تقارير وملفات إضافية

تذكير بممارسات نظام صدام.. الخطف أكثر وسائل قمع التظاهرات شيوعاً في العراق

يتعرض العراقيون في ثورتهم ضد فساد الطبقة الحاكمة لأشكال القمع والعنف كافة بين قتل واعتقالات وتعذيب واغتيالات، وأصبحت صور الشباب المفقود أو المختفي تزين جدران ساحات التظاهر جنباً إلى جنب مع لافتات مطالب إسقاط النظام، وهو ما ذكّر الكثيرين بعهد آخر من القمع والوحشية.

صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية نشرت تقريراً رصد حالات الاختفاء بعنوان: «عائلات عراقية تبحث عن متظاهرين فُقدوا خلال حملات القمع».

على الجدران وأعمدة الإنارة في قلب العاصمة العراقية بغداد، توجد صور مُعلَّقة للمفقودين تتنافس فيما بينها على لفت انتباه المارة، إلى جانب لافتات تدعو إلى إسقاط الحكومة.

تناشد الملصقات تقديم أي معلومات عن الشباب الذين اختفوا خلال شهرين من الاحتجاجات المناهضة للحكومة وقمعٍ أمني صدم كثيراً من العراقيين الذين عايشوا سنواتٍ من الحرب والعنف وأَلَفُوهما.

خلَّف القمع قرابة 400 قتيل وترك مزيداً ومزيداً آخرين في قبضة فصائل القوى الأمنية المُفتتة في البلاد، بالنسبة للبعض، ذكَّرهم هذا بعهد صدام حسين، حين كان المعارضون يُقمَعون بلا رحمة، لكن تحت حكم القيادة العراقية المنقسمة اليوم، أدى استخدام القوة إلى زيادة قوة المعارضة.

شباب يصنعون التاريخ

قالت أم حسنين، التي فُقِد ابنها البالغ من العمر 16 عاماً منذ يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين غادر منزله متجهاً إلى ساحة التحرير، التي تمثل مركز الاحتجاجات في بغداد: «إنَّني أحمِّل الحكومة المسؤولية، ليس فقط عن مصير ابني، بل مصير كل الشباب».

وأضافت: «مع أنَّ ابني مفقود وقلبي مفطور، فإنَّني فخورة. سيدخل الشباب التاريخ كمحاربين».

قال رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، رضوخاً للغضب الشعبي، الأسبوع الماضي، إنَّه سيستقيل بعدما قال المرجع الشيعي الأعلى في البلاد، علي السيستاني، إنَّ الوقت حان من أجل تشكيل حكومة جديدة. وقبل ذلك بيوم، كان اعديد من الأشخاص قد قُتِلوا حين أطلقت قوات الأمن العراقية الذخيرة الحية وقنابل الغاز لتفريق المتظاهرين في مدينة الناصرية جنوب البلاد.

وتجعل الطبيعة المفتتة لقوى الأمن العراقية من الصعب تحديد مَن يُوجِّه القمع وأي فرع من الأجهزة الأمنية يقف خلف الإخفاءات.

قال بعض المفقودين الذين أُطلِق سراحهم، إنَّهم كانوا محتجزين في قاعدة عسكرية ببغداد بعد القبض عليهم من الشارع. وهناك أيضاً مجموعة من الميليشيات التي لا تتمتع الحكومة بسيطرة كبيرة عليها، مع أنَّها رسمياً جزء من القوى الأمنية. وبعض هذه الميليشيات له علاقات وثيقة مع إيران.

وقال عبدالمهدي، الذي لا يزال في منصبه رئيساً للوزراء بحكومة تصريف أعمال وقائداً عاماً للقوات المسلحة، إنَّ القوى الأمنية تلقت أوامر بعدم إطلاق النار. وبعد حوادث القتل التي أدت إلى استقالته، صدرت مذكرة توقيف بحق قائد عسكري، ولو أنَّ وزير الدفاع قال الأربعاء الماضي 4 ديسمبر/كانون الأول، إنَّه هو الآخر أصدر أوامر بعدم فتح النار على المحتجين.

وقال مسؤولون عسكريون عراقيون إنَّ القوى الأمنية قضت سنوات في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» والمجموعات المسلحة الأخرى ولم يُدرَّبوا للتعامل مع المحتجين، الذين يُعَد عدد صغير منهم مُسلَّحاً بالمقلاعات وقنابل المولوتوف. وإلى جانب الاستخدام المميت للذخيرة الحية، انتشرت صور لقنابل غاز بحجم عبوات (كانز) المياه الغازية، وقد اخترقت جماجم محتجين.

وصرَّح المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية العميد خالد المهنا، بأنَّ قوات الأمن واجهت استفزازات من بعض المحتجين اضطروا إلى الرد عليها بالقوة. وقال العميد المهنا إنَّ قنابل الغاز المسيل للدموع لم تُوجَّه للمتظاهرين بصورة مباشرة، لكن حتى سقوط حجر على حشد يمكن أن يكون مميتاً.

ورفض أي مقارنة مع زمن صدام حسين، لافتاً إلى أنَّ معظم المحتجين صغار بحيث لا يتذكرون كيف كان زمن صدام، وقال: «في السابق، كان يُقطَع لسان أي شخص يسب النظام»، وتقول العائلات إنَّ هدف الاعتقالات اليوم هو إخافة الآخرين لإسكاتهم.

ومن بين المفقودين شاب يُدعى أحمد إسماعيل يبلغ من العمر 27 عاماً، وقد اختفى من ساحة التحرير يوم 28 أكتوبر/تشرين اﻷول. وبحث أخوه الأكبر محمد إسماعيل في المدينة ومشرحتها قبل أن يُعلِّق ملصقات بأنحاء الساحة تحث أي شخص لديه معلومات على الاتصال به. وعلى أحد هذه الملصقات توجد صورة بالأبيض والأسود لأحمد، بالإضافة إلى رقم هاتف محمد.

وقال محامٍ استعان به محمد للتحقيق، إنَّه اتضح أنَّ أحمد محتجز في قاعدة عسكرية. لكن لا يستطيع التأكد من الجهة التي تحتجز أخاه، وقال: «جرت العادة بأن يكون هناك صدّام واحد. لكن الآن هناك الآلاف».

يواجه القادة السياسيون العراقيون الآن تحدي تشكيل حكومة جديدة يمكنها الاستجابة للضغط الجماهيري دون التخلي عن الامتيازات التي راكموها منذ 2003.

قال علي البياتي، رئيس المفوضية العليا المستقلة لحقوق الإنسان في العراق، والذي تلقى تهديدات بسبب نشره تقديرات لأعداد القتلى: «إذا ما قُضي على الاحتجاجات وعادت الحكومة قوية للغاية، للأسف هناك إشارات على أنَّها ستتحول إلى حكومة مستبدة».

وأدَّى استخدام القوة إلى تشديد مطالب المحتجين، التي ركَّزت في البداية على الوظائف والخدمات وإنهاء الفساد والتدخل الخارجي في الحكومة. وبات البعض ينادون الآن بثورة.

وعلى الدوار الموجود بقلب ساحة التحرير، نصب المحتجون مشنقة وهمية تحت شعار: «محكمة الشعب». وتدين الملصقات القادة السياسيين باعتبارهم مجرمين وعملاء لإيران.

ويتخلل تلك الملصقات صور المحتجين الشباب المفقودين. وكثير من الأحياء المحرومة في العاصمة.

وفي حال كان القمع قد فاجأ كثيراً من العراقيين، فإنَّه مألوف للغاية لدى الأقلية السُنّيّة في البلاد، التي تشكل حتى الآن التهديد الرئيسي للنظام الذي يهيمن عليه الشيعة والذي تبلور بعد عام 2003. وشكا السُنُة على مدى سنوات، من الاعتقالات التعسفية من جانب قوات الأمن.

تقود الأغلبية الشيعية الآن الاحتجاجات، التي تجري في بغداد ومحافظات الجنوب ذات الغالبية الشيعية. والخط الفاصل اليوم ليس الهُوية الطائفية، بل الانقسام بين أولئك المنتفعين من النظام السياسي، وغير المنتفعين.

وقامت الحكومة والحركات المسلحة التي تعمل بغطاء من الدولة بتحركات تتجاوز الاحتجازات؛ في مسعى -على ما يبدو- لإسكات المعارضة.

إذ أقدم مسلحون على تحطيم مكاتب عديد من المحطات التلفزيونية التي تغطي التظاهرات. وقطعت الحكومة الإنترنت مراراً. وعلَّقت مفوضية الاتصالات والإعلام، الأسبوع الماضي، رخص عمل 9 محطات تلفزيونية اتهمتها بالتحريض على العنف.

نددت الولايات المتحدة، التي رعت ديمقراطية العراق بعد سقوط صدام، عمليات التعليق. وقالت السفارة الأمريكية في بغداد: «حرية الرأي والتعبير هما ركيزتا المجتمع الديمقراطي».      

وهددت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على المسؤولين العراقيين الذين تثبت مسؤوليتهم عن العنف ضد المحتجين، ومما يضاعف التحدي أمام السياسيين الباحثين عن بديلٍ لعبدالمهدي وجود تنافس على النفوذ في البلاد.

إذ تدخَّلت إيران لتدعم حكومة عبدالمهدي الشهر الماضي (نوفمبر/تشرين الثاني). ويمارس المسؤولون الإيرانيون نفوذاً على بعض السياسيين العراقيين وأجزاء من الأجهزة الأمنية، وضمن ذلك الميليشيات.

وتقول الولايات المتحدة إنَّ قائد الجناح الخارجي لقوات الحرس الثوري الإسلامي في إيران، قاسم سليماني، كان ببغداد للتدخل في السياسة العراقية. وتقول إيران إنَّ الولايات المتحدة وإسرائيل تثيران الاحتجاجات.

وواجهت الحكومة الإيرانية اندلاع الاحتجاجات لديها هي نفسها، وتعاملت معها بقطع الإنترنت وقتل أكثر من 200 شخص، بحسب منظمة العفو الدولية.

قال رمزي مارديني، وهو زميل بمعهد السلام الأمريكي، إنَّ القيادة العراقية المنقسمة تعجز عن اتخاذ رد مماثل. وأضاف: «أسلوب إيران يتطلب تحركاً موحداً تكون القوات فيه سريعة ودقيقة ووحشية».

ويوم الجمعة 6 ديسمبر/كانون الأول، فتح مسلحون مجهولون النار على المحتجين بمنطقة قرب ساحة التحرير في بغدا وهو ما أسفر عن مقتل 13 شخصاً على الأقل، بينهم شرطيان، وإصابة أكثر من 55 آخرين.

لم يتبنَّ أي طرفٍ مسؤولية الهجوم حتى الآن. وقال متحدث باسم رئيس الوزراء العراقي إن المحتجين أطلقوا النار بعضهم على بعض عقب خلاف. وقال إنَّ المنطقة تحت سيطرة المحتجين، لكنَّ قوات الأمن تراقب الوضع.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى