رياضة

لعنة العنصرية في ملاعب أوروبا.. ستيرلينغ «الضحية المفضلة» يتحول إلى مناضل من أجل الحرية

يبدو أن لعنة العنصرية في ملاعب كرة القدم الأوروبية لن تنتهي نهائياً وبشكل فعال، حيث إن الأمر يظل معقداً رغم الجهود التي يقوم بها الفيفا لمناهضة ذلك الأمر، وكل اتحادات الكرة في كافة البلاد، وكان اللاعب الإنجليزي رحيم ستيرلينغ صاحب الأصول الجامايكية والبشرة السمراء هو أكثر المتضررين من لعنة العنصرية في الفترة الأخيرة، حتى إنه هاجمها أكثر من مرة، ما أدى لتحرك وتصاعد أكثر من قبل الفيفا والمنظمات المناهضة لتلك الأفعال، ليتحول من لاعب بارع إلى مناضل أيضاً من أجل الحرية.

فسمع ستيرلينغ، نجم مانشستر سيتي، الشتائم العنصرية من المشجّعين في ملاعب لندن وليفربول، وسمع كذلك هتافات تُحقّر من شأن اللاعبين ذوي البشرة السوداء في مونتينيغرو وعلى أراضٍ أخرى بأنحاء أوروبا.

لذا لم يكن الأمر مفاجئاً للغاية بالنسبة له ليلة الإثنين 14 أكتوبر/تشرين الأوّل، في ملعب فاسيل ليفسكي الوطني، بالعاصمة البلغارية صوفيا، حيث كان جزءاً من المنتخب الإنجليزي الذي يواجه بلغاريا، إذ كانت هناك مجموعةٌ كبيرة من الرجال البيض يرتدون ملابس سوداء اللون في المدرّجات.

وبمجرّد بدء المباراة، أدى هؤلاء التحيّة النازية، وردَّدوا هتافات مهينة للاعب ستيرلينغ وزملائه السود. وفي خِضمّ النعرة القومية المتصاعدة بأنحاء العالم، وفي رياضة يُلازمها همجيون عنيفون، لم تكن تلك الواقعة سوى أحدث مثال على تحوّل الدعم المُفعَم بالعاطفة إلى كراهية قبيحة. 

وفي هذه المرة، بدأ آخرون يستمعون أيضاً، فعندما أبلغت إدارة منتخب إنجلترا عن تلك الإساءات اتّخذ الحكم خطوة نادرة من نوعها؛ إذ علَّق المباراة وهدَّد بإلغائها تماماً بسبب سوء تصرّف الجمهور.

ومع ذلك، استمرت الصدمة، واستقال رئيس الاتحاد البلغاري لكرة القدم، بناءً على طلب رئيس وزراء البلاد بويكو بوريسوف. وقال جياني إنفانتينو، رئيس الفيفا، وهي الهيئة الدولية الحاكمة لكرة القدم، إنه قد حان وقت طرح «سُبل جديدة أقوى وأكثر فاعلية للقضاء على العنصرية في كرة القدم».

ولولا تأثير ستيرلينغ، لَكان من المشكوك فيه أن تَصدر تلك الإدانة بسرعة أو تنتشر على نحو واسع. فعلى مدار العام الماضي، لم يتألّق المهاجم كأحد أفضل لاعبي كرة القدم في العالم فحسب، بل كان أيضاً أكثر نشطاء كرة القدم فاعلية. وانضم ستيرلينغ إلى صفوف الرياضيين الآخرين ذوي الصيت الواسع عالمياً، ممن يستخدمون منصاتهم الإلكترونية للتحدّث بشأن التمييز والظلم الاجتماعي، لاسيّما كولن كايبرنيك وميغان رابوين.

ولم يكن النضال هو المسار الذي اختاره ستيرلينغ، بل كان المسار الذي خاضه بسبب لون بشرته وطبيعة اللعبة التي يحبّها. فقد قال اللاعب في حديث أجراه مع صحيفة Financial Times البريطانية، في مايو/أيار الماضي: «لم أجد عنصريةً قَطّ في أي وقت خلال حياتي التي قضيتها في إنجلترا سوى في كرة القدم، إن الأمر يتعلّق بشكلٍ صِرف بكرة القدم». 

واستخدم ستيرلينغ الموهبة الرياضية للنهوض من الشدائد، فقد وُلِد في جامايكا في عام 1994، وقُتِل والده رمياً بالرصاص حين كان يبلغ من العمر عامين فحسب. وبعد أربعة أعوام، انتقل إلى المملكة المتحدة للعيش بصحبة والدته نادين وثلاثة إخوة. وعاشت الأسرة في مبنى سكني يقع شمال غربي العاصمة لندن، ولَطالما كان مكانه ساحة للنزاعات العنيفة بين عصابات المخدّرات. ومن حديقته، كان الصبي ستيرلينغ يتمكَّن من رؤية ملعب ويمبلي، موطِن كرة القدم الإنجليزية، ويتخيّل اللعب على أرضِه المقدَّسة.

وتدرَّب ستيرلينغ كلاعب شاب في نادي كوينز بارك رينجرز في لندن، قبل أن ينتقل إلى ليفربول حين بلغ من العمر 15 سنة. وبعد ست سنوات، وقّع فريق مانشستر سيتي معه عقداً مقابل ما يصل إلى 49 مليون جنيه إسترليني (63.63 مليون دولار أمريكي)، وهو مبلغ كان يُعدّ حينها رقماً قياسياً بالنسبة للاعب إنجليزي. وتحت إشراف المدير الفنّي بيب غوارديولا.

برز ستيرلينغ كأحد لاعبي كرة القدم الذين يُحتذى بحذوهم، وصانع ومُحرِز الأهداف. وفي نادي مانشستر سيتي، نال اللاعب لقب نجم الدوري الإنجليزي الممتاز مرّتين، ومع منتخب إنجلترا، وصل إلى نهائيات كأس العالم 2018. تحقق الحلم، ورسم ستيرلينغ على ذراعه وشماً يُصوّر صبياً ينظر إلى قوس ملعب ويمبلي. 

وكان تأثير ستيرلينغ محسوساً خارج الملعب أيضاً، وقد حلَّت به لحظة تحوُّل في ديسمبر/كانون الأوّل الماضي، حين كان يلعب في صفوف مانشستر سيتي ضد نادي تشيلسي، وأظهرته لقطات تلفزيونية وهو ينظر في ذهول لما اعتقد أنه سبّ عنصر هتف به أحد مُشجّعي الفريق الخصم. وفي دعوى قانونية لاحقة، جادل الرجل المعني بأنه نعت ستيرلينغ بلفظ جنسي، ولم يحقِّر من كونه أسودَ، ولكنّه اعتذر قائلاً إنه «خرج عن صوابه من فرط الحماس». 

وتلك المواجهة كانت بمثابة صدمة في بلد يُفترض أنه شهد لاعبين مثل سيريل ريجيس وجون بارنز وإيان رايت، غيروا النظرة التي يُرمق بها للاعبين السود على مر العقود. وأمعن ستيرلينغ التفكير في سبب استمرار مواجهة اللاعبين السود للعداء أكثر من نظرائهم البيض.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى