرون كل شيء في نهاية المطاف، كما هو الحال في الأعمال التجارية أو الإفلاس الشخصي .

كانت أيسلندا استثناءً ملحوظاً في عام 2008، عندما سمحت لأكبر بنوكها بالانهيار دون إنقاذه بمساعدة أجنبية.

وفقد أكثر من 50 ألف مواطن مدخرات حياتهم وتزعزع الاقتصاد الدولي، لكن البلاد تعافت بسرعة واستعاد ناتجها المحلي الإجمالي معدل نمو بنسبة 3٪ بحلول عام 2012.

أشار العديد من الاقتصاديين إلى البلاد بوصفها نموذجاً للدول التي استطاعت أن تخلص نفسها من كارثة مالية.

تميل الحكومات إلى التخلف عن السداد لمجموعة متنوعة من الأسباب المختلفة، بدءاً من وجود ارتداد عكسي بسيط في تدفقات رأس المال العالمي ووصولاً إلى ضعف العائدات.

لكن العديد من حالات التخلف عن سداد الديون تنتج عادة عن أزمات مصرفية.

وأظهرت الدراسات أن الدين العام ينمو بنحو الثلثين في السنوات التي تلي الأزمة، في حين قد تؤدي الأزمة في دولة غنية إلى تغيير سريع لتدفقات رأس المال في الدول الفقيرة.

ويتعين على المستثمرين الدوليين وضع هذه النقاط في الحسبان عند تحليل الاستثمارات المحتملة في جميع أنحاء العالم.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى