سيدتي

يستغلون صراخ أبنائكم لكسب المال.. أيها الآباء احذروا مراكز تعديل السلوك للأطفال

ابني عنيد ومش بيسمع كلامي؛ تفتكري محتاج يروح لجلسات مراكز تعديل السلوك للأطفال؟

بنتي بتزن كتير ومش ملاحقة على طلباتها؛ يا ترى أبدألها جلسات تعديل السلوك للأطفال؟

ابني عصبي..

بنتي بتعيط كتير..

ابني مش راضي يذاكر..

هكذا تأتيني الأسئلة والتعليقات من
كثير من الآباء الحريصين على أولادهم، والقلقين على سلوكياتهم وبناء شخصياتهم؛
والراغبين في بدء جلسات تعديل السلوك لأبنائهم.

وفي الأغلب الأعم مما قابلته على
مدار تسع سنوات -وهي مدة عملي في مجال التربية- كنت أرد قائلة: (يافندم ابن/ بنت
حضرتك مش محتاجين جلسات تعديل سلوك، انتو فقط محتاجين تتعلّموا أساليب مختلفة
وصحية للتعامل معاهم)

هي مراكز مخصصة لعلاج الاضطرابات
السلوكية والعقلية لدى الأطفال؛ مثل التوحد، الإعاقة العقلية، الشلل الدماغي،
اضطرابات الكلام، صعوبات التعلم، اضطرابات الذاكرة، العنف الاجتماعي المبالغ فيه،
وغيرهم…

نشأت هذه المراكز لعلاج الاضطرابات
الخارجة عن المألوف في تعاملات الطفل اليومية، والتي يدخل فيها أحيانا عوامل
مرتبطة بتأخر النمو العقلي أو النفسي للطفل؛ والذي لا يستطيع التعامل معه سوى
متخصص دارس لعلم النفس بفروعه المختلفة.

وبالتالي فتلك ليست وظيفة الآباء ولا
من تخصصاتهم.

ولكن ما حدث في السنوات الأخيرة في كثير من دول الوطن العربي، هو توسُّع غير مبرر لخدمات تلك المراكز؛ حتى أصبحت تشمل كل ما يتعلق بـ «تقويم» سلوك الطفل، وتعليمه وتنشئته وتكوين شخصيته.

أو بمعنى آخر، أصبحت تلك المراكز هي
المُربي البديل للأب/ الأم.

في عام 1948 أعلن عالم النفس
الأمريكي (ب. ف. سكينر) لأول مرة عن نظريته «السلوكية» في علم النفس. ومنذ ذلك الحين
يتم استخدامها في العديد من المراكز والعيادات المعنية بعلاج سلوكيات وأفعال غير
مرغوب فيها لدى البالغين والأطفال أيضا.

(تعديل السلوك) يعني مساعدة الشخص
على وقف سلوك غير مرغوب فيه (ويسمى التعزيز السلبيNegative
Reinforcement )، أو اكتساب سلوك أو
مهارة هامة تنقصه (ويسمى تعزيز إيجابيPositive
Reinforcement ).

وبذلك التعريف نجد أن تعديل السلوك
هو محور وأساس تربية أي طفل؛ فتربية الطفل ما بين سلوك يتعلمه، وسلوك آخر يوقفه
ويتخلى عنه. وهذا هو دور الأب والأم مع أبنائهم.

مركز تعديل السلوك للأطفال يهدف إلى
تغيير سلوك الفرد غير القادر على فعل ذلك بنفسه أو بمساعدة أبويه «في حالة
الأطفال»، بسبب عوائق عقلية أو نفسية أو سلوكية خاصة لدى الطفل أو الفرد.

أي أن دور مركز تعديل السلوك للأطفال
أو أخصائي تعديل السلوك هو العلاج، وليس التربية.

ولكن ما حدث عندما تغيّر شكل التربية
في مجتمعاتنا العربية في السنوات الأخيرة. أن أصبح الكثير ينادون بوقف الأساليب
العقابية والتي تشكل إساءات لحقوق الطفل وتشكل خطرا على صحته النفسية.

وحيث أن الأجيال السابقة لجيل الآباء
الحالي، كانوا يعتمدون في التربية بشكل أساسي على الضرب والصراخ والتهديد والعقاب
وما شابه. فأصبح الكثير من الآباء الحاليين في حيرة من أمرهم حول ما يصلح من
أساليب تربوية وما لا يصلح مع الطفل، ما يجب عليهم عمله وما لا يجب.

وأمام هذه الحيرة بدأت (مراكز تعديل
السلوك للأطفال) تتحول لتجارة تهدف للتربح في الكثير من الأحيان على حساب مصلحة
الأهل والطفل. وبدأ تقدم خدماتها كبديل لدور الأب والأم في التربية.

أصبحت تشمل تلك المراكز، حل مشكلات
عناد الأطفال «الطبيعي»، وتشتتهم «المناسب لعمرهم»، وفقدانهم
الحافز الذاتي، وتكاسلهم عن تحمل بعض المسؤوليات، كثرة البكاء، والإلحاح في
الطلبات، وغيرها من السلوكيات الطبيعي جدا جدا أن يمر بها جميع الأطفال في أعمار
مختلفة.

والتي يذهب بعضها بانتهاء مرحلة
عمرية معينة، ويحتاج البعض الآخر لاستخدام أساليب فعاّلة في التربية من الأب
والأم. ولا تحتاج معظم تلك المشكلات لأخصائيين نفسيين ولا سلوكيين.

وفي ظل خوف الآباء على نفسيات
أبنائهم، وحرصهم على تقديم الأفضل لهم ولبناء شخصياتهم؛ أصبح تداول هذه الخدمات
وتعريض الطفل لها من أسرع الحلول التي تتبادر لذهن الأم والأب حاليا.

ماذا يحدث عندما أرسل ابني/ بنتي
لمركز تعديل سلوك، والمشكلة الحقيقية في أسلوب التربية وليس الطفل؟

حسنا عالم الأطفال هو عالم «على
بساطته» كبير وواسع ومليء بالتحديات والضغوط. ولا أقصد هنا تحديات في تعاملنا
نحن معهم، ولكن تحديات تواجههم هم في الحياة، وضغوطا تشكل ثقلا على نفسياتهم
الصغيرة.

فمشاكلهم مع أصدقائهم تحديات بالنسبة
لهم، وعدم حصولهم على كل ما يتمنوه هو ضغط يواجهونه، ومحاولة تقنين وقت الشاشات
الذي أصبح جزء من عالمهم الحالي هو تحدي أمامهم، ومقاومتهم لإغراء الاستهلاكية
المادية في كل ما يحيط بيهم هو ضغوط كبيرة عليهم. هذا بجانب ما يمرون به من تقلبات
نفسية وتغيرات مزاجية نتيجة انتقالهم بين مراحل عمرية مختلفة يتسم كل منها بخصائص
مختلفة، ونمو جديد عليهم.

بالإضافة إلى المذاكرة والواجبات
المدرسية والدروس والدورات لتعلم ما يلزمهم من مهارات يواجهون بها العصر الحالي.

فلا ينقص تلك الكائنات الرقيقة أن
نزيد الضغوط عليهم بتعريضهم لجلسات تعديل السلوك، يتم فيها الالتزام بتقنيات
معينة، واتباع جداول محددة، ومراقبة، وتقييم لسلوكياتهم وتصرفاتهم … إلخ.

هذا حقا يشكّل عبئا كبيرا على نفس
الطفل وطاقته.

سأذكر مثالا واحدا فقط تكرر معي مرات
عديدة، ويتكرر كثيرا مع غيري من أخصائيو التربية.

جاءتني أم لطفل ذو عشرة سنوات تشتكي
من تحوّل سلوكيات هذا الطفل من الطاعة إلى العصيان والتمرد. وعدم رغبته في القيام
بكثير من الأعمال التي كان يقوم بها سابقا. وحاولت الأم التحدث معه كثيرا، والضغط
عليه، وترغيبه بالمكافئات، وتهديده بالحرمان من بعض المميزات؛ دون فائدة.

وبعد حديث قصير جدا مع الأم التي
جاءت لي طالبة استشارات نفسية لطفلها، أخبرتها أن طفلها لا يحتاج شيئا إنما هي من
تحتاج أن تتعلم أساليب أصح نفسيا وأكثر فاعلية في التعامل مع الطفل.

وأذكر جيدا تشككها في نتائج ما أقول،
وإحباطها من ابنها، ولكنها بدأت بالفعل دراسة كورس تربوي متخصص أقدمه للآباء، قائم
على أساليب وأدوات التربية الإيجابية.

(أ. يسرا شكرا جزيلا ليكي إنك أنقذتي ابني من فخ جلسات تعديل السلوك. ابني دلوقتي بقت علاقتي بيه أحسن كتير، وفهمت امتى أسيبه براحته وامتى أتدخل في سلوكياته. والجو في البيت بقى هادي وهو بقى مستجيب جدا لكتير من الأعمال اللي كان وقفها بالفعل قبل الكورس. بجد الكورس ده غيرلي حياتي وحفضل أدعيلك عليه طول عمري).

وهذا المثال تكرر، ويتكرر كثيرا جدا.
نحن لسنا بصدد التسويق لشيء ما، ولكن دعونا نعترف أن مجتمعاتنا تفتقد الكثير من
الأسس الصحيحة الآدمية في التعاملات بشكل عام. وانتشار الأمراض والاضطرابات
النفسية بين أبناء جيلنا أكبر دليل على وجود خلل متأصل في الأفكار والعادات التي
نشأ الكثير منّا عليها. والتي لم تعد تصلح للتطبيق مع أبناء هذا الجيل. بالإضافة
لأضرارها النفسية والسلوكية الكبيرة.

وأصبح من الضرورة الآن أن تتعلّم كل
أسرة عن التربية الصحية السليمة، وعن الأساليب الصحيحة الفعالة في التعامل مع
الأبناء.

وأن يقوم أحد الأبوين «على
الأقل» بدراسة بعض الكورسات التربوية الحديثة لاستخدامها في تربية وتنشئة
الأبناء بشكل سليم وفعّال.

وإذا حدث هذا بالفعل، فتأكدوا أن
الكثير جدا من سلوكيات الأبناء غير المرغوب فيها، سوف تختفي بالتدريج ويحل محلها
علاقات قوية بين الأبناء وبين الأهل، وصحة نفسية قوية داخل بيوتنا وأسرنا.

لا أقول أنه لا فائدة لمراكز تعديل
السلوك، وإنما أقول أن استخدامها الحالي هو مبالغ فيه وضار بالأبناء. وأنه يجب أن
تسبق هذه الخطوة، بعض الدراسة والتعلم من قِبَل الأبوين أو أحدهما لأساليب التربية
الحديثة والإيجابية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى