منوعات

مسرح بلا ستارة وصريخ أطفال طغى على صوت الممثلين! هل فشلت التجربة المسرحية الأولى للمصريين في إسطنبول؟

تجربة أولى لفنانين مصريين هاربين من بطشِ نظامٍ ظالم، قرَّروا بكل أدواتهم المسرحية استخدام العمل كأداةٍ من أدوات قهرِ ظلمهم، لكنَّهم قهروا ساعات جلوسنا الثلاث في قاعة المسرح، وهنا يجب الإقرار بأنَّ سوء العرض واقع على طرفين:

أولاً الجمهور: الذي لم يحضر ولم يشاهد ولم يتعامل مع مسرح من قبل، وكانت تجربة «الحرافيش» هي تجربته الأولى. «يا سيدي اذكر اللي خلقك»، هل هناك من يُحضر أطفالَه الرُّضع إلى مسرحية، أو يصطحب أطفالاً للعب داخل قاعة المسرح في أثناء العرض! لو فعلها أحدُهم أمام ثُلة من هواة المسرح لقطع الهواةُ رؤوسهم كما يفعل الدواعش.

الطرف الثاني -وهو الأهم- صناع العمل: وهؤلاء لهم ما لهم وعليهم ما عليهم.. وهنا تبدأ القصة.
تُعتبر هذه أول فرقة مسرحية عربية تكوَّنت في إسطنبول، وتعرض على مسرح في المدينة نفسها، ورواية «الحرافيش» لنجيب محفوظ هي باكورة أعمالها. 
لكنَّ سقف التوقعات وعمل المقارنات أحبط الكثيرين. 

مبدئياً أنصحُ عشَّاق المسرح في إسطنبول عند الذهاب لهذه المسرحية بنسيان فكرة المتعة أثناء مشاهدتها، لكن أقترح عليهم حضورها لينصحوا فريق العمل بعدم تكرار الأخطاء التي حدثت:

بمعنى أن رواية «الحرافيش» اللي أُعجب بها الكاتب والمخرج حسام الغمري، واستطاع أن يقنع الأخوين زين أن يكونا منتجَي العرض، واستطاعوا التعاقد مع ثلاثة محترفين، وبقيتهم ممثلون مبتدئون هواة، ولأن الإمكانات بسيطة استأجروا قاعة عرض سينما، وليس خشبة مسرح، فضاعت منهم إمكانية تغيير الديكور، وهنا أظن أن مهندسة الديكور قامت بتصميم ديكور المسرحية دون أن تكون موجودة على نفس الخشبة، كذلك كانت مهمة مهندس الصوت صعبة لإخراج صوت محترم يليق بهواة مشاهدة المسرح الموجودين، لو افترضنا وجود مهندس صوت، في ظل إخفاق مدير الإضاءة في إدارة ميكسر الإنارة بشكل جيد.

– العنصر النسائي في العمل كان ضعيفاً وباهتاً بلا طعم ولا رائحة، سواء من ناحية التمثيل والأداء أو حتى الحضور والتفاعل مع النصّ، وبالتأكيد كل الحاضرين لاحظوا غياب الممثلات المصريات، والحضور كان للتونسيات والسوريات، وكأنهم يطبقون المثل الشعبي «بنات بلدنا مينفعش تتكشف على غريب»!

– الفرقة الاستعراضية كانت بحاجة إلى تعلُّم كيفية الرقص على خشبة مسرح، وكيف يكون أداء الجميع على نفس الحركة والتفاعل، الفرقة كان بها راقص وحيد، والباقون كانوا متأخرين عنه، ويقومون فقط بتقليده أثناء العرض.

– عندما تُقرِّر تصويرَ المسرحية التي تُقدمها، فعلى المنتج عمل عرض خاص، وحينها تكون الكاميرات وراء الجمهور، وليست أمامه كما حدث، لا أحد يسجل ويصور بروفة مسرحية ويقوم بإحضار جمهور للمسرح!

– إعدادت وشروط الصوت والإضاءة من البديهيات، ولا تقبل الخطأ، فكيف بعرض مسرحي يتخلله كل مدة صفارة مايك تخرق آذان الجمهور، هذا كفر بالمسرح.

– كيف نسِيَ فريق الإنتاج عمل مكساج للمسرحية في المونتاج، وعمل دوبلاج بأصوات الممثلين، في الوقت الذي كان ينقطع صوتهم!

– في ظروف هذه المسرحية، والمكان الذي عُرضت فيه من دون ستارة، أو إمكانات، ربما كان من الصعب تغيير الديكور بين المَشاهد المختلفة، أو ربما كانت هناك رغبة لتوفير التكاليف، لكن فكرة الديكور في وضع بيت داخل قهوة لم تكن منطقية بالمرة، كان من الواجب بدلاً من كل ذلك خلق أجواء خاصة بكل مكان.

– فكرة المباشرة في الإسقاطات «لإيفيهات» كوميدية سياسية استُلهكت كثيراً على السوشيال ميديا كانت سخيفة للغاية، كان الواجب الالتزام بزمن رواية الحرافيش ونجيب محفوظ، والابتعاد عن سخافة  ذكر الجمل الكوميدية التي قِيلت على لسان السيسي، أو ربما خاف المخرج حسام الغمري ألا يفهم الجمهور قصة المسرحية

 وبعيداً عن هذه النقاط السلبية التي أحبطت الحاضرين وهواة المسرح، الذي كانوا يتوقعون أداءً أفضل من هذا بكثير في التجربة المسرحية الأولى للمصريين في إسطنبول، هناك بعض الأمور الملاحظة على الجانب الآخر الإيجابي، وجب علينا ذكرها:

– بعض الممثلين فعلاً تفوّقوا على كل هذه الظروف، ونجحوا في جعلنا نندمج ولو قليلاً مع العرض، وسط ضوضاء أطفال المسرح.

– بعيداً عن رَتابة الجمل وتوقُّعها، والمعالجة الدرامية البسيطة للنص «إيفيهات» الفنان محمد شومان الارتجالية كانت جيدة جداً.

كذلك أودُّ تحية حسام الغمري والأخوين زين على هذه التجربة الأولى الجديدة، وكذلك محمد شومان وهشام عبدالله، النجمان الكبيران اللذان تنافسا على خشبة المسرح، وكانا أصحاب الأداء الأفضل، ولا ننسى أيمن الباجوري ومحمود إسماعيل والباقين.

وفي النهاية أياً كان رضانا عن هذه التجربة المسرحية الأولى للمصريين في إسطنبول، فيجب أن نصفق لاجتهاد القائمين عليها، ولمحاولتهم إخراج عرض مسرحي متوسط، أياً كانت نتيجة هذا الاجتهاد،  لكن هذه الأعمال يجب أن تتكرر وتستمر، حتى نصل لمستوى أفضل من حيث الأداء والإنتاج. 

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى